الشيخ حسن حبنكة
في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي تمكن الشيخ حسن حبنكه رحمه الله من الضغط على بلديّة الميدان لأخذ ترخيص لبناء مسجد الحسن في شارع المجتهد في الميدان
وقد إحتاج هذا الأمر إلى ثِقل الشيخ ومكانته لتحقيق المساحةِ المرجوَّة لهذا المسجد الكبير فجزءٌ من الأرض لأسرةِ العابد الكريمه والتي تبرَّعَتْ بالأرض لبناء مدرسةٍ شرعيه ومسجد والجزء الآخر لصالح البلديّة والتي وقف مديرُها عائقاً يحول دون ضمّ الأرض لصالح المسجد مع عراقيل تحول دون الترخيص
بفضل الله تمكن الشيخ من تحقيق ما أراده الله باستصدار الترخيص مع كامل المساحةِ المطلوبة
وصار لزاماً حفر الأرض وصبّ الأساسات والجدران الإستناديه كي يكون المسجد واقعاً لا مجال لإلغائهِ
فأيدي الشر تعبثُ من خلف جدران المكر والدهاء
كان المبلغ المطلوب لهذا الأمر أربعين ألف ليره سوريه وهو مبلغٌ كبير في ذلك الوقت وتعجز عنه كُبرى المؤسسات
حضر أعضاء اللجنةِ التي ألفها الشيخ لبناء المسجد حضروا إلى بيت الشيخ يعرضون حاجتهم المُلحّة والسريعةِ لهذا المبلغ لتدارك شَرّ يُعدّهُ رئيس البلديةِ وأصحاب النفوذ
واشتكى أعضاء اللجنةِ للشيخ أن أهل الخير والتجار لم يستجيبوا إلى توسّلاتهم ورجائهم
استمع الشيخُ إلى شكواهم واغتَمّ قلبه فجهوده في أخذ الترخيص ستضيع سُدى
قبضَ الشيخ على لحيته البيضاء كعادته في مواقف الإلتجاء وصمتَ لدقائقَ
كان وجههُ تختلط على صفحاته حُمْرةُ الحزن والدهشه والغضب من تخاذل أهل الخير
ثم انتفض واقفاً وقال : سأحضر طابو بيتي وهو ملك زوجتي خذوه للتجار وبيعوه أو قدّموه ضمانة لأموالهم وأوجدوا حلاً لمشكلتنا في حفر وبناء أساسات المسجد وثبّتوا المسجد لدى البلديه
وخرج إلى جدّتي أم عبد الرحمن التي كانت تحت شجرةَ الليمون في فناء البيت تحضّرُ زاداً لبيتٍ أكرمه الله أن لا يغيب عنه الضيوف
كانت تلُفُّ ورق العنب والطبخ في بيت الشيخ يأكلُ منه مالا يقل عن ثلاثين شخص بين أهلٍ وضيوف !!
كانت زوجة الشيخ رحمها لمّاحةً في فهم وجه الشيخ .. قالت له : خير أبو عبد الرحمن ؟!
فقال لها الشيخ : أعطني ورقةَ الطابو تبع هذا البيت أريد بيع البيت أو وضعه ضمانةً لبناء مسجد
فتركت من يدها ورق العنب وقالتْ له : شو ومن عندك في البرّاني ( البرّاني هو غرفة الضيوف في البيت العربي ) مابقي بالشام ورجالها غير بيتي يلي فنيت عمري لسكنت بزاويةٍ منه وأنت وطلبةُ العلم تعيشون به من قبل الفجر إلى العشاء
نظر الشيخُ إليها مُشفقاً ومُقَدّراً فهو يعلم كم تقاسي معه وكم تتحمل وكم تقدم وكم تخيط لطلابه من الجبب والملابس وكم أفنت ذاتها في خدمةِ طلبةِ العلم وقبل هذا وذاك هو يعرف عدد السنوات التي عاشتها معه في غرفةٍ واحده تختبئُ فيها في الخزّونه التي يضعون بها الفراش واللحاف ولا يزيد حجمها عن مترين بمتر وارتفاعها متر فقد كانت تُمضي الساعات داخلها ريثما ينهي الشيخُ دروسه مع طلاّبه !!!!! رحمهما الله
عاد الشيخ إلى ضيوفه وعينه تقطر حزنا وأعضاء اللجنةِ يتابعون في فمه جوابا
لحظات فإذا بباب المنزل يطرق وكان القادم ضيفُ من الأردنْ وصل إلى بيت الشيخ بعد عناءٍ فهو لا يعرفِ الشيخَ ولا يعرفُ بيته
رحّبَ به الشيخ وانتظر منه الحديث
فقال الضيف : لي أخٌ من عشائر الأردن توفّيَ وترك وصيّةً أربعين ألف ليره سوريه للمساهمةِ ببناء مسجدٍ على روحه في دمشق وكتب في الوصيّةٍ أن يُصرفَ المبلغُ بمعرفةِ شيخٍ في الشام أسمه الشيخ حسن حبنّكه
فتمتم بعضُ الحضور بتكبيرةٍ همسُها وصل عنان السماء
نظرَ الشيخ إلى الضيف وقال له سلّمْهم المبلغ لقدجاؤا يطالبونني به
كنا نسمعُ من الشيخ عبارةً يقول فيها :لا يردّ الله يدَ المخلص خاوية
رحم الله الشيخ وآباءنا وآباءَكم وموتانا وموتاكم
وسوم: العدد 781