شيخ العروبة أحمد زكي باشا
أحمد زكي بن إبراهيم، هو أحد أعيان النهضة الأدبية في مصر، ومن رواد إحياء التراث العربي الإسلامي، واشتهر في عصره بلقب شيخ العروبة.
إضافة لجهوده الكبيرة في إحياء التراث العربي ونشره عمل في الترجمة والتأليف والبحث، كما شارك في مؤتمرات المستشرقين وعمل بالجامعة المصرية. يعد أول من استخدم مصطلح تحقيق على أغلفة الكتب العربية. أدخل علامات الترقيم في العربية، وعمل على اختصار عدد حروف الطباعة العربية، كما قام - بجهده وماله الخاص - بإنشاء مكتبة كانت من كبريات المكتبات في المشرق الإسلامي. وقد تأثر أحمد زكى باشا بحركات ثلاث سبقته:
الأولى: النهضة التي حمل لوائها رفاعة رافع الطهطاوى في مجال الترجمة، ونقل الآثار الأدبية والفكرية من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية.
الثانية: النهضة التي قادها السيد جمال الدين الأفغاني في تحرير الفكر والإيمان بالشرق.
الثالثة: النهضة التي تصدر لها محمد عبده في تحرير الأسلوب العربي من التقليد، وتوجيه الكتابة إلى المضمون والهدف دون الاعتماد على المقدمات والسجع والزخارف أو المحسنات اللفظية.
ويمكن القول بأن النهضة التي قادها وأوقد جذوتها جمال الدين الأفغاني، قد كشفت عن ثلاثة ميادين للعمل:
1 –العمل لتحرير الوطن.
2 – العمل لتحرير الدين.
3 – العمل لبعث التراث العربي والتحقيق العلمي في مجال اللغة العربية والتاريخ.
وقد انحصر إنجاز أحمد زكى باشا في الميدان الأخير، فكان فيه رائداً ومتميزاً ومتفوقاً وبارزاً، وهو إنجاز ضخم إذا ما قيس بقدرات الأفراد.
ولد بالإسكندرية عام 1284هـ/1867م، وتلقى تعليمه بالقاهرة، وتخرج في مدرسة الإدارة (كلية الحقوق الآن) سنة 1887م. درس فن الترجمة وكان يجيد الفرنسيّة إجادة كبيرة فكان يكتب ويخطب بها، وكان يلم بالإنجليزية والإيطاليّة وله بعض المعرفة باللاتينيّة. وعمل مترجماً في مجلس النظار (الوزراء)، وتدرج في المناصب حتى صار سكرتيراً لمجلس الوزراء سنة 1330 هـ/1911م، وظل في منصبه هذا حتى أحيل إلى التقاعد بعد عشر سنوات. بعد أن نال إجازة الحقوق عام 1887م، اتجه نشاطه إلى التحقيق والترجمة ساعده على ذلك أحواله المادية الجيدة فضلاً عن اتصاله بدوائر الباحثين والمستشرقين في المجمع العلمي المصري والجمعية الجغرافية.
تقدم بمشروع لإحياء الأدب العربي إلى مجلس الوزراء، فأقره في جلسته التي ترأسها الخديوي عباس حلمي في 21 شوال 1328هـ/24 تشرين الأول 1910م واعتمد مجلس الوزراء لهذا المشروع مبلغ 9,392 جنيها مصريا – وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت - تحت إشراف المجلس الأعلى لدار الكتب المصرية. في هذا المشروع تمت طباعة العديد من الكتب بتحقيق أحمد زكي، مثل: نكت الهميان في نكت العميان للصلاح الصفدي، والأصنام للكلبي، والأدب الصغير لابن المقفع، والتاج في أخلاق الملوك المنسوب للجاحظ، والجزء الأول من كتاب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار للعمري.
خلّف آثاراً علمية وأدبية كثيرة من مؤلفاته:
السفر إلى المؤتمر; وهو وصف للرحلة التي قام بها أحمد زكي باشا سنة 1892م إلى أوروبا، بغرض حضور مؤتمر المستشرقين التاسع الذي عقد في لندن في الفترة من 5-12 أيلول. وقد استغرقت هذه الرحلة ستة أشهر، حيث غادر القاهرة يوم 14 آب سنة 1892م، وعاد إليها يوم 14 شباط سنة 1893م، وهي أول زيارة يقوم بها إلى أوروبا، كما أنها كذلك أول فرصة تتاح لشخص مثله لزيارة أوروبا والمشاركة في أحد مؤتمرات المستشرقين. وتمكن أحمد زكي باشا خلال هذه الرحلة من زيارة أكثر من أربعين مدينة زيارة تدقيق وتحقيق، كما زار خلالها بعض هذه المدن مرتين، هي: روما وباريس ولندن ومدريد ولشبونة. وهي رحلة لم يتيسر حصولها لمصري من قبل. وذهب أحمد زكي باشا لحضور هذا المؤتمر ممثلاً لمصر بترشيح من الخديوي عباس حلمي الثاني، وكان يصاحبه لهذا الغرض أيضاً الشيخ محمد راشد، وتولى تنظيم رحلته شركة توماس كوك المعروفة، والتي أبدى إعجابه الشديد بتنظيمها المتقن لرحلته. وحضر المؤتمر كذلك من مصر كارل فولرس الألماني مدير الكتبخانة الخديوية في ذلك الوقت.
أسرار الترجمة.
قاموس الجغرافية القديمة.
موسوعات العلوم العربية.
ذيل الأغاني.
نتائج الأفهام في تقويم العرب قبل الإسلام.
تاريخ المشرق.
الدنيا في باريس.
عجائب الأسفار في أعماق البحار.
تاريخ المشرق.
يمكن توزيع أعمال أحمد زكي العلميّة على ثلاثة ميادين:
إحياء التراث العربي وتحقيق ونشر مخطوطات التراث.
العناية بالآثار العربية والبحث عن القبور والمواقع المندثرة والدعوة لتكريم أصحابها.
تحقيق أسماء الأعلام والبلدان والوقائع والأحداث في مجال اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا.
قام أحمد زكي باشا أيضاً بوضع رسائل صغيرة في جوانب مهمة، يصل عددها لثلاثين رسالة، عالجت موضوعات متفرقة مثل: "اختراع البارود والمدافع وما قاله العرب في ذلك"، و"الطيران في الإسلام"، و"سراديب الخلفاء الفاطميين". كما قام ببحوث بينت أن العرب هم أول من كشفوا منابع النيل، وأول من أثبتوا كروية الأرض قبل الأوربيين بثلاثة قرون، ونفى أن يكون رأس الحسين مدفونا في مصر، وأن يكون جوهر الصقلي والجبرتي مدفونين في الجامع الأزهر.
لخّص أنور الجندي في كتابه أحمد زكى باشا الملقب بشيخ العروبة حياته العلمية لثلاث مراحل:
مرحلة جمع التراث العربي من مكتبات الآستانة وأوروبا والمشرق وتصويره فوتوغرافيا ومراجعته والتعليق عليه ونشره.
مراجعة هذا التراث ودراسته وتكوين خزانته الزكيّة والتعليق على ما بها من مؤلفات، وإعداد أضابير وجذاذات في مختلف فنون الأدب والتاريخ والجغرافيا، والاتصال بالباحثين ومراجعتهم.
المرحلة الأخيرة تبدأ بعد إحالته للتقاعد سنة1921م وحتى وفاته، وهي من أخصب فترات حياته، حيث نشر عشرات المقالات والأبحاث وتوسّع في صلاته بزعماء العالم العربي وتوسّط في الخلاف بين العرب واليهود بشأن حائط البراق.
من أهم ما قام به زكي باشا اختصاره حروف الطباعة العربية من 905 أشكال إلى 132 شكلا و46 علامة، وذلك بعد أن قام بنفسه بتجارب يومية في مطبعة بولاق في عملية استغرقت ثلاثة أشهر.
كان وزير المعارف أحمد حشمت في ذلك الوقت قد طلب من أحمد زكي باشا أن يقوم بإدخال علامات الترقيم على العربية ووضع أسسها وقواعدها، فوقف على ما وضعه علماء الغرب في هذا الشأن، واصطلح على تسمية هذا العمل بالترقيم؛ لأن هذه المادة تدل على العلامات والإشارات والنقوش التي توضع في الكتابة. وقد أتم عمله هذا في رسالة بعنوان الترقيم وعلاماته باللغة العربية، طبع سنة 1331هـ/1911م وقد قام بتحقيقه العلامة عبد الفتاح أبو غدة - رحمه الله.
يقول أحمد زكي عن سبب نقله علامات الترقيم للعربية:
وعلامات الترقيم التي نقلها أحمد زكى باشا بلفظها ورسمها :
الشولة ( الفاصلة ) ،
الشولة المنقوطة ؛
النقطة .
علامة الاستفهام ؟
علامة الانفعال أو التعجب !
النقطتان :
نقط الحذف والاختصار …
الشرطة __
التضبيب "000"
القوسان ( )
قام أحمد زكي باشا بتكوين مكتبة علمية كبيرة، ساعده في ذلك وظيفته المرموقة في الحكومة، ورحلاته المتعددة، وبذله المال للحصول على كتب ومخطوطات. بدأ في تجميع كتب مكتبته وهو طالب مدرسي مما كان يشتريه من المكتبات المختلفة، ثم اشترى مكتبات علي باشا إبراهيم، والشيخ رضوان العفش، وحسن حسني باشا، بالإضافة إلى ما اقتناه في أثناء رحلاته إلى أوروبا والآستانة، واستطاع في إحدى رحلاته إليها أن يزور مكتبة سراي طوب قبو، وكانت مغلقة في وجه أي زائر لقرون عديدة، وأن يبقى بها أربعة أشهر كاملة نسخ منها عددا من الذخائر العربية. ولعل أبرز من مضى في هذا الاتجاه ، أحمد تيمور باشا من مصر والشيخ طاهر الجزائري من دمشق ومحمد كرد علي من دمشق والأب انستاس ماري الكرملى بغداد، وهذا الأخير كانت له مكاتبات مع شيخ العروبة جمعت في كتاب رسائل الرافعي. وقد تفوق أحمد زكى باشا على جميع من ذكرنا في هذا المجال، أي نشر التراث والتنقيب عنه في مكتبات الشرق والغرب. وإذا كان معاصره تيمور باشا يملك أربعة آلاف فدان من أجود الأراضي الزراعية في مصر مما كان يعينه على دفع أي مبلغ يتطلبه الحصول على أي كتاب مهما ارتفع ثمنه، فإن أحمد زكى باشا كان أقل ثروة، غير أنه كان أبعد يداً وأكثر جرأة في السفر والترحال والبحث، واسع الحيلة في الحصول على الكتب والمخطوطات وقد ساعده على ذلك أيضا، ظروف حياته الخاصة فلم ينشغل بولد، هذا إلى جانب وظيفته في مجلس النظار التي مكنت له فرصة السفر، وفوق ذلك كله اتصاله بدوائر الباحثين والمستشرقين في المجمع العلمي المصري والجمعية الجغرافية.
توفاه الله تعالى في 2 تموز عام 1934م إثر نزلة برد حادة.
وسوم: العدد 824