بعد هدم منزل عائلته صالحية في الشيخ جراح محمود صالحية: البيت راح لكننا سنظل في القدس شوكة في حلقهم
حسب الناشط المقدسي أسامة برهم، صديق محمود صالحية الذي هدم منزله بعد أيام ثلاثة من التهديد بحرق المنزل على من فيه في حال تمكنت الشرطة الإسرائيلية من اقتحامه لتنفيذ عملية إخلاء العائلة فإن الأخير (محمود صالحية - (من عين كارم -أصلا)) كان جادا تماما في تنفيذ تهديده بحرق نفسه والمنزل على من فيه.
وحسب برهم وغيره فإن ما فعله صالحية وعائلته لا يجب المرور عليه مرور الكرام، بل يجب التوقف عنده والإجابة على أسئلة كثيرة حوله في ضوء أن ما تعرض له المنزل ويمثل خسارة مضاعفة.
وحظيت عملية الهدم التي قامت بها بلدية القدس وشرطتها ووحدات إسرائيلية خاصة بأكبر موجة إدانة وتنديد في الأشهر الستة الماضية من دون أن يترتب على ذلك إي نتيجة فعلية.
أسئلة برسم الإجابة
ومن الأسئلة المتفجرة التي يطرحها مقدسيون: لماذا هدم المنزل بهذه السرعة رغم أن قرار الاحتلال الصادر عن محكمة إسرائيلية كان ينص على إخلاء العائلة وليس فعل الهدم؟ ولماذا غاب النشطاء المقدسيون والمسؤولون الرسميون الذين يفترض أنهم يعملون في مؤسسات فلسطينية مقدسية عن منزل صالحية؟ وماذا خسرت معركة منازل المقدسيين التي يخوضونها يوميا بفقدان منزلي عائلة صالحية والأرض المحيطة بهما؟ وما هي الأسباب الداخلية (فلسطينيا) التي عجلت من نهاية هذا المنزل الذي كان يمكن أن يتحول إلى رمز قوي للصمود والتحدي وبناء حالة نضالية تحتاجها المدينة المحتلة؟
والمفارقة أنه بعد أن هدمت الجرافات الضخمة، يوم الأربعاء الماضي، المنزلين لم تغادر المكان الذي سوي حرفيا بالتراب، بل بقيت الجرافات تعمل إلى حين قدوم شاحنات ضخمة حملت مخلفات المنزلين ونقلتها إلى منطقة بعيدة تحمل اسم «عطيروت».
وبرأي برهم فقد كان ذلك مقصودا، «هم عمليا كانوا يريدون إزالة أي أثر للمنزلين، وهذا كان يعني أن يتم تسوية المكان بالتراب وكأنه لم يكن هناك أي شيئ».
محمود صالحية يقول في حديث خاص لـ»القدس العربي» لقد «هدم المنزل بادعاء المنفعة العامة، وهو قانون يقتضي أن يحصلوا على 20 في المئة من مساحة الأرض التي تبلغ ما مقدارها 6 دونمات، فلماذا فعلوا ذلك؟».
وشدد صالحية في حديثه: «الاحتلال زائل، ونحن باقون، البيت راح لكننا هنا وسنظل في القدس شوكة في حلقهم».
وأضاف: «منذ 25 عاما وأنا أتابع قصة المنزل في المحاكم الإسرائيلية، رفضت أي تعويض بملايين الدولارات، لم أفعل ذلك كما فعل الغير حيث قبضوا الملايين وأضعفوا موقفي في حماية أرضي ومنزل العائلة».
ويؤكد أنه لم ولن يستسلم، فرغم أن الجرافات الاحتلالية حطمت المنزل بكل محتوياته وذهبت أوراق العائلة مع ركام المنزل إلا أنه سيستمر في مسار استعادة أرضه التي تقدر مساحتها بـ6 دونمات.
في تصريحات صالحية هذه إشارة إلى أن جهات مقدسية قبلت تعويضات بملايين الدولارات وغادرت ما تملكه من أرض وعقارات بصمت، وهو أمر أضعف موقفه وجعله يحارب وحيدا من دون أن يجد جهات فلسطينية رسمية تقف إلى جانبه.
وأكدت جهات خاصة أن ملف تنازل البعض مقابل تعويضات يجب أن يفتح في ضوء الحدث المأساوي الذي حصل لمنزل عائلة صالحية ودلالة السيطرة الإسرائيلية على الأراضي في القدس عموما وفي الشيخ جراح خصوصا.
غياب القيادة
الناشط برهم يضيف: «صالحية لم يترك مسؤولا ولا صحافيا ولا ناشطا إلا واتصل بهم، ولم يسمع منهم إلا صمتا مطبقا، كما زود الجميع بأوراق تثبت أن جهات فلسطينية قبلت التعويض على مصادرة الأملاك، وعندما قرر (الطلوع على السطوح) وأقسم انه سيموت لأجل بيته، كان يريد أن يرسل رسائل لجهات كثيرة، فمعركته ليست مع الذي يريد إخلاءه فحسب بل مع من شارك الاحتلال وعاونه وسهل عليهم قرار الإخلاء».
ويؤكد برهم أنه حينما وقف على سطح منزله كان محملا بالرسائل الملغومة للجميع، بدون استثناء، الاحتلال وبلدية القدس كان لها رسالة، لكن جهات فلسطينية كثيرة كانت لها رسائلها أيضا، وتحديدا لمن طلب من المحتل «خلو رجل وتعويضا ماليا وسلم العقار بالمفتاح».
أما الرسائل الأخرى فكانت لكل من سمع نداءات صالحية ولم يكترث لها، وللسلطة الوطنية والصف القيادي الأول منها الذي غاب عن المشهد.
وفي رأي برهم فإن القدس عمليا بين مطرقة الاحتلال وسندان غياب القيادة وأكثر ما يوضح هذه الثنائية هو ما جرى لبيت صالحية.
ويؤكد برهم أن البيت هدم بسرعة قياسية، وهو أمر لم يحدث مع منازل اتهم أصحابها بتنفيذ عمليات فدائية، وعن السبب الذي يقف وراء ذلك يشدد على أن المنزل وصاحبه والقضية التي يمثلها كادت ان تصبح رمزا نضاليا بامتياز، فكان لا بد من مسح المنزل عن بكرة ابيه كي لا يصبح مزارا سياديا فلسطينيا في القدس.
والمنزل يقع جغرافيا في منطقة مجاورة للسفارات والقنصليات والممثليات الدبلوماسية والأجنبية، كما أنه قريب من مركز فحص كورونا المكتظ بالزوار دوما، وهو قريب من فندق شبرد (قصر المفتي المغتصب) وكذلك مقر الشرطة اللوائية ووزارة الداخلية الإسرائيلية والكثير من المواقع الحساسة. وهو ما جعله هدفا للاحتلال الذي عمل بسرعة على إنهاء حالة الاعتصام التي كانت جاهزة وناضجة كي تتطور بالمنزل والأرض المهددة المحيطة به.
وينتقد برهم غياب النشطاء الفلسطينيين غير أن الملفت حضور النشطاء اليهود واليساريين منهم.
ويسخر برهم: لا يتلقى النشطاء اليساريون الإسرائيليون راتبا من منظمة التحرير ومؤسساتها أو من السلطة الوطنية التي لديها موظفون يتقاضون رواتب ولديهم امتيازات، وهو أمر كان يفرض عليهم ضرورة التواجد هناك.
في بلاغة المشهد
الكاتب والمحلل السياسي محمد زكريا قال إن الصورة التي انتشرت عبر وسائل الإعلام المختلفة وتظهر المقدسي محمود صالحية الذي تحدى قرار الإسرائيليين بهدم بيته، مهددا بتفجير نفسه وعائلته وبيته بجرار الغاز إذا اقترب الإسرائيليون من البيت تعتبر صورة تاريخية تعكس وضع الفلسطينيين في اللحظات العصيبة التي نعيشها الآن.
وأضاف: «نحن وجرة الغاز فقط. لقد وصلنا إلى هذه اللحظة. وصل بنا الظلم والقهر وغياب العدالة، وتحول ممثلونا إلى لصوص إلى لحظة انتحارية غريبة. لكنها أبعد ما تكون عن (الانتحار) العادي. فهي إعلان بأن التنور أخذ يغلي ويفور، وأنه سينفجر عما قريب. إنها إعلان بأنه لم يتبق لنا سوى جرة الغاز. لم يتبق لنا إلا أن نتحول إلى جرة غاز كبيرة تنفجر في وجه العالم».
وبرأي محمد فإن المشهد في منتصف الأسبوع الماضي يقول إنه «انتهى كل شيء، انتهت السلطة، انتهت منظمة التحرير، انتهى اتفاق أوسلو، انتهت أوهام التسوية، انتهى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، انتهى الكون كله، ولم يبق إلا أن نقف بركبة ونصف قرب جرة الغاز ونهدد بالانفجار العظيم».
وحسب نشطاء مقدسيين فإن السؤال المهم اليوم هو: هل يتحول «الطلوع على السطح» إلى حالة نضالية ترفض القبول المذل للإجراءات الاحتلالية والتسليم بها على أنها قدر محتوم؟ وهم يؤكدون أن هذا أمر مرتبط بمن يلتقط الشعلة ويكمل مسار خطته عائلة صالحية التي حتى لو هدم منزلها فإن ما يمكن أن يعوض حجم هذه الخسارة هو أن يتحول هذا الحدث إلى حالة نضالية عامة.
وسوم: العدد 965