إبراهيم رئيسي: والي فقه الموت؟
كان آية الله العظمى حسين على منتظري (1922 – 2009) بمثابة الخليفة المرجّح للإمام الخميني، قبل أن يحلّ عليه غضب الأخير فيحجره تحت الإقامة الجبرية حتى ساعة وفاته، ويقدّم بديله المرشد الأعلى الراهن علي خامنئي. الإطاحة بالرجل لم تكن لأسباب فقهية تخصّ مبدأ ولاية الفقيه، الذي يجعل من المرشد الأعلى والياً مطلق الصلاحيات، لأنّ منتظري وضع سلسلة أعمال لا تكتفي بشرح المبدأ وتفصيل عناصره ومسوغاته فحسب، بل تستدخله في صلب «فقه الدولة الإسلامية» كعماد ناظم ومحوري.
غضبة الخميني على منتظري نجمت، في الحصيلة، عن اعتراضات الأخير على ما سيُعرف في تاريخ الثورة الإسلامية الإيرانية تحت مسمى «لجنة الموت»؛ المسؤولة، وفق النشطاء الإيرانيين ومنظمة العفو الدولية والأمم المتحدة، عن تصفية وإعدام 5000 معارض، في التقديرات الأدنى، انتموا إلى تيارات إسلامية إصلاحية أو ليبرالية أو يسارية أو علمانية أو إثنية. وكان منتظري، من موقعه عالي التأثير والمكانة، وقربه كذلك من خامنئي، قد اجتمع مع أعضاء تلك اللجنة، سنة 1988، وأسمعهم كلاماً لم يُسرّ خاطرهم حول انتهاك حقوق المواطن الإيراني وقهر الحريات العامة وإراقة الدماء: «في يقيني أنّ الفظائع الأكبر في الجمهورية الإسلامية، والتي سوف يديننا التاريخ عليها، ارتُكبت بأيديكم، وفي المستقبل سوف يصنف التاريخ أسماءكم تحت خانة المجرمين»؛ قال منتظري، مخاطباً حسين علي نيري، مرتضى إشراقي، مصطفى بور محمدي، وإبراهيم رئيسي مساعد المدعي العام يومذاك، و… رئيس إيران المنتخب اليوم!
التسجيل الصوتي للمقابلة سوف يسرّبه، ولكن في سنة 2016، أحمد منتظري نجل آية الله، وسيستحق عليه السجن بتهمة إفشاء أسرار أمنية ومعلومات محظورة التداول. وفي المقابل، كان نجم رئيسي آخذاً في الصعود أعلى فأعلى، ولم تتوقف محطاته عند مناصب قضائية حاسمة وحساسة فقط، بل كان يقترب أكثر فأكثر من حيازة السمات الأمثل لخلافة المرشد الأعلى خامنئي؛ وبات الأخير يرقب سلوكه عن كثب، خاصة في نزوعه إلى البتر والاجتثاث وسفك الدماء بحقّ دعاة الإصلاح أو «هراطقة» إسلام عصري مستنير. والأرجح أنّ خامنئي رأى فيه خير خلف ليس على هذا الصعيد وحده، بل كذلك في مضمار الاستشراس ضدّ رجال الدين الشيعة على اختلاف مراتبهم في الحسينيات على وجه الخصوص، وصولاً بالطبع إلى أيّ فرد من آيات الله يمكن أن يفكر على نحو مختلف عن تيار الوالي الفقيه.
وهكذا، إذا غادر المرء إيران الداخل إلى أكوان النفوذ الإيراني/ الشيعي الخارجية، فإنّ شعوب سوريا والعراق ولبنان واليمن، ثمّ هنا وهناك حيث يمارس «الحرس الثوري» الإيراني هذا المقدار أو ذاك من الهيمنة أو التأثير و»تصدير الثورة»؛ سوف تلقى من الرئيس الإيراني المنتخب أفانين أشدّ هولاً وغلظة وعنفاً وبطشاً ودموية من أيّ رئيس سبقه، ابتداء من علي خامنئي وعلي هاشمي رفسنجاني، وانتهاء عند محمود أحمدي نجاد وحسن روحاني. صحيح، بالطبع، أن سلطات المرشد الأعلى هي العليا، ولكن هاهنا رئيس يحظى في الآن ذاته بسطوة خليفة الوالي الفقيه، وبالتالي لن تكون للصلاحيات حدود، بل سيمارس رئيسي سلطات كلية منفلتة من كلّ عقال، فلا يتوقف عند عائق ولا رادع.
وإذا كان أمثال حسن نصر الله في لبنان وأبو مهدي المهندس في العراق وعبد الملك الحوثي في اليمن دانوا بأقصى السمع والطاعة للولي الفقيه (لأنهم «جزء من الجمهورية الإسلامية الكبرى التي يحكمها صاحب الزمان، ونائبه بالحقّ الوليّ الفقيه» كما عبّر نصر الله في تسجيل صوتي شهير)؛ فإنّ المطلوب من هؤلاء تحت إدارة رئيسي سوف يتجاوز إحناء الهامات امتثالاً وطواعية، وسيكون إزهاق الأرواح «العاصية» معياراً ومقياساً حين يتوجب استنساخ «لجنة الموت» إياها، في لجان عديدة كثيرة عابرة للحدود، كلما وحيثما غضب الرئيس/ الوالي الفقيه!
وسوم: العدد 935