البحث العلمي في وطننا رهين النهوض به بحسن التمويل وبحسن الظن والثقة في الأساتذة الباحثين
على إثر صدور قرار يسمح بموجبه للأساتذة الباحثين بإجراء مختلف البحوث العلمية على نبتة القنب الهندي المشهورة عندنا باسم " الكيف " أو" الحشيش " من أجل الكشف عما يمكن أن يكون فيها من فوائد طبية ،كان لا بد بهذه المناسبة من أن يثار موضوع البحث العلمي في وطننا ، وهو موضوع لا يحظى بالأهمية اللازمة بالرغم من دوره الكبير في إمكانية نقل هذا الوطن من تصنيف إلى آخر ضمن دول العالم .
و لقد جرت العادة عندنا حين يثار هذا الموضوع ألا يزيد الأمر عن أسف على وضع البحث العلمي عندنا من خلال مقارنة ما يرصد له من تمويل مع ما يرصد له في البلدان المتقدمة أو في تلك التي تطمح إلى اللحاق بها . ومعلوم أنه من المؤشرات الهامة التي تتحكم في ترتيب دول العالم تنمويا هو ما يرصد للبحث العلمي من إمكانيات مادية من أجل جني ثماره .
ولا نريد في هذا المقال اجترار موضوع ضعف ما يرصد في وطننا للبحث العلمي من إمكانيات مادية مقارنة مع ما ترصده له في دول أخرى، بل نريد التنبيه إلى ما يمكن أن نسميه غياب حسن الظن وغياب الثقة في الأساتذة الباحثين عند المسؤولين عندنا ، ولنا دليل واضح على ذلك حيث وجه الأستاذ الباحث السيد الطيبي بنهدة من كلية العلوم بجامعة محمد الأول بمدينة وجدة نداء أو طلبا إلى الجهات المسؤولة عبر موقع وجدة سيتي سنة 2013 من أجل إصدار قرار يسمح بالبحث على نبتة القنب الهندي ، وكان طلبه يومئذ موضوع سخرية وتندر من طرف من لا صلة لهم بالبحث العلمي ، ولا يقدرون قيمته وأهميته
وبعدما توصل البحث العلمي إلى استخلاص أدوية ذات أهمية كبرى لعلاج العديد من الأمراض ومنها مرض السرطان الفتاك في الدول الرائدة في البحث العلمي مثل الولايات المتحدة ،وكندا ،وهولندا ، وفرنسا، والهند، وهي دول قد لا تكون منتجة لهذه النبتة أو قد لا يصل إنتاجها إلى مستوى ما ينتجه المغرب منها إن كانت تنتجها حتى أن بعض الأدوية المستخلصة منها تبلغ كلفة الكيلوغرام الواحد منها مليون دولار أو حوالي مليار سنتيم ، قرر المسؤولون عندنا إصدار قرار السماح بالبحث العلمي على نبتة القنب الهندي ، وثبت أن نداء الأستاذ الباحث السيد بنهدة والذي لم يؤبه به في السابق كان عين الصواب ، وتأكد أن انعدام الثقة في أساتذتنا الباحثين وعدم حسن الظن بهم فوّت على بلادنا فرصة تبوأ مكانة الريادة بين الدول التي استفادت من منافع نبتة لا تعني عندنا مع الأسف الشديد سوى أنها مخدر، وهو ما يعني التعامل السلبي معها أو سوء توظيفها . ويعلم الله وحده كم أتلف الذين يصادرون هذه النبتة ويحرقونها عندما تضبط عند أباطرة ترويج المخدرات من أدوية على درجة عالية من الأهمية لفائدة مرضى يعانون من أمراض خبيثة وفتاكة بالإمكان استخلاصها من هذه النبتة ، وكم أهدروا من ملايير الدولارات؟
إن عدم حمل ما يصدر عن أساتذتنا الباحثين من نداءات على غرار نداء الأستاذ الباحث السيد بنهدة محمل الجد من طرف المسؤولين يعتبر أخطر عرقلة للنهوض بالبحث العلمي في وطننا ، لهذا نأمل ألا تستمر القطيعة بين هؤلاء المسؤولين وبين تلك النداءات الجادة ، وألا يصموا آذانهم عنها، فتكون النتيجة هي تفويت فرص ثمينة على وطننا كي يلحق بركب الدول ذات الباع الطويل في مجال البحث العلمي .
ونأمل أخيرا أن يفكر المسؤولون عندنا في إيجاد آلية فعالة لتنكب كل شكل من أشكال عدم الاكتراث بآراء الأساتذة الباحثين في مختلف التخصصات ، وأن يشجعواعلى ذلك ويحفزوا ،فضلا عن رصد التمويل اللازم للنهوض بالبحث العلمي من أجل نهضة هذا الوطن الحبيب الذي يستحق منا الشيء الكثير لأنه وطن معطاء بلا حدود .
وسوم: العدد 833