الشاعر الداعية محيي الدين عطية محمد ..
(1934م – معاصر)
تمهيد :
لقد كان للحركة الإسلامية الكبرى التي قادها الإمام الشهيد حسن البنا بالغ الأثر في تربية جيل مؤمن بتعاليم الإسلام، جيل فهم الإسلام ( ديناً ودولة، مصحفاً وسيفاً، عقيدة وعبادة، نظاماً وتشريعاً) ..جيل قاد الأمة الإسلامية ضد الاستعمار بالفكرة الواعية والجهاد الصادق، وعمل على توحيد الشعوب الإسلامية في ظل راية القرآن، وسجل صفحات تاريخية رائعة تزخر بالبطولات والتضحيات وجلائل الأعمال .
في كنف هذا الجيل وفي ظل تلك الحركة المباركة ولد هذا الشاعر الداعية، والشهيد الحي، قد تتعجبون من هذا! ولكنه حقـًا كاد أن يكون شهيدًا في مجزرة لم يعرف التاريخ لها مثيلاً ، في محنة قضاها هو وإخوانه في سجن لأعتى الطغاة تجبرًا في عصره، في سجن من طغى وتجبر، في سجن من تفر عن وتأله، في سجن من استخف قومه فأطاعوه، ولم يراعوا حرمات أمرهم بانتهاكها، بل أمرهم بأن ينهوا عباد الله إذا صلوا، ولم يعبئوا إن كان من أمروهم على الهدى، أو كانوا على التقوى، بل كذبوا وتولوا، وتجهلوا عن علم بأن الله يرى، ونسوا وعيد ربهم إن لم ينتهوا ليُسحبُنَّ من ناصيتهم ثم ليُجرُّنَّ بها بقسوة وعنف إلى النار، وإن كانوا أصحاب بأس فليحضروا من استعانوا بهم في تعذيب المؤمنين وسيفاجئوا بزبانية جهنم تحملهم ومن استعانوا بهم إلى نار كانت لهم جزاء ومصيرًا.
بالرغم من قسوة ما لاقى من تعذيب إلا وتجده رقيق الإحساس والمشاعر، مرهف في أحاسيسه، تجد له قلمًا طيب التعبير، حسن التصوير، رائع التفسير يصوغ ما بداخله صياغة أديب بارع، فهو حقًا أديب بارع، وشاعر رقيق سخر قلمه للحق وللإسلام.
إنه الأستاذ الشاعر محيي الدين عطية محمد .
المولد، والنشأة :
عاش الأستاذ محيي الدين عطية حياة مليئة بالعطاء، فكان مولده في يوم الأول من يناير لعام 1934م / الموافق 15 من شهر رمضان لعام 1352هـ في حي منشية الصدر من أحياء القاهرة، وتربى في قاهرة المعزّ، وقضى الثلاثة أعوام الأولى من حياته فيها، ثم انتقلت أسرته به، وهو ابن الثالثة من عمره إلى حي السكاكيني بالقاهرة، حيث قضى فيه قرابة العشرة أعوام، حيث فارق في هذه المرحلة المبكرة من عمره أباه، وأمه، وأخته الكبرى، حيث مات أبوه، وهو ابن تسع سنين، ثم حصل على الابتدائية وبعدها بعام تقريبـًا ماتت أمه، ففقدهما مبكرًا، وفي نفس العام التي توفيت فيه أمه ماتت أخته الكبرى، فبذلك يكون قد انقطع حنان الأبوة والأمومة عنه كليةً.
احتضنته خالته، فذهب إليها للإقامة معها.
دراسته، ومراحل تعليمه:
والتحق عندها بمدارسها، وأنهى تعليمه الثانوي بمدرسة الحسينية الثانوية عام 1950م حيثُ كانت تقطن هي أيضًا في حي السكاكيني، وتعرف في هذه المرحلة على دعوة الإخوان المسلمين.
حصل من جامعة القاهرة على بكالوريوس التجارة (الاقتصاد) 1954م، ودبلوم الدراسات العليا (التسويق) من جامعة القاهرة 1964.
أعماله والوظائف التي تقلدها:
عمل بعد تخرجه في عدد من الشركات محاسباً وموظفاً للاستيراد والتصدير، ثم رئيساً لبحوث التسويق والمراجعة في مصر، ومديراً لدار البحوث العلمية بالكويت 1969 – 1987، ومنسق المكاتب الخارجية للمعهد العالمي للفكر الإسلامي بالكويت 1987 – 1991م، ومستشاراً أكاديميّاً بالمعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن من إبريل 1991.
في ركب الإخوان المسلمين:
تعرف على دعوة الإخوان المسلمين في عام 1946م، وكان قد بلغ من العمر اثنا عشرة سنة كان ساعتها طالب في الثانوية العامة، وكان سبب تعرفه بالإخوان المسلمين هو شقيقه الأكبر الدكتور جمال الدين عطية – حفظه الله- فالتحق بشعبة الإخوان المسلمين في حي الظاهر بالقاهرة، وكانوا يقيمون في الرحلات والأسر والمعسكرات للشباب ومحاضرات تعلم التفسير والتجويد وغيرها من دروس العلم الذي كان يتربى عليها الشباب في الشعبة، واستمر فيها حتى انتقل إلى شعبة الروضة.
وعاش محيي الدين مع إخوانه يشاركهم نشاطهم وكفاحهم، ويدعو إلى الله على بصيرة.
اعتقال في حداثة سن:
لم يمر عليه الكثير في ركب الإخوان حتى ابتلي باعتقال، وهو طالب في مرحلة التوجيهية (المرحلة الثانوية حاليــًا) حيث التحق بالتوجيهية في عام 1946م وكان الاعتقال في عام 1948م في الهايكستب قضى خلاله ثمانية أشهر بعدها في أوائل عام 1949م صدر قرارًا بالإفراج عن المعتقلين.
ما بعد الاعتقال:
بعد خروجه من الاعتقال عاد ليكمل دراسته الثانوية، فحصل على شهادة الثقافة من مدرسة الحسينية بالعباسية في عام 1949م وبعدها بعام أتم تعليمه في المرحلة الثانوية، وتخرج في مدرسة فؤاد الأول عام 1950م.
بعد الثانوية التحق بكلية الاقتصاد والتجارة جامعة القاهرة، وكانت إقامته في هذه الفترة ما بين منيل روضة وحلوان حتى تخرج فيها في يونيو من عام 1954م، من شعبة الاقتصاد.
ومن الجدير بالذكر أنه في مارس من عام 1950م ألغى رئيس الوزراء النحاس باشا معاهدة 1936م التي كانت بين مصر والإنجليز والتي أضرت بمصالح البلاد فبإلغاء هذه المعاهدة تحرك الشعب لمناهضة الاحتلال وحربه، فتجهزت كتائب من كل مكان من أنحاء البلاد ومن كل فئات المجتمع، وفي القلب منها الإخوان المسلمين، وفي القلب منهم طلابهم في الجامعات، فكونت كتيبة في جامعة القاهرة لمحاربة الاستعمار عام 1951، 1952م، واشترك فيها الكثير من طلاب الجامعة، وكان معهم وفي الصدارة فيهم الأستاذ محيي الدين عطية الذي لم يألوا جهدًا في أن يجاهد مع المجاهدين لتحرير بلاده من المستعمر الغاشم، وصحب الشهيد عمر شاهين في جولاته المشهورة في الجامعة وفي مراكز الحركة لإعداد كتيبة الجهاد، وكان ذلك في عام 1954م.
الاعتقال الثاني ... الأقسى:
بعد تخرجه من الجامعة في يونيو من عام 1954م، كانت الحادثة المشؤومة حادثة المنشية التي اتهم عبد الناصر فيها الإخوان بأنهم هم من دبروا لقتله، في حين أن هذا الاتهام لا يصمد أمام التحقيق الموضوعي وسرعان ما سينكشف أنه فرية كبرى نفذها عبد الناصر ورجاله للتخلص من الإخوان، وهذا ما أثبتته الكتابات المحايدة بعد ذلك من مؤرخين محايدين ومنصفين أمثال الدكتور أحمد شلبي وغيره، بسبب هذا زجَّ بكثير من الإخوان المسلمين في السجون، وأقيمت لهم المشانق، ونكلوا في سجون عبد الناصر تنكيلاً، وكان للأستاذ محيي الدين عطية نصيبٌ في هذا التنكيل؛ حيث كان اعتقاله في أوائل عام 1955م وكانت حادثة المنشية في أكتوبر من عام 1954م، قضى خلال هذا الاعتقال رحلة شاقة لا مثيل لها من العذاب الشديد فكأن طاقة من جهنم فتحت عليهم دون ذنب، قضى في السجن ثلاث سنوات، ويا لهذه السنوات من أهوال وويلات.
تنقل الأستاذ محيي الدين خلال هذه السنوات على ثلاث سجون من أكبر سجون مصر العتيدة المعروف عنها بالقسوة البالغة، فيها أشرس صناديد وزبانية عبد الناصرـ ففي السجن الحربي، وما أدراك ما السجن الحربي! عذاب بلا هوادة، وتنكيل، وتعليق، وتقتيل بلا رحمة، وتفنن في صب العذاب على المسجونين صبًا لا يطيقه إنسان أو حيوان أو حتى حجارة صماء، وكانت المحطة التي تليها كانت محطة سجن طرة، هذا السجن الذي تشهد جدرانه وأراضيه على أن دماء الإخوان أريقت فيه إراقةً لا نظير لها في التاريخ، وتشهد غُرَفُهُ ما دبره الغاشم الأثيم من كيد بشباب هم من خيرة شباب مصر، بشباب آمنوا بربهم، وترعرعت فيهم بذرة الصحوة الإسلامية بأنوارها المشرقة، حيث كان في عام 1957م مذبحة مروعة لـ 180 من الإخوان المسلمين أراد عبد الناصر أن يقتلهم شر قتلة، وأن يتخلص منهم فكاد لهم كيدًا، وكاد ربك كيدًا لهؤلاء الضعفاء المؤمنين الذين لا حيلة لهم، ولا سند لهم إلا الله.
في هذه المذبحة دبر لهم بليل أنهم سيقتلونهم قتلةً قانونية حيث ستكون هذه في الجبل، ويتهمونهم بأنهم أثاروا الشغب، وحاولوا الهروب لكن الله سلم حيث أنهم لو نفذت فيهم هذه الخطة لقتل 180 من الإخوان بغير ذنب ومتهمين كذلك فأعلم الله الإخوان بذلك، فرفضوا الخروج إلا أن جبروت المتجبرين لا يحده حدّ فما إن علموا بأن الإخوان رفضوا الخروج خوفًا على حياتهم وطلبوا التحقيق معهم من قِبـَل النيابة – وهذا تصرف قانوني – إلا وأصرّ الطغاة على إنفاذ ما بيَّتوه، فأدخلوا عليهم كتيبة مدججة بالسلاح داخل السجن، فقتلوهم في زنازينهم، وفتحت عليهم النار من كل حدب وصوب، فاستشهد منهم 21 ، وأصيب الأحياء جلهم، وجن 14 منهم، وكان من بين الذين أصيبوا، وكتب الله لهم الحياة كان الأستاذ محيي الدين عطية حيث كتب الله له حياة مليئة بالجهاد في سبيل نشر الفهم الوسطي للإسلام بعد ذلك حيث انتقل بعد سجن طرة إلى سجن القناطر، ثم خرج بالإفراج الصحي عن المعتقلين السياسيين في عام 1959م، وعن تفاصيل مذبحة طرة التي حدثت معه تحديدًا لم يبلغنا لتورعه عن ذكر ذلك ورغبته في أن يكون ذلك بينه وبين ربه.
استئناف الحياة بعد المحنة:
وعمل بعد تخرجه في عدد من الشركات. وبعد خروجه من هذه المحنة العصيبة استأنف حياته العملية بالعمل في شركة ( فولفو )، وكان وكيلها في القاهرة شركة الكويت والبلاد العربية للاستيراد والتصدير، وكان ذلك في 18/10/1959م وكان ساعتها يقيم في حي منيل روضة بالقاهرة، وكانت الشركة قريبة من منزله، قضى في هذه الشركة قرابة الثلاث سنوات.
في عام 1961م انتقل، فأقام في حي مصر الجديدة بالقاهرة ولبعد المسافة بين سكنه الجديد وعمله في منيل روضه قرّر البحث عن عمل، وبالفعل في الأول من يناير من عام 1962م جاءته فرصة عمل في شركة الدلتا الصناعية إيديال كمدير للتصدير، وكان هذا العمل بمثابة رزق الزواج حيث تزوج قبله، فكان زواجه في يناير من عام 1961م، وفي أكتوبر من نفس العام وهبه الله ابنه الأكبر هاني، فكان بشارة هناء لوالده حيثُ تّم تعيينه في وزارة الحربية كملازم احتياط في يونيو من عام 1962م، وبعدها بعامين حصل على دبلوم التسويق من جامعة القاهرة في شهر يونيو من عام 1964م.
الاعتقالين الثالث والرابع وحتمية الهجرة:
في الحلقة الثانية من حلقات تنكيل عبد الناصر بالإخوان المسلمين، قاسى أهالي المعتقلين حياة صعبة لأن رب الأسرة الذي يعولها ويتكفلها قد انقطع ذكره وانمحى أثره إلى حيث لا يعلم متى سيعود، إن عاد، فكان على الإخوان الذين هم بخارج السجون ولم يقبض عليهم أن يقوموا بالواجب الإسلامي من كفالة الأسر التي تستحق المساعدة فتكفلوها تحقيقًا للمبدأ الإسلامي في كفالة الفقراء فما إن علم عبد الناصر بذلك إلا قرر استئناف الحلقة الثانية من حلقات التأله والتكبر على خلق الله بغير وجه حق، وأصدر قرارًا من الاتحاد السوفيتي بالبحث عن التنظيم الإخواني المختفي، فبحثوا، واعتقلوا كل من سبق اعتقاله من الإخوان المسلمين، وكلّ من ساعد في إعالة الأسر الفقيرة المستحقة من أسر المعتقلين، وقبض على الأستاذ محيي في هذه المرة أيضًا كان ذلك في سبتمبر من عام 1965م، ووضع في سجن مزرعة طرة حتى أفرج عنه في ديسمبر من عام 1966م.
وما مرّت عدة شهور حتى أعيد اعتقاله في عام 1967م قضى خلاله سنة، وأفرج عنه في عام 1968م وبعد كل هذه المحن كان لا بدّ من الهجرة، فهاجر إلى الكويت بحثاً عن الحرية، وهروباً من بطش الطاغية.
في الكويت:
وبعد خروجه من السجن في عام 1968م كانت الهجرة إلى الكويت حيث عمل في شركة (أمريكانا) بالكويت، وعمل في الشركة الكويتية للأغذية، وقطن فيها بحي السالمية حيث ارتحل خلال هذه الفترة مع عمله إلى أكثر من دولة حيث سافر تركيا عدة مرات متفرقة وكذلك البحرين، ولبنان، وألمانيا، وبريطانيا، والدانمراك، فكانت فترة مليئة بالسفريات والتنقلات، نشر له خلالها أول مجموعة شعرية في عام 1969م.
في عام 1972م كانت الرحلة المحببة إلى قلوب ملايين المسلمين، رحلة الحج إلى بيت الله الحرام، فكانت منحة إلهية لا يعدلها منحة أخرى.
مما امتاز به الأستاذ محيي حبه في المثابرة وطلب العلم حيث حصل على دبلوم التكاليف من جامعة بريطانية بلندن عبر المراسلة كان ذلك في عام 1973م .
أنشأ دار البحوث العلمية للنشر والتوزيع بالكويت مشاركة مع الأستاذ صلاح عمار رحمه الله عام 1969م، فظل يعمل في هذه الدار قرابة الخمس سنوات، وما زال هناك يجاهد بالكلمة الواعية النيرة، وينتظر اليوم الذي يفرح فيه المؤمنون بنصر الله.
تميّزت هذه الفترة بالسفريات الكثيرة إلى عدة دول من بلدان العالم مثل دبي، ولبنان، وبريطانيا، والرياض، وباكستان، والهند، وإيطاليا كما وهبه الله -عز وجل- بزيارة بيته الحرام معتمرًا ثلاث مرات.
الكويت .. المرحلة الثانية:
تتميز هذه المرحلة بالعطاء الأدبي الوفير حيث بدأت ثماره الأدبية يراها الناس طيبه تخرج من شجرة يانعة غذتها السنون الطويلة بالأحداث الكثيرة والتجارب والدروس المستفادة والأستاذ محيي الدين شاعر مطبوع بدأ إنتاجه مبكراً، والتزم الإسلام طريقاً ومنهجاً، واعتبر شعره جزءاً من كفاحه وليس مادة خارجة عنه... وشارك إخوانه الشعراء في إبراز مزايا الإسلام والدعوة إلى تعاليمه ودحض مفتريات خصومه المعاصرين. وكان لشعره وشعر إخوانه دور قوي في الصراع الدائر بين شعوب الوطن الإسلامي وبين المستعمرين وأذنابهم الذين لا تنتهي مطامعهم .. في الصومال وأرتيريا وفي الفلبين وقبرص وفي بورما وفلسطين. وعاش هؤلاء الشعراء يتتبعون أنباء العالم الإسلامي، يصفون أحداثه ويرثون شهداءه ويثيرون مشاعر المسلمين وأحاسيسهم، ويدعون إلى الجهاد والبذل.
وكان لشاعرنا دور كبير في استنهاض الهمم وإثارة النخوة الإسلامية من أجل المجاهدين في الدول الإسلامية المنكوبة.
شاعريته:
الأستاذ محيي الدين عطية شاعر مطبوع بدأ إنتاجه الشعري، مبكراً والتزم الإسلام طريقاً ومنهجاً ، واعتبر شعره جزءاً من كفاحه وليس مادة خارجة عنه، وشارك إخوانه الشعراء، في إبراز مزايا الإسلام والدعوة إلى تعاليمه ودحض مفتريات خصومه المعاصرين، فكان أول نتاج أدبي كما أسلفنا في عام 1969م بنشر مجموعات شعرية، وكان ثاني نتاج أدبي ظهر للناس في هذه المرحلة نشر الببليوجرافيات في عام 1982م، وهي عبارة عن تجميع كل ما كتب في موضوع بعينه في قالب مقالي ليستفيد منه الباحثين كان بعدها الفتح الرباني على الأديب الرباني في شهر إبريل من عام 1987م بالتعاقد مع المعهد العالمي للفكر الإسلامي فرع الكويت، مشرفــًا على الفروع الخارجية فيه، حيث يهتم هذا المعهد بنشر الفكر الوسطي للإسلام في ربوع المعمورة من خلال إنشاء فروع له في الأقطار تعمل على نشر الفكر بين أبناء القطر من مثقفيه وطلاب علم وغيرهم بإقامة ندوات ودورات وإصدار كتب وغيرها من النشاطات، فكان للأستاذ محيي الدين عطية إسهامات بالغة فيه هو وأخيه الدكتور جمال عطية .
1-ففي عام 1987م نشر له مجموعة (صلاة الفجر) الشعرية.
2- لكنكم تستعجلون – صدر عام 1988.
3-نزيف قلم – مجموعة شعرية قامت بنشرها دار القلم بالكويت عام 1968م.
4 - دموع على الطريق- مجموعة شعرية قامت بنشرها دار البحوث العلمية بالكويت عام 1969 م.
5- مجموعة أناشيد المقاومة- قامت بنشرها دار البحوث العلمية بالكويت عام 1971م.
6- قسماً- مجموعة شعرية قامت بنشرها دار البحوث العلمية بالكويت عام 1972م .
7- من الأعماق – مجموعة شعرية قامت بنشرها دار البيان بالكويت عام 1969.
مؤلفاته:
ترك الشاعر محيي الدين عطية العديد من الكتب، منها:
1- الكتاب الإسلامي .
2- المقال الإسلامي .
3- بحوث المؤتمرات الإسلامية .
4- الأطروحات الإسلامية .
5- الكشاف الاقتصادي للأحاديث النبوية.
6 - الكشاف الاقتصادي لآيات القرآن الكريم .
7- الكشاف الموضوعي لأحاديث صحيح البخاري.
8 - الفكر التربوي الإسلامي .
9- مقالات وقصص قصيرة – قام بنشرها في عدد من الصحف في العالم العربي ..نذكر منها: مجلة الوعي الإسلامي، مجلة المجتمع، مجلة البلاغ، مجلة العربي، جريدة السياسة بالكويت، ومجلة الأدب، مجلة آخر ساعة بالقاهرة، ومجلة القلم بالخرطوم، ومجلة الأقلام ببغداد، ومجلة الشعب، والأرض ببيروت .
وممن كتبوا عن شعره: محمد سيد بركة، وإبراهيم الكوفحي، وحسني جرار، وأحمد الجدع.
الهجرة إلى أمريكا:
كانت الهجرة إلى أمريكا بمثابة منعطف آخر في حياة الشاعر الأستاذ محيي الدين عطية حيث انتقل في عام1989م ليكون مديرًا لإدارة النشر في المعهد العالمي للفكر الإسلامي بأمريكا، ثم عمل مستشاراً أكاديمياً بالمعهد حتى عودته إلى مصر في عام 2003م.
ومن أواخر إسهاماته في يناير من عام 2010م سافر إلى لبنان لحضور اجتماع تحضيري لإنشاء جامعة إسلامية في بيروت.
إلى مصر الكنانة كانت عودته حيث المنشأ والحنين، رجع إليها بعد شوق طويل، ورحلة مديدة من الغربة عن أرض الوطن؛ حيث غادر مصر في عام 1968م وعاد إليها في عام 2003م أي ما يقرب من خمسة وثلاثين عامًا قضاها هجرة وغربة.
شعر محيي الدين عطية .. دراسة موضوعية وفنية:
للشاعر نتاج غني من الأشعار والأعمال الأدبية بدأت أولى ثمار أعماله الأدبية في عام 1969م بنشر مجموعات شعرية، ثم تلاها ثاني ثماره الأدبية في عام 1982م بنشر الببليوجرافيات، وهي عبارة عن تجميع كل المؤلفات التي كتبت في موضوع معين خلال فترة زمنية معينة حيث تميز فيه غاية التميز حتى صدر له مؤلف كبير هو "دليل مؤلفات الحديث الشريف المطبوعة القديمة والحديثة" بالاشتراك مع كل من صلاح الدين حفني، ومحمد خير رمضان يوسف صدر عن دار ابن حزم في طبعته الأولى عام 1995م، حيث تهيأ هذا العمل للنشر بعد عقد من الزمن تم خلالها تجميع معلومات ببليوجرافية عن كتب الحديث الشريف من مصادر مختلفة وعلى فترات متقطعة.
في عام 1987م صدر له مجموعة "صلاة الفجر" الشعرية، وتلاها بعام صدرت مجموعة "لكنكم تستعجلون" الشعرية، ومن مجموعاته الشعرية أيضًا نزيف قلم – دموع على الطريق – قسماً- مجموعة أناشيد المقاومة- من الأعماق.
ثم في عام 1992م نشر له الكشافات الموضوعية للقرآن الكريم، وهي من الأهمية بمكان، ما يعلمه طلاب العلم والباحثين والعلماء وفي نهاية المطاف نشر له ديوان "رحلة نصف قرن" عن دار المختار.
يتميز الشاعر محيي الدين عطية بأن له أسلوبًا سلسًا، مذاقه في اختيار مفرداته وتراكيبه عذبة، تتميز أشعاره بموسيقى هادئة تتسل إلى الوجدان فتطربها، لتنقل إلى المستمع ما يدور بخلد الشاعر من أحاسيس مليئة بالعواطف والخبرات التي غذتها السنون والأحداث والأيام، وتعالَ بنا أخي القارئ لنحلق فوق أزهار أشعاره لنرتشف منها الرحيق:
في قصيدة (صورة) لها من العذوبة والروعة ما يبهر أذن السامع:
إذا مــا الفضـة انتشرت خيوطــــاً في ليـاليــنا
تـراقبهـا مـآذننـــــا فتصــدحُ كي تناديـــنا
نلبّيهـا فيهــرب مــــا تثـاقـلَ مـــن مـآقينـا
ونلقي النسـمةَ العـذراءَ نرشفُــــــها وتُــرْوينا
تعـانقُــنـا، تقبِّــلـنا وتـوقـظُ خيـرَ مـا فينـا
وفي قصيدته (جريح من هرات) مجموعة من الصور الحيّة المعبّرة كهذه:
تمازُحــني كأنـك يـومُ عُـــرْسٍ وجُـرحـك وجـهُ عـذراءٍ مليـحُ
وبضحـك في ندى عينـيك طــفلٌ فتضــحك دمعتي، ولــها فحيحُ
وجُرْحُـك أحمـرُ الشفـتين يشـدو بأغنيــةٍ لـها كالمسـك ريـح
ويستخدم الشاعر التشخيص ( الاستعارة المكنية) فيجعل من الدمع إنساناً يضحك، وأفعى تفحّ، كما يجعل من الجرح فتاة حمراء الشفتين تغني أعذب الألحان، وتفوح منها رائحة المسك.
واقرأ معي في قصيدته (نشوة)، وتأمل هذه الصور البديعة:
إذا ما استحمّتْ عيون السماء بضوء القمرْ
هنالـك يُدعى اليراعُ الوفيُّ لبـعض السَّــهرْ
وتتلو القوافي مع الكائنات دعاءَ السَّحَرْ
هنا يسـبحُ المرءُ في نشوةٍ من نسيـج القدر
ومن الأهمية بمكان أن نذكر أن الشاعر كان له سجال شعري بينه وبين الشاعر نزار قباني حيث نظم الأخير قصيدة سماها "الخرافة"، يقصد بذلك الكتاتيب وما كانوا يدرسونه فيها، فرد عليه الشاعر المتوقدة أحاسيسه بروح الإسلام في قصيدة فنَّد فيها حججه الواهية ورد عليه فيها وأسمى القصيدة "الحقيقة" .
لقد جعل الانضباط الإسلامي في الأخلاق والسلوك من أمة جادة مجاهدة، فلا يصرفها عن حقها اللهو في مقاصف الخمر أو نوادي النساء الساقطات، وقد أزعج هذا السلوك الإسلامي النبيل أعداء الأمة فعملوا جاهدين على إفساد الشباب المسلم واستماتوا في سبيل دفعه إلى بؤر الفساد ومواطن الانحلال، وكان من وسائلهم في هذا السبيل إغراء بعض الشعراء والكتاب للانضمام إلى صفوف أعداء الإسلام ومشاركتهم في إشاعة الفساد والانحلال في صفوف الأمة رجالاً ونساء، وكان من هؤلاء التابعين نزار قباني االذي وقف قلمه على إفساد الأمة بإشاعة الرذيلة وبالسخرية من قيم الأمة ، ومن أوضح الأمثلة على اتجاهه المنحرف هذا ما نظمه في قصيدة بعنوان ( الخرافة) ونقتطف منها هذه الكلمات كنموذج على هذا الفكر المنحرف:
ولنستمع إلى (أبيات نزار قباني) .. في قصيدة الخرافة نقتطف منها:
الخرافـة
حين كنا .. في الكتاتيب صغارًا
حقنونا .. بسخيف القول ليلاً ونهارًا
درَّسونا
ركبة المرأة عورة
ضحكة المرأة عورة
صوتها - من خلف ثقب الباب - عورة
صوروا الجنس لنا
غولاً.. بأنياب كبيرة
يخنق الأطفال
يقتات العذارى
خوفونا .. من عذاب الله إن نحن عشقنا
هددونا .. بالسكاكين إذا نحن حلمنا
فنشأنا .. كنباتات الصحاري
نلعق الملح، ونستاف الغبارًا
يوم كان العلم في أيامنا
فَلَقَة تمسك رجلينا وشيخـًا .. وحصيرًا
شوهـونـا
شوهوا الإحساس فينا والشعورا
فَصَــلوا أجسادنا عنـا
عصوراً .. وعصورًا
صوروا الحب لنا .. بابا خطيرًا
لو فتحناه .. سقطنا ميتين
فنشأنا ساذجين
وبقينا ساذجين
نحسب المرأة .. شاة أو بعيرًا
ونرى العالم جنسًا وسريراً
ونحن لا ننكر أن هناك بعض المتشددين الذين أساؤوا لهذا الدين بتطرفهم وغلوهم أكثر مما أحسنوا، ولكن نقد (نزار قباني) لتلك الظاهرة لم تكن نزيهة بل المقصود منها تشويه صورة الإسلام وتضخيم الأخطاء حتى يجعل من (الحبّة قبّة) ......
الحقيقة:
ولم يكن الشعراء المسلمون ليدعوا مثل هذا الانحراف يتسرب إلى أذهان الشباب المسلم والفتيات المسلمات دون أن يتصدوا له، ويفندوه وذلك بإبراز الوجه المشرق للأمة التي تمسكت بأهداب الفضيلة، وعضّت على الأخلاق الإسلامية بالنواجذ، وإن في ردّ الأستاذ محيي الدين عطية على مزاعم نزار ما يثبت بأن الخرافة إنما تعشش في ذهن هذا العاق لدينه وأمته وأنه ليس هناك من حقيقة كبرى في الوجود سوى حقيقة الإسلام الناصعة، وإن وجود هذه الحقيقة هو الذي أثار الأعداء والأدعياء على هذا الدين العظيم، فما كان من الشاعر محيي الدين عطية إلا أن ردّ على نزار بهذه الأبيات الرائعة التي لا تقل جمالاً فنياً عن قصيدة نزار، وإن كانت تتفوق عليها من حيث المضمون، ولنستمع إليه، وهو ينشد في قصيدة الحقيقة:
حين كنّا
نتغذى من عقول الفضلاء
وتربينا شريفات النساء
آلت الأرض إلينا والسماء
أشرق النوار فينا
وتباهينا
بجيلِ العظماء
لقد فقدتِ الأمة هويتها أو كادت بسبب الغزو الفكري، وخرج من أبناء جلدتنا شعراء وكتاب ومثقفون صاروا معاول هدم لقيم الأمة وأخلاقها، فتبددت قوى الأمة، وحسبت السراب ماءً :
وسقطنا
إذْ رضعنا كلماتِ الآخرين
وطعمنا من فتات الغالبين
أوهمونا
أننا نطفو بإغراق السفين
أننا نحيا بدفن السالفين
فتسابقنا لسب العلماء
وتندرنا بقول الأنبياء
ويتساءل الشاعر محيي الدين عن الحب والعشق المزعوم الذي أصبح مبتوت الصلة بالسماء، وصار مادياً هابطاً ملتصقاً بالتراب والغرائز، فيقول:
أيُّ عشقٍ يا سليبَ الأرض
من دون السماء ..
أيُّ عشقٍ ..
والصواريخ تدكُّ الكبرياء
قد دُحرنا ..
يومَ صارَ الفنُّ ماخورًا كبيرًا
يوم أضحى الشعر ُكأسـًا وسريرًا
لقَّـنونا
لا يكون الحبُّ حبـًا
دون عري الركبتين
فسمعنا ..
وأطعنا ..
فتعرّى الحبّ منا
حينَ صارَ القلبُ عندَ الركبتين
حينَ ضاعَ النبضُ بينَ الشفتين
لقد أصبح الحبُّ ماخوراً ودعارة وعرياًّ وفساداً لذا ضاع شبابُ الأمة، وأضاع نصف العلم بينَ أفخاذ النساء ...، فالويل لأمة يضيع شبابها ..في الخنا والفجور.
************
ويصورُ الشاعر عطية أضرارَ التبعية على أبناء الأمة، فنحنُ أمة الخلود لا تؤثر فينا صواريخ الأعداء ولا مدرعاتهم، ولكن ربّ غانية ومزمار تفعل في شبابنا فعل السحر، فتصرفه عن المعالي:
ما قتـلنا ..
أو سبينا ..
ما هزمنا ..
بصواريخ الفناء
حقنونا ..
فانتحرنا ..
بمزامير صغنا لحنها
كالبلهاء – مجلة المجتمع: ع 390، عام 1398ه.
بطاقة إلى بورما:
يعيش في بورما ثلاثةُ ملايين مسلم يعانون أبشع أنواع الإرهاب والاضطهاد، ويتعرضون للمآسي والتشرد والضياع، فقد دأبت الحكومة العسكرية الاشتراكية منذ توليها السلطة عام 1962م على تصفية الوجود الإسلامي بالتعاون مع قوى البغي العالمية، فقامت بمنع المسلمين من أداء فريضة الحج ومنعت الموظفين من أداء صلاة الجمعة، وألغت الدراسة الإسلامية في المدارس والكليات، وقامت بحملات إرهابية لتشريدهم من ديارهم وفرض الضرائب الباهظة عليهم وإخراجهم عن دينهم.
وفي عام 1978م قامت الحكومة البورمية مدعمة بقواتها المسلحة بعملية طرد جماعي لعشرات الآلاف من رعاياها المسلمين بما فيهم نساؤهم وأطفالهم..فلجأ إلى بنغلاديش أكثر من مئة ألف مسلم هرباً من حرب الإبادة .
ولما اطلع شاعرنا محيي الدين عطية على التقرير الذي قدمته لجنة من رابطة العالم الإسلامي زارتهم في بنغلاديش ورأتهم في مخيمات الأشباح يعيشون أحوالاً بائسة ويواجهون موتاً بطيئاً... تحركت عاطفة الإسلام في قلبه فنظم هذه القصيدة يصف أحوالهم، ينتقد الحكومات التي تدعي الإسلام ولكنها فقدت النخوة الإسلامية وتخاذلت عن نصرتهم.. ويتطلع إلى فجر جديد يتربّى فيه جيل فريد يعرف الله ويحرر الأرض شبراً شبراً .
وكتب الشاعر محيي الدين عطية قصيدة يصور فيها محنة المسلمين في بورما يقول فيها:
أيُّ ريحٍ قد أقلّتْ سحابا أمطرَ القومَ الرّدى والخرابا
يا بنَ أمي لا تلمنا فإنا قد عمينا مذْ ضللنا الشعابا
خبّاؤا الأنباء عن ناظرينا فانخدعنا إذ شربنا السرابا
فهل رأيت السراب حين يشرب لقد استخدم شاعرنا ظاهرة ( تراسل الحواس)، فأصبح السراب الذي يخدع الأبصار يتجرعه الناس كالشراب، ويتابع الشاعر تصوير حال الأمة، ويفتخر بماضيها المجيد:
ما قرأنا عن رجال أباة ٍ من قديم ٍيحملون الكتابا
عن بحار تُشرقُ الشمس منها عن دُعاة يمخرون العُبابا
عن بلادٍ مُنذُ عهدٍ بعيد ٍ شيدت بينَ المروج القبابا
أذّنتْ بين النواقيس حتى أفرز النّوار فيها رضابا
أرضعت أشبالها من معين سرمديّ، فافتدوها رغابا
إن عظماء الأمة الذين ساروا على الطريق اللاحب كانوا أباة، وتسلحوا بالعلم، وصحبوا الكتاب، وأقاموا الحضارات، فدانت لهم الأرض شرقها وغربها، ونعمَ الناسُ بظلها بالحرية حيثُ لا إكراه في الدين ...
واستفاق الشركُ فيها ونادى مستثيراً حزبهُ فاستجابا
أطلقوا حقداً دفينا وصبّوا من سواد القلب مُرّا وصابا
لم يُراعوا – رغم سُكنى جوار - عهدكم ، حتى استباحوا الرّقابا
يهلكون الحرثَ والنسلَ جهراً والعذارى يُغتصبن اغتصابا
لقد فضح الشاعر محيي الدين عطية جرائم المستعمرين واليهود المغتصبين والأعداء الحاقدين، حيثُ راحوا ينفثون أحقادهم كفحيح الأفاعي، ولم يراعوا حرمة الجوار والخبز والملح، فأهلكوا الحرث والنسل، واقتلعوا الأشجار، وقتلوا الأطفال، واغتصبوا النساء:
أبتلاءٌ – يا إلهي – رهيبٌ ؟ أم تراها فتنةٌ أم عذابا
يابنَ أمي لا تسلنا لماذا لم نُحرّك سيفنا والحرابا
لم نُقدّم نبضنا أو دمانا لم تنالوا كسرةً أو شرابا
لم نُذبّحْ خُطبة أو قصيدا أو دُعاء مُرتجى مُستجابا
ويلمح الشاعر إلى محنته في السجن، ويبتعد عن التفصيل في الذكريات الحزينة المؤلمة:
ذاك أنا مُذ بُلينا بسجنٍ ما استطعنا جيئة أو ذهابا
شُيدت أسواره من يدينا رغبةً، لا رهبةً أو عقابا
ضعفنا أمسى جداراً غليظاً لا نرى من يأسنا فيه بابا
جُبننا سجّاننا ، رغمَ أنّا نحسبُ الحُملان فينا ذئابا
شُحنا كالقيد في معصمنا مُحكمٍ، نخشى عليه استلابا
وانتقد الشاعر حكومات الاستبداد التي صنعها المستعمر على عينه، ولكنه لا يفقد بصيص الأمل:
سلّط المولى علينا رُعاةً أنشئوا في الشّاة ظفراً ونابا
يابن أمي رُبّ فجرٍ جديدٍ في رباك الخضر يكسو الهضابا
رُبّ ومضٍ من شُعاعٍ وليدٍ يبهرُ الأبصارَ، يغزو الضبابا
رُبّ جيلٍ لم يزلْ بعدُ نبتاً أخضرَ الكفين، يغدُ شبابا
يحملون الروح في راحتهم خُلّصاً لا يعرفون الصعابا
يذرفون الدمع من مقلتيهم خُشّعاً، يخشونَ يوماً حسابا
يُرجعون الأرضَ شبراً بشبرٍ إن دعوا لله فيها أجابا - شعراء الدعوة: 6 / 29
وفي تقديره لقيمة الوقت الذي يعدّ بأنه الحياة، فعمر الإنسان ما هو إلا ساعات وأيام، وها هو الشاعر محيي الدين يقول في القصيدة مؤكداً على أهمية الوقت:
كـم أوهـمونا بأنّ الـوقتَ مـن ذهَــبِ عـدوه مـالاً، وإن زانـوه بـالـلـقـبِ
الوقت – إن شـئت تـعـريفـًا بجـوهـرِهِ يعني الـحياة الـتي نـحيـا، بـلا عجـبِ
ما مـن صـباح، خـيوط الشـمس تنسـجهُ إلا يـنادي: ألا إني بـلا عـقـــــــبِ
مالي رجوع لـدنيا الـنـاس ثـانيـــةً فاقطف مـن الغصن خير الزاد، واحْتطـبِ
رباه بارك لنا في الوقـت ما سـمحـتْ أعـمارنا، إنك الوهاب، فـاسـتـجـبِ
أما في قصيدة (الفساد)، فيقول فيها مبيناً فساد الغرباء، وغفلة الأصدقاء:
غريبٌ بين أظهرنـا أقامـا ومدَّ له فراشـًا واستناما
ولم نفطــن لمولده زمــانا ولا ندري متى بلـغ الفطاما
وختمها الشاعر محيي الدين بقوله:
فلا أجد السبيلَ سـوى رجوع إلى هَدي الكتاب لنا إمامًا
وأنــوار النبوة نرتضيها تقود مسيرة الركب التزاما
فهو يحدد ألا سبيل إلى النصر، وعودة مسيرة المجد والعلياء إلا بالعودة إلى الكتاب والسنة، وسيرة السلف الصالح.
وكان لشاعرنا دور كبير في استنهاض الهمم وإثارة النخوة الإسلامية من أجل المجاهدين، في الدول الإسلامية المنكوبة قال في قصيدة بعنوان ( ذات ليلة) يتحدث فيها عن مأساة التهجير الفلسطيني الثاني عام 1967م ، متسائلاً عن قيمة الحياة لأولئك الذين أغضوا في ذل وضغار عن مأساة إخوانهم، هذه المأساة التي أدمت كلّ القلوب إلا القلوب التي قُدّت من صخر الهوان، ونبتت من أعماق الآبار الآسنة:
لستُ أدري ما الحياه ؟
ما شعارات الحياه ؟
أهي ألحانٌ تغنيها الشفاه ..؟
أم سياط بين أنياب الطغاة
فوق أجساد العُراه ..؟
ما الحياة ..؟
كل ما أدريه أني ذاتَ ليلهْ
كان لي طفل صغيرٌ ..ذبحوهْ
كان لي بيت جميلٌ ..دمّروه
وخرجنا كالسَّوامْ..
وعبرنا النّهرَ في جُنح الظَّلامْ ..
ونساء الحيّ تمضي ذاهلهْ ...
تتهاوى كالورود الذابلةْ.....
ومتاعي ذكريات حائلهْ ...
ذكرى شهيد:
وقال الشاعر محيي الدين عطية في قصيدة بعنوان ( ذكرى شهيد) في رثاء الشهيد عمر شاهين الذي استشهد في ( معركة التل الكبير)، فأعطى بهذا الاستشهاد المثل الكبير لأولئك الذين نكسوا رؤوسهم أمام رصاص المعتدين، وحسبوا أن لا غالب لعدوهم، وظنوا أن النجاة بالخضوع، وأن الحياة بالخنوع، فكانت وقفة الشهيد وإخوانه إعلاناً مدوياً بأن الاستعمار مهما نفخ صورته، ومهما ضخم من قوته، فإن المؤمنين بنصر الله يستطيعون بالإعداد الروحي والمادي أن يقابلوه، ويقهروه:
حنانيكِ يا ذكريات العُمرْ
ورفقاً بقلب ذوى وانفطرْ
هناك على الجدول المنحدرْ
ظلال النخيل وضوءُ القمرْ
شهودٌ على دمعي المنهمرْ
هناك التقينا، ونعمَ الرفيقْ
فتيّاً، أبيّاً، ذكيَّ البريقْ
شغيفاً، رهيفاً، كلحنٍ رقيقْ
وفي صدره أملٌ يستفيقْ
بأعماقه، ثورة تستعرْ
وله أيضاً في الرثاء قصيدة بعنوان ( كلمة وفاء) في رثاء المرحوم الأستاذ الداعية الكبير حسن العشماوي، قال فيها:
حسبه أن عاش عمراً رحيباً دافقاً بالخصبِ في شاطئيهِ
ولو تتبعنا شعر الأستاذ محيي الدين لوجدناه يطرق معظم أغراض الشعر ومجالاته:
فله في الشعر الاجتماعي مثل قصيدته التي بعنوان ( أماه) قالها في يوم من أيام تكريم الأمهات حين رأى الأبناء يهرعون أمهاتهم وعلى أكفهم صنوف الهدايا، وتحت أهدابهم تلمع نظرات الحب والعرفان.. أما هو فليجأ إلى قلمه يذرف من خلاله بعض الكلمات:
وعيدُك يا أمُّ يمضي هنيّا على الناس دوني لأني وحيدْ
ويمنحكِ الأهل طيبَ الهدايا وأهديك حباتِ دمعِ حنيدْ
فهل كنتِ أمّاه إلا عبيراً وطيفاً ألمَّ بنا من بعيد
فبسمةُ وجهكِ عند اللقاءِ ترّدّ الحياة لقلبي الرَّكيد
ولمسةُ كفك فوق الجبين تجمع أشتات فكري البديد
ودفعُكِ لي في مساعي الحياة برفقٍ ، تُراعين خطوي الوئيد
فلما رحلت مع الراحلين وضمّتكِ أرضُ الفضاء البعيد
طوينا وراءك أفراحنا وأعيادنا في الزمان السعيد
ورحنا نعُدُّ بقايا الليالي ونحيي كوامن ماضٍ رقيدْ
ونذبلُ أوراقنا كالخريف وتحملنا الريحُ أنّى تُريدْ
وله في المتاب مثل قصيدته التي بعنوان ( صحوة)، والتي نظمها عندما انخدع الناس بشعارات الشرق الكاذبة وحضارة الغرب المزيفةـ، وانغمس كثير من الشباب في الرذيلة ...وبعد تجارب وتجارب انكشف أمامهم السراب الخادع، وعاد عدد منهم إلى درب الاستقامة، وزالت الغشاوة عن أبصارهم،.. فقال شاعرنا يصف هذه الحالة:
أيامي ما كانت دوماً بيضاء الصفحة ميمونه
وسفينة عمري مثقلة بخطايا نفس مفتونه
دفعتها ريح عاتية لبحار ليست مأمونة
لكني منذ أفقت على طعنات الغدر المأفونه
وسمعت مع الليل أنيناً تبعثه الأرض المطعونه
فإذا بي كضرير شقّت طعنات الغدّار عيونه
فرأى الدنيا غير الدنيا والأقوى يفرض قانونه
وعرفت طريقي ساعتها وطويت على الأمس جفونه
ولولا عصمة الله للشاعر وحفظه إياه من الفتن لغوى وهلك مع الهالكين، لقد كان له من حصن الدعوة المباركة ركن ركين:
فمددت بفضلك يا ربّاه أيادي بيضاء حنونه
وزرعت بقلبي إيماناً كالنور ورويت غصونه
فهجرت الصحبَ وسامرهم ونأيت بقلبي لأصونه
وفطمت عن الكأس شفاهي ودفنت مع الليل مجونه
وأقمت بصدري محراباً شيدت مع الدمع حصونه
عاهدتك يا ربّاه بألا أقطع عهداً وأخونه – من شعره المخطوط .
وله في الحكمة مثل قوله في قصيدة بعنوان ( زفرات) صور فيها البلاء المحيط:
أرى البلايا تُحيطُ المرءَ، تُحصينهُ حتى لئن صحَّ ذوبُ الصخرِ، لم يّذُبِ
والطيرُ إن غابَ عن أفراخه زمناً تعلّمتْ أنَّ بعض العيش من سغَبِ
وسنة الله منذ البدء سارية لا تخطئُ الناس من عجم ٍ ومن عرب
ما حصصَ الحقُّ إلا بعدما انسلختْ من عُمر يوسفَ أعوامٌ من النَّصبِ
والعمرُ يا صاحِ أنفاسٌ تُرددها في عقر داركَ، أو في قاع مُغتربِ
قهل يكونُ بُكاءُ العابرين على دارٍ أظلتهمُ يوماً ، بلا عقِب ِ
ربّاه إن ترضَ، فالأرزاء هينةٌ لكن لنا في العفو، فاستجب ِ
وشاعرنا محيي الدين عطية يؤمن بانطلاق الكلمة الصادقة الواعية، وما لها من أثر كبير في توجيه أبناء الأمة.. وما إن صدر العدد الأول من مجلة المجتمع الكويتية حتى حيّاها بقصيدة بعنوان: ( السطور الخضر) قال فيها:
ما زلت أحلمُ بالسطور الخضر تجتاح الجليد
بعصارة القلم الذي يقتــــــــــــــــــــات أنسجة الوريد
ترضعه ألاف العقول خلاصة الرأي السّديد
تسقيه ألاف العيون رحيقها، أنى يريد
بجواهر الكلمات صادقة الحروف بلا مزيد
تنسابُ في الآفاق طائـــــــــــرة كعصفور غريد
تجتاز آلاف الحدود، كراية الــــــــــــنصر المجيد
وتدق في كل البقاع مـــــــآذن الفكر الرّشيد – من شعره المخطوط .
رسالة إلى الحجيج:
نظمها الشاعر (محيي الدين عطية محمد) في موسم الحج أثناء عرض مشكلة فلسطين في هيئة الأمم عام 1971م، ووجهها دموعاً من مكة إلى بيت المقدس، والحجيج يرفعون أكفهم بالدعاء إلى الله، وتعلوهم الفرحة والحزن الفرحة بملايين المسلمين المتجمعين من أرجاء الأرض، والحزن لعجزهم عن إنقاذ مقدساتهم، فالمسجد الأقصى تضطجع فيه البغايا، والمآذن مهدمة، والمحاريب للسواح، والملايين في الخيام، من فلسطين والجولان وسيناء.
يا حادي العيس هل في الركب متسعُ لزفرة في حنايا الصدر تصطرعُ
فقد بدأها بالتصريع بين ( متسعُ، تصطرعُ) ليكسب النص إيقاعاً جميلاً وموسيقا محببة تجذب انتباه المتلقي، ثم راح يقول:
إني خجلتُ – ويا للخزي – حين أرى قبر الرسول ووجهي باهت جزعُ
إني خشيت وفوقي العار يغمرني أن أرفع الكفّ كالداعين، تمتنعُ
وكيف أدعو وما قدمت من عمل فيما مضى قد محاه اليوم ما يقعُ ؟
بأي حرف أسوق القول أنظمه وكيف ينشد من في حلقه قذع
ويصف حال المسجد الأقصى الحزين وكيف ضاعت فيه الصلوات والجمع، فراح يبكي، وينصح إخوانه الحجيج أن يصحوا لما يراد بالأقصى الأسير، فيقول:
هذا هو المسجد الأقصى ويا لهفي تبكي به الصلوات الخمس والجمعُ
يا من تطوف وتسعى ربّ تذكرة تذكي بجنبيك مثل النار تصطرع
هلا مررت بباب القدس فاكتحلت عيناك من جرحها أم خفت تقتلعُ
ما ريش سهم العدى واخجلتا وطني عن أي قوس رموا فالصدر يتسعُ
تهتز خوفاً على أسوارها أمم لو أن معشار هذا الحشد قد جمعوا
لقد هجم التلاميذ على أستاذهم يسألونه عن الوضع، فأجابهم بمرارة:
كم جاء يسألني الأبناء قصتنا ويلحفون وفي أبصارهم هلع
وما تقدمت عن جيلي بمعذرة ماذا أقول وغير الصدق يمتنعُ
الدين يهدر والأعراض قد سلبت ولا يرى في سجل الغدر مرتدع
ساقوا العجائز والأطفال مغنمة ومن أبى الضيم فالأكفان تبتلعُ
هلاّ ذكرتم وأنتم في طوافكمُ أن البغايا بصحن القدس تضطجعُ
أن المساجد قد دُكت مآذنها وقام في أرضها للفسق مجتمعُ
أن المحاريب أضحت بعد نكبتها مخادعاً لفنون العشق تتسعُ
أن الملايين منا ضمهم كفن من الخيام، فلا ريّ ولا شبعُ
لقد فتك العدو بأبناء شعبنا فقتلوا العجائز، وأخذوا الأطفال رهائن، ومن أبى منهم الضيم قتلوه، وراحت بغايا بني إسرائيل ترتع في ساحة المسجد الأقصى الطهور، وتحولت المساجد إلى خمارات ومحطات للوقود وبارات للقمار، إن واقع أمتنا يدمي الفؤاد ..
زوروا البقيع لعل الأرض تسمعكم أنشودة من دم الأحرار ترتفعُ
زوروا البقيع لعل الأرض تخبركم كيف الكرامة كانت قبل تنتزعُ
وحدثوهم – فإن الصحب ما رحلوا عن أرضنا – إن جرؤتم كيف تقتطعُ
وكيف نمنا عن الإسلام في زمن يداسُ فيه على الأيقاظ إن خضعوا
ويطلب منهم أن يزوروا قبور الصحابة الكرام في البقيع؛ ليتعلموا منهم دروس العزة والإباء، ورفض الظلم، وعشق الحرية، ثم يطلب منهم أن يزوروا سوق عكاظ، ويتذكروا حضارته، فيقول:
زوروا عكاظ ولا تبكوا حضارته وخبروه بأن السوق مجتمع
يرتاده من فجاج الأرض قاطبة الراغبون فمغبون ومنتفع
قصائد الشعر تتربى من منابره مزدانة اللفظ في أعطافها الورع
والبائعون يدور الكأس بينهمُ مع الشراة، ونحن المال والسلع
ويحرض الشاعر إخوانه الحجيج على الجهاد ضد الظلم والفساد والخيانة:
هيا أعلنوها قرارات مدججة من منبر كان عبر الدهر يتبعُ
هيا اصرخوا من هناك اليوم صرختكم هيا افصحوا صفقات الخزي ترتدعُ
هيا ابدأوا ثورة الأحرار وانطلقوا إلى المنيرة إنا كلنا تبعُ
ماذا لو انتفضت أفواجكم حمماً يجدد العهد والنيران تندلعُ
ويعقد اليوم عند البيت بيعته على الممات وربّ العرش مطلعُ
يا رب هذي قلوب المسلمين أتت إلى حياضك ظمأى كلها طمع
فلا تخيب رجاء أنت باعثه ولا تنكس لواء فيك يرتفعُ
واغفر هناتي فعذري أن لي قلماً يقتات قلبي ومن عيني يرتضعُ
أزجي قريضي من الأعماق أنزفه حتى أرى الخنجر المسموم يقتلعُ
ويدعو الشاعر ربه في ختام قصيدته العصماء بألا يخيّب الله رجاءه، وأن ترتفع راية الحق والعدل عالية خفاقة، ويسأل الله المغفرة والصفح عن الذنوب، ويطمح الشاعر إلى غد يرى فيه خنجر إسرائيل المسموم قد اقتلع من جسد أمتنا .
إبــحــــــــــــــــار:
ويصور الهموم والمحن التي أحاطت به إحاطة السوار بالمعصم، فيقول:
قد أصبح يوماً أو أمسي مسجونا من غير جدار
مهموماً والبسمة حولي كدِرًا كخريف الأشجار
مختنقاً والنسمة جذلى مشتعلاً تحت الأمطار
وأظل أدور ولا أدري من أين يهبّ الإعصار
فإذا ما غرقَتْ، وانطفأت من ليلي كل الأقمار
أو ضاقت بعدُ بما رحبت أرض وسماء وبحارْ
فكلما ضاق الأمر اتسع، وبعد العسر لابدّ من اليسر، وظلام الليل مهما اشتدّ فلا بدّ من بزوغ الفجر، يقول الشاعر، وقد اكتشف الحلّ:
أسرعت أفتِّش في قلبي عن فجرٍ خلف الأسحار
أتوضّأ منه فيزهرني كالنبت بشطِّ الأنهار
أستحضر يونس محنتَه أستلهم طه في الغار
فيلين الشوك على كفّي وتذوب بقدمي الأحجار
فإذا أدعيتي أشرعة في الصدر بلون النوّار
فأطيل سجودي معتزماً مع قرص الشمس الإبحارْ
الجفـــاف الكبـــــير:
ويصور الشاعر حال الأمة والمجتمع الذي أصبح غابة يأكل القوي فيها الضعيف:
في عالم كغابة السِّباعْ
يسوده الشعور بالضياعْ
مناجل الهلاك تحصد الجياع
ورقعة الجفاف في اتساع
من المحيط للمحيط مُسرَجونْ
إلى سفينة بلا شراع
عويلهم,أنينهم, بلا انقطاع
جلودهم، عظامهم، تلوكها الضباع
ونحن حولهم
حناجر بلا ذراع
لأننا - كما تنبأ الحديث-
كالغُثاء
كلمعة الطلاء
لئن أصابنا رخاء
نشيّد المآذن التي تُقِّبلُ السماءْ
نُرَصِّعُ القبور بالفسيفساء
ونغرس الثرى طنافسا
ونجمع الزكاة كي نزيِّن البناء
وإن أصابنا بلاءْ
نشنِّف المساجد - القصور - بالبكاء
وفي المساء نقبل العزاء
ونرهف الأسماع خُشَّعا
لخطبة الرثاء
ويوم ترفع الكروب
وتستعيد بعضَ حقِّها الشُّعوبْ
ترى الفراغ يملأ الدروب
ترى المراء والجدال بيننا
يوسِّع الثقوب
ترى حوارنا الدؤوب
عن مطلع الهلال في سمائنا
وموعد الغروب
وغيرنا على سفينة الفضا يجوب
يحاور النجوم والسديم والغيوب
أفي العقول عاهة?
أم في عروقنا نُضوب?
أم أنها قد جفت القلوب?
وكم مضى ونحن عاكفون
نجمّع السلاحْ
لننكأ الذي مضى من الجراحْ
لننبش القبور
ونقرأ الصَّديدَ في السطور
فنصلب الهلال في سمائنا
كأنّنا بلا جذور
ونطعن الجوار فوق أرضنا
وننسف الجسور
ونشعل الفرات
والكروم
والتمور
وفي المساء ننحر الجزور
ونحرق البخور
وأنتمو يا إخوة البلاء
جرى بكم قضاء
يردُّه من القلوب خالص الدعاء
ونحن والضباع والجفافُ زائلون
وجرحكم إلى شفاء
غدا
سترسل السماء رزقكم
فترتوي العروق بالدماء
لكنكم – يا إخوتي - كشفتمُ الغطاء
عن الذين يرقصون للإخاء
عن الذين يدّعون أنهم..
هم الوفاء
والعطاءُ
والسّخاءْ
فأصبحوا -كشاهد القبور - في العراء
وسجلت مراصد الزمان عارَنا..
جفافَنا الكبير
فجيلنا يموت ظامئاً
برغم مائنا الوفير
نضلّ بينما السبيل مستنير
قلوبنا تجف منذ ألف عام
وفكرنا كأنه ضريرْ
يضيع في الظلام
أنحن حالمون أم نسير كالنيام?
أم ندفن الرؤوس قانعين
بحكمة النعام ؟
وبعد:
لقد امتاز شعر محيي الدين عطية بجزالة الألفاظ وفصاحتها، وبعضها جاء موحياً معبراً، وملائماً للفكرة، وأما التراكيب، فهي متينة مترابطة يمسك بعضها برقاب بعض.
ولقد زاوج الشاعر بين الأساليب الإنشائية والخبرية، واستخدم المؤكدات حيناً وأهملها حيناً آخر بحسب حاجة المخاطب وحالة الشك واليقين لديه، وكان الشاعر مجدداً في القوالب الشعرية ولا سيما في قصيدة الحقيقة التي ردّ فيها على نزار قباني مستخدماً نفس الأسلوب، وكان شاعرنا محلقاً بالصورة الفنية والخيال الشعري، منوعاً في القوافي قد جمع بين الأصالة والتجديد...
إن الأستاذ محيي الدين عطية يعيش حياة حافلة بالعطاء للإسلام والمسلمين، فاللهم أجزه عن الإسلام وأهله خير الجزاء، وبارك له في صحته وذريته ودعوته، وتقبل منه كل أعماله، اللهم آمين.
المراجع والمصادر:
1-ببليوجرافية العلم والمعرفة، موقع العلم والدين
2-قصيدة الحقيقية لمحيي الدين عطية وقصيدة الخرافة لنزار قباني، منتدى قبيلة سبيع الغلباء
3-عشاريات محي الدين عطية في ديوانه "صلاة الفجر"، رابطة أدباء الشام
4-قصيدة المنادي، رابطة أدباء الشام
5-موقع إخوان ويكي ( ويكيبيديا الإخوان المسلمين).
6-موقع معجم البابطين.
7- شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث: أحمد الجدع، حسني جرار: 6 / 23 وما بعدها.
وسوم: العدد 818