لالة ستي الباهية
سلسلة يوم في تلمسان 9
بعد الانتهاء من زيارة قصر المشور والمنصورة، إتّجه الزملاء إلى منتجع لالة ستي، الذي سمعنا عنه الكثير قبل أن نراه.
أخذ الزملاء قسطا من الراحة عبر غابة لالة ستي، وتم توزيع الأكل الذي تم شراؤه من تلمسان، فتمتّع كل فرد بنصف دجاجة وبيض وجبن وعصير وماء. فكانت جلسة أخوية تمنى الجميع لو طالت أمدا.
غابة لالة شاسعة نظيفة آمنة ذات هواء بارد. إجتمعت العائلات على موائد حجرية وخشبية، صنعت من خشب الغابة وأحجار الغابة، بشكل هندسي مربع حينا ومستطيل حينا آخر، تناولوا على إثرها ماستطاعوا أكله من طعام وشراب، وقام شباب العائلات بشواء ما جلبوه من لحم أو سمك، فكان الدخان المتطاير أحسن أنيس.
أول عمل قام به الزملاء حين دخلوا منتجع لالة ستي، هو أدائهم لصلاة الظهر والعصر قصرا وجمعا وجماعة. وقد أمّ الجميع الزميل مصطفى من بوقادير، فهو إمام تعوّد على إمامة الناس وإلقاء الدروس حين تتاح له الفرصة، ويأخذ منه الزملاء بعض شؤون دينهم حين يستلزم الأمر ذلك. وهو الذي أمّ الجميع بمحطة بابا علي أثناء العودة إلى الشلف، حيث صلى الجميع وراءه صلاة المغرب والعشاء قصرا وجمعا وجماعة، بصوته الرقيق والمتقن للقراءة ورش، كما هو معهود لدى أهل المغرب العربي عامة، والجزائريين خاصة.
وحين يكون المرء في سفر، فإن الصلاة تكون أولى الأولويات، فأداؤها في حينها يمنحه السكينة والراحة والطمأنينة التي ترافقه عبر الطريق، ثم يتفرغ لنفسه وشؤونها فيما بعد، ولعلّ هذه الميزة ، تعتبر من أبرز ميزات قضاء الصلاة في وقتها.
وداخل منتجع لالة ستي، أطفال يلعبون، وأزواج وعائلات تتمتع، يتبادلون فيما بينهم عصير بارد، وشاي ساخن لذيذ، وقهوة المساء. وحول الحوض الاصطناعي وضعت تحت تصرف الزوار زوارق خفيفة، تنقل العائلات عبر مياهه، حيث السمك الكبير الحجم يغوص ويطفو.
ولا حظ الزائر، أن الحوض المائي التابع لمنتجع لالة ستي، رغم أنه ممتع ويدخل البهجة والسرور على الزائر ومستعمله، إلا أن أوساخا شوهته، ونفايات مرمية أساءت لمنظره، وألحقت أضرارا بالسمك الموجود داخل الحوض، مايستدعي الصيانة الدائمة والرعاية المستمرة، وتوعية الزائرين من الحفاظ على الحوض والمكان، برمي الفضلات داخل سلة المهملات، التي ندعو إلى الإكثار منها ، وتوزيعها عبر كافة المساحة الشاسعة، بأعداد تناسب عدد الزائرين الكبير جدا، وحجم فضلاتهم المرمية.
إمتازت لالة ستي ، بكونها تقع أعلى تلمسان، ويمكن للزائر أن يرى من خلالها تلمسان كلها، وهو منظر بديع يسر الناظرين، يجعل المرء يتمنى لو عاد إلى تلمسان ثانية وثالثة.
أقول لسائق الحافلة إنتبه للبنزين، وقم بما يستحق القيام به. فيجيب لا يمكن للمرء في تلمسان، أن يملء خزان الوقود إلا بعد معاناة شديدة مع الطابور والانتظار الطويل. ومسألة البنزين من أسوء ما يميز أقصى البلاد، وتسيء للجزائر وللزائر، وعلى القائمين أن يجدوا حلا سريعا وفاعلا لفضائح وجرائم نقص البنزين رغم وفرته بكميات ضخمة.
أثناء العودة، لاحظ الزائر مشروع ضخم هو في طريق الإنجاز، خاص بخط السكة الحديدية الرابط بين وهران- بشار- تلمان، حسب ما قيل لنا. وما ميّز هذا المشروع، إختراقه للأودية واعتماده على قناطر طويلة المسافة، والتي استهلكت الكثير مما تتطلبه القناطر من الإسمنت والحديد والأموال الطائلة. ويتمنى الزائر أن تستفيد منه الجزائر في ربط أوصالها بأسرع وقت وأقل تكلفة، وفي أحن الظروف.
وأثناء العودة إلى الديار، ردد الجميع وبصوت جماعي وواحد، وعبر الحافلة العائدة من تلمسان إلى الشلف، دعاء السفر الذي ذكره الزميل مصطفى، فكانت حالة تقشعر لها الأبدان، وتستريح لها الأنفس.
وسوم: العدد 648