بداية معرفتي بالشهيد عمر دَوكَم

▪بدأت أول معرفتي بالشهيد عمر دوكم قبل عقد ونصف، وذلك في مسجد التقوى بحَيّ الروضة في مدينة تعز، إذ كان يخطب في هذا المسجد القريب من البيت الذي كنت أستأجره للسكن مع أسرتي الكريمة، وكان يناقش قضايا غير تقليدية بعمق وشمول، ويعالج عللاً اجتماعية بحكمة وهدوء، وذلك من خلال الإمساك بتلابيب المشاكل، والتركيز على معالجة الأسباب، والنفاذ نحو تجفيف المنابع.

▪ومن حُسن حظي أن آخر أسبوع خطب به في مسجدنا (التقوى) كان مدعواً عندي للغداء في البيت، ولحضور جلسة مقيل أشبه بالمنتدى، ومنه عرفت أن الشيخ ناصر الشيباني، وهو أشهر خطباء تعز حتى ذلك الوقت، كان يزور أخته التي تسكن في حارتنا، وأنه قد استمع لخطبته وأعجب بها وأثنى على صاحبها، وطلب منه أن يبدأ من الجمعة القادمة بالخطابة في مسجد العيسائي، الذي كان هو خطيبه لكنه يعاني من مشكلة مزمنة في حنجرته تستدعي منه التوقف عن الخطابة كما قال له الأطباء.

▪وحزنت لأن عمر سيغادر مسجدنا، لكنني فرحت لأنه سيخاطب جمهورا أكبر وأهم، فالمسجد يُعدّ من أكبر مساجد تعز، وروّاده غالبيتهم من الصفوة الذين كانوا يأتون من نواحي المدينة لسماع خُطَب الشيخ ناصر الشيباني الذي ظل متربعاً على عرش الخطابة في تعز لبضعة عقود من الزمن، وبالفعل ما هي إلا سنوات قليلة حتى كان صوت عمر يُدوّي في أسماع الآلاف من المُصلّين، وكانت أفكاره الإصلاحية تتسلل رويداً رويدا إلى عقول وقلوب كثير من الناس!

▪ولابد أن الذين خطّطوا لقتله وحرّضوا عليه قد شعروا بأفكارهم المتخلفة تتحطم تحت ثقل الأفكار العميقة لهذا الرجل وأمثاله من أهل الفكر الوسطي الأصيل، فقرّروا إسكات صوته للأبد عبر التخلص منه، فكان ما رأيناه وعرفناه من حادثة اغتيال عمر ورفيقه أ. رفيق الأكحلي وهما خارجان من المحراب في يوم جمعة وفي شهر محرم الحرام!

▪ ولا يدرك هؤلاء المجرمون الحَمقى أن قتل الدعاة يُحيي دعواتهم، وأن اغتيال المفكرين يبعث الحياة في أفكارهم، وأن سُنّة الله قد قضت بأن يَذهب الزّبَدُ جُفاءً ولا يبقى إلا ما ينفع الناس في الأرض، فعلى الشهيدين رحمات ربي التي تغمرهم صبحاً ومساءً، وعلى القتلة لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.