الداعية المجاهد د. أحمد محمد الملط : وجهوده في خدمة الدين والمجتمع
(1337 – 1415هـ = 1917 – 1995م)
في زحمة الأحداث وتتابع الأيام ومجريات الأمور التي تمر بها الأمة الآن؛ يجب ألا ننسى من أرشدونا إلى الطريق الصحيح.. إنهم رجال سبقونا على طريق دعوة الله، ولهم حقٌّ علينا، واعترافًا بما فعلوه علينا أن نظل نذكرهم.
والدكتور أحمد الملط، عليه رحمة الله، ثمرة من ثمرات غرس الإمام البنا؛ حيث تربَّى على يديه، وتشرَّب معاني الإسلام الصحيحة فكان نموذجًا إسلاميًّا مميزًا.
عاش الدكتور الملط بالإسلام وعمل له؛ فكان من القمم الشامخة التي لم تكلّ ولم تملّ من العمل ليلاً أو نهارًا؛ فكان فارس الميدان لم يتكاسل عن أي عمل يكلَّف به أو يطلب منه، وكان منظمًا دقيقًا، حازمًا لا يتهاون في الخطأ ولا يرضى الكسل أو التراخي، كما كان شجاعًا مقدامًا، وليس ذلك فحسب بل كان كريمًا سمحًا.
إن الدكتور أحمد الملط لم يكن طبيبًا فحسب، بل هو مربٍّ من الطراز الأول؛ حيث له من الفقه الدعوي والنشاط الحركي والتربية الروحية نصيبٌ وافرٌ وحظٌّ كبيرٌ، وكم له من نظرات عميقة في تحليل الوقائع والأحداث، وتقويم الأفراد والجماعات، وهو رجل دائم الذكر والدعاء وتلاوة القرآن، لا يترك ورده القرآني اليومي، ولا الأدعية المأثورة في الصباح والمساء، ويكثر الدعاء لأستاذته ومشايخه، وإخوانه العاملين في حقل الدعوة الإسلامية، ويسعى لإصلاح ذات البين.
إن شخصية الدكتور الملط لا يستطيع من عرفها أو تعامل معها أو سمع عنها أن ينسى اسمه أو ينسى مآثره الطيبة، فقد بدأ حياته شابًّا نشأ في عبادة الله، وختم حياته ملبيًا في بيت الله..
فما هي سيرة حياته ؟ وما هي جهوده في خدمة الدين والمجتمع ؟
النشأة والتكوين :
وُلِد الدكتور أحمد محمد علي الملط في قرية (القطاوية) مركز أبو حماد محافظة الشرقية، في شهر ديسمبر عام 1917م الموافق 1337هـ؛ حيث نشأ، وتربَّى في بيت يحب الإسلام بطبيعته؛ فكان كل أفراد العائلة يؤدون الصلوات ويُحيون شعائر الإسلام، فنشأ محبًّا له وتخلَّق بأخلاق أبناء الريف، وحفظ القرآن منذ الصغر فقد حفظ حتى سورة يوسف في بداية
التحاقه بالمدرسة الأولية :
تُوفي والده وهو لا يزال صغيرًا؛ فاعتنى به أخوه الأكبر الشيخ حسن فأحسن تربيته، وحرص على إلحاقه بالتعليم والذي برز فيه تفوقه، والتحق بمراحل التعليم المختلفة، فقد التحق بالمدرسة الأولية، ثم المدرسة الثانوية والتي حصل على المركز السابع في الكفاءة، كما حصل على المركز الثاني عشر في البكالوريا على مستوى القطر المصري، فدخل كلية الطب، وحصل على بكالوريوس الجراحة سنة 1946م وبرز الدكتور الملط في هذا المجال، حتى إنه حصل على 2 دكتوراه رغم بقائه بالمعتقل سنوات، كما حصل على زمالة الجرَّاحين الملكية ببريطانيا.
الملط ودعوة الإخوان المسلمين :
تعرف الدكتور أحمد الملط على دعوة الإخوان المسلمين منذ أن كان طالباً صغيرًا؛ فيذكر ذلك الأمر قائلاً: "تعرفت على دعوة الإخوان منذ صغري؛ فقد جاء الإمام البنا إلى قريتنا ونزل ضيفًا على دوَّار عائلتنا (عائلة الملط) وكنت في العاشرة من عمري، وقد كلفت بمرافقة الإمام البنا والقيام على خدمته طوال الثلاثة أيام التي قضاها عندنا، ومن هذا التاريخ وأنا مع الإخوان غير أني كنت لا أواظب على الحضور؛ ففي فترة الثانوية كنت أشارك في المظاهرات، وفي الجامعة كنت أحرص على حضور بعض الأسر والكتائب ودرس الثلاثاء، فقد كان كل همي هو التفوق في دراستي وبعد تخرجي عام 1946م انتظمتُ في صفوف الدعوة، وانتظمتُ في أسرة الروضة، والتي كان الإمام البنا يطلق عليها أسرة "الباهوات"، وكانت تضم الأستاذ حلمي عبد البر ، وعبد الخالق ذكري، وعبد المنعم فريد وعبد المنعم حبيب، وراضي علي؛ حيث إنهم أصحاب ثقافات عالية".
وأخذ منذ اللحظة الأولى على عاتقة العمل لدعوة الله وبرز فيها؛ فكان يكتب في مجلة "الإخوان المسلمين"، كما أنه حافظ على أعماله وكتائبه وأسرته ورحلاته واجتماعاته، ولقد تميز بالصلابة والصدق، وهذه صفات الأخ المسلم التي يقول عنها الأستاذ عباس السيسي: "إن غاية الإخوان المسلمين من دعوتهم هي تغيير العرف العام في الأمة نحو الإسلام؛ فهمًا وسلوكًا وحركةً، ولا يبدو هذا التغيير واضحًا إلا بشيوع الفكر الإسلامي وانتشاره، ولا تتضح معالم هذا الفكر إلا إذا كانت له مظاهر عملية واضحة تعلن عن نفسه، فالفكر بلا حركة روح بلا جسد، فالحركة تجسيد للفكر وإعلان عن وجوده، حقيقةً وعملاً، وهي دليل فاعلية الفكر، وأثره وتأثيره؛ فالأخ المسلم كتاب مفتوح أينما سار، فهو دعوة متحركة أو دعوة بالتفسير والتوضيح".
انضم إلى النظام الخاص، وأصبح طبيب النظام، وذكر الأستاذ أحمد عادل كمال أنه عندما دُعِيَ للانضمام للنظام الخاص كان الطبيب الذي باشر الكشف وتقييم لياقتهم الطبية ومستواهم الصحي عليهم هو الدكتور أحمد الملط.
لقد وضع الطبيب المجاهد كل وقته لخدمة الدعوة؛ فلم يبخل عليها بنفس ولا بمال، ولقد اهتم بالطلبة الوافدين لمصر من الدول الإسلامية لتلقي تعليمهم في الأزهر الشريف.
يُذكر أنه بعد تخرجه ذهب للإمام البنا، وهو يضع منديلاً في جيب "البدلة" فأخذ الإمام البنا يدخل المنديل في جيب الجاكت، ويقول له: يا أبو حميد لا يليق ذلك بالمجاهدين، فكان درس عمليّ في طبيعة حياة المجاهدين :
عمل في عنيبة في جنوب مصر في بداية حياته، وكوَّن بها فريقًا للجوالة مكوَّنًا من 87 من شباب الإخوان، وعندما بدأت الجموع الإخوانية تحتشد للتطوع من أجل الدفاع عن فلسطين كان الدكتور الملط أحد القائمين على الكشف الطبي عليهم، ليس ذلك فحسب بل عمل على الحصول على إجازة والذهاب إلى فلسطين، غير أن الوزارة رفضت حتى سنحت له الفرصة..
يقول الدكتور الملط: "أرسل الدكتور سليمان عزمي مدير (الهلال المصري) إلى الإمام البنا يخبره أن مستشفى الهلال المكلَّفة بعلاج جرحى الحرب لا يوجد بها طبيب، خاصةً بعد أن تركها الدكتور أحمد الناقة خوفًا من القصف، ورفض جميع الأطباء الذهاب خوفًا من الحرب، ويطلب منه بعض الأطباء الإخوان فسارع الإمام البنا بإرسالي والدكتور حسان حتحوت، والدكتور أحمد سعيد خطاب لمقابلة الدكتور سليمان، وبعد أن تقابلنا معه، واتفقنا على الذهاب، أرسل وراءنا سليمان عزمي باشا، وقال: اطلبوا ما شئتم من المرتبات لأننا أعلنا في الصحف نطلب أطباء برواتب مغرية فلم يتقدم أحد، قال أحمد الملط: لا نريد إلا الطعام والمأوى فقال: ولكننا نكتب لكل طبيب ديةً تُسلَّم عند استشهاده لمن يريد، ثم سلمونا نحن الثلاثة أوراق الدية وقيمتها (ثلاثة آلاف جنيه مصري) وكان للجنيه آنذاك قيمة كبيرة؛ إذ كان ثمن الرغيف مليمًا واحدًا.
فكتب الدكتور حتحوت تُسلَّم ديتي لوالدتي، وكتب الدكتور خطاب تسلَّم ديتي لوالدي، وكتبتُ: ديتي تسلم لحسن البنا، وعندما ودَّعت الإمام حسن البنا أفصحت له بأن ديتي تُدفع له لينفقها على الدعوة، فانفجر باكيًا وشاركه البكاء مصطفى السباعي مراقب الإخوان في سوريا".
سكن في حي الروضة وتزوَّج بعد خروجه من محنة السيارة الجيب ورزقه الله بولدين هما الدكتور محمد والدكتور أسامة الملط وبنتين.
وكان رئيس البعثة الطبية للإخوان المسلمين في حرب فلسطين سنة 1948م .
محنة وابتلاء :
تعرَّض الدكتور الملط للمحن والابتلاءات فصبر، واحتسب، وكان مثالاً للفارس الصادق الصامد؛ ففي 15 نوفمبر 1949م سقطت السيارة الجيب في أيدي البوليس واكتشف السر الكبير الذي حافظ الإخوان على إخفائه حتى تتحقق أهدافهم بإخراج المحتل البريطاني من مصر والصهيوني من فلسطين، واكتشفت الحكومة سر النظام الخاص، وقبض على السيارة وما بها من أوراق ومستندات وأسماء الأفراد المنتسبين له وقادته، وتم القبض على أفراد النظام الخاص، وكان بينهم الدكتور الملط الذي اعتُقل مع إخوانه وقدم للمحاكمة وكان عمره آنذاك 34 عامًا لكنه لم يجزع ولم يهُن، وظل في المعتقل حتى أُفرج عنه مع من أفرج عنهم في قضية السيارة الجيب عام 1951م، وخرج أشدَّ عزمًا على العمل من أجل الدعوة.
ظل الدكتور الملط الجندي الوفي لدعوته حتى بعد اغتيال الإمام الشهيد حسن البنا، وظل الجندي الذي إذا غاب لم يُفتقد، وكان دائم الحركة مخلصًا لله في دعوته، وعندما جاءت محنة 1954م اعتُقل مع إخوانه بعد حادث المنشية 26 أكتوبر 1954م، والذي دبَّرها النظام للتخلص من الإخوان والسيطرة على مقاليد الحكم، تعرَّض الإخوان لأشد عمليات التعذيب والتصفية؛ فقد فتح عبد الناصر أبواب الجحيم على الإخوان في السجن الحربي وأبو زعبل والقلعة، وكان صلاح نصر وشمس بدران وحمزة البسيوني وصفوت الروبي فرسان حلبة التعذيب؛ حيث أذاقوا الإخوان ألوانًا شتى من العذاب، والذي لم يعرفه بشَر من قبل، وتعرَّض طبيبنا الصابر لكل أنواع التعذيب، وبالرغم من هذه المحنة إلا أنه كان صابرًا..
يقول الأستاذ جابر رزق عن هذه الفترة من تاريخ جماعة الإخوان المسلمين: "لقد كانت فترة السجن الحربي هي الذروة التي وصل إليها الإخوان في طاعتهم لربهم، وتوكلهم عليه، ولجوئهم إليه، وكانت التقوى بحق الزاد الذي يتزوَّدون به، وأذكر أن الدكتور أحمد الملط كان يردِّد كثيرًا الأثر الذي يقول: "أحكِم السفينة فإن البحر عميق، وخفِّف الحمل فإن العقبة كئود، وأكثر الزاد فإن السفر طويل، وأخلص العمل فإن الناقد بصير".
لقد عذِّب في سجن أبو زعبل حتى فقد النطق، وظلَّ معتقلاً قرابة العشرين عامًا فلم يجزع وظل صابرًا محتسبًا لله.. يقول الدكتور أحمد العسال: "ومن الأشياء الجميلة في السجن الحربي هي عزة الإخوان بإسلامهم وإيمانهم واعتمادهم على الله سبحانه وتعالى؛ فمثلاً الدكتور أحمد الملط، وكان يعالِج الإخوان داخل المعتقل، كان حمزة البسيوني ينادي عليه ويقول: أين الواد الملط؟ فنادى عليه مرة وقال له: "تعالَ سريعًا مَرْش" فأبَى الدكتور أحمد الملط أن يذهب سريعًا مرْش للبسيوني".
ويقول الحاج سعد الجزار: "ومن مواقف الإخوان أنهم كانوا يسيرون مع بعضهم فكان الدكتور أحمد الملط، وهو طبيب تراه يسير مع الأستاذ حسني عبد الباقي، وهو مزارع والأخ عبد العزيز زعير وكان بقالاً؛ فكان قائد المعسكر ينادي، ويقول: هؤلاء الثلاثة طوال الطابور يتحدثون مع بعضهم ففيمَ يتحدثون؟ رجل طبيب ومزارع وبقال، فقلت له: الدكتور الملط طبيعي سيتحدث عن القلب لكن ليس القلب الذي تعرفه بل القلب الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهو القلب" فهو يتحدث عن القلب المعنوي لا الحسي، وحسني عبد الباقي مزارع يفهم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "إذا قامت القيامة وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها" فهو يتحدث عن تعمير الأرض وزراعتها، فقال: أجل، طيب والبقال؟ قلت البقال: هو تاجر فهي كلمة مقسمة إلى (ت) وهي تقوى والـ(أ) تعني أمانة، والـ(ج) تعني جريئًا، والـ(ر) تعني أن يكون رؤوفًا، ثم قلت له: كل الإخوان يتكلمون في المعاني التي يستطيعون أن يخدموا بها إسلامهم، فقال: أنا أعجب من طبيب ومزارع وتاجر في هذه الجماعة العجيبة".
ثم اعتقل في عهد الطاغية عبد الناصر سنة 1954م وسنة 1965م وخرج من السجن في 1973م.
جهوده وإسهاماته العملية :
وبعد خروج الدكتور الملط من السجن بعد وفاة عبد الناصر عام 1973م، وضع نفسه في خدمة دينه ودعوته، وعمل على لمِّ شمل الإخوان وإعادة هيكلهم ونشاطهم مع الأستاذ التلمساني، ومصطفى مشهور، وأحمد حسانين، وكمال السنانيري، وغيرهم من الإخوان الذين صبروا على دعوة الله، وأسهم في إقامة المنشآت الطبية؛ ففي عام 1954م وقبل المحنة عمل الدكتور الملط بمستوصف إمبابة، وكان مثالاً للطبيب المسلم الورِع، وظل به حتى اعتُقل في محنة 1954م.
وفي عام 1973م خرج حاجًّا مع المستشار حسن الهضيبي المرشد العام لمقابلة الإخوان بالخارج، وبعد وفاة المستشار الهضيبي في نوفمبر 1973م استأنف نشاطه مع الأستاذ التلمساني؛ فجاب بالدعوة كثيرًا من بلاد العالم أمريكا وأوروبا ودول الخليج.. يقول الحاج علي رزة: "لما أردنا أن يكون لنا صحيفة أو مجلة تعبِّر عن رأينا؛ اتجه الرأي إلى عمل مصالحة بين المرحوم صالح عشماوي والإخوان بقيادة الأستاذ عمر التلمساني، وقام المرحوم الحاج حسني عبد الباقي، والدكتور أحمد الملط بإزالة ما كان من سوء تفاهم، وتبنَّى الإخوان هذه المجلة، وكان صاحب امتيازها صالح عشماوي ورئيس تحريرها عمر التلمساني".
ظل د. أحمد الملط يجاهد في كل مكان يجوب لجمع كلمة المسلمين وبخاصة العاملين في حقل الدعوة الإسلامية ويوصيهم باستمرار العطاء والبذل، ولم يمنعه كبر سنه ووطأة مرض القلب من كثرة الأسفار في سبيل الله؛ فزار إخوانه المبعدين من فلسطين في "مرج الزهور" بجنوب لبنان، والذين أبعدتهم السلطات "الإسرائيلية" بحجة أنهم يدعمون حركات الجهاد ضدهم، وكان مندوبًا عن نقابة الأطباء وكان معه الأستاذ أحمد سيف الإسلام حسن البنا مندوبًا عن نقابة المحامين، كما أنه أسهم بدور بارز في القضية الأفغانية عندما حاول الاتحاد السوفيتي غزوها؛ فكان يقوم بإرسال الأطباء إلى أفغانستان للمساهمة في علاج المجاهدين.
وشارك الأستاذ مصطفى مشهور، والأستاذ كمال السنانيري، والأستاذ عباس السيسي، والأستاذ أحمد حسانين.. وغيرهم في تدعيم وترسيخ الدعوة في البلاد الأخرى وتوثيق الصلة بباقي البلاد العربية والإسلامية والغربية، وتكوين التنظيم العالمي للإخوان، وكان من ضمن الوفد الذي ضمَّ الأستاذ صالح أبو رقيق، والحاج حسني عبد الباقي؛ الذي ذهب للسادات لتقديم وجهة نظر الجماعة في الإصلاح والتي استلمها منهم المهندس عثمان أحمد عثمان لتسليمها للسادات.
تأسيس الجمعية الطبية :
كانت أبرز جهود الدكتور الملط متمثلةً في تأسيس الجمعية الطبية الإسلامية في مصر أوائل الثمانينيات وعمل على نجاحها، كما أنشأ لها فروعًا أخرى لها داخل مصر وخارجها، والتي نافست نظيراتها في العالم العربي والإسلامي، وكان له دور بارز في قضية البوسنة والهرسك عن طريق لجنة الإغاثة، ولم تقتصر جهود الدكتور الملط على مجال الطب وحسب، بل عمل على تربية جيل الأطباء المسلمين العاملين في مختلف الميادين، والذين كان لهم بعد ذلك دور بارز في نقابتهم.
لقد أقام العلاقات بينها وبين نظيراتها في العالم العربي والإسلامي والغربي، وعقدت المؤتمرات، وانشأ الكثير من المستشفيات والمستوصفات في داخل مصر وفي الخارج، بأفغانستان، والصومال، والبوسنة والهرسك، وغيرها، كما ساهمت في تخفيف الكوارث من الأمراض والزلازل والحروب، وكانت لها إسهاماتها المتميزة في الداخل والخارج، ولن ينسى له الشعب الأفغاني زياراته المتكررة، وإقامته الطويلة، وإيفاده البعثات الطبية المتلاحقة المقيمة والمتنقلة، التي كان لها دور كبير في مداواة جراح المجاهدين وعلاج مرضى اللاجئين، وإيوائهم وخدمتهم، وقد ربى جيلاً ضخماً من الأطباء المسلمين العاملين في مختلف الميادين، والذين برزت شخصياتهم القوية في نقابات الأطباء بفروعها المختلفة، ومن خلال نشاطهم في أفغانستان والبوسنة والهرسك وغيرها.
إن أستاذنا الدكتور أحمد الملط لم يكن طبيباً فحسب، بل هو مربٍ من الطراز الأول، حيث له من الفقه الدعوي، والنشاط الحركي، والتربية الروحية نصيب وافر وحظ كبير، وكم له من نظرات عميقة في تحليل الوقائع والأحداث، وتقويم الأفراد والجماعات، وهو رجل دائم الذكر والدعاء، وتلاوة القرآن، لا يترك ورده القرآني اليومي، ولا الأدعية المأثورة في الصباح والمساء، ويكثر الدعاء لأساتذته ومشايخه، وإخوانه العاملين في حقل الدعوة الإسلامية، ويسعى لإصلاح ذات البين، متعاوناً مع أستاذنا الداعية الكبير الحاج حسني عبد الباقي الذي يعتبر الرائد في هذا المجال – رحمهما الله جميعاً.
إن الأخ الحبيب والداعية المجاهد والطبيب الناجح د. أحمد محمد الملط من الرجال القلائل الذين صمدوا في المحن المتعاقبة التي أصابت الحركة الإسلامية المعاصرة، وكان مثال العبد الصابر المؤمن بقضاء الله وقدره، والذي واجه المحن كلها برباطة جأش، وإيمان راسخ، وتوكل على الله العظيم.
جهوده في خدمة الإعلام الإسلامي :
شارك في تأسيس شركة "دار التوزيع والنشر الإسلامية" والتي تأسست عام ١٩٧٦م كشركة تعمل في مجال طباعة وإصدار وتوزيع الكتب الإسلامية، وكان ملاكها عددًا من قدامى جماعة الإخوان، منهم: عمر عبد الفتاح التلمساني، ومصطفى مشهور، المرشدان الأسبقان للجماعة، وإبراهيم إبراهيم شرف، وهي منشأة مسجلة بمصلحة التسجيل التجاري تحت رقم "٧٧٧٥٢"، ولها مقران بالسيدة زينب وبشارع بورسعيد وسط البلد، كما لها فرع ثالث يسمى "مكتبة البشائر".
لقد كان الدكتور أحمد الملط من الرجال القلائل الذين صمدوا في المحن، وظل المؤمن الصابر الذي واجه المحن برباطة جأش وإيمان راسخ، وظل يعمل للدعوة حتى آخر لحظات حياته، وقد اختاره الأستاذ عمر التلمساني نائبًا له، ثم اختاره الأستاذ محمد حامد أبو النصر هو والأستاذ مصطفى مشهور نائبًا لهما.
جهوده في خدمة المجتمع :
ساهم رحمه الله بشكل فعال في تنمية المجتمع في داخل مصر، وفي خارجها حيث أسس مصنعاً خيرياً لتجهيز الملابس وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين وأسر الشهداء .
قالوا عنه :
قال عنه الأستاذ مصطفى مشهور: "الأخ الدكتور أحمد الملط، نائب المرشد العام للإخوان المسلمين.. صديق العمر ورفيق الطريق على مدى نحو خمسين عامًا، رفيق الجهاد والكفاح، المقاتل بالسلاح لأعداء الإنسانية والإسلام من اليهود والصهاينة في القدس واللد والرملة وسائر بلاد فلسطين الحبيبة، ولحلفائهم المستعمرين الإنجليز على أرض القنال، ثم الصابر المحتسب عشرات السنين في سجون الظلم والاضطهاد، ثم المكافح بالكلمة الصادقة والعبارة الصريحة الشجاعة، الباذل للمال عن سعة وبغير حساب في سبيل الله".
وقال عنه الشيخ محمد عبد الخطيب: "أجدر الناس بالخلود، ذلك الرجل الذي يحرص على مصلحة أمته، فهو يعيش لها لا لنفسه، إنه يسهر من أجلها، ويحرص على سلامتها، ويسعى لأمنها وراحتها، إنه يربط مصيره ومستقبله بالحق الذي قامت عليه السموات والأرض، ماذا أخذ فقيدنا من الدنيا؟ أخذ منها جسدًا طالما تحمل الآلام والتعذيب، والسجون والمعتقلات، أخذ منها محنًا متواليةً، وشدائد يرقق بعضها بعضًا لم يحرص على منصب أو جاه، ولم يتزلَّف لأحد، وإنما وضع بين عينيه ثقل التبعة وخطرها والأمانة وأعباء الطريق، ووقوفه بين يدي القاهر الذي لا تخفى عليه خافية؛ وإن قلبًا تسكنه مخافة الله جدير أن يحمل صاحبه على التعالي على حطام الدنيا، والارتفاع فوق كل ما يرهب وما يخيف، فكل شيء دون ما عند الله هباء.
كان فقيدنا عليه الرضوان من ذلك النوع الفريد الذين وهبهم الله رصيدًا عظيمًا من معرفة الحق، والثبات والصبر على تكاليفه، فكان إيمانه بالله عز وجل وثقته به، ويقينه بوعده، ورعايته لأوليائه شيئًا عظيمًا، يسري في كيانه كله، ويملك عليه أقطار نفسه، كان يقول الحق ولو كان مرًّا، وكان يصر على أن الثبات على أمر الله هو الرصيد المذخور، وهو برهان الخير وأمل النصر".
ويقول عنه الدكتور جمال عبد السلام المدير التنفيذي للجنة الإغاثة والطوارئ باتحاد الأطباء العرب بالقاهرة: "الحقيقة الشخصية التي تأثرت بها أولاً هي شخصية النبي عليه الصلاة والسلام، بعدما قرأت السيرة والتاريخ، وهناك شخصية عشت معها فترة من الزمن وأثرت جدًّا في شخصيتي، هو الدكتور أحمد الملط رحمه الله مؤسس الجمعية الطبية الإسلامية في مصر، وأنا تأثرت كثيرًا بالعمل معه من سنة تخرجي سنة 81 لحين وفاته، وقد أنشأ العديد من المستشفيات والعيادات باسم الجمعية الطبية الإسلامية، وكان من حظي أن أول مستشفى كانت في الحي الذي أسكن به، فتعرفت عليه أكثر، وتأثرت به".
يقول الأخ جابر رزق في كتابه "مذابح الإخوان في سجون ناصر" : (فبالرغم من الإجهاد الشديد الذي أثمرته عملية غسيل المخ للإخوان المسلمين، حتى شحبت وجوههم، ونحفت أجسادهم، وصاروا كالأشباح، إلا أن الإخوان كانوا يحرصون على قيام الليل، ويحرصون على الصوم تطوعاً، ويتنافسون ويتسابقون في حفظ القرآن وتلاوته وتدارسه، ويتمثلون بجيل الصحابة رضوان الله عليهم، لقد كانت فترة السجن الحربي هي الذروة التي وصل إليها الإخوان في طاعتهم لربهم، وتوكلهم عليه، ولجوئهم إليه، وكانت التقوى – بحق – الزاد الذي يتزودون به، وأذكر أن الدكتور أحمد الملط كان يردد كثيراً الأثر الذي يقول : "احكم السفينة فإن البحر عميق، وخفف الحمل فإن العقبة كؤود، وأكثر الزاد فإن السفر طويل، وأخلص العمل فإن الناقد بصير") انتهى.
ثناء المستشار عبد الله العقيل عليه :
أول ما عرفت عنه من خلال قراءتي لمجلة "الإخوان المسلمون" الأسبوعية عام 1946م في عددها الخاص عن الجامعة ونشاط الإخوان فيها، وبخاصة كلية الطب، فقد كانت المقالات المنشورة فيها لك من : د. أحمد الملط, ود. حسان حتحوت، ود. سيد الجيار، ود. عوض الدحة, ود. عبد الرحيم عمران.. الخ ثم قرأت عن جهاده في حرب فلسطين عام 1948م ومشاركته مجاهدي الإخوان المسلمين, ومعه الإخوة الأطباء المذكورون وغيرهم, ثم التقيته بمصر بعد ذهابي للدراسة الجامعية سنة 1949م, حيث أصبت بالدوسنتاريا سنة 1951م، فذهب بي أحد الإخوة إليه للعلاج، فوجدت فيه من النبل والخلق والرجولة فضلاً عن العلم والكفاءة، ما حمدت الله عليه وشكرته على نعمائه، حيث وجد أمثال د. أحمد الملط في الحركة الإسلامية، وأدركت أن تربية الإمام الشهيد حسن البنا قد صاغت هذه النماذج الرائعة وفق منهج الإسلام المستقى من الكتاب والسنة، وما اجمع عليه سلف الأمة.
ثم تكررت اللقاءات به في الكتائب والرحلات والندوات والمحاضرات والأسر والاجتماعات طيلة فترة الدراسة الجامعية، مما زادني به معرفة، وله محبة، حيث رأيت فيه عزة المؤمن وصلابته وصدقه وصراحته، كما وجدت فيه الحب الصادق لإخوانه، والإيثار على نفسه، والبذل والتضحية والفداء والتفاني في العمل، والإخلاص في المودة، وكان يولي الطلبة الوافدين من خارج مصر عناية خاصة، ومازلت اذكر حين زرته في عيادته بصحبة احد الإخوان المصريين للعلاج من جراء مرض ألم بي وثقلت وطأته علي, فسرعان ما شفاني الله على يده، حتى أنني احتفظت بوصفه الدواء "الروشته"، وأطلعت عليها أولادي حينما كبروا، وحدثتهم عن هذه الشخصية العظمية, ثم جاءت محنة الطاغوت الفرعوني، فشن الحرب على دعاة الإسلام بمصر، وفتح السجون والمعتقلات، وتعرض الإخوان المسلمون في السجون لأقسى أنواع التعذيب التي لا تخطر على بال، حيث استخدمت كل الوسائل الخسيسة، التي استوردوها من جلاوزة الشيوعيين، وعتاة النازيين، وزاد عليها سدنة الفرعون، ما تفتقت عنه عقول الزبانية، وجلاوزة النظام أمثال : صلاح نصر، وشمس بدران، وحمزة البسيوني، وصفوت الروبي، وعبد العال سلومة، وأحمد راسخ، وسعد عبد الكريم، وحسن كفافي، وفؤاد علام، وأحمد صالح، والسيد والي، وعبد اللطيف رشدي، ومتى النصراني، وأحمد أنور، وجمال القاضي، وإسماعيل همت، وعلي شفيق وفريد شنيشن، ومحمود عبد المقصود.. وغيرهم.
مواقفه وصلابته :
إن الدكتور أحمد الملط قمة من القمم الشامخة، لا يكل ولا يمل من العمل ليل نهار داخل مصر وخارجها، يصول ويجول في كل ميدان، ولا يتكاسل عن أي عمل يكلف به، أو يطلب منه، وهو صاحب إصرار ودأب، وصلابة في قول الحق، وإخلاص في أداء العمل، وهو منظم دقيق صارم لا يتهاون في الخطأ ولا يرضى الكسل أو التراخي أو التردد، وشجاع مقدام يقتحم الميادين دون تهيب، كما أنه كريم سمح مضياف، لا يدع زائراً من الإخوان إلى مصر إلا ويدعوه إلى بيته، وكم من مرة استضافني وإخواني القادمين في زياراتي إلى مصر، ولقد سعدت بلقاءاته في أوروبا وأمريكا ودول الخليج وشرفني في بيتي الكويت أثناء زياراته المتكررة مرات ومرات، كما تحدث في ندوة الجمعة حديثاً أعاد للنفوس ثقتها بنصر الله، وهون من شأن الطغاة المتسلطين على شعوبهم، وبشّر الإخوان بقرب الفرج، وأن الدائرة ستدور على الباغين من الظالمين وأعوانهم، ولن ينفعهم الشرق ولا الغرب ولا اليهود ولا النصارى، فعباد الله المخلصون المتوكلون على الله هم الذين سيزيلون دولة الباطل ويحطمون غرور المستكبرين بالأرض، ولكن عليهم الأخذ بالأسباب وإخلاص النية، وحسن التوكل على الله والالتزام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن حركة الإخوان المسلمين التي عمت أرجاء العالم واقبل النشء الجديد عليها، هي الأمل المرتجى للمسلمين في كل مكان لإنقاذهم مما هم فيه من ضعف وهوان لأن الله غايتها، والقرآن دستورها، ومحمداً صلى الله عليه وسلم قدوتها، والجهاد سبيلها، والشهادة أمنيتها.
وإن هذه الدول الكبرى والقوى العظمى ومن يلوذ بها، ليست بشيء أمام عباد الله المجاهدين الذين يؤثرون ما عند الله على ما في الدنيا كلها، ويرخصون النفس والنفيس في سبيل مرضاة الله تعالى القوي العزيز.
وقد بذل د. الملط جهوداً جبارة مع إخوانه : كمال السنانيري، ومصطفى مشهور، وصلاح شادي، وعباس السيسي، ومحمد سليم مصطفى.. وغيرهم في جولاتهم في البلاد العربية والإسلامية والدول الغربية، حيث التقوا بالإخوان القدامى والجدد، ووثقوا الصلة بهم، وحثوهم على استمرارية العمل، ومضاعفته وتنشيطه، فكانت هذه الصحوة المباركة، التي التقى فيها الجيلان : تلامذة البناء في العلوم، بعد أن أحكم الأساس، وثبتت القواعد، وتميز الصف، فكان كالبنيان المرصوص.
في بيت الله الحرام :
ولقد أكرمه الله بالحج إلى بيت الحرام أكثر من مرة، وقد نوى إحدى الحجات عن الإمام ابن حزم الظاهري لأنه لم يحج كما أنه قل أن تفوته عمة في رمضان، حيث الاعتكاف وتلاوة القرآن، والدعاء للمسلمين، والنظر في شؤونهم، وتوجيه العاملين في الدعوة الإسلامية، وشحذ هممهم لمضاعفة الجهد فيما يرضي الله تعالى.
إن الأخ الكريم الداعية أحمد الملط ثمرة ناضجة من غرس الإمام الشهيد حسن البنا، وإن سيرته العطرة، ومواقفه الصلبة، وثباته على الحق، وعمله الدءوب.. ليدل على أن هذه الكوكبة من الرجال المؤمنين هم الذين يكتبون التاريخ بجهادهم لا بأقلامهم، ويعيشون الإسلام بأعمالهم لا بأقوالهم، ويعملون لإرضاء الله لا يخافون في الله لومة لائم. ولا يرهبون السلطان لأنه إلى زوال، ودعوة الله باقية.
يروي الشهيد عبد الله عزام في كتاب (حماس الجذور التاريخية والميثاق) فيقول : (حدثني الدكتور أحمد الملط قال : كنت مع الإمام البنا، إذ دخلت عليه امرأتان تصيحان تقولان : يا بنَّا، أنت آثم لأنك تأخذ أولادنا وتريدنا أن نأكل الطوب "التراب" إذا كان عماد عيشنا فداناً من الأرض يجره ثور وحمار، فقام ابننا "عبد السلام عجلان" وباعهما وهو الآن في السيارة التي أمام دار الإخوان المسلمين متوجهة إلى فلسطين. فأرسل الإمام البنا إليه وقال به : نحن لا نريدك أن تذهب إلى فلسطين. وإذا بعبد السلام عجلان يستشيط غضباً ويرد على الإمام البنا بقوله : إن كنت تظن أنني ذاهب إلى فلسطين لإرضائك فأنت واهم؛ أنا ذاهب لنيل الشهادة في سبيل الله ودخول الجنة. ثم خرج من دار الإخوان وركب السيارة، فأمر الإمام البنا بإنزاله من السيارة، فنزل وركب عبد السلام في المواصلات العامة. وكم كانت دهشة الإخوان أن وجدوه ينتظرهم على القنطرة فاضطروا لأخذه.
وقال الدكتور أحمد الملط : لقد أرسل وراءنا سليمان عزمي باشا "مدير الهلال الأحمر المصري" وقال : اطلبوا ما شئتم من المرتبات لأننا أعلنا في الصحف نطلب أطباء برواتب مغرية فلم يتقدم أحد قال أحمد الملط "وكنا ثلاثة أطباء من الإخوان د. حسان حتحوت, ود. خطاب، وأنا" فقلنا : لا نريد إلا الطعام والمأوى فقال سليما عزمي : ولكننا نكتب لكل طبيب دية تسلم عند استشهاده لمن يريد، ثم سلمونا نحن الثلاثة أوراق الدية وقيمتها "ثلاثة آلاف جنيه مصري" وكان للجنيه آنذاك قيمة كبيرة إذ كان ثمن رغيف الخبز مليماً واحداً.
فكتب د. أحمد الملط "ديتي تسلم لحسن البنا" وعندما ودع د. الملط الأستاذ البنا أفصح له بأن ديته تدفع له، فانفجر باكياً، وشاركه البكاء مصطفى السباعي) انتهى.
يقول الأستاذ عباس السيسي في كتابه "حكايات عن الإخوان" : (إن غاية الإخوان المسلمين من دعوتهم هي تغيير العرف العام في الأمة نحو الإسلام، فهماً وسلوكاً وحركة، ولا يبدو هذا التغيير واضحاً، إلا بشيوع الفكر الإسلامي وانتشاره، ولا تتضح معالم هذا الفكر إلا إذا كانت له مظاهر عملية واضحة تعلن عن نفسه، فالفكر بلا حركة, روح بلا جسد، فالحركة تجسيد للفكر، وإعلان عن وجوده، حقيقة وعملاً، وهي دليل فاعلية الفكر, وأثره وتأثيره، فالأخ المسلم كتاب مفتوح أينما سار، فهو دعوة متحركة أو دعوة بالتفسير والتوضيح" انتهى.
نعم.. لقد كان د. أحمد الملط وإخوانه المجاهدون الصابرون دعوة متحركة يرى الناس فيها الصورة المشرقة المضيئة التي تعيد سيرة السلف الصالح من الدعاة المسلمين، والعاملين الصادقين، الذين حملوا راية الإسلام، وجاهدوا في سبيله، واعلوا كلمة الله، وحرروا العباد من سيطرة الطواغيت.
يقول الأستاذ حسن الهضيبي – المرشد الثاني لجماعة الإخوان المسلمين – حين سمع الإمام حسن البنا يخطب : (كم من خطب كثيرة سمعت، كنت أتمنى كل مرة أن تنتهي سريعاً ، ولكن هذه المرة كنت أخشى أن يسرع البنا بإنهاء خطبته، لقد مضت مائة دقيقة، جمع فيها قلوب السامعين في راحتي يديه، وهزها حيث أراد، وانتهى الخطاب وأعاد إلى مستمعيه قلوبهم ما عدا قلبي فقد بقي في يديه) (كتاب الدعوة إلى الله حب).
لقد ظل الدكتور الملط يجاهد ويتحرك في كل مكان لجمع كلمة المسلمين وخاصة العاملين في حقل الدعوة الإسلامية، ويوصيهم بالاستمرار في بذل الجهد من أجل الإسلام والمسلمين، ولم يمنعه كبر السن، ووطأة المرض في القلب من كثرة الأسفار في سبيل الله، وأخرها زيارة إخوانه المبعدين من فلسطين في مرج الزهور بجنوب لبنان رغم تقدم سنة ووهن صحته، وقد كان يتمنى أن يلقى الله، وهو في ساحة الجهاد.
وفاته :
خرج الدكتور الملط إلى السعودية لأداء فريضة الحج ووفاته المنية، وهو حاج ملبٍّ في ذي الحجة 1415هـ، يونيو 1995م، وصُلي عليه في المسجد الحرام، ثم دُفن بمكة المكرمة، وقد نعاه العالم الإسلامي كله، وبذلك طويت صفحة مجاهد من المجاهدين؛ الذين عملوا ، وصبروا، واحتسبوا أعمالهم لله، فوفاهم الله حسن ثواب الدنيا، ونسأله أن يوفيه خير الجزاء في الآخرة؛ فرحم الله طبيبنا ومعلمنا الدكتور أحمد الملط رحمةً واسعةً، وثبَّتنا على طريق دعوته حتى نلقاه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ونسأل الله تعالى أن يتقبله في عداد الصالحين والدعاة والصابرين وأن يجمعنا وإياه مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.
المراجع :
1- أحمد عادل كمال: النقط فوق الحروف، الزهراء للإعلام.
2- محمود الصباغ: حقيقة التنظيم الخاص في دعوة الإخوان المسلمين، دار الاعتصام.
3- المستشار عبد الله العقيل: من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة، دار التوزيع والنشر الإسلامية.
4- حوار مع الحاج سعد الجزار يوم 3/10/2007م.
5- محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، دار الدعوة، 1999م.
6- حديث مسجل للدكتور أحمد الملط (حديث الذكريات)، موقع "إخوان المنوفية".
7- جابر رزق: مذابح الإخوان في سجون ناصر، دار النشر والتوزيع الإسلامية.
8- رابطة أدباء الشام - د. أحمد الملط – 17 أيار 2008م
9-موسوعة مجلة السنة – العدد 8
10- الموسوعة الحرة (ويكيبيديا ) .
11- الموسوعة التاريخية لجماعة الإخوان المسلمين .
وسوم: العدد 786