أمتنا ... مازالت أمة الخير
ذُكرت كلمة الخير في كتاب الله الكريم عشرات المرات ، وكذلك جاءت في الأحاديث النبوية العديدة ، حيث يجمع معنى هذه الكلمة الكثير من المفردات التي تتضمن معنى مايعود بالنفع والفائدة على الناس . ولم يقتصر معنى هذه الكلمة المباركة على المساعدات العينية التي تُقدم لشرائح المجتمع التي هي بحاجة ماسة لهذه المساعدات ، وإنما تمتد مآثرهـا إلى رحاب المجتمع الواسعة ، لتشمل ماهو مادي ملموس ، وما هو معنوي ، وما يُقدم باليد ، وما يكون ــ مثلا ــ بالدعاء بظهر الغيب ، وما يكون في دورة توعوية للناس لقضية من القضايا التي تهم المجتمع ، أو فئة معينة من هذا المجتمع . فمساعدة الإنسان لأخيه الإنسان عمل خيري ، أن تدل إنسانا عن موقع مكان ما ... عمل خيري ، أن تقود الأعمى ليقطع الشارع ... عمل خيري ، أن تساعد أحد الناس في حاجة ليحملها ... عمل خيري ، وهكذا نرى أن جميع أعمالنا وأقوالنا إن كانت في مصلحة الآخرين فهي أعمال خيرية ، يُثاب عليها المسلم الذي يؤديهـا عن طيب نفس ، يدفعه حبُّ الخير ، ويحثه إيمانُه بالله وطمعه في الثواب الجزيل يوم لاينفع مال ولا بنون إلا مَن أتى الله بقلب سليم . ولقد أمرنا الله تعالى بفعل الخير ، وحثَّنا على أدائه رسولُه الكريم صلى الله عليه وسلم . إضافة إلى العادات السامية والقيم النبيلة التي تتوارثها الأجيال بدافع المروءة والشهامة ، وبالتالي بدافع حب الخير الذي يتماهى مع فطرة الإنسان السوي ، ولأنه اجتماعي يحب للناس مايحب لنفسه . والمسلم أولى الناس بفضائل هذه الفطرة ، يقول الله تعالى : (وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِين ) ، فمَن آمن بالله وأدَّى مافرض الله عليه ، فإن العمل الخيري يجري على يديه بلا مَنٍّ ولا أذى ، وله عند الله الفوز والفلاح : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) 77 / سورة الحج ، والخير الذي يقدمه المسلم لغيره من الناس يجده عند الله سبحانه وتعالى ، فالخير يبقى ذخرا لصاحبه بعد موته ، ونقف عند بعض الآيات الواردة في هذا الشأن لنعلم مكانة عمل الخير . يقول الله سبحانه وتعالى :
( أولَئِكَ يسَارِعونَ فِي الْخَيْرَاتِ)
(وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ)
( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)
( وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا )
( وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ)
(وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ(.
وفي السُّنَّة الغراء وردت كذلك أحاديث عديدة تحفِّز المسلمين للقيام بالعمل الخيري ومساعدة المحتاجين ، وتدفعهم في هذا المضمار العظيم ، وننقل هنا بعض الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لنرى اهتمام الدين الحنيف بإسعاد المجتمع وإشاعة روح التكافل والتعاون فيه من خلال تفعيل الأعمال الخيرية :
( الإيمان بضع وسبعون شعبة؛ فأفضلها : قول لا إله الا الله، وأدناها أماطة الأذى عن الطريق،
والحياء شعبة من الإيمان) . متفق عليه.
(كل سُلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقة،
تعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو ترفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة،
وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاه صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة ) . متفق عليه.
(المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه، ولا يُسْلِمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته،
ومن فَرَّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فَرَّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة،
ومن ستر مسلماً سترة الله يوم القيامة ) . متفق عليه .
( من مشى في حاجة أخيه كان خيراً له من اعتكاف عشر سنوات ) . متفق عليه .
( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو قال كالصائم لا يفطر
والقائم لا يفتر ) رواه البخاري ومسلم .
( ما مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة )
رواه البخاري .
( من كان له فضل ظهر، فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل زادفليعد به على
من لا زاد له ، فذكر من أصناف المال ما ذكره، حتى رأينا، أنه لا حق لأحد منا في فضل )
رواه مسلم .
( لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة، في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين )
رواه مسلم .
أحاديث واضحات ومعانٍ بيِّنات لاتحتاج إلى شرح ، يفهمها المتعلم ، ويدرك معناها ومغزاها
الأمِّيُّ الذي لايقرأ ولا يكتب ، وإنهـا تحتاج إلى الأخذ بها ، وتفعيل دورها الإيجابي بين أبناء
المجتمع ، والسعيد مَن اختصه الله تبارك وتعالى بهذا الفضل وحببه إليه ، يقول نبيُّنا
صلى الله عليه وسلم : ( إن لله عباداً اختصهم لقضاء حوائج الناس، حببهم للخير وحبب
الخير إليهم، أولئك الناجون من عذاب يوم القيامة ) أخرجه ابن أبي الدنيا.
إن تذكير أبناء المجتمع بضرورة التعامل مع تلك القيم العالية في الأعمال الخيرية إنما هو تذكير بمكانتهم الاجتماعية بين الأمم ، ولعلهم يفوزون بقصب السَّبق إن كانوا من الداعمين للعمل الخيري أو المستفيدين منه . وليروا بإذن الله سحائب رحمة الله تسقي مدنهم وقراهم بالسعادة والطمأنينة والرخاء في واقعهم الذي يعيشونه ، وفي عاقبة أمرهم عند الله تبارك وتعالى .
وحري بالمسلم أن يفسحَ ميدانَه الزاخر بالمآثر والمكرمات ، ويخرج من ضيق الأنانية إلى سعة التسامح الذي أنشأتْه تقوى الله سبحانه وتعالى لنيل الكرامة التي جعلها الله لأهل القيم الإيمانية والعملية ، يقول الله عزَّ وجلَّ : ( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ، إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم ، إنَّ اللهَ عليم خبير ) 13/ الحجرات . والتقوى تجمع جميع الأقوال والأفعال الخيرية والمرضية عند الله تبارك وتعالى ، وبهـا يتجاوز العجز الذي يعرقل مسيرة الخير ، والمسلم يكون صاحبَ فضلٍ وسعيٍ في مجالات التآخي والتَّواد ، وهذه ليست مصطلحات وضعية ، وإنما هي الهدى الذي جاءنا به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ،
وهنا نسأل الله تبارك وتعالى بما سأله نبيُّنا صلى الله عليه وسلم : ( اللهم إني أسألك علما نافعا ، ورزقا طيبا ، وعملا مُتَقَبَلا ) .
وسوم: العدد 1002