العابثون بمصائر البشر: بين فنائهم بالوباء ، وتطهير قلوبهم من الشرّ !
لو خُيّر العتاة العابثون بمصائر البشر، بين فنائهم بالوباء ، وتطهير قلوبهم من الشرّ، لَما اختاروا الثاني ؛ فالمرءُ عدوّ مايَجهل !
أهذه طرفة ؟ لا ! أهي حقيقة نفسية بشرية ؟ ربّما كانت كذلك ، لدى بعض البشر !
أعليها أدلّة توضح ، أنها حقيقة بشرية ، موغلة في بعض نفوس البشر، عبرَ الزمان والمكان ؟
أجل ؛ ثمّة أدلّة كثيرة متنوّعة ، بعضها في واقع الناس ، وبعضها في ثنايا التاريخ البشري ، ممّا بقي من آثار البشر، التي يشهد بها تاريخهم ، وممّا سجّلته كتب التاريخ ، وممّا ذكرته النصوص المقدّسة !
أمّا ما يشهد عليه الواقع ، فكثير، مشاهَد في حياة الناس ، لدى بعض الناس ! ونقف عنده ، وعند مايحتويه ، من شواهد التاريخ والأدب !
فحين يكون بعض الناس ، بين خيارين صعبين ، أو بين نوعين من الهلاك ، فإنه يختار أقربهما إلى نفسه : إلى مزاجه ، وثقافته ، وتربيته..!
وحياة الناس ملأى بالأدلة والشواهد ، على ذلك ، عبر مايحفظونه ويتداولونه ، من أمثال شعرية ونثرية ، بعضها في الحضّ على إيثار القيَم العليا ، على الدنيا ، وبعضها في الركون ، إلى القيَم الدنيا ، المألوفة في حياة الناس !
فما أكثر ما يردّد الناس ، من محفوظهم : المَنيّة ولا الدنيّة ..استقبالُ الموت، خيرٌ من استدباره!
وما أكثرمانسمع ، استشهادات شعرية ، من مثل :
وإذا لم يكن من الموت بدّ فمِن العَجز أن تموتَ جبانا!
كما نسمع : إذا لم يكن إلاّ الأسنّة مَركباً فلا رأيَ للمضطرّ إلاّ ركوبُها !
وواضح أن الأمثلة المتقدّمة ، إنّما هي في مجال تفضيل المُثل العليا ، وبعضها موازنة بين بدائل!
أمّا القيَم المألوفة لدى البشر، فتدلّ عليها تفضيلات الناس ، السائدة في أوساطهم ، ويعبّرون عنها بأقوالهم وأفعالهم ، من مثل : إذا كان عدوّي هذا ، سيحكمني ، ويتحكّم بأمري ، فالموت خيرٌ لي!
أمّا الخيار الثالث ، فقد يختاره العقلاء ، إذا وُجد ، كما اختار أبو فراس الحمداني ، الأسر، مفضّلاً إيّاه ، على الهزيمة ، وعلى الموت ؛ إذ قال :
وقال أصَيحابيْ : الفرارُ أو الرَدى فقلت : هما أمران ، أحلاهما مُرُّ
ولكنني أمضي ، لِما لايَعيبُنى وحسبُك من أمرين ، خيرُهما الأسرُ
ونحسب المفاضلة القائمة ، اليوم ، بين الهلاك بالوباء العالمي ، وتطهير القلوب ، من الشرور التي تمكّنت منها .. نحسب هذه المفاضلة ، تستند إلى عناصر، ترجّح اختيار الهلاك بالوباء ، إذا لم يكن منه بدّ ! ومن هذه العناصر:
الأمل ، في تصنيع علاج للوباء ! وهذا الأمل يستدعي الانتظار، ولو حَمل خَطراً !
الثقة الزائدة بالنفس ، لدى العتاة ، التي بلغت حدّ الكِبْر، والتي تدعوهم إلى المكابرة !
إحسانُ بعضهم ظنّه بنفسه ، وبأنه ذو خلق سام ، وقلب نظيف ، ويعمل لمصلحة دولته ، أو لمصلحة الإنسانية ، وأن سلوكه العابث بمصير بعض البشر، يحمل خيراً كبيراً ، وقد يكون فيه بعض الشرّ، الذي لابدّ منه ، لنجاح مساعيه الحميدة ، التي يُقتل فيها ألوف البشر، ويعانون من الويلات .. فهذا نوع من السياسة !
لهذا ، كله ، يفضّل أكثرهم الوباء ، وما يحمله من أخطار، على إعادة النظر، في قلوبهم وأفعالهم!
وسوم: العدد 868