المجاهد حسن أحمد الجمل مؤسسة خيرية تمشي على الأرض
(1351 - 1419هـ / 1930 - 1998م)
مولده ونشأته
ولد الحاج حسن أحمد الجمل في حي المنيل بمصر القديمة، سنة 1930م، وعاش حياته بين أهالي الحي في أسرة طيّبة، وتعرّف على دعوة الإخوان المسلمين وهو في مقتبل العمر، والتقى الإمام الشهيد حسن البنا سنة 1942م، وباشر نشاطه الدعوي في شعبة المنيل، بين القراءة والعبادة والتربية والرياضة والتسلية والتثقيف، حيث كانت الشعبة تضم المسجد والنادي والمدرسة، وتقدم لروادها أنواع الأنشطة الروحية والعقلية والبدنية كافة.
جهاده في فلسطين
وفي سنة 1948م، نادى منادي الجهاد يدعو المسلمين إلى قتال الصهاينة على أرض فلسطين، أرض الإسراء والمعراج، فلبى الفتى حسن الجمل النداء، وذهب إلى معسكرات التدريب للإخوان المسلمين، ليشارك في الجهاد مع كتائب الإخوان المسلمين الذاهبة إلى فلسطين، وقد أبلى وإخوانه البلاء الحسن، وأذاقوا اليهود الهزائم المتلاحقة، وقدموا بطولات عظيمة شهد لها قادة الجيش المصري، وأثنوا عليها، بل واستعانوا بها في أحلك الظروف وأقساها، لفك الحصار عن الجيش المصري، وقد تم بفضل الله ثم جهاد الإخوان المسلمين، ولولا تدخلات الدول الغربية، وعلى رأسها أمريكا، وخضوع الحكام العرب للإملاءات الخارجية، لكان الحال غير الحال، ولما بقي لليهود وجود في فلسطين، لولا الهدنات المتتابعة، فكلما شعر اليهود بضعف مركزهم، استعانوا بدول الغرب، لإعلان الهدنة، لوقف تقدم المجاهدين.
حل الإخوان واغتيال المرشد
صدر في مصر قرار الحكومة العميلة بحل الإخوان المسلمين في 8-12-1948م، وتدبير اغتيال المرشد العام حسن البنا بأيدي عملاء السلطة في أكبر شوارع القاهرة، وهو شارع الملكة نازلي مساء 12/2/1949م، ولما ذهب الإمام البنا إلى مستشفى قصر العيني وهو ينزف لم يسعفوه، ومنعوا الأطباء من ذلك، حتى رزقه الله الشهادة، فكان دمه لعنة على النظام الذي قوَّض الله ملكه بعد سنين قليلة، ومات شرّ ميتة في أندية القمار، وبأحضان الغانيات.
من فلسطين إلى المعتقل
أما الأخ حسن الجمل، وإخوانه المجاهدون في فلسطين، فقد اعتقلوا من ميادين المعارك، ونُقلوا إلى معتقل الطور وعيون موسى، وهذا هو تكريم الأبطال المجاهدين عند العملاء، وعبيد الاستعمار من حكام مصر آنذاك!
وفي سنة 1951م، التحق المجاهد حسن الجمل بإخوانه المجاهدين لمقاتلة الإنجليز في قناة السويس، وأبلى البلاء الحسن.
وفي سنة 1954م زجّه الأوغاد في السجن الحربي مع الآلاف من إخوانه بأمر الطاغية عبد الناصر، ثم اعتقل مرة ثالثة سنة 1965م، ومع كل ذلك فالصبر والمصابرة سلاح المجاهدين، والاحتساب وطلب الأجر من الله هو بغيتهم وهدفهم.
نشاطه في العمل الخيري
وعقب خروجه من السجن، شرع في العمل الخيري في أوساط الناس، وبخاصة الفقراء والأرامل واليتامى، فساهم مع إخوانه في إنشاء العديد من الجمعيات الخيرية، ودور الحضانة، والمدارس، والمشاغل، ودور الأيتام، والمساجد، ومراكز تحفيظ القرآن الكريم، والمستشفيات، وتيسير الزواج للشباب، وتقديم العون للمرضى، حتى وصفته جريدة الجمهورية القاهرية بالرجل الذي لا ينام إلا أربع ساعات، ويقضي باقي أوقاته بين الناس.
وفي سنة 1979م، انتخبه أهل دائرته ليمثلهم في مجلس الشعب، ثم انتخبوه ثانية سنة 1984م، ثم ثالثة سنة 1987م، فكان نعم النائب في البرلمان، ممثلاً للجماهير المؤمنة.
ومن الغريب أن هذا البطل المجاهد، ورجل الخير والإحسان، تلاحقه سلطات الأمن، وتعتقله في أكتوبر سنة 1990م مع الكثير من القيادات الشعبية والنقابية والجامعية والطلابية بتهمة "التحرك من أجل القضية الفلسطينية، والإساءة إلى دولة صديقة" (إسرائيل)!!
ثم يعاد اعتقاله سنة 1995م مع عشرات الإخوان من القيادات السياسية والنقابية والجامعية والشعبية، وكانت التهمة هذه المرة: الاستعداد لخوض الانتخابات البرلمانية!!
وهكذا عاش هذا المجاهد البطل حياته في الجهاد في فلسطين، وفي قناة السويس، وفي مجالات الخير والخدمات الإنسانية، وسط الجماهير من أبناء مصر وخاصة الفقراء والمعوزين وذوي الحاجات، فكان صورة مشرقة مضيئة لما يجب أن يكون عليه الدعاة المسلمون.
صفاته
لقد عُرف الأخ المجاهد حسن الجمل بدماثة الخلق، والتواضع الجم، وبشاشة الوجه، والمسارعة إلى إغاثة الملهوف، ونجدة المنكوب، ونصرة المظلوم، ومساعدة الأرامل والأيتام والفقراء، واعتزازه الدائم بانتمائه إلى الإخوان المسلمين، وكان يحظى باحترام كبير، حتى بين ضباط جهاز أمن الدولة، فضلاً عن شعبيتـه الكـاسحة لدى الجماهير التي تعتبره لسانهـا الناطق في مجلس الـشعب، ونصيرهـا الدائم فـي السعي لنيل حقوقهـا، فالرجـل يعيش مشكلات الناس وقضاياهم، ويسعى لما فيه مصلحتهم قدر طاقته وإمكاناته.
من أقواله
"إن نواب الإخوان المسلمين في البرلمان يبذلون جهدًا فوق الطاقة، فنحن ننادي الحكومة ونطالبها بتطبيق قوانين الشريعة، ونتقدم بطلبات إحاطة كثيرة، وأسئلة واستجوابات للوصول إلى ما نريد من مصالح الشعب، ونرفض القوانين التي تعرض علينا وتخالف الشريعة الإسلامية، وسبق أن اتفقنا في موضوع قانون الأحوال الشخصية الذي أقره مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، فقد وفقنا في ذلك والحمد لله، كما تقدمنا بثلاثة عشر قانونًا من قوانين الشريعة الإسلامية إلى البرلمان.
إنني لا أشك أن قوى الشر كلها مجتمعة على ضرب الإسلام والمسلمين في مصر، وفي مقدمتها نوادي الروتاري والليونز ومؤسسة بيلان الأمريكية، والشيوعيون والعلمانيون، ومن ورائهم الماسونية العالمية، وهي اليد الخفية التي تتحرك في مصر بشكل كبير لضرب الإسلام، لأن هؤلاء الأعداء يدركون أن مصر هي قلعة الإسلام في العالم العربي والإسلامي، وأن المخابرات الأمريكية والإسرائيلية تعمل بدأب على محاولة الإيقاع بالحركة الإسلامية، وتشويه صورتها، لافتعال أحداث ونسبتها إلى التيار الإسلامي، فلنكن على حذر مما يدبره الأعداء".
قالوا عنه
يقول عنه المرشد الخامس الأستاذ مصطفى مشهور:
"إن الأخ المجاهد حسن الجمل من الرعيل الأول الذي شارك في كتائب الإخوان المسلمين في حرب فلسطين سنة 1948م، وقضى حياته في خدمة قضايا شعبه وأمته الإسلامية، وواجه المحن صابرًا محتسبًا".
ويقول الأستاذ صلاح عبد المقصود:
"لقد كان لي شرف الاعتقال مع المجاهد حسن الجمل، كما كان لي شرف الاتهام بنفس التهمة، وهي التحرك من أجل القضية الفلسطينية، والإساءة إلى دولة صديقة "إسرائيل"!!
وقد أودعت السجن معه ومع الدكتور أحمد عمر، الأمين العام المساعد لنقابة الأطباء، وفي زنزانة واحدة بسجن استقبال طرة، فكان الأخ حسن الجمل نعم الرائد والأب لكل السجناء، وقد أنشأ مع إخوانه في السجن مجموعة ورش عمل تدرس القضايا الوطنية والإسلامية، إضافة إلى عدد من كتاتيب تحفيظ القرآن الكريم ومدارس العلوم الشرعية، والإنسانية والكونية، وكانت فترة حافلة بالفائدة، إذ استطاع أغلب الإخوان حفظ القرآن الكريم في وقت قياسي، إضافة إلى دراسة العديد من العلوم، وقد أصيب المجاهد حسن الجمل بأزمة قلبية نقل على إثرها إلى مستشفى قصر العيني لتجرى له عملية القلب المفتوح تحت الحراسة، ولم يشفع له المرض بالإفراج عنه، مثلما تعامل الدولة عتاة المجرمين، ولم يفرج عنه بنصف المدة أو ثلاثة أرباع المدة، كما يحدث مع السجناء الجنائيين، بل أمضى المدة كاملة غير منقوصة، وخرج ليستأنف مسيرته في الجهاد، وما هي إلا أسابيع حتى لقي ربه راضيًا مرضيًا إن شاء الله".
معرفتي به
عرفت اسمه من الإخوان الذين ذهبوا إلى فلسطين سنة 1948م لقتال اليهود، كالأخ محمود عبده، ويحيى عبد الحليم، ومحمود حسن، وغيرهم، وقرأت عنه فيما بعد في كتاب الأستاذ كامل الشريف: "الإخوان المسلمون في حرب فلسطين" الذي تحدث عن البطولات الرائعة لشباب الإخوان المجاهدين، ومنهم الشاب الفتى حسن الجمل، ثم التقيته بمصر أكثر من مرة في لقاءات الإخوان وعند مرشدي الإخوان: التلمساني وأبو النصر، ومشهور، في التوفيقية والمنيل وفي الاجتماعات الأخرى التي تضم بعض أعضاء البرلمان المصري من الإخوان، كالأخ محمد المطراوي، زميلنا في الدراسة بالأزهر، وخطيب مسجد السيدة زينب، والأخ صلاح أبو إسماعيل، والمستشار مأمون الهضيبي وغيرهم.
لقد كان الأخ حسن الجمل شعلة من النشاط والحيوية وبذل الخير والمعروف لأصحاب الحاجات من الفقراء والمحتاجين المتضررين وكان يسعى في قضاء مصالح الناس، وتفريج أزماتهم، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، بإنشاء المدارس والمشاغل ودور الأيتام والمستوصفات والمساجد، متعاونًا مع المحسنين وأهل الخير بمصر وخارجها.
ولقد سعدت بزيارته لي في مكتبي برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة أثناء موسم الحج والعمرة، وسرني فيه قوة العزيمة، والعمل الدؤوب لجمع الشمل، واستنهاض الهمم، لنشر دعوة الحق والقوة والحرية وتقديم العون للمسلمين في كل مكان، وبخاصة في مصر التي يرى أنها مركز التأثير على العالم العربي والإسلامي، وتعلَّق عليها الآمال الكبار، فمواقفها في التاريخ معلومة مشهورة في تصديها للصليبيين والتتار، وهي اليوم بالدعوة الإسلامية المعاصرة تنشر الخير في ربوع العالم العربي والإسلامي بجهود علمائها ودعاتها، ولشبابها المسلم الدور الناصع في فلسطين، وقناة السويس، وبطولاتهم أمام اليهود والإنجليز، والمؤمل أن تضطلع بالدور الرائد في نصرة الإسلام وإعـلاء رايته والتصدي لقوى البغي والعدوان {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (يوسف: 21).
وفاته
وبعد حياة حافلة بالبذل والعطاء والجهاد والصبر والثبات، لقي المربي الفاضل الأستاذ حسن الجمل ربه، فجر الأربعاء 9 جمادى الآخرة سنة 1419هـ الموافق 30/9/1998م، وقد شارك في تشييعه عدة آلاف، وعلى رأسهم الأستاذ مصطفى مشهور، وصُلي عليه في مسجد الباشا بحي المنيل بالقاهرة، عقب صلاة الظهر، ودفن إلى جوار مرشدي الإخوان المسلمين: عمر التلمساني، ومحمد حامد أبو النصر، وكان عمره يناهز الثامنة والستين.
رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.
وسوم: العدد 841