الشيخ العلامة الداعية الدكتور عبد الله ناصح علوان
(1347هـ / 1928م = 1408ه/ 1987م)
هو عالم جليل، وداعية عظيم .. بل مدرسة تربوية، وعلم من أعلام الدعوة .. شعلة متدفقة بالحيوية والنشاط وموجه الدعاة .. الداعية المعلم بهمة عالية .. جرئ في الحق لا يهمه تهديد أو وعيد .. نال شهادته من الأزهر الشريف، واعتقل في مصر في عهد عبد الناصر 1954 .. اتخذ من جامع عمر بن عبد العزيز بحلب مقرّاً له جمع فيه الشباب .
يعدّ الدكتور عبد الله ناصح علوان رحمه الله من أهم الدعاة الذين مارسوا التربية دعوة وتأليفاً، وقد شغلت التربية مساحة كبيرة من اهتمامه، تمثلت في العديد من الكتب والمؤلفات التي تعدّ من فرائد المكتبة الإسلامية.
كان الشيخ رحمه الله جريئًا في الحق، وكان في كل فترات حياته مدافعًا عن الإسلام موضحاً للأخطاء، داعيًا إلى التمسك بشرع الله، وكان لا يهاب التهديد أو الوعيد من أي أحد مهما بلغت منزلته وسطوته، كان يدرك أن الأمانة تقتضي أن تُنقل كلمة الحق إلى أكبر مسؤول في الدولة، كما كان يتضايق من تفرق الجماعة الإسلامية، ويسعى لوحدة الكلمة والرأي، وكان يحب الاعتدال في الأمور، ويرى أن الأمور يجب أن تناقش على ضوء الواقع.
ولادته ونشأته:
ولد فقيد التربية والدعوة أبو سعد عبد الله ناصح بن سعيد بن فارس علوان- رحمه الله - في حي قاضي عسكر بمدينة حلب سنة 1346ه / الموافق سنة 1928م في أسرة متدينة معروفة بالتقى والصلاح ونسبها الطاهر، حيث يرجع نسب عائلة الشيخ إلى علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب- كرم الله وجهه – تربى في ظل والده الصالح الشيخ سعيد علوان - رحمه الله - وكان الناس في حلب وغيرها يقصدون الشيخ سعيدًا طلباً للتداوي؛ فقد كان طبيبًا وصيدليًا يداوي الناس بالأعشاب والمراهم، وكان لسانه لا يهدأ عن ذكر الله وقراءة القرآن، وقد أسمى ولده ( عبد الله ناصح ) بهذا الاسم المركب لأنه كان يؤمل، ويدعو ربه أن يجعل من أبنائه العالم الحكيم، والطبيب المسلم، وقد أجاب الله دعاءه، فصار الشيخ عبد الله داعية، ود. فارس علوان طبيباً .
دراسته ومراحل تعليمه :
حصل عبد الله ناصح علوان على الشهادة الابتدائية في مدارس حلب عام 1943، ثم نال شهادة الثانوية الشرعية ( الخسروية) في سنة 1949م، وكان يقوم بالتدريس في تلك المدرسة علماء قلّ نظيرهم في ذلك الزمن ، وكان أساتذة المدرسة يعاملون طلابهم كأبناء وإخوة لهم .
وهبوا حياتهم للعلم وأخلصوا في عملهم، ومنهم:
1-الشيخ المحدث المؤرخ راغب الطباخ: ولد بحلب عام 1292ه / 1875م وهو مؤرخ تعلم في إحدى مدارس حلب الابتدائية، واحترف التجارة، ثم تلقى العلم عن الشيخ محمد الزرقا، وبشير الغزي، أنشأ المطبعة العلمية، ودرس في الثانوية الشرعية بحلب ثم اختير مديراً لها وانتخب عضواً بالمجمع العلمي العربي بدمشق وتوفي بحلب عام 1951م .
2-الشيخ أحمد الشماع: ولد في حلب عام 1290ه / 1873م ونشأ في أسرة علمية متدينة، محبة للعلم والعلماء حفظ القرآن عن ظهر قلب في سن مبكرة على يدي والده ثم اتجه إلى طلب العلم الشرعي، عمل إماماً في مسجد العطارين، ومسجد الديري، وخطب في مسجد الحدادين، وفي الجامع الأموي، بالإضافة إلى عمله في الخسروية مدرساً لمادة التفسير وتوفي عام 1953م .
3- والعالم النحوي الصناع عبد الرحمن زين العابدين: ولد في أنطاكية عام 1904م ونشأ في أسرة عرفت بالعلم والفضل وحفظ بعض المتون ثم عكف على الكتب العربية والمنطق والفلك فعمل إماماً في جامع الأحمدية ومدرساً لعلوم اللغة العربية، في المدرسة الشعبانية والخسروية والكلتاوية توفي عام 1990م .
4- والشيخ ناجي أبو صالح: فقيه شافعي، ولد في حلب عام 1324ه / الموافق 1906م .
ومن أبرز تلاميذه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، ود. محمد فاروق بطل، ود. محمود الطحان، وهو والد عبد القدوس أبو صالح، ود. محب الدين أبو صالح، وبدر الدين أبو صالح، عمل مدرساً في الثانوية الشرعية في حلب، وكانت وفاته بمدينة الرياض يوم الأربعاء 21 ذي الحجة عام 1411هـ / 1991م .
5- وشيخ القراء في حلب نجيب خياطة: ولد في مدينة حلب سنة 1905م وتوفي عام 1967م وكان مهتماً بالعديد من العلوم منها : القرآن، والفرائض، والفقه، والحديث، وكان مديراً لمدرسة الحفاظ، ومدرساً في الثانوية الشرعية، ومدرساً في معهد العلوم الشرعية، وإماماً في جامع الخسروية .
6- والشيخ عبد الله حماد: ولد في تادف 1308ه/ 1890م وكان أبوه رجلاً صالحاً يعمل في التجارة، تتلمذ على الشيخ محمد علي النجار ( المدراتي)، في مدرسة الإخلاص، ودرس على الشيخ محمد المسعود، توجه إلى مصر للدراسة في الأزهر وكان من شيوخه محمد أمين الكردي صاحب تنوير القلوب .شارك في الحرب العالمية الأولى وبقي أسيراً في بلاد روسيا وإيران لمدة سنتين ، تابع تحصيله العلمي في المدرسة الرضائية العثمانية عام 1924م، فدرس التفسير والحديث والفقه وأصوله على الشيخ حسين الكردي ، وبشير الغزي، وكان يدرس في الأحمدية والقرناصية والشعبانية ، وعمل مدرساً في مدرسة الإخلاص ، وفي الخسروية ، وكان إماماً في مدرسة أوغلبك في الباب الأحمر وكان جاراً للشيخ محمد الناشد، كما عمل مدرساً في العثمانية عينه وزير الأوقاف أحمد مهدي خضر مدرساً دينياً في محافظة حلب اعترافاً بفضله توفي في مستشفى الوزان في حلب عام 1970م .
7- والشيخ سعيد الإدلبي: ولد في حلب عام 1882م ، ونشأ في أسرة علم وفضل عمل رئيساً لجمعية العلماء في حلب، وجمعية البر والأخلاق، وكان يدرس الفقه الشافعي في الخسروية ومدرسة الدليواني ، توفي عام 1951م.
8- والشيخ الشاعر أحمد عز الدين البيانوني: ولد في حلب عام 1913م وتوفي 1975م وكان مهتماً بالدعوة والتربية ولقد عمل في مجال التربية ستة وثلاثين سنة ، وله عدة مؤلفات .
9- والشيخ الفقيه الصالح عيسى البيانوني: ولد في حلب في قرية بيانون سنة 1290ه، حفظ القرآن وأتقن تجويده، وتعلم الخط، فأصبح خطاطاً ماهراً، ثم التفت إلى علوم الدين واللغة ، تقلد خطابة المدرسة العثمانية، ثم عين مدرساً في الخسروية وتوفي في عام 1362ه . رحمهم الله جميعاً.
وقد تأثر فقيدنا بالشيخ راغب الطباخ، وكان علامة مؤرخاً كتب تاريخ مدينة حلب، وتأثر -أيضاً- بالدكتور الشيخ مصطفى السباعي -رحمه الله- وكان يتخذه نموذجًا وقدوة، كما لازم الشيخ نايف عباس ( حوران )، وأحبه وحضر دروسه .
وبتوجيه من والده سافر إلى مصر لاستكمال تحصيله في علوم الشريعة الإسلامية. شارك في الأزهر، ونال شهادة كلية أصول الدين سنة 1952، ثم نال الماجستير سنة 1954، وفي مصر كان له نشاط إسلامي واسع وزيارات متبادلة مع كبار رجال الدعوة الإسلامية حيث التقى ببعض الدعاة مثل:
1- الشيخ يوسف القرضاوي: رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
2- والقاضي الشهيد عبد القادر عودة: صاحب التشريع الجنائي في الإسلام .
3- والعالم الشهيد سيد قطب: صاحب تفسير في ظلال القرآن .
4- والشهيد عبد الله عزام: رائد الجهاد في العصر الحديث .
وحين نزل البلاء بالإسلاميين في مصر سنة 1954م، ووقعت المحنة أصاب الأذى فقيَدنا، فاعتقل، وكان قد بقي له عدة مواد حتى يؤديها، ويتخرج من الجامعة، فكان يؤتى به إلى الاختبار مقيد اليدين، وحين انتهت الاختبارات اقتيد إلى الطائرة لتنقله إلى وطنه، ولم تسمح له حكومة مصر حينذاك أن يكمل دراسته العليا، ويحصل على شهادة الدكتوراه .
وقد حصل الشيخ -رحمه الله- على شهادة الدكتوراه بعد مدة من جامعة السند في باكستان، وكان موضوع الرسالة: (فقه الدعوة والداعية)، واسمه الحالي مدرسة الدعاة .
جهوده في الحركة الإسلامية المعاصرة في سورية :
انتسب فقيدنا إلى جماعة الإخوان المسلمين في بداية شبابه، وعرف بين زملائه في المدرسة بالجرأة في الحق والشجاعة في مواجهة الأحداث . وبدت الشخصية القيادية في تصرفاته، وعرف في المدرسة بالخطابة والقلم المعبر عن أحاسيس المسلمين، وكان بيته في حلب منتدى ومجمعاً لأصدقائه ولأساتذته، وكان الكرم يشمل الجميع من والد الفقيد -رحمه الله- .
وكان الشيخ خلية لا تهدأ في تبليغ دعوة الإسلام والرد على العلمانية والملاحدة واستخدم الخطابة والدروس والمحاضرات والإذاعة والصحافة والأشرطة والاتصال المباشر فأجاب الدعوة وفتح بيته للزائرين . .. وكان إذا خطب تفاعل معه الجمهور ففي خطبة الدستور خرج عشرات الألوف ينادون بالدستور الإسلامي ونبذ الدستور العلماني الذي أقره حافظ أسد دون الرجوع إلى الشعب .
إغراءات حافظ الأسد لكسب ودّ الشيخ عبد الله - رحمه الله تعالى -:
تم التفاوض مع الشيخ القدوة عبد الله ناصح علوان –رحمه الله-عدة مرات من خلال محافظ حلب تارة وتارة من خلال علماء السلطة ممن له اتصالات وثيقة مع حافظ الأسد وذلك من أجل التخلي عن صدعه بالحق ومداهنة السلطة مقابل تسليمه أرفع المناصب ومنها أن يكون مديرا للأوقاف أو إنشاء جامعة إسلامية في حلب ليتولى الشيخ ادارتها. وقد رفض –رحمه الله -بشدة ذلك . وطلب أحد علماء السلطة منه أن يستضاف على انفراد مع حافظ الأسد في القصر الجمهوري ليسوق له إغراءاته فرفض -رحمه الله-اللقاء أيضاً فعندما لم يستجيب لإغراءات الأسد المتكررة . هدد الشيخ بفصله من عمله في التدريس و كان مصدر دخله الوحيد . فقال الشيخ عبدالله أمام المسؤول الأمني كلمته المشهوره " والله لبيع بقله وبقدونس على أرصفة حلب أحب إلي من أن أداهن السلطة في دعوتي إلى الله تعالى" . وما هذه الإغراءات والتهديدات إلا لعلم السلطة الوثيق أن الشيخ –رحمه الله- بيده وقف الهياج الحركي عند الشباب في أكبر مدينة سورية، وهي حلب الشهباء، ويؤكد هذا حين قبض على الشهيد البطل حسني عابو –رحمه الله- وهو زعيم الطليعة المقاتلة في الثمانين من العام الميلادي سأله المحققون من له كلمة مسموعة عند الشباب لنتفاوض معه لننهي القتال المسلح فأجابهم: شيخ حلب "عبدالله علوان" وكان حينئذ متواري عن أنظار السلطة لطلبهم اعتقاله بل وضعوا إغراء ماديا كبيرا مقداره مائة ألف ليرة سورية لمن يرشدهم على مكانه-وكانت الليرة الواحدة حينذاك تعدل ريالا سعوديا واحدا أو تزيد- وتحرك الجهاز الأمني للتفاوض مع الشيخ من خلال مفتي حلب ليبلغ اخوة الشيخ بان النظام أعطى لهم المواثيق و العهود بعدم مس الشيخ عبدالله بأي أذى حتى تتم المفاوضات بين الطرفين وتمت المفاوضات بالفعل وسرعان ما تعثرت...فحينها أقترح مفتي حلب والشيخ محمد الشامي ان يتم التفاوض مع الرئيس مباشرة فوافق الشيخ عبدالله على مقابلة المقبور وذهب مع وفد من علماء حلب كان على رأسهم الشيخ محمد الشامي رحمه الله .
هيبة شيخ حلب أشد في الصدور من هيبة فرعون الشام في قصره .!
وتفاجأ العالم القدوة الشيخ عبدالله ناصح علوان-رحمه الله- حين دخوله القصر الجمهوري بأن هناك حشد كبير من علماء السلطة الذين قدموا ليؤيدوا ويداهنوا حافظ الأسد وكانت كاميرات التصوير للتلفزيون السوري حاضرة فقال للشيخ محمد الشامي لم نأتي هنا لنداهن إنما أتينا لنتفاوض فقال له لم أكن اعلم بان الاجتماع عام وبدأ الهالك بدهائه السياسي بالتحدث عن الاستقرار وعن أثر المسلحين الذين يواجههم النظام على استقرار البلد وبعد ذلك بدأ يهدد ويتوعد وقال سنتعاون معا لنقضي على تلك الجماعة التي تنتمي للإخوان المسلمين، حتى همّ الشيخ عبدالله علوان بالكلام فشد على يده الشيخ طاهر خير الله -رحمه الله - وقال له اتق الله في دمائنا يا شيخ عبد الله فبدأت نظرات علماء السلطة تنظر بعين للشيخ عبدالله وعين على الطاغيه حافظ، فكرر الرئيس نفس العبارة سنتعاون معا لنقضي على تلك الجماعة التي تنتمي للإخوان المسلمين وبقيت النظرات من علماء السلطة تنظر بعين للرئيس والأخرى إلى الشيخ عبدالله فلم ينطق أحد من الجمع الغفير لعلماء السلطة بأي كلمة تأييد أو مداهنة للأسد على ما قاله –حقاً- أنها هيبة العلماء الربانيين التي زرعت الخوف في قلوب علماء السلطة. عندها فطن الأسد بدهائه ونظر بعين جاسرة حقودة تقدح بالشر إلى الشيخ عبدالله، وقال للجمع يظهر لي يوجد بينكم من ينتمي للإخوان المسلمين، وعندها تدخل الشيخ محمد الشامي رحمه الله (الذي كان مقرّباً من حافظ الاسد)، وقال يا سيادة الرئيس أنت لست رئيساً لحزب ولا رئيساً لطائفة أنت رئيس للجمهورية ومسئولية الجميع بالنسبة إليك سواء، وقد أثنى الشيخ عبدالله على موقف الشيخ الشامي الحكيم – وهو قد كان زميلاً له في دراسته بالأزهر- وبنهاية الاجتماع رفض الشيخ عبد الله ضيافة الرئيس، وغادر القصر الجمهوري وبعدها أظهر الأسد غله من الشيخ ومن هيبة الحضور له على هيبته كرئيس للدولة، فأمر باعتقاله حياً أو ميتاً ولكن وفق الشيخ بحمد الله بالخروج من سوريا إلى الأردن إلا أن النظام القاتل قتل ولده وابن أخيه على الفور انتقاماً منه رحم الله الشيخ عبد الله فقد كلفه صدعه بالحق نفسه وماله وولده وإحدى عشر شهيداً من عائلته وقرابته وعشرات آخرين ما بين سجين ومهجر محتسبا ذلك عند الله تعالى . ولم يشفي غل وحقد السفاح ما فعله بعائلة الشيخ من قتل وتنكيل وتشريد حتى قام بإرسال من يدس له السم في الطعام لينال بذلك حلم الشهاده الذي كثيراً ما حلم به .
فهل في حلب اليوم من قدوات حية يستجيب لها الجماهير!. وهل يجود التاريخ بمثله خاصة في هذه الظروف الصعبة. فهؤلاء شيوخي فجئني بمثلهم ... إذا جمعتنا يا جرير المجامع
الشيخ عبد الله ناصح علوان الخطيب الملهب وصانع الخطباء الشباب:
وهب الله تعالى للشيخ عبدالله علوان-رحمه الله- موهبة الخطابة فقد كان الشيخ جهوري الصوت يحمر وجهه ويعلو صوته حين يخطب كأنه منذر جيش فقدوته في ذلك جده المصطفى صلى الله عليه وسلم فكان –رحمه الله-لا يصعد المنبر إلا والمسدس في جيبه ووصيته في الجيب الآخر ولا ينام إلا والمسدس تحت فراشه ووصيته تعانق مسدسه فهو قد نذر حياته في تبليغ كلمة الحق لا يخشى في الله لومة لائم مهما بلغ مكر الأعداء ومهما بلغ ارهابهم .ولا شك أن الخطابة هي المؤثر الأول في جماهير المسلمين من أجل ذلك كان الشيخ-رحمه الله-في مسجد حيه العامر-عمر بن عبدالعزيز يؤهل الشباب على الخطابة، وكان من أبرز من تخرج على يديه من الخطباء الشباب خطيب حلب المفوه الشهيد موفق سرجيه-رحمه الله- فقد تولى خطابة مسجد عباد الرحمن في حي السبيل في حلب مع أن مسجد عباد الرحمن كان من أكبر مساجد مدينة حلب –حينذاك- فقد فاض بالمصلين إلى الساحات المحيطة به، ولما رأت السلطات خطر هذا الشباب المفوه الذي كان كشيخه عبد الله علوان يقول الحق، ولا يخشى في الله لومة لائم اغتالته أيديهم الغادرة، ولما بلغ الشيخ عبد الله نبأ استشهاده وجد عليه وجداً شديداً، وذرفت عيناه –وقلما كانت تذرف على فقيد-فخزنه على موفق لم يبلغه خزنه على نبأ استشهاد ابنه البكر سعد-رحمه الله وجمعنا بهم جميعاً في مستقر رحمته – ولا عجب في ذلك فقد وجد الشيخ عبد الله في موفق قرة عينه حيث كان فيه جملة من المواهب والمقدرات في خدمة الدعوة إلى الله تعالى مالم يجده في بنيه وأقاربه فصقلها حتى خرجت إلى الدنيا، ولما كادت زهرة الدعوة تتفتح لتبث من أريجها للمسلمين حتى اغتالتها أيدي الغدر والخيانة، فكان من وفاء الشيخ عبد الله لتلميذه موفق أن ألف عنه كتبيا-وهذا من العجائب أن يؤلف الشيخ عن تلميذه فأين تلامذة الشيخ عبدالله اليوم ؟ الذين تقاعسوا أن يولفوا عنه كتابا واحدا!.
خطبة الشيخ عبد الله العصماء تخرج الألوف لتغيير الدستور:
كان السلاح الأول للشيخ عبد الله ناصح علوان –أعلى الله مقامه وبنيه في العليين-هي خطبة الجمعة فسلخته المخابرات السورية منه بمنعه من الخطابة في جميع مساجد سوريا. وكان مما يشغل بال الشيخ عبد الله إقرار الدستور السوري في التصويت عليه فكان لا بد للشيخ أن يخطب خطبة الجمعة لتوعية المسلمين ما يحويه الدستور من مخالفات لأحكام الشريعة الإسلامية، وأنى للشيخ عبدالله أن يخطب، وقد منع من الخطابة في جميع مساجد سوريا؟ فاهتدى إلى فكرة ذكية استطاع منها ارتقاء منبر صديقه في مسجد ميسلون بحلب، وخطب خطبة عصماء نبه فيها إلى مخاطر اقرار الدستور لتصادمه مع أحكام الشريعة الإسلامية، فخرج على إثرها جموع المصلين -وهم ألوف- يهتفون بصوت واحد "لا للدستور" ولكن صديق الشيخ عبد الله خطيب مسجد ميسلون المعين من قبل السلطات السورية قد ذعر ذعرا شديدا-وحق له ذلك-لمسائلته من قبل مخابرات مدينة حلب - وقال للشيخ: ماذا فعلت يا شيخ عبد الله المخابرات لن يتركوني! فقال له الشيخ عبد الله: عندما يستدعوك قل لهم الشيخ صديقي وقلت له تفضل ولم يقل لي عشت وهذا ما حدث بالفعل –والفضل لله –أن ذلك الجواب مكنه من عدم تحميله المسؤولية أمام المخابرات السورية.
عمله في مجال التدريس والدعوة:
عمل الشيخ عبد الله علوان منذ عام 1954م مدرساً لمادة التربية الإسلامية في ثانويات حلب إذ لم تكن في مدينته كلية للعلوم الشرعية، فكان خير مربٍ للأجيال، غرس في طلابه حب الإسلام والعمل على نصرة شريعة الله في الأرض، كان لمادة التربية الإسلامية في سوريا حصة واحدة في الأسبوع، وكان طلبة الشهادات لا يختبرون فيها، فسعى مع إخوانٍ له على جعل حصتين في الأسبوع لمادة التربية الإسلامية، وإدخال تلك المادة في امتحانات الشهادات في سوريا.
وفي تلك الفترة انتشرت بين صفوف الطلبة الأفكار القومية والمبادئ الإلحادية، فتصدى فقيدنا بقوة لمروجي الأفكار الهدامة التي تشوه معالم الدين، وكانت له مواقف مشهورة عرفها طلابه في تلك الأيام.
كان الفقيد على علاقات اجتماعية جيدة، يزور القريب والبعيد ويشارك في أفراح الناس وأحزانهم، كان -رحمه الله- شعلة متوقدة بالحيوية ، ففي عهد الوحدة بين سوريا ومصر نجح بانتخابات منطقته لمنزلته بين أهالي مدينة حلب .
وكان- رحمه الله- مربياً ومعلماً وواعظاً في المدرسة، وكان يقوم بدور كبير في بيوت الله، كان لا يعرف الراحة، ولا يشكو الكلل، بل كان يجهد نفسه بالعمل مع شعورٍ بالرضا والسعادة حيث كانت مساجد حلب تزخر بالشباب المسلم المتعطش لسماع كلمة صادقة عن هذا الدين، وكانت المناسبات الدينية أفراحًا لقلوب المسلمين فيهرعون إلى المساجد لسماع ما يخص أمور الدنيا والآخرة، وكان شيخنا لا يتخلف ولا يعتذر عن أي دعوة توجه له لإلقاء كلمة في مناسبة إسلامية أو حفلة خاصة . ولم تقف الأمطار أو الحرارة الشديدة أمام جهد الشيخ فقد كان يتنقل من مسجد إلى آخر أو من قرية لأخرى متحدثًا وخطيباً عن عظمة الإسلام.
كان يشعر أن واجبه أن يسمع الناس كلمة (الله) واستطاع أن يشجع أصحاب الهمم على العمل في المساجد حتى لا تُفسد الجاهلية عقول الشباب وتجرفها في تيارها، فامتلأت المساجد بحلقات العلم من فئة الشباب والناشئة .
كان للشيخ دروسه الدورية في مسجد (عمر بن عبد العزيز) درّس فيه الفقه والسيرة، هذه الدروس كانت لعدد كبير من الشباب الذي كان يسعى لفهم الإسلام والعمل بهديه، وقد علّم الكثير من الشباب الخطابة وإلقاء الدروس، وكان يجلس أمامهم مصغيًا وموجهًا ليستقيم لهم البيان، فتربى في هذه المدرسة عدد كبير من الشباب، بعضهم قضى نحبه، وكان في عمر الزهور أيام المحنة.
كان الشيخ على صلة طيبة مع علماء سوريا، وكان يتنقل من مدينة إلى أخرى داعيًا إلى توحيد كلمة العلماء ، وتماسك بنيانهم أمام الأعاصير التي تعصف بالمسلمين .
قدم إلى السعودية في عام 1366ه/ 1967م فعمل مدرساً في المعهد العلمي في مكة المكرمة لمدة أربع سنوات، ثم رجع بعدها إلى حلب عام 1970م .
مكث في حلب عشر سنوات ثم خرج منها حين اشتد البلاء ولوحق الشيخ عبد الله ناصح علوان، حيث كان خروجه من مدينة حلب سنة (1400ﻫ/1979م)، وأقام عدة أشهر في الأردن، ثم توجه إلى السعودية، وتابع عمله الدعوي بمشاركته في العديد من المحاضرات والمخيمات الطلابية، وكذلك مقالاته العديدة في المجلات الإسلامية ودروسه التربوية في إذاعة القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية، مع عمله أستاذًا في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة ، منذ 1401ﻫ إلى أن لقي ربه .
تلاميذه:
تتلمذ على يدي الشيخ عبد الله علوان العديد من الدعاة كان أبرزهم العالم الشهيد الشاب موفق سيرجيه الذي هزّ أعواد المنابر في جامع عباد الرحمن بحلب بخطبه الحماسية والجهادية .
أخلاقه وصفاته:
إن للأخلاق مكانة رفيعة في الإسلام، فهي أساس بناء الفرد والمجتمع، وهي أجمل ما يتزين به المرء، فهي في كل أمة عنوان مجدها ورمز سعادتها .
كان متواضعاً في نفسه، يحب الدعابة، حسن المعاملة مع الناس يحب الخير والنصح للمسلمين . ومن تواضعه أنه كان يخالط العامة في مجتمعاتهم ويصاحب الفقراء في مجالسهم ويدعوهم إلى بيته ويقدم لهم الطعام .
منذ نشأته عرف الشيخ عبد الله علوان بالكرم فكان بيته موئلاً لخلانه ولطلابه وللمحبين، يجدون عنده ما يسرهم من ابتسامة مشرقة إلى كلمة هادفة، إلى موعظة وعبرة، يتخلل ذلك كرم الضيافة. كان يسعى إلى توثيق روابط الصداقة مع إخوانه ومحبيه فكان يسارع إلى زيارتهم ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم، وإذا طُلب منه المساعدة في أمر ما فإنه لا يعتذر، بل يسارع إلى المساعدة ويَعُدُّ هذا الموضوع موضوعًا شخصيًا له، ويبذل كل طاقته حتى ينجزه.
كان -رحمه الله - جريئًا في الحق، لا يخشى في الحق لومة لائم، كان في كل فترات حياته مدافعًا عن الإسلام موضحاً للأخطاء، داعيًا إلى التمسك بشرع الله، وكان لا يهاب التهديد أو الوعيد من أي أحد مهما بلغت منزلته وسطوته. كان يدرك أن الأمانة تقتضي أن تُنقل كلمة الحق إلى أكبر مسؤول في الدولة.
كان يتضايق من تفرق الجماعة الإسلامية، ويسعى لوحدة الكلمة والرأي، وكان يحب الاعتدال في الأمور، ويرى أن الأمور يجب أن تناقش على ضوء الواقع.
لقد كان الشيخ رحمه الله صابراً رغم كل ما أصابه من ابتلاءات فقد سجن مرتين فصبر، أوذي في أولاده فلذات كبده قتل سعد الدين في أحداث الثمانين وسجن شريف فصبر، ثم أصيب بمرض عضال في كبده فصبر، فلقد كان مثالاً للداعية الصابر .
والمعطيات التي يلمسها الإنسان من سيرته الإخلاص والصبر والتفاؤل والرضا بقضاء الله والسؤال عن أصدقائه وإخوانه المبعدين.
مؤلفات الشيخ :
سارت مؤلفات الشيخ مسير الشمس في العالم الإسلامي من شرقه إلى غربه، وتُرجم بعضُها إلى العديد من اللغات وخاصة كتابه الشهير ( تربية الأولاد في الإسلام ) ، الذي قل أن يخلو بيت مسلم منه ، وقد عقدت ندوة متخصصة في التربية بإذاعة القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية، أجمع المشاركون فيها على أن كتاب تربية الأولاد في الإسلام لم يؤلف مثله بشموليته من تاريخ ابن الجوزي حتى عصرنا هذا، كما اعتمدته بعض الجامعات كمرجع أساسي في علم التربية، وكذلك كتابه سلسلة مدرسة الدعاة اعتمد مرجعًا في بعض كليات الدعوة في أجزاء من العالم الإسلامي، أما بقية مؤلفات الشيخ التي تزيد على خمسين مؤلفًا فقد سدت ثغرةً كبيرة من حاجة المجتمع الإسلامي من كتب فقهية وفكرية.
وقد ترجم أغلبها للعديد من اللغات وخاصة كتابه الشهير تربية الأولاد في الإسلام:
1.آداب الخطبة والزفاف وحقوق الزوجين :
2.أحكام الزكاة على ضوء المذاهب الأربعة
3.أخلاقية الداعية
4.أفعال الإنسان بين الجبر والاختيار : كتيب يناقش قضية من قضايا العقيدة في القضاء والقدر، أجاب فيها على السؤال الإنسان مسير أم مخير ولماذا يحاسبنا الله إذا كان قد خلق أفعالنا ، ويقع الكتاب في 64 صفحة من القطع الصغير .
5.إلى كل أب غيور يؤمن بالله
6.إلى ورثة الأنبياء والدعاة إلى الله : قدم له عبد الله الطنطاوي .
7.الأخوة الإسلامية
8.الإسلام شريعة الزمان والمكان
9.الإسلام والجنس
10.الإسلام والحب
11.الإسلام والقضية الفلسطينية: ذكر فيه الشيخ أهمية القدس ، وغدر اليهود عبر التاريخ، وبين منهج الإسلام في التحرير، وتحدث عن المبشرات ويقع الكتاب في مقدمة و5 فصول وخاتمة ، وعدد الصفحات 119 صفحة .
12.التكافل الاجتماعي في الإسلام: تناول الشيخ في كتابه نظام تكافل المجتمع ومراحل تطبيقه في الشريعة ويحتوي الكتاب على مقدمة وسبعة فصول وخاتمة ، ويقع الكتاب في 124 صفحة من القطع المتوسط .
13.الدعوة الإسلامية والإنقاذ العالمي
14.القومية في ميزان الإسلام
15.بين العمل الفردي والعمل الجماعي
16.تربية الأولاد في الإسلام: جزئين : يقع الكتاب في 797صفحة وعدد الطبعات 32 مرة ، وهو من أشهر كتبه ويعد موسوعة تربوية عالج جميع مشكلات الأولاد منذ الولادة حتى مرحلة النضج والزواج كما عالج جميع المشكلات الإيمانية والنفسية والجسمية والاجتماعية والصحية للأولاد وفق منهج متميز من الكتاب والسنة ومنهج السلف في أسلوب سهل يتناسب مع كافة المستويات .
17.تعدد الزوجات في الإسلام وحكمه تعدد زوجات النبي (صلى الله عليه وسلم)
18.ثقافة الداعية
19.حتى يعلم الشباب
20.حرية الاعتقاد في الشريعة الإسلامية
21.حكم الإسلام في التأمين
22.حكم الإسلام في وسائل الإعلام
23.حين يجد المؤمن حلاوة الإيمان
24.دور الشباب في حمل رسالة الإسلام
25.روحانية الداعية
26.الشباب المسلم في مواجهة التحديات : ذكر فيه أهم التحديات التي تواجه الشباب المسلم : مخططات العلمانية والشيوعية والصليبية واليهود والماسونية ويحتوي الكتاب على مقدمة وخمسة فصول وخاتمة ، ويقع في 304 صفحات .
27.شبهات وردود حول العقيدة الربانية وأصل الإنسان
28.صفات الداعية النفسية
29.صلاح الدين الأيوبي بطل حطين ومحرر القدس من الصليبيين : عرف بمواصفات البطل ، ويشيد ببطولات صلاح الدين، ويقع الكتاب في مقدمة و12 فصلاً وخاتمة ويقع في 158 صفحة وقد طبع 32 مرة .
30.عقبات الزواج وطرق معالجتها على ضوء الإسلام
31.عقبات في طريق الدعاة
32.فضائل رمضان وأحكامه
33.فضل الدعوة والداعية
34.قصة الهداية : في مجلدين : يعالج الكتاب تكوين الفرد المسلم إيمانياً وخلقياً وفكرياً ودعوياً، والبيت المسلم والمرأة وما يثار حولها ويعالج قضية العقيدة، ويرد على شبهات الأعداء في أمور العقيدة والرق، والمساواة بين الرجل والمرأة وتعدد الزوجات ، ويتكون الكتاب من 40 فصلاً ، وعدد الصفحات / 713 / صفحة .
35.كيف يدعو الداعية ؟
36.ماذا عن الصحوة الإسلامية في العصر الحديث؟
37.محاضرة تكوين الشخصية الإنسانية في نظر الإسلام
38.محاضرة في الشريعة الإسلامية وفقهها ومصادرها
39.معالم الحضارة في الإسلام وأثرها في النهضة الأوربية
40.مواقف الداعية التعبيرية
41.مسؤولية التربية الجنسية
42.نظام الرق في الإسلام
43.هذه الدعوة.. ما طبيعتها؟
44.وجوب تبليغ الدعوة وفضل الدعوة والداعية .
وقد تفردت دار السلام في مصر بنشر وتوزيع كتبه وقد ترجم بعضها إلى عدة لغات.
الدروس والمحاضرات :
وسيلة من وسائل الدعوة الجماعية وقد كان للشيخ دروسه في مسجد عمر بن عبد العزيز وكان له محاضرات في جامعة الملك عبد العزيز بجدة .
الأعمال الإذاعية :
وكان للشيخ دروس تربوية في إذاعة القرآن الكريم في السعودية يشرح فيها دروس من كتابه تربية الأولاد واسم البرنامج تربية الأولاد في الإسلام .
المسرح الإسلامي :
لم يشتغل به الشيخ نظراً لانشغاله بوسائل أخرى، ولكنه كان يعتبره من الوسائل الدعوية الناجحة .
الشريط الإسلامي :
ويعتبر من وسائل التبليغ وله تأثير فعال، وقد سجل للشيخ عدة أشرطة منها: الصحوة الإسلامية، والإسلام والجنس، وخطبة الدستور... وغيرها .
خطب الجمعة :
وهي من الوسائل المهمة في نشر الدعوة والتبليغ ، وكانت خطب الشيخ تسجل، ولاسيما في المناسبات الدينية في مساجد حلب .. المولد والهجرة والإسراء وذكرى بدر والفتح.
الاتصال المباشر :
الوعظ في المساجد، إجابة الدعوة والذهاب إلى بيوت المدعوين، وفتح بابه للزائرين، ونشر المجلة الإسلامية، والنشرة والاحتفال بالذكريات والرحلات والنزهات وإحياء ليلة القدر وتداول الأناشيد الإسلامية، ومشاهدة المسرحيات، واستخدام أسلوب القصة ، والحوار ، والتعليم بالقدوة، وضرب المثل، والمداعبة، والالتفات إلى الأهم ، وانتهاز المناسبة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن .
أحواله الاجتماعية والأسرية :
تزوج العلامة د. عبد الله علوان من السيدة الفاضلة الحاجة سعاد محمد الجيلاتي التي توفيت يوم23 من شهر محرم عام 1430ه ، ونعاها ولدها د. عمار عبد الله علوان، فقال:
( في مثل هذا اليوم توفيت الوالدة رحمها الله وأسبغ عليها شآبيب رحمته ومغفرته هي: الحاجة سعاد بنت الحاج محمد الجيلاتي نشأت رحمها الله في كنف والدها الصالح الحاج محمد جيلاتي فقد كان -رحمه الله- يجاهد في سبيل إطعام أسرته الكبيرة العدد لقمة العيش الحلال مع إنه –رحمه الله- كان موظفاً بسيطاً يعمل بإحدى المتاجر، لكنه حين يعلم أن في المتجرة الذي يعمل فيه أدنى شبهة حرام من حيث الغش وخلاف ذلك سرعان ما يترك المتجر ويبحث عن متجر آخر خشية أن يدخل في جوفه أو جوف عائلته قرش حرام. ، وهذا التحرز قل أن تجد له مثيلاً في عصرنا هذا الذي انتشر فيه الحرام ، بل عم وطم وصار التلاعب بقوت الناس وأرزاقهم مهارة يتباهى بها أمام الملأ .رحم الله الوالدة قد ترعرعت في بيت صالح ثم انتقلت إلى زوج صالح داعية لله تعالى وجاهدت معه في سبيل الدعوة وهاجرت معه ، وكانت خير المعين في وقت الشدائد والمصائب واشتداد الكرب وكانت رحمها الله دائمة المبسم لزوجها ولأولادها ولأهل زوجها لم يعكر مبسمها شيئا رغم كثرة الضيفان الذي يتوجب إعداد وجبات طعام الغذاء أو العشاء والمتكررة في اليوم الواحد ؟
فقد كان الوالد الشيخ عبد الله ناصح علوان مضرب الكرم والجود، فإن كان القدماء كانوا يصفون الكرماء بكثرة رماد في البيت لكثرة ما يطهى فيه فإننا في عصرنا الحاضر نصف الكريم بكثرة استبدال جرات الغاز في بيته التي كانت لا تمكث في بيتنا أكثر من ثلاثة أيام، وكان عاتقي له النصيب الأكبر لأني كنت الموكل باستبدالها. .فقد كان رحمها الله طعامها مضرب المثل في الطيب لأنها رحمها الله لم تطبخ مرة عن نكد ، بل عن رضا ابتغاء لثواب الله تعالى وامتثالا لطاعة زوجها.. وكانت طيبة القلب والجنان لم أسمعها مرة تغتاب أحدا لعلمها أن الغيبة من الكبائر التي يجب على المسلم أن ينجنبها ولم تحقد ولم تكره إذا حصلت إساءة من أحد كانت تقول سامحك الله فرحمها الله لم تنم يوما وقلبها فيه غل على أحد. وللأسف الشديد فإن داء الغيبة الذي انتشر في عصرنا انتشار النار في الهشيم ، فصار يقع فيها الخاصة قبل العامة وما انتشارها إلا دليل على انتشار العدواة والحقد والحسد.. والحمد لله كانت الوالدة تمتع بصحة وعافية جيدة
حتى فجعت بوفاة الوالد –رحمه الله- وحزنت عليه حزناً كبيراً لفراقه نظراً للفراغ الذي تركه.. وقد قررت النزول لسوريا بإصرار لأنها كانت تشعر بان لم يعد هناك خطر عليها من النظام الأسدي لان زوجها توفى ولحدسها بان ولدها الذي سجن وعمره ستة عشرة عاماً سيفرج عنه الطاغية الهالك حافظ الأسد بعد أن توفى زوجها، وقد حصل ما توقعته، وأفرج عن ولدها بعد خمسة عشرة عاماً قضاها في السجن، وكل ذنبه بأنه ابن الشيخ عبدالله علوان، وفرحت بخروجه فرحاً كبيراً، وحمدت الله بان أكرمها برؤية ابنها الذي خفف عنها بوفاة زوجها واستشهاد ابنها البكر سعد الدين، وهمت للعودة للسعودية إلا أن النظام الاسدي أصدر قرار بمنعها من السفر فانهالت عليها الأمراض والأسقام حتى أصيبت –رحمها الله- بداء الأزهايمر، واستمر بها هذا المرض على نحو عشرة أعوام وهذا الداء اشتد بها حتى بلغ ذروته، فصارت تنسى كل شيء إلا الذكريات الجميلة التي كانت تعيشها ومع أسرتها، وكانت قبل الوفاة نست تماما كل شيء فصارت في ذهول تام عما حولها، ولم تعد قادرة على الكلام، ولكن لله كرامات لعباده الصالحين، فعند احتضارها-رحمها الله تعالى-نطقت بالشهادة ، وبقيت السبابة مرفوعة تشهد بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حتى حين تغسيلها . ومن الغريب أن وفاتها في نفس الشهر(محرم) الذي توفي فيها أبي –رحمه الله- رحمك الله يا أماه، وأعلى مقامك في العليين والصالحين فقد كنت لربك طائعة مرضية ولزوجك رضية وكل من عرفك يثني عليك خيرا ويترحم عليك فيا طيب التراب الذي ترقدون فيه وطيب نفسك المرضية.
وقد أنجب الشيخ عبد الله علوان منها عشرة من الأبناء ( خمسة من الذكور، وخمس من البنات) :
1-الشهيد سعد عبد الله علوان: وهو الولد البكر، وبه كنيته، استشهد شاباً في الثمانينات .
2- ياسر عبد الله علوان: الذي كتبَ معرفاً بأخلاق والده .
3- شريف عبد الله علوان : الذي اعتقل لأنه ابن عبد الله علوان فقط، ولم يفرج عنه النظام إلا بعد مرور 15 سنة من السجن والاعتقال والتعذيب والتنكيل.
4-د. عمار عبد الله علوان.
5-د. محمد عبد الله علوان .
4-وله ابنة مثقفة اسمها سمية عبد الله علوان، وله ابنة تزوجها المهندس الكاتب الشاعر الداعية طاهر حمدو ..وغيرهم .
وفاته :
صارع الفقيد المرض قرابة ثلاث سنوات حيث أصيب بمرض عضال في الدم إثر عودته من باكستان، وقد احتار الأطباء (العرب والأجانب) في طبيعة هذا المرض. وكانت حالته غير مسبوقة، وأسباب ذلك المرض غير واضحة، فقد اجتمع رؤساء الأقسام في مستشفى جامعة الملك عبد العزيز بجدة بكافة تخصصاتهم لكي يقرروا أسباب المرض فلم يفلحوا، ونصحوه بالسفر إلى بريطانيا ليتم العلاج، ففعل، ولكن بدون جدوى.
ومع حالته الصحية الحرجة أبى محبو الشيخ في بريطانيا إلا أن يستمعوا إلى محاضرة للشيخ، وكان وقتها يقام مخيم صيفي، فلم يتأخر عن الاستجابة، وكان عنوان المحاضرة (الشباب المسلم في مواجهة التحديات)، وصارت فيما بعد كتابًا.
ورجع الشيخ إلى جدة فبدأت تظهر الأمراض المتلاحقة عليه بسبب مرضه الرئيس - ربما تكشف الأيام عن المسبب لذلك المرض – حتى ذبل عود الشيخ وتضاءل جسمه وتناولته الأوجاع في كل مكان، وكان دائم التردد على العيادات الطبية طالباً المشورة والعلاج، ولكن نفسه لم تهن ولم تضعف بل بقي عالي الهمة متوثب العزيمة محافظًا على مهماته الدعوية، يقوم بمسؤوليته الاجتماعية، لا يعتذر عن قبول أية مناسبة يدعى إليها، وحين يطلب منه التحدث كان يتكلم وينفعل وينسى حالته المرضية التي لا تسمح له بإرهاق نفسه.
وكانت المدة التي قضاها الشيخ -رحمه الله- راقداً في المستشفى تعتبر فترة طويلة، فقد كان يخلع ثوب المستشفى ويلبس ثيابه ويذهب إلى الجامعة لإلقاء المحاضرات ثم يعود مرة أخرى إلى المستشفى ليتلقى العلاج من الأطباء وبجوار سريره في المستشفى ترتفع مجموعات من الكتب فهو يجد السعادة في التأليف فيما ينفع الأمة .
وكان يضع (المخدة) أمامه ويكتب فصولاً من كتاب سلسلة مدرسة الدعاة الذي كان قد بدأه قبل مرضه رغم نصائح الأطباء والمحبين بالابتعاد عن القراءة والكتابة لكن النفس الشامخة تأبى أن تلقي القلم من يدها مهما اشتد وطأة الألم.
وكانت الوفاة في الساعة التاسعة والنصف صباح يوم السبت الخامس من شهر محرم عام 1408ﻫ الموافق 29/8/1987م في جدة بمستشفى جامعة الملك عبد العزيز، وقد شيع جثمانه يوم الأحد في السادس من محرم الموافق الثلاثين من آب ونقل من جدة إلى مكة ودفن فيها حيث صُلي عليه في المسجد الحرام بعد صلاة العصر، وقد شيع الفقيد عدد كبير من العلماء والدعاة والإخوة والشباب والطلاب، وقد ألقى أحبة الفقيد الكلمات المعبرة عن حبهم ومصابهم في فقيدهم العالم الذي أخلص في دعوته وقدم للمكتبة الإسلامية الإنتاج الوفير.
رحم الله أبا سعد رحمة واسعة، فقد كان مدرسة تربوية وعلمًا من أعلام الدعوة. أُوذي في بدنه وأهله وماله، ومات محتسبًا في الغربة فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أصداء الرحيل :
الرسائل العلمية في الشيخ :
لا شك أن لكتب الشيخ-رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته -أثر كبير على صحوة العالم الإسلامي سواء في المجال التربوي أو في المجال الدعوي. فمن هذا المنطلق انطلقت الرسائل العلمية من ماجستير ودكتوراه تبحث عن تأثير فكر الشيخ على العالم الإسلامي، وما أحدثته كتبه من تغيير وتجديد في بنية العقل المسلم المعاصر، لأن كتب الشيخ -رحمه الله- قد ترجمت إلى لغات العالم الإنجليزية والفرنسية والتركية والمالاوية والأوردية والصينية والفارسية بل حتى المالديفية التي لا يتكلم بها سوى خمسمائة ألف نسمة قد ترجم كتابه العلم " تربية الأولاد في الإسلام "إلى اللغة المالديفية . فهناك رسائل عدة نوقشت منها في ماليزيا كتاب أثر كتاب تربية الأولاد على تربية الإسلامية الحديثة. ومن الرسائل العلمية التي استطعنا الحصول عليها آخرها رسالة ماجستير (مقدمة في جامعة أم القرى عام 1433ه) بعنوان جهود الشيخ عبد الله ناصح علوان -رحمه الله- في الدعوة إلى الله للأستاذة عبير الحساني . سوف نقتطف من هذه الرسالة أجزاء ليستفيد منها الباحثون عن أثر كنب الشيخ-رحمه الله- على بنية فكر العالم الإسلامي.
شيخنا وأستاذنا الشيخ عبد الله ناصح علوان :
كتب الأستاذ أبو الطيب (زهير سالم) مدير مركز الشرق العربي يقول :
( أبو سعد صوت الحق الهادر، والفارس الملازم لساحته لا يريم، فرساه للحلم وأخيه ملجمان..
ومن مسجد إلى مسجد ومن قرية إلى قرية كان أبو سعد رحمه الله فارس نزال. وحين اضطر الكثيرون للمغادرة بعد انقلاب البعث بسبب شهرتهم وتاريخهم والمضايقات أو الملاحقات التي تعرضوا لها..آثر أبو سعد ويا له من إيثار أن يبقى فوق رؤوسنا، نحن الفتيان الذين شعرنا باليتم بعد أن غاب من غاب، فلم يكن الشيخ عبد الله فقط معلما ومرشدا ودالا على طريق الله، بل كان أباً وسنداً وعضداً لإخوانه الفتيان ولن أستعمل هنا كلمة الشباب وهو الذي سبق إلى تأليف ( حتى يعلم الشباب )
وحين عم الهرج في حلب وأصبحت النسبة إلى الإخوان المسلمين تعني قطع الأعناق دخل أبو سعد على مدير المخابرات وقال في وقفة رجل: نعم أنا الأب الروحي لكل هؤلاء الشباب...
ومرة أخرى وبعد فاجعة عملية المدفعية التي برئ منها في حينها الإخوان المسلمون، واستدعي وفد من علماء حلب إلى القصر الجمهوري كان فيهم الشيخ أبو سعد، والشيخ طاهر خير الله، والشيخ محمد الشامي رحم الله الجميع. وأكثر حافظ الأسد يومها من الوعيد والتهديد للإخوان المسلمين حتى همّ أبو سعد بالكلام، فشد على يده الشيخ طاهر رحمه الله على رجولته وعنفوانه، وقال له: اتق الله في دمائنا يا شيخ عبد الله، وقال الشيخ محمد الشامي رحمه الله أنا أكفيك..
وكان موقفاً للشيخ محمد الشامي ظل الشيخ عبد الله يردده وفاء لزميل دراسته ورفيقه: ومما قاله الشيخ محمد كما سمعته مراراً من الشيخ عبد الله: للرئيس حافظ أسد يا سيادة الرئيس أنت لست رئيساً لحزب ولا رئيساً لطائفة أنت رئيس للجمهورية ومسئولية الجميع بالنسبة إليك سواء.. ، ثم تحدث عن ضرورة رفع الظلم عن سائر الناس وسائر الإخوان..
في كل المواقف كان أبو سعد -رحمه الله- يعطي الرجولة حقها، ولكنني في هذه التحية تعودت على لململة نتف صغيرة من حياة هؤلاء الكبار..
كان الشيخ عبد الله علوان المدرس الأول لمادة التربية الإسلامية في التجهيز الأولى في حلب. ومع أنني كنت طالبا في تلك المدرسة إلا أن الشيخ عبد الله لم يدرسني في الصف مباشرة. وإنما كان يتم اللقاء بيننا في حصة النشاط العام لمدرسي التربية الإسلامية، والتي تسلمت الإشراف عليها من الأخ الذي سبقني: نستلم المسجد ومكتبته ونحضر أنشطته، وصحيفته الحائطية، ونتواصل مع الطلبة المصلين ونجمعهم لدروس الشيخ ونحضر للاحتفالات والندوات الإسلامية كل ذلك في ظل نظام البعث وبرعاية مباشرة من الشيخ عبد الله
وما أكثر ما مرت بنا في تلك السنوات الخصاب العجاف من مشكلات، مع طلاب الشبيبة وإدارة الثانوية وكان الشيخ عبد الله يحلها بجرأته ورجولته وتصميمه.
كان الشيخ في دروسه تلك حريصاً على أن يبعث العنفوان في الفتيان الذين بدأت تتراقص أمام أعينهم أشباح الاستبداد، ( فموجه الصف ) كابوس، ومدرب الفتوة آخر، وطالب الشبيبة الذي يتجسس على زملائه ثالث، وطابور الصباح وترديد الشعار رابع، ومدرس التوجيه القومي خامس وسيارة اللاندروفر على باب المدرسة تحملق في وجوهنا كابوس سادس..
والطالب بين حرصه على دراسته وخوفه من كل هذه الأشباح مطلوب منه أن يشترك في نشاط إسلامي عام.. كان عددنا نحن طلاب الإخوان في شعبتنا أربعة عشر طالبا من أصل أربعين!! وكنا أكثر من طلبة الشبيبة، وكان الفضل في ذلك لله أولا ثم لجيل من أصحاب الفضل على رأسهم الشيخ عبد الله علوان..
في مدرسة الإخوان المسلمين بقيت فيما بعد سنوات عديدة أعمل في ظل الشيخ وتحت إشرافه، نشعل قناديل الظلمة وننير الطريق لإخواننا في المحافظة. ولاسيما بعد أن أعلنا تمردنا على أن ( يعلم الشابُ الشابَ)، ووضعنا خطة للخروج إلى المساجد وهجر العتمة، كنا نتخوف من بعض ما حصل، ونقرأه سطوراً في كتاب، ولكن قدر الله كان هو الغالب فسُبقنا فكان ما كان...
كان من مهام الشيخ عبد الله -رحمه الله- أن يأوي إلى كنفه شباب العلماء المندفعين والمتحمسين، نقول له يا سيدي فلان يخرب علينا الجهد في مسجد كذا فيقول: دعوه لي فيلتقيه، ويضع له خطة تشغله بالإيجابي عن السلبي وأغلب هؤلاء لم يكونوا من شباب الإخوان وإنما يجدون جمعاً مجموعاً فيحبون أن يتكلموا على السجية فيه..
من أبي سعد تتعلم الجرأة في الحق، والإيثار على النفس، ومنازلة الهيعات، رجل آخذ بعنان فرسه في سبيل الله كلما سمع هيعة طار إليها. كان أبو سعد على الحقيقة أكبر من التنظيم ولكنه ظل حتى آخر يوم في حياته وفيا للجماعة التي حمل رايتها ودافع عنها على الرغم مما لقي في جنب الله، ورحم الله شيخنا وأستاذنا وأخانا أبا سعد وأكرم نزله وجعل جهده وجهاده وكلمته صدقة جارية يرقى بها الدرجات العلى من الجنة إلى يوم الدين...
إلى ورثة الأنبياء :
يقول فيه الأستاذ الأديب الشيخ عبد الله الطنطاوي في تقديمه لرسالته النافعة ( إلى ورثة الأنبياء):
( إنه - ولا أزكّيه على الله، ولا أريد أن أقْصُمَ له ظهره أو عنقه - مثالُ المجاهد المكافح في النصف الثاني من هذا القرن العشرين الذي شهد ويشهد أعتى الحملات على الإسلام ورجاله... أقول: ورجاله... الرجال الذين صدعوا بالحق، ولم يبالوا بظالم، أو داعر، أو ديّوث خان دينَه وباع أمّته بدنيا سواه وكان حذاءً يحتذيه الملعونون الطغاةُ البُغاة، ثم لا يلبثون أن يخلعوه بعد أن يُفتَضَح أمرُه، وتكون شتيمتُه على كل لسان...).
وقد قال د. محمد علي الهاشمي مخاطباً الشيخ : ( كنت صابراً محتسباً راضياً لم تند من شفتيك كلمة سخط على ما أصابك أو تبرم مما أنت فيه أو ضيق من ضعف تعانيه بل كانت ابتسامة الرضا والطمأنينة والقناعة لا تفارق شفتيك معبرة عن نفسك المترعة بشعور المؤمن الراضي بقضاء الله وقدره .
محطة بغداد :
وكتب الأستاذ عبد الله زنجير متذكراً:
محطة بغداد، هي حوزة الخطوط الحديدية السورية، بناها العثمانيون في ( حلب ) سنة 1919 م بعد أن وضعت السفربلك أوزارها، لتكون نقطة النقل لبغداد من الشام و المدينة المنورة
اليوم تعتبر من أكثر الأحياء تنوعا و عصرية .. جنوبا لا يفصلها عن ساحة سعد الله الجابري سوى ( الحديقة العامة ) التي كانت ملكا لنافع باشا الجابري ، أهداها له السلطان رشاد . ويحيطها من الشمال حي السريان، وشارع الفيصل غربا والعزيزية شرقاً، ويتوسط استطالتها نهر قويق المتصابي
من أي أطراف الحديقة العامة لابد وأن يصافح ناظريك، ذلك الجامع المهيب الرابض على غرة محطة بغداد، إنه جامع عمر بن عبد العزيز - الخليفة الخامس - أو جامع الأستاذ الشيخ عبد الله ناصح علوان .. هذا الرجل الفذ أدهشني استقباله و ترحيبه بفتية صغار، حين أخذني لزيارته إلى داره - جوار الجامع - الأخ الشهيد السعيد ( محمد أبو صالح ) أواخر السبعينيات، فلم أعرف من كان أكثر تواضعًا وتوددا مع الناشئين منه ، ومن الأستاذ الرائع - محمد منلا غزيل - شاعر منبج المبرز . لقد رحل الشيخ د . عبد الله علوان بعد معاناة مريرة مع المرض ، و دفن في مكة المكرمة قرب السيدة أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - سنة 1987 م
محطة بغداد، الحي الذي اقتطع من كبده عشرات الشهداء في الثمانينيات، الشهيد سعد الدين علوان - بكر الشيخ - والشهيد عز الدين علوان - ابن أخيه - والشهيد لطفي مارديني والشهيد عبد القادر نعساني والشهيد عماد قصاص والشهيد محمد السماني وغيره .. لم تسقط أحلامه في الهاوية، وبقي يستشرف غده المشرق على حافة الحضور والانتظار
في 16 / 6 / 2012 م استجاب ونفذ دعوات الإضراب العام ، وكان الرد مؤلما كالعادة .. إصابة العشرات واعتقال العشرات واستشهاد الشاب خالد فتال
لا حدود للثورة في سورية، طالما بقيت توسلات ومشاعر وأسئلة الناس، تحت البسطار والساطور
الشيخ الدكتور عبد الله ناصح علوان رحمه الله (1928-1987)
كما كتب الشيخ الكاتب القطري ( إبراهيم عبد الرزاق آل إبراهيم يقول:
"العالم والفقيه والداعية والمعلم.. المربي والمعلم والواعظ.. موجه الدعاة إلى بصيرة.. لا يعرف الراحة بل يجهد نفسه بالعمل.. شعلة متدفقة بالحيوية والنشاط.. همة عالية.. جريء في الحق.. مدافع عن الإسلام لا يعرف الكلل ولا الملل حتى في مرضه.. يدعو إلى التمسك بشرع الله تعالى.. لا يهمه التهديد أو الوعيد من قبل أعداء الإسلام.. يتصدى بقوة لمروجي الأفكار الهدامة التي تشوه معالم الإسلام.. يحب الوحدة وجمع الكلمة والرأي.. الاعتدال والوسطية منهجه.. ابتسامته مشرقة.. وكلماته هادفة.. يسأل عن أصدقائه.. إذا طُلبت منه المساعدة في أمر ما لا يعتذر، بل يُسارع في المساعدة.. كريم في ضيافته.. لا يتخلف ولا يعتذر عن أي دعوة توجه إليه.. له علاقات اجتماعية وطيدة، يزور الجميع القريب والبعيد.. متواضع في علمه.. الإيثار على النفس.. حسن المعاملة مع الناس، لا يميّز بين هذا وذاك.. يحب الخير والنصح والإرشاد للمسلمين.. علّم كثيرا من الشباب فن الخطابة وأساليب إلقاء الدروس..".
ونمضي مع كلماته ودرره المضيئة رحمه الله:
- "هذه الشريعة تفي بحاجات الزمن المتطور، وتواكب حضارة العصور المتقلبة".
- "الداعية الموفق هو القوة المحركة لعملية الدعوة، وحركة سيرها وامتدادها".
- "الدعوة إلى الإسلام خالصاً متكاملاً غير مشوب ولا مجزّأ".
- "فإذا خلا الداعية من معالم الروحانية الشاملة فقد خلت حياته من كل أثر وتأثير وعطاء، وتخبط في دياجير العجب والنفاق والرياء، وتعثر في أوحال الغرور، والأنانية والكبرياء، وسعى جهده في أن يدعو لشخصه لا لله، وأن يبني أمجاداً لنفسه لا للإسلام، وأن يعمل لدنياه لا لآخرته".
- "الإخلاص في حقيقته قوة إيمانية، وصراع نفسي، يدفع صاحبه - بعد جذب وشد - إلى أن يتجرد من المصالح الشخصية، وأن يترفع من الغايات الذاتية، وأن يقصد من عمله وجه الله لا يبغي من ورائه جزاء ولا شكوراً".
- "من بساطة الشريعة ومعقوليتها أنها أمرت الإنسان أن يفكر ويقدر ويتأمل، ليصل إلى حقيقة الإيمان بواجد الوجود سبحانه".
- "اعلم رحمك الله أن الدعوة إلى الإسلام أصبحت في هذا العصر فريضة شرعية، وضرورة حتمية على كل من انتسب إلى أمة الإسلام"، "كل يقوم بهذه المهمة على حسب حاله، وحسب طاقته، وحسب إيمانه، وحسب تحسسه بواقع المسلمين، وأحوال المجتمعات البشرية".
- "المسلمون الأولون... انطلقوا يعلنون للدنيا أنهم دعاة حق، ومصابيح هدى، وحملة رسالة، وأئمة خير وإصلاح".
فرحمك الله رحمة واسعة، وأسكنك فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
ومات أبو سعد ...
كتب الدكتور حامد أحمد الرفاعي يقول :
أجل مات الشيخ الدكتور عبد الله علوان.. وكل الناس يموتون ..فالموت ـ قدر الله تعالى ـ في خلقه..ولكن قليل هم الذين يكون لموتهم أثر في حياة أمتهم …وبصمات ثابتة على دروب الأجيال من بعدهم …فقيدنا العالم الكاتب أثرى المكتبة الإسلامية بنتاج معروف في إطار التربية والتكوين، واجتهد في مجال الفكر والتصور، أرجو الله تعالى أن يكون ذلك رصيده الذي لا ينضب رحمة و مغفرة ..والفقيد عرفته بلاده داعيةً دؤوباً في تحقيق ما يعتقد..مخلصاً في تنفيذ ما يؤمن به…بل عرفته عالماً عاملاً قال كلمة الحق وعمل لها حتى أوذي في عمله الوظيفي ومصدر عيشه، وأوذي في أهله وذويه تقتيلاً وتنكيلاً فصبر واحتسب، وأصابه ما أصابه في مرضه فاحتمل وصبر، ونحسبه قد لقي ربه وهو كذلك.. ولا نزكيه على الله ـ فله إن شاء الله أجر الصابرين وثواب المحتسبين..
أجل هذا فقيدنا وهذه بعض خصاله ومناقبه ... نسأل الله أن يحسن عزاء أهله وإخوانه وأن يخلفهم بمن يحقق نصرة الحق ودحر الباطل ... رحمك الله يا أبا سعد رحمة واسعة ... وأسكنك فسيح جناته وألحقك بالخيار من أبناء هذه الأمة ... ولا نقول لفقدك ومصابنا فيك إلا ما يرضي ربنا جل شأنه.. إنا لله وإنا إليه راجعون، وسلام عليك في دار اليقين … والحمد لله رب العالمين .
وقال عن الشهيد عبد الله عزام رحمه الله: "عرفتك من خلال كتبك أباً حانياً، ومربياً مرموقاً، وعالماً فذّاً وداعية يُشار إليه بالبنان، وقائد جيل متعطش لفهم القرآن... وأخاً كبيراً وصديقاً حبيباً ورفيقاً رؤوماً كريماً".
وقال الشيخ حسن عبد الحميد عنه :
عالم جليل وداعية عظيم .. بل مدرسة تربوية وعلم من أعلام الدعوة .. شعلة متدفقة بالحيوية والنشاط وموجه الدعاة .. الداعية المعلم بهمة عالية .. جرئ في الحق لا يهمه تهديد أو وعيد .. نال شهادته من الأزهر الشريف، واعتقل في مصر في عهد العبد الخاسر 1954 .. اتخذ من جامع عمر بن عبدالعزيز بحلب مقرا له جمع فيه الشباب . لي معه ذكريات وذكريات في النشاط الدعوي سافرت معه إلى دمشق وزرنا مسجد عبد الكريم الرفاعي وقمنا بزيارة البوطي .. ثم توجهنا إلى عمان بسيارة الأخ أحمد عبد الهادي العثمان وزرنا مركز الإخوان والتقينا بعشرات الدعاة وزرنا نادي اليرموك الرياضي وكان معنا منشد الدعوة أحمد البربور حضرنا حفلا خطابيا في مدينة الزرقاء ومحاضرة قيمة للأستاذ عمربهاء الدين الأميري ألقى بعده البربور أناشيد دعوية ألهبت الحضور ...
رفيق الدرب والدعوة : عرفته فعرفت الفضل شيمته عف الضمير سديد الرأي والنظر إني لأذكر أعواما بصحبته فأنثني ودموع العين كالنهر كان أبو سعد علوان شيخ الكرم مضيافا لا يخلو بيته من إخوته خاصة أيام تصحيح أوراق الشهادات في المأمون بحلب .. وكان لديه مكتبة عامرة بالنفائس من الكتب . نشاطه الدعوي كبير في المساجد والمحافظات والمخيمات التربوية زارنا في الباب كثيرا في مسجد أبي بكر الصديق وله في مزرعة الحسين المحمد العثمان لقاءات وذكريات . واشتد البلاء وغادر إلى السعودية وزارني في نجران وعمل استاذا في جامعة الملك عبد العزيز بجدة . قال عنه الشيخ علي الطنطاوي "بأنه مثال المجاهد المكافح في النصف الثاني من هذا القرن العشرين الذي شهد ويشهد أعتى الحملات على الإسلام ورجاله ".
من كتبه :
- تربية الأولاد في الإسلام .
- حتى يعلم الشباب .
- ثقافة الداعية .
- حرية الاعتقاد في الشريعة الإسلامية .
أيام في البدروسية:
من جملة النشاط الدعوي الذي كان يقوم به الشيخ عبد الله علوان إقامة مخيم تربوي على شاطئ البحر للتفرغ للعبادة والدراسة ولقاء الأحبة . عشر خيام انتصبت على الشاطئ بنظام كشفي وحياة بسيطة على الرمل فئة للتدريس وأخرى للطبخ يتخلل ذلك النشاط الرياضي والتربوي والمحاضرات .. وألقى أبو سعد محاضرة تربوية قيمة وألقيت كلمة مناسبة . كان بجانبنا خيام الإسلاميين لعلماء من حلب فإذا حانت الصلاة انتظم الجميع في صف طويل من المصلين من جميع المشارب وماأحلى صلاة الجماعة على شاطئ البحر . زارنا بعض العلماء الأفاضل منهم سعيد حوى وأحمد قلاش وكنا نصعد إلى الجبل المطل على البحر في أعلاه نبعة كان ينزل قربها الكثير من الشباب العرب ، ومنهم بعثة من جامعة الأزهر ومعسكر لكشافة الدول العربية .. رأيت شابا يحمل شارة جامعة الأزهر وهو كاشف الفخذين فقلت له : هذا لا يجوز ؟ قال دا على مذهب مالك ؟ قلت له : الإمام مالك يجعل العورة قسمان (مغلظة ) هي السوأتان و(مخفضة) وهي الركبة والفخذ فهذا لا يجوز فسكت ، وكان يضع خاتما من ذهب في أصبعه فقلت : وماهذا يا أزهري فقال لي : يوه دا أنت رجعي فظيع . قرب النبعة أشجار الدراق على مد البصر وما أجمل الجبل في البدروسية حباه الله بمناظر خلابة
وماء النبعة يمشي على أرض حصباء تتتيح للماشي عليه برودة وجمالاً . قرب النبعة جامع صغير يخطب فيه واحد من تلاميذ أبو سعد فلما رأى أستاذه، وكان يوم الجمعة قدمه للخطابة وأذنك أن تسمع درر أبي سعد، وهو بين السماء والأرض . هذا الجامع عدت له بعد ربع قرن سألت عن الإمام قالوا بعنف قلعناه ؟ وأما شجر الدارق وأراضيه فقد اشتريت من قبل القوم وصرنا غرباء في وطننا !! وماء النبع بدل أن يسير على الحصى جر بمولدات إلى القرية القريبة، وبقي لنا فقط ذكريات أيام خلت كنا نستمع فيها إلى الأفاضل من إخواننا في دروس الفجر متذكراً قصيدة ( يا موج البحر أنت أحلى من الزهر)، رحمك الله أبا سعد علوان، وغفر لك فقد أخذت بيدنا إلى حياة روحية غامرة وعامرة وإلى اللقاء هناك على حوض النبي الكريم إن شاء الله .
وسيتم إصدار كتاب عن حياة الشيخ وما قيل عنه مفصلاً من أحد محبيه وسنضعه في الموقع حين يتم الانتهاء منه إن شاء الله تعالى .
وكتب ولده الأستاذ ( ياسر علوان ) يقول :
في مثل هذا اليوم الخامس من محرم عام 1408هـ توفي "العالم والفقيه والداعية المربي الشيخ عبدالله ناصح علوان عن عمر ناهز تسعة وخمسون عامًا..
ولد فقيد التربية والدعوة - رحمه الله - في حي قاضي عسكر بمدينة حلب سنة 1928م في أسرة متدينة معروفة بالتقى والصلاح ونسبها الطاهر الشريف.
كيف يستطيع المرء أن يوفي حق هذه الذكرى في أسطر معدودة وهو العالم المجاهد مربي الأجيال الذي تحدث في قضايا المسلمين وتابعها بجهده ولسانه وقلمه منذ كان فتيا حتى وافاه الأجل...
إنه موجه الدعاة إلى بصيرة.. لا يعرف الراحة بل يجهد نفسه بالعمل.. شعلة متدفقة بالحيوية والنشاط.. همة عالية.. جريء في الحق، لا يخشى في الله لومة لائم.. مدافع عن الإسلام لا يعرف الكلل ولا الملل، حتى في مرضه الذي فتك بجسمه فأبقاه جلداً على عظم.. يدعو إلى التمسك بشرع الله تعالى.. لا يهمه التهديد أو الوعيد من قبل أعداء الإسلام.. يتصدى بقوة لمروجي الأفكار الهدامة التي تشوه معالم الإسلام.. يحب الوحدة وجمع الكلمة والرأي.. الاعتدال والوسطية منهجه.. ابتسامته مشرقة.. وكلماته هادفة.. يسأل عن أصدقائه.. إذا طُلبت منه المساعدة في أمر ما لا يعتذر، بل يُسارع في المساعدة بكل ما يستطيع.. كريم في ضيافته.. لا يتخلف ولا يعتذر عن أي دعوة توجه إليه.. له علاقات اجتماعية وطيدة، يزور الجميع القريب والبعيد.. متواضع في علمه.. الإيثار على النفس.. حسن المعاملة مع الناس، لا يميّز بين هذا وذاك.. يحب الخير والنصح والإرشاد للمسلمين.. علّم كثيرًا من الشباب فن الخطابة وأساليب إلقاء الدروس..". فقدناك منذ ثمانية وعشرين عامًا وما زالت ذكراك بين العالمين في صعود ..أخلصت لدين الله فلم تداهن في الله حاكمًا ولاجبارًا فلم تلن لجبار ظالم عنيد"
للشيخ رحمه الله مؤلفات عديدة تزيد على خمسين مؤلفًا، سدت ثغرةً كبيرة من حاجة المجتمع الإسلامي من كتب فكرية ودعوية وفقهية، أشهرها كتابه العلم "تربية الأولاد في الإسلام" الذي سار ذكره مسير الشمس في العالم الإسلامي، وتُرجم إلى جميع اللغات الحية . فهذا الكتاب الفريد من نوعه ذكر بعض أهل العلم والاختصاص أنه عمل تربوي فريد، مُنَوِّهين بأنه أفضل ماأُلِّفَ في مجاله ـ وما زالت كتب تربية الأولاد عالةً عليه حتى يومنا هذا تنهل منه وتعتمد عليه.
قال عنه الشهيد عبد الله عزام رحمه الله: "عرفتك من خلال كتبك أباً حانياً، ومربياً مرموقاً، وعالماً فذّاً وداعية يُشار إليه بالبنان، وقائد جيل متعطش لفهم القرآن... وأخاً كبيراً وصديقاً حبيباً ورفيقاً رؤوماً كريماً". وقال فيه الشاعر المبدع الأستاذ عبد الجبار الرحبي قصيدةً مطلعها:
جزاك الله عبدَالله خيرًا بما أوضحت بالقلم الفريد
رحم الله شيخ الدعاة والمربين الذي مات شهيدًا في هجرته إلى الله تعالى، وشهيد جهاد الكلمة الذي لم يداهن فيه أشد جبابرة العصر المقبور حافظ الأسد، فدس له السم إذ لم يتمكن منه بفضل الله وبفضل دعوة والده الولي ألا يمكن منه ظالمًا ، وأكرم نزله وجعل جهده وجهاده وكلمته صدقة جارية يرقى بها الدرجات العُلا من الجنة إلى يوم الدين، ورحم الله والده الصالح الولي الحاج سعيد-رحمه الله- الذي تفّرس في ابنه فسماه اسمًا مركبًا "عبدالله ناصح" نعم قد نصحت عبدالله الأمة جمعاء، فلم تدع لهم أمرًا من أمور دينهم إلا نصحت فيه وبينت ،
فكتب الله لك ولكتبك القبول في الأرض، ونحسب أن هذا بشرى قبولك في السماء، فطوبى لذكرى المخلصين .
عالم فقدناه :
ورثاه شاعر طيبة محمد ضياء الدين الصابوني -رحمه الله- بقصيدة نشرتها مجلة المجتمع الصادرة عن جمعية الإصلاح الاجتماعي (الكويت )، العدد (851 )، السنة (18 )، بتاريخ ( 22 جمادى الأولى 1408ه ) ، جاء في مطلعها :
قالوا: قضى الشيخ (علوان) فقلت لهم ذاكم (أبو سعد) ألا يا نفس فاعتبري
ما كنت أحسب أن الموت يرصده حتى دهاه، ونمضي نحن بالأثر
إني لأذكر أعوامـــــــــــــــــــــــــاً بصــــــــــــــــــــــــحبته فأنثني ودموع العين كالنهر
ويعدد الشاعر صفات الراحل الكريم من عفة، وسداد الرأي، وبعد النظر فضلاً عن العلم والخطابة في مساجد حلب، فيقول :
عرفته فعرفت الفضل شيمته عف الضمير، سديد الرأي والنظر
واحسرتاه على ماض برفقته فكان - والله- ملء السمع والبصر
ونحن في (حلب الشهباء) في رغد والعيش صاف بلا همٍ ولا كدر
كانت مجالسنا بالعلم عامرة كالروض ما شئت أن تجنيه من ثمر
كانت مساجدنا بالدين زاخرة و(خطبة) كم لها في القلب من أثر!
واليوم أبكيه من قلبي وعاطفتي والحزن ما بين مكشوف ومستتر
أبكي الشمائل ما أسمى شمائله ! مستمتعين بخلق كالشذى العطر
أبكي الفضائل ما أحلى فضائله ! كأنما هي أنغام بلا وتر
لله أيام ودّ بيننا طويت طي السجل، وفي أمن من الغير
وكان الشيخ علوان في مرضه الأخير مثال الصبر والثبات، لا يظهر الشكوى ويبدو عليه الرضا والتسليم بقضاء الله وقدره، فقد نزل عليه البلاء وسجن مرتين فصبر، وأوذي في أولاده فلذات كبده قتل أحدهم (سعد الدين)، وسجن الآخر (شريف) ، فصبر، وأوذي في عمله الوظيفي ومصدر عيشه، وأصيب بمرض عضال في كبده فصبر، فلقد كان رحمه الله مثالاً للداعية الصابر :
قد عدته فرأيت الصبر شيمته ولم يكن يظهر الشكوى إلى بشر
قد كان يحمده في كل آونة و ذا دليل على التســـــــــــــــــليم بالقدر
لم يشك ضراً وعين الله تكلؤه بل كان في حمده دوما وفي شكر
الصبر شيمته والحمد عادته والشكر معقله والنفس في خبر
دعني أرق عبرات بت أكتمها تؤجج النار في الأضلاع بالشرر
وكل نفس تذوق الموت راضيةً فإنها في جنان الخلد مع (عمر)
سألتني لأخي (علوان) مرثية خذها من القلب لا قولاً بمستطر
أنا المقيم على حفظ الوداد إذا تنكر الصحب أو حالت رؤى الغير
ما قلته اليوم من فيض الإخاء ومن محض الوفاء ومن قلبي ومن فكري
وأشاد الشاعر بمؤلفات عبد الله علوان، ولا سيما كتابه ( تربية الأولاد في الإسلام):
أمضى (بتربية الأولاد) أزمنةً وكان يكتب في صدقٍ وفي صور
مشاهد حية تأتيك رائعةً فيها العظات وســــــــــــــــــــــــلوان لمدكر
قضى(شهيداً) ولما يشك من ضرر وما لمست به شيئًا من الضجر
(العالم العامل) المحمود سيرته يسير وفق كتاب الله والأثر
تبكيه (جامعة) ربى شبيبتها على (الجهاد) وقول الحق والدرر
تبكي الشباب عليه أنها فقدت فرداً، لقد كان ملء السمع والبصر
كم مقلة لفراق الشيخ دامعة كأنما قد أصيبت فيه بالضرر
والموت كالأسد المهتاج يأكلنا نحن الضحايا من بدو ومن حضر
يسعى إلينا ونسعى نحو أحتفنا فليس يطرقنا إلا على قدر
صبرًا جميلاً ، فما الشكوى بنافعةٍ إلا بصبر كحد الصارم الذكر
إن غبت عنا فذكراكم بخاطرنا ولم تغب صورة (العلوان) عن نظري
إن المصائب تنسي كل خاطرة وكيف تنعم بالآمال والفكر ؟
وكل نفس لكأس الموت ذائقة وكلنا هدف للموت فاعتبر
هذا فراقك قد أضنى به كبدي خلفتني للأسى والهم والسهر
يموت من مات لا يبكي له أحد وموتك اليوم أحزان لدى البشر
فيا له نبأ أوهى به جلَد وإن فيه لذكرى لمعتبر
وقد فقد الشيخ أولاده شهداء في ريعان الشباب، فصبر، ولم يجزع:
فأين (سعد) ولم يجزع لمفقده وذا (شريف) قضى في رتق العمر
بيني وبينك (عبد الله ) آصرة من الإخاء وحبي سيد البشر
(شفيعنا) أحمد المختار قائدنا وصفوة الخلق والسادات من مضر
وأسأل الله ( للعلوان) مغفرةً جنات عدن كما قد جاء في السور
صلى الإله على الهادي وشيعته وصحبه الغر في الآصال والبكر
رثاء الشيخ عبد الله علوان:
وكتب الشاعر ( أبو أنس محمد إياد الصلاحي) قصيدة يرثي فيها العلامة عبد الله ناصح علوان، فيقول في مستهلها :
أبكي وما أسفي على الأبدان أبكي على الفكر الذي أنداني
أبكي على الروح التي أروت لنا مهج القلوب بحكمة وبيان
أبكي على علم أنار دروبنا بالعلم والإخلاص والإحسان
ولأول مرة نرى الشاعر يبكي في الرثاء بل يؤكد ذلك، ويصرّ عليه، فيكرر كلمة (أبكي) أربع مرات، وكيف لا يبكي على ذلك العالم العلَم الذي أقضَّ مضاجع الطغاة :
علمًا بفكر قد أقض مضاجعًا للظالمين بغربة الأوطان
أعلى بعزم شرعة وشريعة أثرى بهدي سائر البلدان
فاللطف في طبعٍ وكل حديثه سكب ومن در الكلام جمان
والأنس في جمع يفيض بإلفه فيجود في علم وفي تبيان
والهمة الشماء كانت دائمًا سمة له يعلو بكل مكان
إنه لطيف الطبع والحديث وطيب المعشر، يألف ويؤلف، ويمتلك الهمّة القعساء، ولكن طواغيت الأرض وقفوا في وجهه وصوبوا نيرانهم ضده :
لكن طاغية وجندًا للخنا وقفوا وفي رصد وللإيمان..!
وقفوا يرون مشاعلاً لهداية فيسددوا حمماً من النيران..!
وليقذفوا ظلماً و حقداً للألى بقذائف الغدر المرير..بجاني
فيذيقه سماً زعافاً قاتلاً يبقى يلاقي الويل منه يعاني
فيذوب محموم الفؤاد مكابداً يمضي الشهيد معطرًا لجنان
فالشاعر هنا يعدد صفات الشيخ الراحل، فيذكر منها: الحكمة والبيان والفصاحة والعلم والإخلاص والإحسان، وفضح الطواغيت، وقول الحق أمام سلطان جائر، ويتابع الشاعر تعداد تلك الصفات، فيقول :
أتراهم كسبوا العراك بجولة بل إنهم في أخسر الخسران
وقفوا يسدون الدروب لشمسنا عبثاً وهل يعدى على الأكوان
خسئوا مما عرفوا حقيقة أمرنا فالجرح يلهب شعلة بكيان
ويؤجج المهج القلوب ينيرها تعلي لواء الحق بالإيمان
والله ناصر دينه وجنوده والله يمهل للطغاة لآن
لهدية أهدى سأبقى ذاكراً أدعو له في السر والإعلان
إن الله سوف ينصر جنوده مهما طال الزمان، ويرجو الشاعر في ختام قصيدته أن يلتقي بالأحبة في جنان الخلد:
أرجو لقاءً بالإخاء بديننا في روضة وبظلها النديان
وإلى الشهادة والجنان وخلدها وإلى النعيم وجنة الرضوان
ويستخدم الشاعر البحر الكامل الذي يتناسب مع غرض القصيدة . ويحسن الشاعر في اختيار حرف الروي ( النون المكسورة ) لتلائم حزنه وانكسار نفسه وأنّة الألم في وجدانه .
رثاء الشيخ الداعية عبد الله ناصح علوان :
ونأخذ الأمثلة من شعره، فها هو العلامة الشيخ عبد الله ناصح علوان- رحمه الله-، يرحل، ويترك في الحلق غصة، وفي العين دمعة، وفي القلب ألماً وحرقة، فيكتب الشاعر الإسلامي د. محمد حكمت وليد قصيدة في رثائه بدأها بالتصريع على عادة القدماء، يقول فيها :
أبا سعد رحلْت وكنت فينا مثالاً للدعاة ... المخلصينا
بكى لفراقك الأحباب طرًّا حيَّاك الهداة المؤمنونا
تَفطَّر قلبُهم حزنًا دفينًا فاضت عينُهم دمعًا سخينًا
عليك سلام ربك في البرايا أشواق الملائك ... أجمعينا
وعلى عادة القدماء يدعو الشاعر أن يسقي الله قبر العالم الراحل بالغيث والمطر، فيقول:
سقَتْ عينُ الغمام هناك رمسًا مكة ضم ... عينك والجفونا
ويا أرضَ الحجاز حييت أرضًا ترابُك روضة ... للصالحينا
لقد رحل الشيخ أبو سعد الذي كان مضرب المثل في الإخلاص والتفاني والتضحية والفداء؛ لذا حزن عليه جميع عارفيه ومحبيه، ويدعو له الشاعر، ويطلب لقبره السقيا وهطول المطر الذي يرمز للرحمة والخير والبركة، ويلقي التحية على أرض الحجاز؛ لأن تربتها قد حوت قبور الصالحين والعظماء من أمثال الصحابة والتابعين والشيخ علوان..، ويتابع الشاعر قصيدته التي تتسربل بالرقة والعذوبة، فيقول :
أخا الإسلام كنت أخًا كريما عند مصابنا قلبًا ... حنونا
رمَتْك سهامُ دهرك بالرزايا كنت من التقاة الصابرينا
خرجتم في البلاد مهاجرينا هذي سُنَّة في الأولينا
ونافحتم عن الإسلام دهرا صنتم عرضه .. لغة ودينا
لقد نافح الشيخ عبد الله علوان عن قيم الإسلام ومبادئه، وبقي ثابتاً على الحق حتى لقي جه ربه راضياً مرضياً نحسبه كذلك، ولا نزكي على الله أحداً، ولم يكن مثل بعض العلماء الذين ركنوا إلى الدنيا، وكانوا من علماء السلطان وأعوان الظلمة:
وإن رَكَنَتْ إلى الدنيا دعاةٌ أنت من الدعاة .. العاملينا
تقلَّبَتِ القلوبُ بنا وكنتم إلى يوم المنية .. صامدينا
أبا سعد رأيتك .. والمنايا تصارعكم فتصرعها سنينا
إلى أن جاء يوم كان فيه قاؤكمُ برب العالمينا
تأذى من سهام الداء جسم لكن روحكم كانت معينا
ولم أر مثل عودك في البرايا وى ورسًا وضوَّع ياسمينا
ويناجي الشاعر ذلك الشيخ العالم، ويصور شجون الذكريات ووهج المشاعر، فيقول:
أبا سعد وللذكرى شجون هيَّج في مشاعرنا الحنينا
فذكراكم هنا في الخالدينا حلت عن الديار وأنت فينا
وهكذا تأتي قصيدة الرثاء عند الشاعر محمد حكمت وليد مسربلة بالمشاعر، متسمة بالصدق ووهج الذات، وغنية بالعاطفة الجياشة، وثرية بالألفاظ التي جاءت فيها موحية معبرة، أما التراكيب فهي قوية متماسكة مترابطة يأخذ بعضها برقاب بعض .
في ذمة الله :
وكتب الشاعر، الداعية، الكاتب، المهندس (طاهر أحمد الحمدو)، مهد لقصيدته بقوله : هذه زفرات مكلوم في رثاء الفقيد الغالي عالم حلب المربي الكبير والداعية إلى الله فضيلة المرحوم الشيخ الدكتور عبد الله علوان الذي توفاه الله يوم الخامس من محرم 1408هـ حيث رثاه بها صهره المهندس (طاهر أحمد الحمدو) إنا لله وإنا إليه راجعون .
في ذمة الله من أمسيت أبكيه ومن بقلبي ونفسي روح ماضيه
من كان بالأمس مزداناً ببهجته يفيض منها على الظامي فيرويه
قد كنت قبل إذا ما اشتد يحزبني هم هرعت إلى عمي يداويه
شهدت بالله - والموتى محاسنهم تتلى – فذو الحاجة الملهوف يدنيه
في نفسه رقة يبكي لذي ألم في كفه رهق للمال يعطيه
ما كان أقساه من يوم على كبدي وليس ثَمَّ أبو سعد يواسيه
وكيف أمسك نفسي دونما ألم وقد وقفت على رمس يواريه
وقد وصف الشاعر طاهر حمدو جنازة الشيخ عبد الله علوان، وكيف أسرع إخوان الشيخ إلى الجدث الطاهر، فغسلوه، وكفنوه، وشاركوا في دفنه :
توافد الإخوة الأحباب في جزع لما أتاهم بريد الموت ينعيه
أحاط بالجدث الغالي أحبته وا لهف نفسي على من قد غدا فيه
الكل يرنو إلى الجثمان يخنقه فيض من الدمع يجري في مآقيه
قالوا وقالوا فما وفت مقالتهم وهل يحيط بسفر الفضل تاليه
لكنه ألم في كل جارحة وليس كالألم المعصار يرثيه
وقد جف زيت سراج النور وانطفأت شعاعة البيت و اربد الذي فيه
فليس يجدي إذا ما قيل كان هنا نور وقد عمت الظلماء في التيه
لكنها لوعة في القلب ينفثها من كان في قلبه وقد وفى فيه
ويطلب من إخوانه بألا يلوموه على جزعه وبكائه لأنه كان السند العظيم وصاحب الهمة القعساء، يبكي حرقة وأسى على آلام أمته :
فلا تلوموه أن سالت محاجره دمعاً هتوناً لعل الدمع يشفيه
فقدت يا إخوتي في فقده كنفاً يأوي إليه أخوهم فيؤويه
عرفت فيه الجبالُ الشم راسية ماض مع الدهر لا يخشى عواديه
يرنو بهمته القعساء في جَلَدٍ إلى العظائم ليس الخوف يثنيه
أقضَّ مضجعه آلام أمته وهاله الشر يستشري بناديه
يثور لله لا يخشى به أحدا يسعى إلى الحق صلباً في تبنيه
يمشي لغايته المثلى على ثقة ما كان غير ركوب الصعب يرضيه
توجهت نحوه الأنظار في حلبٍ والتف من حوله التأيد يحميه
سل المساجد فيها سل مدراسها والكل مصغ لدرس قام يلقيه
ما كان يجهل أن العين ترقبه حتى تَحَرُّكه في الحي تحصيه
ما ضره كثرة التضييق إن سلكوا في منعه جبلاً أفضى لواديه
وعندما ضاقت عليه السبل وسد الطغاة أمامه الطريق، هاجر إلى الحجاز؛ ليواصل جهاده الدعوي :
حتى إذا لم يعد في الأمر متسع وأوشك المكر والإرهاب يرديه
مضى لهجرته في الله لا هرباً وإنما قدر لله يمضيه
مستأنفاً سيره ما حل في بلد فليس يفتر عن جهد يؤديه
المبدأ الحق لا يختص في وطن ماجدَّ أمر فرأي الشرع يبديه
ثم ذكر الشاعر ما أصاب الشيخ من مرض عضال، ولكنه لم يستسلم رغم نصيحة الأطباء له بالراحة:
حتى إذا اكتملت لليث صولته وكان مثل منار الهدي في التيه
رماه داء عضال فت في كبد حتى غدا هيكلا من غير تشويه
لكنه لم ينل من نفسه مرض ولم يلن عوده للداء يرميه
مازال يعطي و يعطي لا يؤخره عن واجب البذل أدواء فشت فيه
حتى رمته سهام لا مرد لها فأسلم الروح للباري تحييه
قضى وعيناه ترقى في تطلعها ترجو وقد جف ماء النطق في فيه
حياك ربك عبدالله من رجل أفضى قريراً فلا قرت عواديه
وبعد :
يستحق الشيخ عبد الله ناصح علوان وفكره وآراؤه التربوية للدراسات العلمية الجادة أكثر مما رأينا في دنيا الناس، فلئن كتبتِ الأختُ الفاضلة ( عبير دخيل الله الحساني) كتاباً جيداً هو (رسالة ماجستير ) تحت عنوان: جهود الشيخ عبد الله علوان في الدعوة إلى الله . فهذا لا يكفي .. فأين بيان جهود الشيخ في التربية، والفكر، والسياسة، .. وما أظن طلاب الدراسات العليا إلا سيسارعون في سدّ تلك الثغرات في تاريخنا القديم والمعاصر، ومتى يتكرم إخواننا بتسمية المدارس والجامعات والمعاهد والحدائق والشوارع باسم شيخنا عبد الله علوان . رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً .
مصادر الترجمة:
1- تتمة الأعلام – محمد خير رمضان يوسف- ط2 ، دار ابن حزم بيروت- عام 1422ه : 2 / 28 .
2- الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة : ج1 / ص 136 .
3- جهود الشيخ عبد الله ناصح علوان في الدعوة إلى الله – رسالة ماجستير في كلية الدعوة وأصول الدين في جامعة أم القرى في مكة المكرمة بتاريخ 1433ه – إعداد الطالبة (عبير بنت دخيل الله بن داخل الحساني) .
4- مجلة المجتمع ( الكويت ): تصدر عن جمعية الإصلاحي الاجتماعي في الكويت .
5- موقع الشيخ عبد الله ناصح علوان: يشرف عليه أولاده .
6- الموسوعة التاريخية لجماعة الإخوان المسلمين .
7- رابطة العلماء السوريين – يشرف عليه الشيخ مجد مكي .
8- مقالة محمد فاروق الإمام - رابطة أدباء الشام – يشرف عليها الأستاذ عبد الله الطنطاوي .
9- أعلام الحركة الإسلامية المعاصرة في سورية – عمر محمد العبسو – مخطوط .
10- الشاعر الداعية د. محمد حكمت وليد ( رسالة ماجستير ) – أعدّها الباحث عمر محمد العبسو عام 2017م – مخطوط .
وسوم: العدد 797