أيام في إيران الجزء الرابع
أيام في إيران الجزء الرابع
هيثم بن سعد الصعب
أخيرًا وصلت للمطار , رغم علمي بأن هناك احتمالية كبيرة لعدم إعطائي التأشيرة بسبب عدم استخراجي لها في بلدي و كنت أُخبرت أن تأشيرة المطار في إيران (Visa On Arrival) تخضع لمزاج الموظفين عدا عن سعرها الغالي " 50 يورو" فمدتها قصيرة 15 يوما عموما فأنا لم يكن بودي البقاء أكثر من أسبوع ولم أكن مستعدا لقطع الفيافي للسفارة الإيرانية في الرياض فاخترت المقامرة و استخراجها عر المطار .
كنت اتفقت مع صاحب فندق في إيران على المجيء له عند وصولي وكان قد أخبرني أنه سيجتهد في استخراج التأشيرة لي من مكتب سياحي داخل إيران لكن للأسف لم تخرج التأشيرة إلا بعد وصولي بيوم !
في الحقيقة قد كنت مغامرًا لا أدري لم كنت متأكدا من دخولي للبلد ! لكن كان حدسي صائبا ودخلت ,كنت أقول لو أطرد من إيران على الأقل سأكون قد وطئت الأرض الإيرانية ! .
المهم ما إن وصلت حتى اصطففت في طابور القادمين المطار كان فارغًا لم يكن نشطًا أبدًا لم يكن المطار بالسوء الذي كنت أتوقعه كان نظيفا صغيرا يبدو عليه بعض التقادم في العهد لكن مع هذا فهو جيّد ورائق لمحني الموظف وقال لي أن صفي خاص بالإيرانيين و الأجانب لهم صفهم الخاص وصلت للموظف أخيرًا فأخبرني عن مكان استخراج التأشيرة ذهبت هناك واصطففت وكان قبلي ثلاثة إسبان دفعوا 50 يورو واستخرجوا لهم التأشيرة بسرعة البرق أما أنا فقد أُخضعت للسؤال والتدقيق في جوازي وكان يناديني الموظف بالشيخ عرفت أنه علم أني سني المهم أخبرني أنه يجب أن أدفع 50 يورو هنالك أتى عدد من العراقيين ذوي جنسياتٍ سويدية تكلمت معهم قليلا ثم سألوني أسني أنت ؟ أجبت بنعم فضحكوا ضحكة كان حالها ما الذي أتى بك هنا ؟أجبت مبادرا أني أحب أن أطلع على البلد فقط و أخبروني أعني العراقيين عن الإيرانيين أنهم شعب مسالم وودود وكذلك كان , ودعتهم وذهبت للموظف وبكل عجلة استخرجت المال بالريال الإيراني وهناك أخبرني أنهم لا يريدون إلا باليورو مما اضطرني للذهاب لمحل صرافة.
و كالعادة تهت باحثا عن الصرافة سألت و سألت وازددت تيها على تيه حتى وصلت لشرطي فنادى موظفا برشاشه الحقيقة أني ارتبت وخفت أتى هذا الرجل وبود رافقني لمحل الصرافة رغم شكله المخيف كان وديعا معي استخرجت المال من موظفة كسولة تتثاءب و متعبة كان الوقت الرابعة فجرا ضربت حاسبتها بسرعة و أخذت المال مني لقد أخذت مني عمولة 50 ريال سعودي وهي كبيرة جدا مقارنةً بسعر الصرافة في السعودية رجعت للرجل واصطففت لاستخراج التأشيرة وأخبرته غاضبا عما حصل و أن سعر العمولة عالِ جدا فسألني أمسلم أنت ؟ قلت نعم قال لي بما معناه أن أجرك على الله و ابتسم , أثار غضبي وضحكي في نفس الوقت ! .
بالمناسبة الأغلبية الساحقة من الموظفين لا تعرف إلا الفارسية ثم قليل من الإنجليزية و العربية التواصل كان صعبا قليلا لكن تستطيع بعض الكلمات العربية و الإنجليزية أن تسهل مهمتك.
دفعتها واستخرجت التأشيرة أخيرًا , ذهبت للموظف الذي يختم الدخول و بدأ يحقق معي لم تريد القدوم ..لم ..لم لم .. و أسئلة كثيرة غير مفهومة بالفارسية وبعربية مهشمة و إنجليزية أكثر تهشيمًا ! المهم جاوبته أني مهتم باللغة الفارسية و الأدب الفارسي خصوصا شعر حافظ الشيرازي الذي لا أحفظ له إلا بيتا واحد ظللت طوال أيامي في إيران أردده للقادم و الذاهب وهو
ألا يا أيها الساقي أدر كأسا وناولها *** كه عشق آسان نمود أول ولي افتاد مشكلها
والحمد لله أني فاهم معناه الذي سألت عنه كثيرًا .
بعد ذلك ذهبت لحمل حقيبتي وجدت الموظف المسؤول عن ذلك كان تعامله معي سيء , بعدها عرفت أنه أثناء تعاملك مع الإيرانيين لا تظهر الخوف و إلا ستُأكل يكفي أن تمزح معه وتبتسم بجديّة وهذا كفيل بأن يغير تعامله معك للأفضل , ذهبت لاستخراج شريحة الجوال كلفتني ما يقارب 12 ريال سعودي من هنا بدأت ألاحظ الرخص الشديد في بضائعهم استخرجت الشريحة و كان صاحب سيارة الأجرة ينتظرني بعدما تأكد من بعيد أني مسافر قدم لي وعرض لي نقلي الساعة كانت متأخرة جدًا و لم أرد أن أبحث عن غيره عرض علي نقلي ب 450 ألف ريال إيراني ما يقارب من 60 ريال سعودي , وافقت بالطبع فقد كنت منهكا متعبا , كان طيبا معي حمل حقيبتي وما إن خرجنا حتى لفحني البرد كان بردًا شديدًا لم أشهد مثله في حياتي درجة الحرارة كانت تقريبا 2 أو سالب 2 في تلك الحدود و لم أعتد عليه غطيت وجهي وركضت نحو السيارة ركبنا السيارة وشغل السائق المكيف الحار بدأنا في الكلام كثير من الفارسي وقليل من العربي وبالطبع لم أفهم كثيرًا ما إن اقتربنا شاهدت مرقد الخميني و أشار لي أن هذا هو مرقده كان كبيرًا وذا منارات وذا شكلٍ ذكرني بالحرم المدني شرفه الله .
بعد ذلك أخرج سكينًا ارتعت قليلا ثم قال لي اسحب الكيس الموجود في الدرج العلوي سحبتها و إذا ببرتقال ضيفني برتقالتين وبدأ يقطع بطريقة رائعة شاهدتها كثيرا فيما بعد استرخيت قليلا وكان يقول لي "تهران هواء خراب" يقصد أن الجو ملوث في طهران بعدما تهنا قليلا وصلنا للفندق الذي كان صغيرا و في مكان منزوٍ طرقنا الباب فخرج لنا موظف الاستقبال فأخبرني ألا غرف لديهم و أن حامد – الشخص الذي كنت أكلمه – سيأتي في الصباح ما كان في اليد حيلة تكلمت معه ريثما أذن الفجر ذهبت وتوضئت وصليت ونمت في المصلى, في الساعة الثامنة دخلوا علي و أيقضوني و أخبروني أن أحد الغرف فرغت . كان هناك موظفا كبيرا في السن حمل حقيبتي فسلمت عليه و سألته أأنت حامد فبدأ يضحك وقال لي لا حمل حقيبتي ووضعها ثم طلب مني بخشيش لم يكن بجيبي مبلغ من الصرف إلا 50ألف ريال وهي تعادل ما يقارب من 6 ريال أعطيته إياه وطلبت مني أن يرد الباقي كنت أريد أن أعطيه 10 آلاف لا خمسين ألف , استغل جهلي ومد لي بأوراق 500 و ألف و 500 أخرى علمت فيما بعد أنها لا تسوى قيمة الورق الذي طبعت عليه ! وهرب وعلامات الفرح عليه لم أكلف نفسي اللحاق به فعلامات الفرخ بهذا المبلغ التافه ورغبتي في النوم أنستني غبنه لي .
نمت ساعتين وبعد ذلك أحسست بنشاط فخرجت لصالة الاستقبال ووجدت أخيرًا حامد , حامد رجل لطيف دمث الأخلاق أعور العين اليسرى بسبب خطأ في عملية جراحية كان لطيفا كريمًا أخبرني أني من السعوديين القلائل الذين زاروا فندقه على مدى العشر سنوات الماضية أخبرني أنه سعيد بي و ألا مشكلة له مع كوني سنيا استقبلني واحتفى بي و أخبرني أنه ريثما ينتهي من عمله مع المسافرين الآخرين سيتحدث معي ويخبرني عن أحسن الأماكن و أفضلها بقيت في البهو وبصراحة فندقه على الرغم من قدمه وتواضعه إلا أنه نشط جدًا بالأجانب والضيوف من كل أنحاء المعمورة , جلوسك في صالة الاستقبال كفيل بأن يجعلك ترى العالم كله يمشي أمامك فهذا هولندي وذاك بلجيكي و آخر بنغالي ولوري وكردي وتركماني ونيوزلندي وحتى أمريكي و أسترالي وفرنسي وعراقي!.
وبحكم حبي للحديث جلست في الصالة وتحدثت مع بنغالي ذا جنسية أسترالية كان واضح البذخ من لبسه وطريقة كلامه أخبرني أنه يعمل في البحرين , وكان هناك بريطاني آخر لتوه وصل من المطار و هو مهندس حفر حسب كلامه له ما يقارب ستة أشهر يكتشف البلدان ويرتحل.