إسرائيل .. الكيان الذي تأبط شراً
لم تجمع دولة في التاريخ من المقابح والشرور مثلما جمعت أميركا وإسرائيل ، وهذا من مفسرات العلاقة الوثيقة بينهما ، ومصدر هذه القبائح والشرور طبيعة نشأتهما بالعدوان والقتل في أرض ليست لهما . أميركا في بلاد الهنود الحمر ، وإسرائيل في بلاد الفلسطينيين . ونترك أميركا ، ونخص إسرائيل بحديثنا . استنزف العرب ساسة وكتابا وشعراء وإعلاميين ومواطنين بسطاء كل الكلمات التي تتحدث عن القبح والشرفي لغتهم لرجم إسرائيل بها ، ودائما تطلع عليهم بحاجتها إلى جديد من هذه الأوصاف ، وأحسب أنسب وصف لها في قبحها وشرها اللذين لا يفارقانها مهما سالمها الآخرون هو الوصف القرآني : " كالكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث . " ( الأعراف : الآية 176) . ظلت سنوات طويلة تشكو من أن العرب يرفضون يدها الممدودة بالسلام ، ولما سالمها بعضهم ، واعترفت لها منظمة التحرير الفلسطينية بسيادتها على 78 % من فلسطين أصرت على أن ال 22 % الباقية أرض متنازع عليها ، فخنعت منظمة التحرير لإصرارها . وزاد عدد العرب المطبعين معها ، ولم تبتعد عن قبحها وشرورها ، بل علا منسوبهما في أقوالها وأفعالها ، وهاجمت لبنان في حربين دمويتين ، وهاجمت غزة في خمس حروب ، وسرعت استيطانها في الضفة ، وقلبت حياة أهلها جحيما يوميا من صنع جيشها ومستوطنيها ، ويقتحم هؤلاء المستوطنون الأقصى خمسة أيام أسبوعيا ، وتحرم شرطتها بين وقت وآخر بعض المقدسيين من الصلاة فيه ، ولا تتوقف عن تغيير معالم محيطه ، والحفريات تحته تمهيدا لهدمه وإقامة الهيكل مكانه ، وللحرم الإبراهيمي في الخليل نصيبه اليومي من انتهاكاتها لحرمته . ومنذ يومين افتتحت جامعة مغربية كنيسا يهوديا جوار مسجدها ، فوصفت شخصية يهودية افتتاحه بمثال على التسامح بين أهل الأديان ، وانتهاكات إسرائيل للمسجد الأقصى وللحرم الإبراهيمي تستثنيهما من هذا التسامح الذي لا يجب أن يحظى به إلا اليهود . إسرائيل ولدت بالعدوان ، ورسخ في نفسية ساستها وعسكرييها وسائر مستوطنيها أنها لا بقاء لها إلا بالعدوان وكل مسلكيات القبح والشر . إنها كيان تأبط شرا ، ولا رجاء في مهادنته ومسالمته ، وانتخاباته الأخيرة أكدت وعمقت ووضحت هذه الحقيقة . فاز فيها نتنياهو وكل المتطرفين ، وأبرزهم وأشرسهم بن غفير الذي ينوي أن يرسل فلسطينيي الداخل إلى دمشق ، ونتنياهو هدد بالتحلل من اتفاق الغاز مع لبنان الذي أنجز بوساطة أميركية ، وأكثره لمصلحة إسرائيل ، وقد ينفذ تهديده ، وتستجيب له أميركا مثلما استجابت له في رئاسة ترامب بالانسحاب في 2018 من الاتفاق النووي مع إيران . ونواياه نحو إيران عدوانية متحفزة ، ففي مقابلة مع القناة الثانية عشرة للتلفزيون الإسرائيلي كشف الوزير السابق تساحي هنقبي نية الحكومة الإسرائيلية الجديدة مهاجمة مفاعلات إيران النووية خوفا من نجاحها القريب في إنتاج قنبلة نووية تراها إسرائيل تهديدا لوجودها . كل ما تقوله وتفعله إسرائيل موصول بالحرب ، ولا تجنح للسلام أبدا ، وكلما كثر مسالموها في المنطقة كثرت عدوانيتها وإشاعتها لأجواء الخطر والحرب . إنها حقا مثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث . وهذه الخصيصة المرضية المتغلغلة في كيانها ستدمرها ذاتيا ، فما من دولة تستطيع البقاء في أجواء خطر وحرب لا تنتهي ، وانسجاما مع هذه البديهية ليس مفاجئا ما جاء في استطلاع رأي لمستوطني إسرائيل بثته القناة الثانية عشرة ، وبين أن ثلث الشبان ينفرون من الالتحاق بالجيش ، وثلثهم يتوقع زوالها بعد 25 عاما ، وثلثهم يجهل اسم قاتل رئيس الوزراء رابين ، وهو جهل مصدره قلة الاهتمام بالحال العام . ونلقي نظرة على طرد رئيس الأركان عفيف كوخافي ضابطة وجنود حاجز شعفاط الذين أخفقوا في مواجهة عدي التميمي حين هاجمهم ، وفر بعضهم أثناء الهجوم. هذا الطرد من الجيش يكشف الغضب واليأس من الجنود الإسرائيليين الذين لا شبيه لهم في جبنهم وسرعة هلعهم لحظة أي هجوم ولو كان فرديا ، ولا يقلل جبنهم وسرعة هلعهم كل ما يوفر لهم من أدوات الحماية والأمان أينما تحركوا ، ولا مثيل لهذه الأدوات حتى في الجيش الأميركي . جنود من هذه النوعية لا أمل في صمودهم متى واجهوا قوة تعادل نصف قوتهم عدة وعتادا . وله مدلوله أن يهزموا أمام حزب الله ، وأن يردعوا في غزة ، وأن يتوجعوا من مقاومة الضفة المسلحة على قلتها وبساطة أسلحتها ، ومن ثم فمواصلة الحروب اعتمادا على مثل هؤلاء الجنود مراهنة خاسرة . وإذا ركب نتنياهو رأسه وهاجم إيران فسيفتح على كيانه أبواب جهنم ، ومن تأبط شرا ابتلاه الله بشر يقضي عليه ، وهذا هو مآل إسرائيل الحتمي ، وكل أقوالها وأفعالها تؤكد أنها لا مآل لها سواه . ورحم الله هواري بومدين الذي قال ما معناه " كل حروب إسرائيل لن تنفعها . " ، أي لن تبقيها حية .
وسوم: العدد 1005