أيها المسلم عليك قبل نحر أضحيتك أن تعلم ما يلي
أيها المسلم
عليك قبل نحر أضحيتك أن تعلم ما يلي
محمد شركي
ربما توقع من يقرأ عنوان مقالي أني سأخوض في نصائح تخص عملية النحر كما فعل بعضهم في بعض وسائل الإعلام مما يتعلق بحد الشفرة والذبح والسلخ والأكل .... إلى غير ذلك مما يشغل الناس عن حقيقة عيد النحر، والحقيقة أنني أريد أن أخوض فيما هو أهم من ذلك ، وهو المطلوب ممن يحيي سنة النحر ، ويقف عند حد معرفة أنها تعود إلى حدث رؤية خليل الله إبراهيم عليه السلام في منامه أنه يذبح ولده إسماعيل عليه السلام دون معرفة هذا الخليل ومعرفة الذي خلفه في الخلة وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم القائل : " إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا " . ومعرفة الخليل عليه السلام واجبة شرعا لأننا كمسلمين مطالبون بالتأسي به وبمن كان معه وبالذي خلفه في العقيدة الحنيفية السمحة مصداقا لقوله تعالى : (( قد كان لكم إسوة حسنة في إبراهيم والذين معه ))و قوله مخاطبا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : (( ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين)) ، وقوله أيضا : (( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبيء والذين آمنوا والله ولي المؤمنين )) . ولما كان التأسي لا يتأتى دون معرفة بالإسوة ، فلا بد أن يعرف من ينحر الأضحية تأسيا بإبراهيم عليه السلام ما يلي عن الإسوة :
ـ لم يكن انتماء الخليل عليه السلام عرقيا أو طائفيا كما يزعم اليهود والنصارى مصداقا لقوله تعالى : (( ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين )) فعلى من يدعي التأسي به في النحر أن يكون أولا انتماؤه عقديا وألا يكون عرقيا أو طائفيا ، وألا يكون في اعتقاده مثقال ذرة من شرك لأن الله عز وجل أغنى الشركاء عن الشرك .
ـ حنيفيته وهي حسن تدينه وإحسانه في ذلك من خلال اعتناقه الإسلام مصداقا لقوله تعالى : (( ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا )) . فعلى من يدعي التأسي في النحر به أن يتبع حنيفيته وأن يسلم الوجه لله تعالى ويحسن .
ـ تأسيسه إيمانه وإسلامه على أساس اليقين لا على أساس الظن والتقليد مصداقا لقوله تعالى: (( وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين )). وقد جعله يقينه يناقش قومه في ظنهم وتقليدهم وهم يعبدون الكواكب والنجوم والحجارة والأصنام، فغلب يقينه في عبادة من خلق هذه المخلوقات ظن من كانوا يعبدونها بقوة حجته وبرهانه ودليله العقلي والمنطقي حيث أكد سقوط الألوهية عن الكواكب والنجوم لأفولها لأن غيابها يمنعها من تدبير الكون المحتاج لحضور المدبر في كل وقت وحين ،كما أكد سقوط الألوهية عن الحجارة والأصنام من خلال إثبات عجزها عن النطق والسمع ، وعن رد البأس عن نفسها حينما حطمها ، كما أكد أيضا سقوط الألوهية عن طاغية زمانه الذي زعم أنه يشارك الله عز وجل في القدرة على الإحياء والإماتة فثبت عجزه عن تغيير مسار الشمس ، ومن ثم ثبت عجزه عن الإحياء والإماتة على وجه الحقيقة لا على وجه المجاز كما كان يظن . وعلى من يتاسى به في نحره أن يؤسس اعتقاده على اليقين لا على الظن والتقليد بعيدا عن مظاهر الشرك الصريحة والضمنية كما يحصل مع الذين يدعون الإيمان بالله وحده ولكنهم يسألون الخلق كما يسأل الخالق سبحانه وتعالى أو يتخذونهم زلفى .
ـ ترسيخه يقينه من خلال سؤاله رب العزة عن كيفية إحياء الموتى وكأنه أراد دليلا دامغا على غرار دليل مسار الشمس الذي عجز عن تغييره الطاغية مدعي الإحياء والإماتة ، وقد نقل الوحي عملية ترسيخ اليقين في قوله تعالى : (( وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أو لمن تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي )) وقد اطمأن قلبه وهو يرى عيانا ويقينا لا ظنا عملية الإماتة والإحياء . وعلى المتأسي به أن يلتمس الأدلة التي تطمئن بها القلوب في سفرالكون الفسيح .
ـ ثباته أمام الابتلاء لمعرفة حقيقة ودرجة يقينه الذي أسس عليه اعتقاده حيث ابتلي بكلمات أو أوامر فأتمها وائتمر بها على الوجه المطلوب مصداقا لقوله تعالى : (( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن )) ، ومن تلك الكلمات أو الأوامر مواجهة السلطة السياسية الطاغية في عصره والمتمثلة في حاكم طاغية ادعى القدرة على الإحياء والإماتة،وهو ما لا يقدرعليه سوى رب العزة جل جلاله ،وقد سجل الوحي ذلك في قوله تعالى : (( ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فات بها من المغرب فبهت الذي كفر )) . ومنها مواجهة سلطة الأبوة المنحرفة عن الحق والمستبدة والمتمثلة في والده الذي هدده بالصلب أو الطرد والنفي كما هدده الحاكم الطاغية بالقتل، وقد صور الوحي ذلك في قوله تعالى : (( واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيئا إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عند شيئا يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا )) فيأتي جواب الأبوة المتعصبة المتسلطة كالآتي : (( قال أراغب أنت على آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا )) . ومنها مواجهة سلطة العشيرة الضالة المتمثلة في قومه الذين اقتنعوا بفساد عقيدتهم القائمة على الظن والتقليد لما أقنعهم بذلك ، ولكنهم نكسوا على رؤوسهم ، و أخذتهم العزة بالإثم فألقوا خليل الله في النار انتقاما منه لما فعل بآلهتهم وهي نارنجاه الله منها و كانت من معجزات نبوته . وقد نقل الوحي ذلك أيضا في قوله تعالى : (( وإذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين قالوا أجئتنا بالحق أمن أنت من اللاعبين قال بل ربكم رب السماوات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين)) وقد كانت شهادته عليه السلام شهادة موقن لا شهادة مجرد ظان ظنا لا يغني عن الحق شيئا . ثم يقول الله تعالى بعد ذلك : (( وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم يرجعون قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم قالوا فاتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين )). فعلى من يتأسى به في عبادة النحر أن يثبت أما كل السلط المستبدة الخارجة عن شرع الله عز وجل سواء كانت سلطة حاكم أو سلطة قرابة وعشيرة . ومن الكلمات أو الأوامر التي ابتلي بها خليل الله عليه السلام أيضا ترك أهله وابنه الرضيع إسماعيل عليه السلام بواد غير ذي زرع وهو ما نقله الوحي أيضا في قوله تعالى : (( ربنا أني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم )) وهو ترك شق على الخليل ، ومع ذلك نفذه وهو يكل ما يشعر به لخالقه مصداقا لقوله تعالى على لسان الخليل : (( ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء )) ولقد علم الله عز وجل ما أخفى خليله من آلام بسبب فراق الزوجة والولد في ظروف قاسية وفي بيئة موحشة . وعلى من يتأسى به في عبادة النحر أن يصبر على ترك الأحبة في سبيل الله ومن أجل الحق. ومن الكلمات أو الأوامر أيضا أمر الخليل عليه السلام بنحر ابنه إسماعيل عليه السلام ، وقد نقل ذلك الوحي أيضا في قوله تعالى : (( فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين وإنه من عبادنا المؤمنين )) وفي حوار الخليل مع ابنه ما يؤكد تأسيس عقيدتهما على اليقين لا على الظن والتقليد حيث يتحدث الخليل عليه السلام عما رآه في منامه كيقين لا شك فيه ، ويتحدث عنه ابنه إسماعيل عليه السلام كيقين أيضا لا شك فيه إذ قال لأبيه : (( افعل ما تؤمر )) ولم يقل له " افعل ما رأيت في منامك " لأنه كان على نفس اليقين الذي كان عليه أبوه عليهما السلام. وعلى الذي يتأسى به في عبادة النحر أن يقبل التضحية بمن تقر به العين من أجل دين الله عز وجل .
وبعدما أتم الخليل عليه السلام الكلمات أو الأوامر على الوجه المطلوب منه جعله ربه إماما للناس وإسوة لهم مصداقا لقوله تعالى : (( قال إني جاعلك للناس إماما )) والإمام واجب الائتمام به ، وواجب التأسي به . والسؤال المطروح على كل من يتأسى به في عبادة النحر هو هل المتأسي به يكون كذلك في كل الكلمات والأوامر الإلهية أم أنه يتأسى بالنحر فقط ، وأنه مجرد آكل للحم الأضحية ؟ وأنا أستغرب نصح بعض من يتطفلون على النصح المضحين بكيفية التعامل مع النحر ذبحا وسلخا وأكلا دون الاهتمام أوالاحتفال بمن كان سببا وراء هذا النحر، وما كان عليه من طاعة لله عز وجل.