هل كان طيباً حقاً أم واحداً من رموز الردة الثورية؟!!
أعلنت الرئاسة الفلسطينية على لسان محمود عباس عن وفاة الأخ المناضل الطيب عبد الرحيم،الرجل الذي ولد عام 1944 في قرية عنبتا من قضاء طولكرم ،للشاعر الفلسطيني الشهيد الثائر عبد الرحيم محمود ،صاحب القصيدة الأروع في تاريخ النضال الفلسطيني ( سأحمل روحي على راحتي وألقي بها في مهاوي الردى ) ،الرجل كان واحدا من مؤسسي سلطة أوسلو بكل ظلها الثقيل ، وشغل منصب السفير الفلسطيني في كل من الأردن والصين ويوغسلافيا ومصر، وعمل لاحقا كمسؤول عن شؤون الرئاسة الفلسطينية زمن الراحل عرفات، وأمينا عاما للرئاسة زمن محمود عباس ، كان له كفة ثورية لا يمكن انكارها؛ فهو كان من أوائل الطلبة الفلسطينيين الملتحقين بالكلية العسكرية في جمهورية الصين الشعبية، وانضم الى حركة فتح في 65 وأدار اذاعتها صوت العاصفة ولا حقا مارس نضالا سياسيا في المجلس الوطني الفلسطيني 1977 وانتخب في التسعينيات في المجلس التشريعي الفلسطيني نائبا عن دائرة طول كرم ، لقي الرجل ربه وأفضى الى ما قدمت يداه ، ولكن هذا كله لا يمنع من محاكمة عادلة له كمسؤول فلسطيني في عالم الدنيا على الأقل، تاركين الحساب الثقيل لرب الحساب يوم لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم .
ولأنني لست بصدد كتابة بورتريه حول الرجل، فهذه كتابة لها أهلها ويتقنها بمهارة كاسحة الأخ الكاتب علي سعادة، إلا أن ما أقوم به هو طقوس عادلة بوصفي واحدة من أفراد الشعب الجريح اللاجئ لإجراء محاكمة عادلة لمواقف بعض مسؤوليه، ونحن هنا يا سلطة رام الله في الشتات الفلسطيني لسنا في الدار الآخرة بل في جحيم اللجوء خارج خارطة الوطن، ولهذا بالضبط فإنني لن أمارس المقولة التقليدية المعروفة "اُذكروا محاسن موتاكم"؛ فتمييز موتانا من موتاهم بات صعبًا دونه خرط القتاد! في زمن سمي فيه التنسيق الأمني مع العدو سياسة وطنية!
ولأنه من حقنا أن تقفوا جميعا في محكمتنا العادلة، إذا كان الشعب فعلا يحكم نفسه، ولأن النضال ليس وساما يعطيه من لا يملك حق تقليد الأوسمة الثورية لمن لا يستحق! ولأنه ليس أيضا إقطاعا ثوريا، يورثه أب شهيد لابنه بلا استحقاق، ولأن كنعان كان ابنا لنوح، ولأن ابشع ردة ارتكبت في التاريخ هي ردة ابليس العالم العابد، واستكباره على ربه، ولأن زماننا هو زمن الحَوَل الثوري بامتياز، بحيث مرت طريق القدس من حلب لدى حزب يدعي بالله وصلًا؛ لأنه زمن الردة الثورية الذي صرح فيه الراحل عرفات أننا ذاهبون لركوب السفينة الأمريكية بعد انكسار البندقية عقب اجتياح بيروت في 82، معلنا ابتداء مرحلة التيه الثوري، وشاطبا أهم بند في الميثاق الوطني بكلمتين فرنسيتين (سي كادوك)؛ أي: لاغ، في معرض رده على سؤال عن بند يقول إن الكفاح المسلح هو استراتيجية وليس تكتيكا.
لأجل هذا كله أكتب مقالي الشعبي الطويل هذا، لأتذكر كيف كتب بعض من الثوار القدامى كتابنا الثوري بأيديهم ليشتروا به ثمنا قليلًا، وكيف أصبحوا أصحاب سبت، فهم كما تقول أمي رحمها الله: "عاشروا الكوم (القوم)"، وهم الذين يحفظون تقاسيم البندقية بالحذافير في المخزن وبيت النار، والطلقة طلقة، والرشقي، والأمان والفرضة والشعيرة وموضع التصويب في اسفل منتصف الهدف، فكيف نيشن القوم على الشعب بدلا من الاحتلال؟ هو الحَوَل الثوري ثانية إذن! وماذا كانت الذريعة يا سلطة أوسلو؟!
لا أريد لمقالي هذا أن يكون صنعة صحفية محترفة، بل أريده هكذا على عواهنه وفطرته الثورية، شعبيا بامتياز، مجردا من ألفاظ التبرج الصحفي، بعيدا عن بروتوكول الكياسة اللفظية، وعمودية المصطلحات التي يتطلبها أي مقال، أريده شوارعيا ككل شوارع منافينا الملغومة بأسرار التصفيات الآثمة، أريده مخيماتيا كمخيمات لجوئنا التي جاوزت السبعين عذابا! أريده هكذا بلا رياء ثوري جريئا كالشمس، أُقتحم فيه زقاق تاريخنا حافية القدمين، وأصور الانفجارالذي وقع ويا للمفارقة في مارس أيضا، وتحديدا في 29 مارس 1998 في زقاق بيتونيا، وتحديدا على بعد أمتار من مقر جهاز الامن الوقائي (الشاباك الفلسطيني) بكل حمولته الآثمة، والذي ترأسه آنذاك جبريل الرجوب.
وانتبهوا فأنا لست كاتبة الآن، بل فرد شعبي محتفلا بتجريده من اللقب الصحفي ومروقه على كل قوانينه، إنني محتفلة وأنا أنزع عن صدر الراحل أوسمة قلدتها له سلطة لم ننتخبها! سلطة وصلت الى حدود ممارسة السفاح الأمني مع الاحتلال لتفرض رؤيتها علينا، بل تعاقب كل من حمل السلاح ضد الاحتلال بوصفه خائنا للمصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني!
إنه ما وقع في سني التسعينيات العجاف، انفجار في بيتونيا يعقبه بيان مقتضب للسلطة بأنها لم تتعرف على جثة القتيل، ثم تعطينا الجريمة جرعة جرعة بأن من قتل في الانفجار كان المهندس رقم واحد، والمطلوب رقم واحد للاحتلال الشهيد محيي الدين الشريف، بعدها تنفذ سلطة أوسلو حملة اعتقالات، وتتهم الشهيد عادل عوض الله (لم يكن قد استشهد بعد) بتصفية رفيقه الشريف على خلفية خلاف تنظيمي، لتقتل من بقي من المقاومين اللاحقين عبر تحميلهم وزر من قتلتهم من السابقين!
هذه الرواية الفاضحة التي تكشف عقدة الإسقاط لقابيل على ضحيته، لم يتحرر قائلوها وعلى رأسهم الراحل من قاذورات تاريخ الاغتيالات السياسية والتصفيات في زواريب لبنان، والتي يحفل بها تاريخ فتح بكل تناقضاته، على خلفيات لا علاقة للنضال بها، حيث تتم إلقاء التهم على القتيل ولا يمشي في جنازته أحد! وقد يكون قتل لأنه رأى ما لم ير غيره، واطلع الى سواء جحيم القذارة السياسية التي حفل بها تاريخ فتح زمن التصفيات!
ترأس الراحل -والمفروض أنه رجل سياسة، وليس رجل أمن وقائي- التحقيقات، وادعى أن نتيجتها تلك كانت حصيلة اعترافات أفراد في القسام على رأسهم الأخ غسان عداسي رئيس الكتلة الاسلامية في جامعة بيرزيت! كان المشهد ساخرا تماما كالمعترفين على شاشات النظام السوري الذين يقرؤون نصًّا يُملى عليهم من خلف أعين متورمة باللون الأزرق، جاءت نتائج الطبيب الشرعي ونتائج تحقيقات المقاومة التي اشارت الى أن الشهيد الشريف كان قد اعتقل في مقر الأمن الوقائي، وتعرض لتعذيب شديد بَتروا فيه ساقه وهو حي يُرزق!! وتم إطلاق النار عليه، ومن ثم تم افتعال التفجير!
وشهد عداسي أن جلده سُلخ من عظمه تحت التعذيب، وإنه لم يرضخ لاعتراف كهذا إلا لمَّا هُدد بعرض أخته!! وأن من أشرف مباشرة على تعذيبه هو المدعو الطيب عبد الرحيم الذي شكره نتنياهو على مكافحته الارهاب!! فهل كان الطيب طيبًّا حقًّا أم كان من "أصحاب السبت" الذين مارسوا الردة الثورية تحت ضوء الشمس؟!!!!!
سؤال برسم مَن كان في جبينه ضمير لم يطلق عليه النار، وهم منقرضون بينكم بالمناسبة يا جيش لَحْد الفلسطيني!!!
جريحة فلسطينية غاضبة عليكم!
وسوم: العدد 869