عفة المال

الشيخ عبدالعزيز رجب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد.

لقد حث الإسلام على العمل والإنتاج وكسب المال وتنميته ، بشرط أن يكون المال من حلال ،ويريد به وجه الله ،ويعف نفسه ومن يعول عن السؤال ، قال تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77] ، وعن عمرو بن العاص – رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: « نعم المال الصالح للمرء الصالح ».أخرجه : ابن حبان والحاكم.

وحارب الإسلام الفقر بكل صوره، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله-  صلى الله عليه وسلم- قال: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ ما كان عن ظهر غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى ». متفق عليه ، وعن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: « إِنَّكَ أنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أغْنِياءَ خَيْرٌ مِنْ أنْ تَذَرَهُمْ عالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ ».متفق عليه

ولأن الله زرع في  النفس البشرية حب المال والرغبة في تحصيله وتنميته ،كما قال سبحانه : ﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾ [ الفجر : 20 ] ، فقد أمر سبحانه بالعفة عن المال الحرام و كسب المال بالطرق الغير مشروعة والمحرمة ، سواء أكان بالغش أو السرقة أو الكذب أو الرشوة أو الربا ..الخ، فلا يقع في المنكرات والمحرمات من أجل  الحصول على المال ، فعن ابن عباس- رضي الله عنهما – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : «و الذى نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوماً ». أخرجه:الطبرانى

والسباق إلى الجنة والنار متوقف على العفة ، كما جاء عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله-  صلى الله عليه وسلم- قال:« عُرِضَ عَلَيَّ أَوَّلُ ثَلاَثَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَأَوَّلُ ثَلاَثَةٍ يَدْخُلُونَ النَّارَ فَأَمَّا أَوَّلُ ثَلاَثَةٍ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ: فَالشهِيدُ وَمَمْلُوكٌ أَحْسَنَ عِبَادةِ رَبِّهِ وَنَصَحَ لِسَيِّدِهِ وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ وَأَمَّا أَوَّلُ ثَلاَثَةِ يَدُخُلُونَ النَّارَ: فَأَمِيرٌ مُسَلَّطٌ وَذُو ثَرْوَةٍ مِنْ مَالٍ لا يؤدي حَقَّ الله فِي مَالِهِ وَفَقِيرٌ فَخُور».أخرجه البيهقي ،والترمزي.

 وجعل من ضمانات الجنة  عفة اليد عن الحرام، فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ- رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: « اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمُ الْجَنَّةَ اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ».أخرجه : ابن حبان، والحاكم

وقد وضع الإسلام وسائل بها تتحقق عفة المال ، منها:

إشباع رغبة النفس من المال الحلال ، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: النبي- صلى الله عليه وسلم-:« إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، كَالَّذِي  يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى» متفق عليه.

والتعفف عن المال الحرام مهما كان جميلاً، فعن حكيم بن حزام- رضي الله عنه-  أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : «اليدُ العُليا خَيْرُ مِنَ اليَدِ السُّفْلى ، وابْدَأ بمنْ تَعُولُ ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ ما كان عنْ ظَهْرِ غِني ، ومَنْ يَسْتعْففْ يُعفُّهُ اللَّه ، ومَنْ يَسْتغْن يُغْنِهِ اللَّه» . أخرجه : البخاري وأحمد.

والقناعة والرضى بالقليل من العطاء، كما قال تعالى : ﴿ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ﴾ [ البقرة :273]،وعن أبي هريرة - رضي الله عنه-  أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال : « لَيس الغِنَي عَن كثْرَةِ العَرضِ ، وَلكِنَّ الغنِيَ غِنَي النَّفسِ» . متفق عليه

والورع عما فيه شبهة الحرام، فعن عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وجد تحت جنبه تمرة من الليل، فأكلها، فلم ينم تلك الليلة. فقال بعض نسائه: يا رسول الله، أَرِقتَ البارحة. قال: «إني وجدت تحت جنبي تمرة، فأكلتها، وكان عندنا تمر من تمر الصدقة، فخشيت أن تكون منه». أخرجه: الحاكم، والبيهقى .

وأخيرا :الدعاء :عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود – رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: « اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى». أخرجه : مسلم وأحمد.

وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

وسوم: 641