محاضرة للدكتور رمزي الكيلاني في رابطة الأدب الإسلامي
محاضرة للدكتور رمزي الكيلاني في رابطة الأدب الإسلامي
شواهد الإعجاز في الآيات الكونية
قصة خلق العالم من البداية إلى النهاية
أقدم صورة ضوئية للوجود
وأبعد أحفورة تاريخية لبداية الكون
مضى على ولادة العالم قبلها 379 ألف سنة تقريبا
من صالح أحمد البوريني/عمان
عضو رابطة الأدب الإسلامي
استضافت رابطة الأدب الإسلامي في مكتبها بعمان مساء السبت الماضي الدكتور رمزي الكيلاني الأستاذ المساعد في طب الأطفال بجامعة واشنطن حيث ألقى محاضرة عن الإعجاز الكوني في القرآن الكريم ؛ تتناول قصة بداية هذا العالم وما قاله علماء الكون في ذلك وما أسفرت عنه قراءاتهم لأحدث الصور الضوئية التي التقطتها الأقمار والمركبات الفضائية لأقدم مشاهد الكون .
في البداية رحب الدكتور عودة أبو عودة بالضيف الكريم وبالجمهور الذي غصت به القاعة وأكد حرص الرابطة على فتح أبوابها دوما للعلم النافع والأدب الملتزم والثقافة الأصيلة وخاصة ما يتعلق بالقرآن الكريم الذي هو كنز الحقائق وبحر العلوم وجوهر البيان والمعجزة التي تتجلى فيها آيات الله تعالى في الأكوان وتنبئ عن أسرار ونواميس الزمان والمكان .
رحلة شائقة :
وقد اصطحب استشاري العناية المركزة في طب الأطفال مستمعيه ومشاهديه في رحلة ممتعة شائقة مدهشة ؛ كشفت عن كثير من عجائب البعد المكاني والبعد الزماني وألقت بعض الضوء على البعد الروحي . وفي ظل عتمة المكان كان هناك نوران يسطعان : نور آلة العرض التي سلطت أشعتها على الشاشة الجدارية التي بهرت بصورها العيون والألباب ، ونور آيات القرآن الكريم الذي سطع في أعماق القلوب المؤمنة واستنارت به الأرواح المتعطشة ، وانساب وسط ذلك الجو المهيب صوت هادئ رخيم ، أمسكت حروفه ومقاطعه وكلماته فيما يزيد على ساعة كاملة بدفة القيادة لتنطلق سفينة استكشاف المعرفة في آفاق الكون الرحيب .
أول العرض :
عرض الدكتور الكيلاني ؛ الذي يحمل البورد الأمريكي في طب الأطفال ، ويعمل في مستشفى سانت لويس في أمريكا ؛ صورة في بداية المحاضرة وعلق عليها قائلا : هذه صورة لإعصار بحري ؛ لا تكاد تختلف عن صورة مجرة من المجرات التي تدور فيها المجموعات الشمسية ، وهذه الصورة قد لا تختلف عن صورة أصغر مكون من مكونات المادة ؛ وهي الذرات التي تدور فيها الإلكترونات حول النواة ؛ فكل شيء في هذا الكون يدور من أصغره إلى أكبره ؛ طواف وطواف ، ولا يختلف ذلك عن طواف المسلمين بالبيت الحرام عبادة لله عز وجل ، وتمثيلا على هذه الأرض لطواف الملائكة حول البيت المعمور في السماء السابعة تحت العرش . وفي هذه اللحظة انتقلت الصورة بالعيون إلى الفضاء ، ثم إلى البيت الحرام ، وانساب صوت المحاضر بآيات من القرآن الكريم : (( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب . الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار )).
تناغم جميل :
وقد ملك التناغم المتحقق بين الصور المتلاحقة على شاشة العـرض وبين تعليقات الدكتور الكيلاني قلوب الحاضرين وأسماعهــم ، بينمــا شخصت العيـون في تأمل مئات من الصور المدهشة الخلابة ؛ للكواكــب والأقمار والشهب والنيازك والشمـوس والمجرات التي تشهد بمنطوق الآية الكريمة (( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق النـاس ولكن أكثر الناس لا يعلمون )) .
وهذه الآية ـ كما يقول استشاري طب الأطفال الذي أعـد أبحاثا طبية كثيرة في أمراض الأطفال ونشرت في العديد من المجلات الطبية المتخصصـة العالميـة ـ هي التي دفعته إلى الخروج إلى ما هو أبعد من الإعجاز في مجال خلق الإنسان وتكوينه ، أي إلى آفاق الكون الرحيب ، وإلى ما هو أكبر من وجود الإنسان وحياته وأرضه التي تشكل نقطة صغيرة جدا في محيط هذا الكون الهائل الممتد .
الإسلام مع العلم الصحيح :
إن أذكى علماء العالم قد يقعون في الأخطاء ، وقد يخطئون في التنبؤ بمستقبل الأبحاث العلمية ، ومستجدات الكشف العلمي ، إنهم يبحثون ويدرسون ويحللون ويضعون النظريات التي كثيرا ما ينقض بعضها بعضا ، ولكنهم يسيرون في المحصلة باتجاه إثبات الحقيقة العلمية وإرساء قواعدها وقوانينها .
وما زال العلم يتقدم والنظريات العلمية تتجدد ، ويصبح بعضها حقائق علمية راسخة بالقياس والتجربة والمعاينة وثبات القوانين الضابطة لها ، وإذا بلغ العلم بالنظرية حد الحقيقة العلمية الثابتة ، فإنها تلتقي مع مبادئ الإسلام ، الذي لا يتعارض مع العلم الصحيح ، وربما وجدت ما يوافقها من الآيات القرآنية الكريمة أو الأحاديث النبوية الصحيحة ، فتكون الحقائق العلمية ساعتها شاهدة على صدق الرسالة وإعجاز القرآن الكريم .
الثقوب السوداء :
تحدثت المحاضرة عن كثير من ظواهر الكون المحيط بنا ؛ ما كان منه متعلقا بأرضنا ؛ من ليل ونهار وظلام ونور وجاذبية ، ودوران الأرض حول الشمس ودورانها حول نفسها ، وموقعنا من مجموعتنا الشمسية وموقع مجموعتنا الشمسية من مجرتنا ( درب التبانة ) ، وموقع المجرات من السماء الدنيا ثم من السماوات السبع ، ونسبة كل منها إلى ما بعدها ، ونسبة السماوات كلها إلى الكرسي ، ونسبة الكرسي إلى العرش ؛ كل ذلك على ضوء أعظم آية في القرآن الكريم وهي آية الكرسي .
وضمن ما ساقه من عجائب الكون وغرائبه ؛ تحدث المحاضر عن ما يسمى بالثقوب السوداء وطبيعتها وأسباب تكونها وتحولها إلى مصائد للنجوم التي تقترب منها ، وربط بينها وبين قوله تعالى (( فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس )) .
قصة البدء والختام :
وفي ظلال قوله تعالى (( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق )) وقوله عز وجل : (( سنريهم آياتنا في الآفاق )) ؛ رجعت بنا شاشة العرض في أحدث ما التقط من صور للكون في بدايات خلقه ؛ إلى أقدم صورة ظهرت للكون ، في بدايات رحلة امتداده واتساعه ، والتي يقول العلماء أنها ترسم لنا ملامح الكون ، حين كان في مرحلة الطفولة ، في سن 379 ألف سنة تقريبا ، وأنه لا يمكن أن تلتقط صورة للكون أقدم من هذه الصورة . ويتحدث الدكتور الكيلاني ناقلا أقوال العلماء عن هذه الصورة فيقول :
البدء والختام ! هذا السؤال مطروح الآن عند علمـاء الكـون ، يحـاول الجميــع أن يجد له جوابا ؛ وهو من أين وإلـى أيـن يمضى هذا العالـم ؟؟ فلنـر مـاذا بيــن لنا العلم في القرن الماضي من معـلومات للإجابة عن هذا السؤال ، على نور وهــدي من قوله عز وجل : (( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ، ثم الله ينشئ النشأة الآخرة ، إن الله على كل شيء قدير)) [ 20: العنكبوت ] .
كم كان حجم الكون ؟
بين أيدينا الآن معلومات راسخة جدا ، تثبت أن الكون كله كما رأيناه على اتساعه وحجمه اللامتناهي ، كان بحجم أقل من حجم الذرة ، وكان على درجة حرارة عالية ، ومركزا تركيزا هائلا ، ثم فجأة بدأ بالاتساع وليس بالانفجار ـ كما تقول النظرية القديمة التي تم نقضها ـ لأن الانفجار لا بد له من حيز ، أي لا بد له من بعد زماني وبعد مكاني ليتم الانفجار ، فالمكان كان أقل من حجم الذرة ولم يكن هناك زمان ، وتقترب هذه المعلومات من الحقيقة الإسلامية القائلة : إن الله تعالى كان ولم يكن معه شيء : (( هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو على كل شيء قدير )) . فمن أقل من حجم الذرة بدأ هذا الكون بالاتساع الهائل السريع اللامتناهي ، فتكون المكان والزمان .
أقدم صور الكون :
في عام 1992 أرسلت وكالة ناسا الفضائية قمرا صناعيا في رحلة فضائية ، والتقط أول صورة ضوئية للكون عند تكوينه ، وهذه الصورة الضوئية ليست بالضوء الذي نراه ، وإنما بالموجات الطويلة ( المايكروويف ) ، ولـم تكن واضحة ، وهذه الموجات أظهرت أحفورة للكون القديم ؛ لأن الموجات لا تنتهي ؛ فتم التقاطها وتجميعهـا حتى وصلوا إلى هذه الصورة ، فهي أحفورة تاريخيـة لبداية الكون .
ثم أطلقوا في سنة 2001 قمرا صناعيا حصل على صور أوضح ؛ وذلك لأنهم أطلقوه في مدار معامد لمدار الأرض والشمس ، فخرج من نطاق الشمس ؛ فلم تقف حائلا أمامه ، فكانت الصورة أوضح ؛ فهذه صورة لولادة الكون ؛ صورة للكون على عمر يناهز 379 ألف سنة ، كما لو صورت مولودا في عمر الطفولة وليس له صورة قبل ذلك ؛ فتكون صورته هذه أقدم صورة ترسم ملامح خلقـته .
عمر الكون واتساعه :
كانت تلك أول صورة للكون فـي ذلـك السـن ، ولـيس هنـاك صـورة ضوئيـة للكون قبل ذلك ، ويستحيل أن نحصل على صورة أقدم منها للكون ؛ وذلك لأن الحسابات تبيــن أن عمر الكون منذ بدء اتساعه من أقل من حجم الذرة وحتى الآن يبلغ حوالي 7ر13 بليون سنة . وقـد تـم التـقـاط صورة أحفوريـة ضوئيـة لبدايـة تكويـن النجــوم ، وهـذا تمثيـل لعمر الكون منذ البداية إلى الآن .
انطلق الكون فـي رحلـة التخلق بسرعة الضوء ، فالكون لا زال يتسع في أطرافه بسرعة تماثل سرعة الضوء ، قال تعالى : (( أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون )) [ 30 : الأنبياء ] ، وهذا أبلغ وصف لاتساع الكون .
كان الظلام قبل النور :
كان الكون على درجة حرارة هائلة الارتفاع ، واتساع سريع جدا ، بدأت فيه مكونات الذرة ، ثم بعد الثانية الأولى وفي الدقائق الأولى بدأ تجميع نويات ذرات الهيليوم والهيدروجين ، ثم بعد ذلك بسنوات ، بدأ تكوين ذرات الهيليوم والهيدروجين ، فكان الكون عبارة عن إلكترونات مجتمعة مع بروتونات مع غاز الهيدروجين والهيليوم ، فكان على شكل دخان .
في الفترة الأولى هذه كان الكون مظلما ، مع العلم أن مكونات الضوء موجودة فيه ، وهي الفوتونات ، إلا أنه لشدة كثافته العالية لصغر حجمه ؛ فإن الفوتونات لم تستطع أن تنفذ منه ، فكان يجذبها فلا تعبر منه ، فلم يكن هناك موجات ضوئية ، ولذلك فإن أول صورة ضوئية أمكن التقاطها بعد 379 ألف سنة تقريبا من بدء الكون .
ثم بعد اتساع الكون وانتشاره ، بدأت تخف كثافته ؛ فانتشر الضوء في هذه الظلمات ، قال تعالى : (( الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون )) [ 1 : الأنعام ] ، والظلمات ترتيبها قبل النور في الآية ، وحرف الواو هنا أفاد التقديم الترتيبي لما نراه في مراحل خلق الكون .
قبل السؤال الأخير :
وقبل أن ينتقل الدكتور الكيلاني إلى السـؤال الأخيـر وهو السـؤال عــن المصير ، عرج على محطات كثيرة متنوعة منها الحديث عن سرعة الضوء ، وأبعاد ما بين المجموعات الشمسية والمجرات ، واستشهد بعدد من الآيات التي تشير إلى ما في السماء الدنيا من كواكب وأفلاك ومجرات ، وأنها زينة زين الله تعالى بها السماء ، ففي سورة الصافات قال عز وجل : (( إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكـب )) [ 6 : الصافات ] ، وفي سـورة الملك : (( ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح )) [ 5 : الملك ] .
وتحدث عن قصة آدم والملائكة وإبليس وما فيها من دروس وعبر ، يكشف عنها الحوار بين الله تعالى والملائكة وإبليس وآدم ، وما تجلى فيه من فضيلة الطاعة والخضوع لله عز وجل من الملائكة ، والاستكبار والاستعلاء على أمر الله عز وجل من إبليس وما ناله من عقوبة وخزي ، وما وقع فيه آدم عليه السلام من خطيئة أعقبها بتوبة وإنابة فاز بعدها بمغفرة من الله تعالى وحسن مآب .
ما هو مصير الكون ؟
وختم المدير الطبي لمشروع دعم الرضاعة الطبيعية في ولاية ميسوري بأمريكا ، الدكتور رمزي الكيلاني ، محاضرته بالإجابة عن السؤال المطـــروح عند علماء الفلك والكون والفيزياء ؛ وهو : ماذا سيحصل لهذا الكون ؟؟؟؟؟ فقال :
النظرية الأولى أن هذا الكون سوف يستمر في الاتساع إلى ما لا نهاية . والذي يحدد ذلك هو كتلة هذا الكون ؛ هل كتلته أكبر من الكتلة الحرجة ؟؟ إذا كانت كتلته تتساوى مع الكتلة الحرجة ، فإنه سيصل إلى مرحلة يقف عن الاتساع فيها وينكمش . أما إذا كانت أقل من ذلك فسوف يستمر في الاتساع إلى ما لا نهايـة . ولـيس عند العلمـاء جـواب عن هذين الاحتمالين ؛ لأنهم لا يعرفون كتلة الكون ، ويبدو أنهم ـ حتى على المدى البعيـد ـ لن يعرفوا كتلة الكون .
الاحتمال الآخر ؛ أن يصل هذا الكون إلى مرحلة يقف فيها عن الاتساع ، ثم ينكمش فيعود كما بدأ . أما الجواب القرآني فهو في قوله تعالى : (( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين )) [ 104: الأنبياء ] .
وقد صور العلماء ما سوف يكون عليه الكون لو حصل ذلك ، ومثلوه تمثيلا تصويريا كما يلي : يبدأ ـ أو تبدأ نهاية الكون ـ بأن تجتمع الأرض مع الشمس والكواكب والنجوم والمجــرات ، وهــذا يذكـرنا بقوله تعالى : (( وجمع الشمس والقمر )) ، وينجم عن ذلك انفجارات على الأرض وتحلل للجبال البحار ، والماء يصبح طاقة مائية نووية تنفجر ، قال تعالى : (( وإذا البحار فجرت )) ، والكواكب والنجوم والشموس تنفجر ؛ حرارة عالية جدا ، وانكماش للكون بأجمعه حتى يصبح دخانا كما كان ، ثم ينعدم الضوء منه ، ثم يعود كما كان وكما بدأ : (( كما بدأنا أول خلق نعيده )) ؛ فماذا كان أول هذا الأمر ؟؟ أما بالنسبة لعلماء الفيزياء ؛ فالسؤال هو : ما ذا كان الحجم الذي أقل من الذرة قبل اتساع هذا الكون ؟ والجواب مدون على موقع ناسا الإلكتروني ، يقولون : إن هذا السؤال غبي ؛ لأنه كيف تسأل عن ما كان قبل أن يكون ؟! فلم يكن هناك مكان ولا زمان ، وكلمة ( قبل ) ليس لهــا معنى لانعدام المكان والزمان ، فوصلوا إلى مفهوم الأزلية . يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( كان الله ولم يكن شيء قبله ) ، فالله أزلي صمدي لا بداية له ولا نهاية ، وكان الله ولم يكن شيء غيره ، وقال عز وجل (( الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل )) .