ضرورة تقوية المناعة الإيمانية من أجل التصدي لكل محاولات استهداف دين وتدين المسلمين
ضرورة تقوية المناعة الإيمانية من أجل التصدي لكل محاولات استهداف دين وتدين المسلمين من طرف جهات عدة بوتيرة غير معهودة أو مسبوقة
من المعلوم أنه بعد كل صحوة دينية إسلامية تنبري جهات عدة يجمعها قاسم مشترك هو إضمار أو إظهار العداء للإسلام للإجهاز على مكتسبات تلك الصحوة بشتى الطرق والأساليب الملتوية والماكرة والخبيثة التي قد لا تتضح خلفياتها إلا بعد مرور وقت طويل .
ومن المعلوم أن الصحوة الإسلامية الحديثة بدأت مباشرة بعد الغزو العسكري الغربي لبلاد الإسلام العربية وغير العربية على حد سواء ، وهو غزو كان هدفه الأول هو محاربة الإسلام من خلال استهداف تدين أهله، فضلا عما وراء ذلك الغزو من مصادرة لخيرات ومقدرات تلك البلاد التي أغناها الله عز وجل من فضله . ولقد كان الغزو العسكري أو احتلال بلاد المسلمين هو الوسيلة الممهدة لغزو فكري يسد مسده حين يرحل عسكره المعلن ويبقى عسكره المضمر دون أن تتوقف أهدافه ،وعلى رأسها محاربة الإسلام ، ومحاولة استئصاله من قلوب أهله ليسهل تطويعهم وإعدادهم لقبول البدائل عنه وهي معدة سلفا في شكل مخططات لها أجندات وتواريخ مضبوطة بحيث تنزل إلى أرض حين يأتي أوانها ، وتتوفر شروط تنزيلها .
وبعد الصحوة الإسلامية التي أخذت شكل مقاومة المحتل الغربي أو بالتعبير الشرعي جهاده ، توالت أشكال من الصحوات لمواجهة مخلفات ذلك الاحتلال المتمثلة في تغلل إيديولوجيات غريبة في البلاد الإسلامية من رأسمالية واشتراكية وعلمانية ...وقد تم التمكين لها تحت شعارات منها تمدين تلك البلاد أو تحضّرها أو الخروج بها من أجواء القرون الوسطى على حد تعبير أصحابها، وهو ما برروا به احتلالهم العسكري، علما بأنهم لو كانوا كما يدعون لنقلوا تطورهم المادي والتكنولوجي بطريقة سلمية ودون غزو أو احتلال إلى بلاد الإسلام عن طريق استثمارات يحكمها منطق المصالح المتبادلة ، وبأساليب فيها عدل وإنصاف .
ومما واجه به أصحاب هذه الإيديولوجيات كل شكل من أشكال الصحوات الإسلامية توكيل أنظمة لتنوب عنهم في ذلك ، وهي أنظمة توزعت بين الولاء لهذه الإيديولوجية أو تلك ، ونشبت بينها صراعات وضعت لها أجندات وتم تمريرها عن طريق مقايضتها ببقاء تلك الأنظمة في مراكز القرار ، وهو ما جعلها تستميت في خوضها على حساب شعوب بلادها التي دفعت ثمنها باهظا ، ولا زالت.
ومباشرة بعد تفكك نظام القطبين العالمي ، وبروز نظام القطب الواحد، حصل انتعاش في الصحوة الإسلامية ، وهو ما جدّد الإجهاز عليها من جديد مخافة انفلات زمام أمور البلاد الإسلامية من أيدي من يعضون عليها بالنواجذ كي لا تضيع مصالحهم مادية ومعنوية . ولقد ناب بعد ذلك عن صراع الإيديولوجيات الوافدة على البلاد الإسلامية صراع مفتعل بين الاتجاهات الإسلامية التي دخل زعماؤها في صراعات بينهم ،الشيء الذي نال من الصحوة الإسلامية ، وفرق صفها وشتت كلمة أهلها ، وهو ما حقق أهداف من يستهدفون الإسلام ، وسهل الوصول إليها بيسر ودون كلفة .
ولقد عمد أعداء الإسلام إلى خلق توجهات في بلادهم محسوبة على الإسلام وما هي منه لمواجهة الصحوة ، ويكفي أن نشير إلى نموذج من تلك التوجهات كمثال ذكرا وليس حصرا ، وهو ما يوجد في فرنسا التي أعلنت عما سمته إسلاما فرنسيا بذريعة حماية رعاياها المسلمين من إسلام لا يخدم مصالحها ، ولا يستجيب لعلمانيتها . وهو نموذج له ما يقابله في كل المجتمعات الغربية على ما بينها من اختلاف في الأساليب التي تنتهي كلها إلى هدف واحد هو التطويع العلماني للإسلام ، وهو ما يعني في نهاية المطاف تعطيله في العقول والنفوس ، وعلى أرض الواقع .
ولقد حدث هذا مباشرة بعد ثورات الربيع العربي التي قدحت زناد صحوة إسلامية عبرت عنها رغبة المسلمين في شتى الأقطار الإسلامية عن رهانهم على الإسلام كحل للخلاص من الهيمنة الغربية ووكلائها في بلادهم . ولم يجد الغرب العلماني بدا من المسارعة لإجهاض تلك الصحوة بالإيعاز إلى وكلائه بوأد تلك الثورات في مهدها، وذلك لقتل ذلك الرهان واجتثاثه من القلوب والعقول على حد سواء ساكتا على ذلك ومؤيدا له بل ومتدخلا فيه بالقوة أيضا .
وموازاة مع الإجهاز على ثورات الربيع العربي التي هي تعبير عن اشتعال جذوة صحوة إسلامية، فرخت في طول بلاد الإسلام وعرضه تيارات مختلفة تحارب تلك الصحوة بأساليب مختلفة وقصدها واحد ، فبدأنا نسمع بمن يطعن في المصادر الإسلامية الموثوقة بغرض التشكيك فيها كما هو الشأن بالنسبة لكتب الحديث الشريف ، وذلك من أجل عزل القرآن الكريم عنها بغرض التفرغ للتشكيك فيه بعد ذلك ، وهو ما حصل بالفعل ، ولا زال كذلك إلى ساعتنا هذه . ولقد سمعنا ممن أوكل إليهم هذا الأمر العجب العجاب مما لم يسمع من قبل ، وهم يسفهون ويشككون في كل فهم سابق للقرآن والحديث ، ويقدمون فهوما بديلة من عندهم وفق ما تمليه أهوائهم تحت شعار تجديد فهمها بل وحتى صحيحه. وتعج اليوم المواقع العنكبوتية المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي الواسعة الانتشار بفيديوهات عبارة عن مقابلات ، وموائد مستديرة ومستطيلة... إلى غير ذلك ، وكلها تغرد نفس اللحن للنيل من المناعة الإيمانية لأهل الإسلام في كل أرجاء المعمور، ومن أجل محاصرة الإسلام عن تعطيل نصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة . ولقد بدأ مؤخرا العزف على وتر تهميش بعض تلك النصوص بذريعة أنها لا تساير مبادىء كونية متعارف عليها دوليا من تسامح وتعايش ، وأنها تدعو إلى الكراهية والعنف والإرهاب... ما إلى ذلك من افتراءات مغرضة لتبرير تهميشها في انتظار تغييبها وتعطيلها كليا بعد ذلك ، وقد يصير من يقول بها متهما ومدانا ومستحقا لعقوبة .
والمؤسف المحزن أو ما يحز في النفس أن ينخرط بعض المحسوبين على الإسلام في هذه المؤامرة المكشوفة ، فيدلون بدلائهم في ما يبيّت له أعداء الإسلام من تآمر عليه إما عن وعي وقصد منهم أو دونهما إذ ما معنى قول قائل منهم ـ لن يزيدنا ذكر اسمه فائدة ـ على سبيل المثال لا الحصر أن في القرآن الكريم ما انتهى أمره في الزمن الماضي ، الشيء الذي يشكك في عالمية رسالة الإسلام إلى قيام الساعة ، ذلك أن فتح باب هذه الذريعة الواهية سيعقبه فتح أبواب ذرائع واهية أخرى ليسهل بذلك تعطيل العديد من نصوص القرآن والسنة تحت طائلة ماضويتها على حد زعم من يزعمون ذلك .
ودون الخوض في تفاصيل ما ذهب إليه قصد هذا القائل أو أخفته نيته التي نكلها لمن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور سبحانه وتعالى ، نقول إن نصوص القرآن والكريم والحديث الشريف خالدة مادامت الحياة فوق سطح هذا المعمور ،ولا يعني البتة أن عدم إدراك البعض مضامينها ومقاصدها طيها لتكون في خبر كان ،علما بأن الله عز وجل قد نسخ منها ما نسخ مما هو معلوم بالتواتر لحكمة أرادها ،وليس لأحد من خلقه أن يركب هواه ليعمل النسخ والتعطيل فيها من أجل تبرير ما يريد تبريره مما يضمر أو يظهر ،وهو أمر مردود عليه .
وفي الأخير نؤكد على ضرورة تقوية المناعة الإيمانية في هذا الظرف بالذات الذي تتكالب فيه أطراف عدة على الإسلام من عدة جبهات ، وذلك من أجل اقتلاعه من قلوب المسلمين الذين نذكرهم بقول الله تعالى : (( إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا )) ، هكذا حصرا وقصرا ، وقد كان قوله تعالى ردا وتعقيبا على من كان قبلنا من الذين قالوا آمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم بحيث لم تترجم أفعالهم أقوالهم . ومما يسبب الارتياب في زماننا هذا ما تقوم به اليوم تلك الأطراف المستهدفة للإسلام والتي سطرت ذلك هدفا أساسيا تروم بلوغه بشتى الطرق والوسائل وقد باتت مكشوفة . ولعله من تقوية المناعة الإيمانية ،ونحن على موعد مع شهر القرآن المبارك أن ننصرف إليه كليا انصراف تدبر عميق ، وننصرف عمّا سواه من فيروسات الارتياب المصنعة هنا وهناك للنيل من مناعتنا الإيمانية عن طريق إضعافها بغرض الإجهاز عليها وعلى ديننا الحنيف ، والله المستعان على ما يكيدون ، وكيد أولئك هو يبور .
وسوم: العدد 975