الأسماء الحسنة
د. نعيم محمد عبد الغني
حثنا الإسلام على اختيار الأسماء الحسنة لأبنائنا؛ حتى لا تسبب أذى نفسيا لمن تسمى بها، وأعطانا الرسول -صلى الله عليه وسلم- من ذلك أقوالا وأفعالا، فأما الأقوال فإنه قال: (خير الأسماء ما حمد وعبد) وأما الأفعال فإنه عليه الصلاة والسلام غير أسماء صحابة كثيرين، منهم من رضي بما سماه رسول الله والقلة القليلة رفضت هذه التسمية، فأبو بكر رضي الله عنه كان اسمه عبد الكعبة، وسمي بعبد الله، وفي البخاري عن ابن المسيب عن أبيه عن جده أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ما اسمك قلت: حزين قال: أنت سهل قلت: لا أغير اسماً سماني به أبي. قال ابن المسيب: فما زالت تلك الحزونة فينا بعد بعد، والحزونة الغيظة.
إن الأسماء الحسنة فيها فأل، والأسماء السيئة فيها شؤم، وفي صلح الحديبية أتى سهيل بن عمر إلى النبي ليمثل قريشا، فقال النبي استبشارا سهل أمرنا، وكان صلح الحديبية المشهور. وقابل سيدنا عمر رجلا فقال له ما اسمك؟ قال: جمرة، قال: من أين؟ قال: من الحرة، قال: أين هي؟ قال بذات لظى، قال سيدنا عمر اذهب فقد احترقت دارك، وهذا من كرامات سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله-.
إن الناس في الجاهلية كانوا يسمون أبناءهم بأسماء قبيحة، فيقلون كلب ومرة وصخر، ويسمون عبيدهم بأسماء حسنة مثل جميل وحسن، وسئلوا عن ذلك فقالوا إنما نسمي أبناءنا لأعدائنا، ونسمي عبيدنا لنا، فالأبناء يقاتلون والأسماء ترهب العدو، والعبيد يخدمون ويكثر تواجدهم في البيوت ومن ثم كان الاختيار الحسن لهذه الأسماء وهذا منطق على أي حال غريب؛ لأن الإسلام حثنا على اختيار الأسماء الحسنة، وإن من العقوق أن يسمي الرجل ابنه باسم سيء؛ فقد جاء رجل إلى سيدنا عمر بن الخطاب يشكوا عقوق ولده له، ولما جمعهما سيدنا عمر بن الخطاب قال الولد يا أمير المؤمنين ما حق الولد على والده، فقال سيدنا عمر أن يستنجب أمه، ويحسن اسمه وأن يحفظه شيئا من القرآن، فقال الولد: يا أمير المؤمنين: إن أبي لم يفعل شيئا من ذلك فأمي سبية مجوسية، واسمي جعلا (الجعل ذكر الخفاش) وأبي لم يعلمني شيئا من القرآن. فقال سيدنا عمر للأب اذهب فقد عققت ولدك قبل أن يعقك.
وفي حياة الرسول العملية نرى أنه -صلى الله عليه وسلم- كان ينزل الناس منازلهم، فيناديهم بألقابهم التي يحبون أن ينادوا بها؛ فيكون لذلك أثره النفسي الحسن، فالنفس مجبولة على الثناء والمدح، والشاعر يقول:
يهوى الثناء مبرز ومقصر
حب الثناء طبيعة الإنسان
فسيدنا علي كان يقول له تارة: علي، وأخرى أبو الحسن، وأحيانا أبا تراب، ففي غزوة خيبر يسأل عنه بكنيته فيقول: "أَيْنَ أَبُو الحَسَنِ"، ويداعبه صلى الله عليه وسلم بعد خروجه من عند الزهراء في وقت القيلولة لينام في المسجد فيقول له: "اجْلِسْ أَبَا تُرَابٍ"؛ تخفيفا له عما قد حدث بينه وبين زوجه السيدة فاطمة الزهراء –رضي الله عنهما؛ حيث أخبرت الزهراء أباها عندما زارها في وقت القليلولة الذي يفترض أن يتواجد فيه الزوج بالبيت فقالت: حدثت بيننا مشاداة ونام في المسجد نوم القيلولة، فذهب إليه مداعبا لأنه نام على تراب المسجد ولم ينم في فراش بيته؛ تخفيفا عما حدث بينه وبين زوجه، أما عند غضبه من سيدنا علي فإنه لا يذكر اسمه إلا لتحديد شخصه فقط كقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ بَنِي هشَامٍ اسْتَأْذَنُوا فِي أَنْ يَنْكِحُوا ابْنَتَهمْ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ، فَلَا آَذَنُ، ثُمَّ لَا آَذَنُ، إِلَّا أَنْ يُرِيَدَ ابنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَيَنْكِحَ ابْنَتَهمْ". فهنا ذكر سيدنا عليا في بداية الحديث باسمه؛ لتحديد شخصية الناكح فحسب، ثم ذكره باسم أبيه عندما خيره بين طلاق ابنته أو النكاح بغيرها؛ غضبا لابنته الزهراء وهذا موقف خاص بها رضي الله عنها ولنا معه وقفة إن شاء الله فيما بعد.
ويحترم المرأة ويناديها بلقبها كأم حارثة الذي استشهد يقول لها:"يَا أُمَّ حَارِثَة إِنَّها جِنَانٌ فٍي الجنَّة، وَإِنَّ ابْنَكَ أَصَابَ الفِرْدَوْسَ الأَعْلَى"؛ حيث إن النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يناد المرأة باسمها؛ وهذه عادة العرب في التوقير، بالإضافة إلى أنه - صلى الله عليه يريد أن يرفع شأنها؛ لتضحيتها بولدها في سبيل الله، ولذلك لم يذكر اسم (حارثة) مكان (ابنك)؛ لأن في نسبة الولد إليها إعلاء لأمومتها؛ فهي تشعر بالسعادة لذلك، بالإضافة إلى انتقال ولدها إلى جنان، وليست جنة واحدة.
إذا فالأسماء الحسنة وإنزال الناس منازلهم مبدأ إسلامي أصيل، ونعمة من الله امتن الله بها على الناس، وقد ذكّر النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار بها في قوله لهم: (ألم يمن الله عليكم بالإيمان وخصكم بالكرامة وسماكم بأحسن الأسماء أنصار الله وأنصار رسوله ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار).