الشيخ العالم المربي محمد أديب فخر الدين القسام
(1349- 1404هـ / 1930- 1984م)
هو الشيخ العالم المربي الكبير محمد أديب بن فخر الدين القسام الملقب ب: ( الشيخ أديب قسام ) لأدبه وحسن خلقه ..إنه يعدّ من جيل الرواد في العمل الإسلامي في اللاذقية، كان يتردد مع الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، والشيخ محمد الحامد، والأستاذ محمد المبارك على مركز الجماعة، فيلقي المحاضرات الدينية على الحاضرين.
فالأستاذ الشيخ العلامة الورع الأزهري الجبلاوي محمد أديب فخر الدين قسام (أبو عبد الله) .. هو مدرس التربية الإسلامية واللغتين العربية والإنجليزية في مدارس جبلة للبنين والبنات .. وخطيب الجمعة في مسجدي السلطان إبراهيم بن الأدهم، وسيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه في جبلة .. القدوة الصالحة، والمصلح الاجتماعي، وصاحب حلقات التدريس الشرعي في الجوامع.
مولده، ونشأته:
ولد الشيخ المعلم محمد أديب القسام عام 1349ه / 1930م، وقيل : إنه من مواليد عام 1935م في مدينة حيفا في فلسطين من أبوين سوريين، وعائلة القسام كانت تستوطن مدينة جبلة، وهي معروفة بالعلم والثقافة والجهاد في سبيل الله، وهو ابن اخ الشيخ المجاهد الشهيد الجبلاوي (عز الدين القسام ) ..ولما حصل الانتداب الفرنسي على سورية رحل والده الشيخ فخر الدين القسام، وعمه المجاهد عز الدين القسام إلى فلسطين.
دراسته، ومراحل تعليمه:
تلقى محمد أديب القسام دراسته الأولى في مدينة حيفا، حيث تعلم مبادئ العلوم والمعارف في مدينة حيفا، وتعلم القرآن الكريم في جامع الاستقلال، وهو الجامع الذي أعلن فيه عمه الشيخ عز الدين الثورة ضد الانكليز والصهاينة والتي بقيت حتى يومنا هذا ..
وقد كان محبوباً وذكياً وبعد نيله الثانوية اتجه طالباً للعلم إلى القاهرة، والتحق بالأزهر الشريف، وهو في سن الرابعة عشرة من عمره، حيث حصل منها على شهادة الإجازة العالمية للتدريس، وتخرج من كلية الشريعة عام 1948م.
أعماله، ومسؤولياته:
وبعدها انتقل إلى مدينة جبلة مسقط رأس آبائه وأجداده، وعين مدرساً لمادة التربية الدينية في ثانوية الشهيد محمد سعيد يونس، وقد كان الشيخ يقوم بتوجيه الناشئة التوجيه السليم، ويغذيهم بتعاليم الشرع الحنيف، يحدثنا أحد تلاميذه هاشم صالح في كتابه الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ : ( أتذكر أنه عندما كنت في ثانوية مدينة جبلة السورية الساحلية الصغيرة، فإني كنت أحب دروس الديانة كثيراً، وبخاصة لدى الشيخ محمد أديب قسام ، ولا أبالغ إذا قلت بأنه كان يحبني مثل طلبة المدينة وربما أكثر على الرغم من أنهم سنة مثله، وذلك لأني كنت فصيحاً في العربية وحافظاً لآي القرآن وكان وهو الأزهري العريق، حساساً جداً لهذه الدرجة . أقول ذلك ، وكأني أراه أمام عيني الآن، رحمه الله ، وهو يتمشى على المنصة ويشرح لنا بكل براعة الحديث الآتي : دخلت امرأة النار في هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض... حديث جميل عظيم مليء بالمعاني الإنسانية حديث يدل على أن الإسلام يرفق حتى بالحيوان فما بالك بالإنسان ؟ ما كنا نملّ من دروس الدين آنذاك كنا نشعر بأننا نعيش لحظة استثنائية حقيقية، أو هكذا كان شعوري على الأقل، أنا الذي لا ينفك عن التنوير والفلسفة التنويرية! ولكن لا يوجد تناقض في العمق إذا ما أخذنا الدين بجوهره لا بقشوره ) .
وكان الشيخ محمد أديب قسام يلقي الدروس بعلوم الفقه وتفسير القرآن في جامعي السلطان إبراهيم وأبي بكر الصديق، وتمّ تعيينه حينها خطيباً في جامع أبي بكر الصديق، وكان ذا كفاءة عالية بفضل الله، وأصبح من الدعاة، وقام بعمله خير قيام.
هذا بالإضافة إلى التدريس العام في المساجد، فلازم التدريس والخطابة طوال حياته في مسجدي: السلطان إبراهيم بن أدهم، وأبي بكر الصديق رضي الله عنه، مبتغياً في ذلك وجه الله عزّ وجل .
وعندما أسس مركز اللاذقية لجمعية الشبان المسلمين فروعاً في المحافظة وفي مدن الساحل منها : فرع جبلة برئاسة الأخ محمد بدرة، وكان الفاعل الحقيقي في هذا الفرع الشيخ محمد أديب القسام، وفرع الحفة برئاسة عبد الباقي الشريقي يعاونه محمد الصباغ، وفرع منطقة الجنجيل برئاسة الشيخ أحمد شاكوش خطيب جامع الجنجيل – رحمه الله – وفرع بانياس برئاسة الشيخ عبد الستار عيروط، والشيخ مصطفى الأعسر – رحمة الله عليهما - .
وقد أثر عنه انكبابه الزائد على العلم، وجلده على التدريس والتعليم.
وقد بلغ مجموع ما طالعه ودرسه تسعين مجلداً في مختلف العلوم الشرعية والعربية، وكان متواضعاً في ملبسه ومأكله ولقاءاته ومدارسته، وعانى شظف العيش في سبيل العلم، ولا سيما بعد أن انقطعت عنه المعونة في أعقاب المأساة التي أصابت مسقط رأسه حيفا كما عانى كثيراً من مضايقات السلطة في بلده، فلم يتبرم، ولم ينافق، ولم يتزلف.
مؤلفاته:
وله كتاب تحت عنوان: الدرر المضيئة في الدروس والمواعظ – جمعها ونسقها سارية زين العابدين – ط1 ، دار الدقاق عام 2018م . ويقع الكتاب في 400 ص.
وفاته:
وفي عام1980 تعرض لنكسة قاسية بالكليتين على إثر ارتفاع درجة السكر بالدم الذي أصابه، وهو طالب بالأزهر ..
عولج في مستشفيات عديدة بسورية، وتمّ نقله إلى السعودية وبعد وصوله إليها بيومين اشتدّ به المرض حيث وافته المنية بجوار البيت الحرام في الساعة السابعة والخمسين دقيقة من مساء الأربعاء 28 جمادى الأولى عام 1404ه / 1984م، وصلي عليه في المسجد الحرام، ونادى المنادي للصلاة عليه بـ ( عالم جليل .. عالم جليل )، ودفن في مقبرة المعلا بمكة المكرمة...
رحمه الله رحمة واسعة، وأدخله فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً .
المراجع:
1-تتمة الأعلام: ج2/ 123، 124 .
2-المجتمع: ع 669 ( 30 / 7 / 1404هـ ) ص 39 بقلم عبد الله علوان.
3-صفحة جبلة روح الروح: إضاءة شخصية من مدينتي جبلة.
4- تتمة الأعلام: محمد خير رمضان يوسف، ج2 : ص 123، 124.
5- الانتفاضات العربية على ضوء فلسفة التاريخ – هاشم صالح – دار الساقي.
وسوم: العدد 824