فقيه السنَّة المجتهد الميسّر الشيخ سيد سابق
(1335 - 1420هـ / 1915-2000م)
مولده ونشأته
ولد الشيخ سيد سابق في شهر كانون الثاني (يناير) سنة 1915م بقرية (إسطنها) من مركز (الباجور) بمحافظة المنوفية، وقد أتم حفظ القرآن الكريم ولم يتجاوز عمره تسع سنوات، ثم التحق بالأزهر في القاهرة في كل مراحله الدراسية حيث حصل على العالمية في الشريعة الإسلامية سنة 1947م، ثم حصل بعدها على درجة علمية أعلى.
وعقب ذلك، عمل في حقل التدريس في المعاهد الأزهرية، ثم بالوعظ والإرشاد في الأزهر، ثم انتقل إلى وزارة الأوقاف بإدارة المساجد، وبعد أن شعر بالتضييق عليه، غادر مصر إلى المملكة العربية السعودية، حيث عمل أستاذًا بجامعة الملك عبدالعزيز في جدّة، ثم جامعة أم القرى بمكة المكرمة، حيث تولى رئاسة قسم القضاء بكلية الشريعة، ثم رئاسة قسم الدراسات العليا ثم عمل أستاذًا غير متفرغ، وقد حاضر خلال هذه الفترة ودرَّس الفقه وأصوله، وأشرف على أكثر من مئة رسالة علمية، وتخرج على يديه كوكبة من الأساتذة والعلماء، وقبل وفاته بثلاث سنوات عاد إلى مصر وبقي فيها حتى وافاه الأجل.
سيرته العملية
وكان في مقتبل حياته متأثرًا بالجمعية الشرعية بمصر، على يد مؤسسها الشيخ محمود خطاب السبكي، وكان من زملائه الشيخ عبد اللطيف مشتهري، ثم تعرّف بعد ذلك على الإمام الشهيد حسن البنا، والتحق بجماعة الإخوان المسلمين، وكان من أنشط العاملين فيها، وكان له دور كبير في التوجيه والتربية، من خلال الأسر والكتائب، والرحلات والمخيمات، والدروس والخطب، والمحاضرات والندوات، وحين انتقل في أواخر عمره إلى مكة المكرمة حيث عمل أستاذًا بجامعة «أم القرى»، سعدتُ بزيارته، حيث كنت أقيم بمكة المكرمة أثناء عملي برابطة العالم الإسلامي، وكثيرًا ما كان يصحبني لزيارته الأخ الدكتور عبد الحميد البس، وكنا نستفيد من علمه وتوجيهاته، ونأنس بحلو حديثه وطرائفه، ويروي لنا تاريخه في الجماعة، وأستذكر أيام دراستي بمصر، وتتلمذي على يديه في الرحلات والكتائب والدروس. كما حصل على جائزة الملك فيصل في الفقه الإسلامي بمشاركة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي سنة 1413هـ.
والأستاذ الشيخ سيد سابق، كان مع علمه وعبادته وكثرة صومه، يتوق إلى الجهاد ويمنِّي نفسه بالمشاركة مع المجاهدين، ولما سنحت له الفرصة سنة 1948م كان في أول كتيبة للإخوان المسلمين، مفتيًا ومعلمًا للأحكام الشرعية ومربيًا للمجاهدين للقيام بدورهم في نصرة دين الله والدفاع عن بلاد المسلمين، ومحرضًا للمجاهدين على الثبات والإثخان في العدو، ومشاركًا لهم في التدرب على السلاح واستعماله في وجه أعداء الله اليهود المحتلين لفلسطين أرض الإسراء والمعراج.
شخصيته وصفاته
كان فقيهًا متمكنًا ذا علم غزير وذهن وقاد وذكاء حاد وخلق رفيع وتواضع جم، ولسان عف، وبديهة حاضرة، ومنطق حسن، وروح مرحة، كما كان على اطلاع واسع ومتابعة للأحداث والمتغيرات، يعيش قضايا المسلمين في كل مكان، وكان علماء الأزهر يجلونه ويحترمونه لمعرفتهم بواسع علمه، وعمق فهمه وسعة أفقه، وجرأته في قول كلمة الحق. وكان موضع الإجلال والاحترام والتقدير من كبار علماء الأزهر أمثال: الشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد أبوزهرة، والشيخ عبدالجليل عيسى، وغيرهم.
كما كان له العديد من التلامذة الذين يذكرون فضله ويقدرون مكانته أمثال: الشيخ مناع القطان، والدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور محمد الراوي، والدكتور أحمد العسال، والدكتور عبد الستار فتح الله سعيد، والدكتور صالح ابن حميد وغيرهم.
ويُروى أنه بعد إبعاد زميله الشيخ محمد الغزالي عن الخطابة في مسجد عمرو ابن العاص بمصر القديمة وتعيينه خلفًا للشيخ الغزالي، ظنَّ الناس أن الشيخ سيد سابق سيداهن في خطبه، بعد أن غضب الحاكم على سلفه الشيخ الغزالي، فما كان من الشيخ سيد سابق، إلا أن جعل الخطبة عن شروط الحاكم المسلم، وذكر فيها ثلاثة عشر شرطًا بأدلتها الشرعية وشواهدها التاريخية، فكانت خطبة جامعة مانعة، عقَّب عليها أحد المشايخ الحاضرين بقوله: لقد قال الشيخ سيد سابق في خطبته كل شيء ولم يؤخذ عليه شيء.
وحين ساءت الأوضاع بمصر في السبعينيات سُئل عن رؤيته للأوضاع فقال: «إن علة مصر سؤالان وجيهان»!
أهم مؤلفاته
للشيخ سيد سابق الكثير من المؤلفات، ومنها:
- فقه السنّة (ثلاثة أجزاء).
- مصادر القوة في الإسلام.
- الربا والبديل.
- رسالة في الحج.
- رسالة في الصيام.
- تقاليد وعادات يجب أن تزول في الأفراح والمناسبات.
- تقاليد وعادات يجب أن تزول في المآتم.
- العقائد الإسلامية.
- إسلامنا.
وغير ذلك من الكتب والمحاضرات والأبحاث والمقالات.
معرفتي به
عرفتُ أستاذي الشيخ سيد سابق، من صورة نشرت له على غلاف مجلة الإخوان المسلمين سنة 1948م، وهو يصوِّب الرشاش في عملية التدريب مع مجاهدي الإخوان المسلمين، الذاهبين إلى فلسطين لمحاربة اليهود وطردهم من أرض الله المباركة، ولقد حققوا انتصارات باهرة، لولا مؤامرات الحكام الخونة الذين تآمروا مع اليهود لتسليم فلسطين الغالية إلى العصابات اليهودية استجابة لأوامر أسيادهم الأمريكان والإنجليز وغيرهم، ومازالوا يحولون دون تحريرها من دنس اليهود.
وقد أدهشني هذا المنظر لهذا العالم الفقيه الذي يحرر الصفحة الفقهية في المجلة، وقلت في نفسي: هكذا كان علماء السلف يحملون القرآن بيد للدعوة والهداية، ويحملون السلاح باليد الأخرى للدفاع عن حوزة الإسلام وكرامة المسلمين.
ودارت الأيام وكان مصير المجاهدين المعتقلات والسجون والتعذيب والقتل؛ تحقيقًا لمآرب بني صهيون الذين يعيشون على الدماء ولا يأكلون الفطير إلا وهو مغموس بدم المسلمين.
ثم شاء الله لي اللقاء معه مرات كثيرة، حين ذهبت إلى مصر للدراسة الجامعية سنة 1949م، من خلال الكتائب والرحلات والدروس والمحاضرات، وكان يخصنا نحن طلاب البعوث الإسلامية من خارج مصر بمزيد من الرعاية والاهتمام، لنكون حملة راية الإسلام في بلادنا، مزودين بالفقه الشرعي والفقه الدعوي، والعمل الحركي لنصرة دعوة الحق والقوة والحرية، دعوة الإسلام العظيم، وكان حلو الحديث طيِّب المعشر، بشوش الوجه، لا ترى فيه إلا الابتسامة المشرقة، والدعابة الظريفة لإدخال السرور على محدثيه وسامعيه، وهو يعرض الحقائق العلمية، والمسائل الفقهية بروح مشربة بحب العلم حريصة على إيصاله بأسلوب سهل يبعد فيه عن الخلافيات والألفاظ الجافة والعبارات الغامضة، فسرعان ما يخرج السامعون وقد فقهوا الدرس، وترسخت المعلومة في أذهانهم بكل يسر وسهولة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وحين صدر الجزء الأول من كتابه القيم: (فقه السنَّة)، وكتب مقدمته الإمام الشهيد حسن البنا، ووصل إلينا عن طريق مكتبة الإخوان المسلمين في الزبير، عكفنا على دراسته مع إخواننا في دروس الكتائب، فكان هو كتاب الفقه المعتمد الذي يدرسه الإخوان في البرنامج الأسري مع التفسير والحديث ورسائل الإمام حسن البنا وغيرها.
وقد شاركنا الشيخ سيد سابق في رحلات دعوية كثيرة في «حلوان» وجبل المقطم والقناطر الخيرية والإسكندرية، وكان له الدور الكبير في التوجيه التربوي والدعوي والفقهي وتعليمنا منهج الدعوة وأسلوب الحوار.
إن الشيخ سيد سابق مدرسة قائمة بذاتها، فهو قدوة عملية للدعاة وإمام من أئمة الفقه المعاصرين، الذين يعيشون الواقع ومشكلاته، ويطرحون الحلول الإسلامية لكل معضلاته، ولا يهربون من مجابهة الباطل، بل يقودون المعركة بكل أبعادها، متسلحين بفقه الكتاب والسنة، وما أجمع عليه سلف الأمة. وبعد تخرجي في الجامعة ومغادرتي مصر، بقيت الصلة بأستاذنا من خلال قراءتنا لكتبه ومؤلفاته وبخاصة «فقه السنة» الذي أُكثر الرجوع إليه والتعمّق في دراسته واستمداد الأحكام الفقهية منه وبخاصة للقضايا المعاصرة التي نعيشها.
وفي زياراتي لدولة قطر أوائل الستينيات، سمعتُ من الأخوين القرضاوي والعسال، الكثير من أخبار الشيخ سيد سابق وإخوانه بمصر: الغزالي، والبهي الخولي، وعبدالمعز عبد الستار، وزكريا الزوكة وغيرهم.
ثم شاء الله أن تتكرر لقاءاتي به في مكة المكرمة حين عملت برابطة العالم الإسلامي، وكان هو في جامعة أم القرى، ورغم كبر السن فما زال على طبيعته التي عرفتها بمصر، من الدماثة وحسن الخلق، وبشاشة الوجه، وعذوبة الأسلوب، وإيراد الطرائف والنكت، مع علم غزير، وفقه عميق، وطرح للموضوعات العلمية بأسلوب مبسط سهل ميسور، وكنتُ في مكة المكرمة أجد المتعة والراحة القلبية حين أزوره وأزور الأستاذ محمد عبد الحميد أحمد بصحبة الأخ الدكتور عبد الحميد البس وغيره.
وإنني وإخواني مناع القطان ويوسف القرضاوي ومحمد الراوي وأحمد العسال ومحمد الدمرداش وأحمد حمد ومحمد الصفطاوي وغيرهم من الطلبة الأزهريين مدينون بالفضل بعد الله له ولإخوانه، فنحن من ثمار جهودهم ومن بركات جهادهم في سبيل الله.
قالوا عنه
يقول الأستاذ مصطفى مشهور - المرشد الخامس للإخوان المسلمين:
«إن الشيخ سيد سابق له مكانته بين الإخوان المسلمين، ومؤلفاته أثّرت في الإخوان وأثرتهم وأفادتهم وخاصة مؤلفه (فقه السنَّة) الذي كان - ولا يزال - من المصادر التي يرجع إليها الإخوان، وله أثر طيّب في تربية وتكوين ثقافة الإخوان الفقهية، حيث إن الإمام الشهيد حسن البنا قد اعتمد هذا الكتاب واعتبره مرجعًا من مراجع السنَّة.
والشيخ سيد سابق كان من المجاهدين على أرض فلسطين، وقد دخل السجن في قضية النقراشي سنتين، ثم أفرج عنه ليكمل مسيرته حتى لقي ربه بعد 85 عامًا من الجهاد في سبيل الله والاجتهاد الفقهي والعمل لخدمة دين الله، والله نسأل أن يتغمده برحمته ويسكنه فسيح جناته».
ويقول الشيخ د. يوسف القرضاوي:
«كان الشيخ سيد سابق أحد علماء الأزهر الذين تخرجوا في كلية الشريعة، وقد اتصل بالإمام الشهيد حسن البنا، وبايعه على العمل للإسلام ونشر دعوته، وجمع الأمة على كلمته، وتفقيهها في شريعته، وأصبح عضوًا في جماعة «الإخوان المسلمين» منذ كان طالبًا، وكان معاصرًا لإخوانه من أبناء الأزهر النابهين الذين انضموا إلى قافلة الإخوان المسلمين من أمثال الشيخ محمد الغزالي، والشيخ عبد المعز عبد الستار وغيرهما.
واشتغل الشيخ سيد سابق بالفقه لأنه الأليق بتخصصه في كلية الشريعة الإسلامية، وقد بدأ يكتب في مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية مقالة مختصرة في فقه الطهارة، معتمدًا على كتب الفقه والحديث وهي التي تُعنى بالأحكام مثل: سبل السلام، وبلوغ المرام، ونيل الأوطار، ومنتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار، والمغني، وزاد المعاد، وغيرها.
وقد اعتمد السيد سابق منهجًا يقوم على طرح التعصب للمذاهب، مع عدم تجريحها، والاستناد إلى أدلة الكتاب والسنة والإجماع، وتبسيط العبارة للقارئ بعيدًا عن تعقيد المصطلحات، وعمق التعليلات، والميل إلى التسهيل والتيسير على الناس، والترخيص لهم فيما يقبل الترخيص، فإن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يحب أن تؤتى عزائمه، وكما يكره أن تؤتى معصيته، وحتى يحبّ الناس الدين ويقبلوا عليه، كما يحرص على بيان الحكمة من التكليف، اقتداء بالقرآن في تعليل الأحكام.
وكان من التسهيل الذي اتبعه الشيخ في منهجه الذي ارتضاه في كتابة الفقه، البعد عن ذكر الخلاف إلا ما لا بد منه، فيذكر الأقوال في المسألة، ويختار الراجح أو الأرجح في الغالب، وأحيانًا يترك الأمر دون أن يرجّح رأيًا، حيث لم يتضح له الراجح، أو تكافأت عنده الأقوال والأدلة، فرأى من الأمانة أن يدع الأمر للقارئ يتحمل مسؤولية اختياره، أو يسأل عالمًا آخر، وهذا ما لا يسع العالم غيره.
وحين أصدر الشيخ سيد سابق الجزء الأول من كتابه (فقه السنة) صدَّره بمقدمة للمرشد العام للإخوان المسلمين الإمام الشهيد حسن البنا، تنوّه بمنهج الشيخ سيد سابق في الكتابة وحسن طريقته في عرض الفقه وتحبيبه إلى الناس، ومما جاء في هذه المقدمة قول الإمام البنا (رحمه الله):
«أما بعد.. فإن من أعظم القربات إلى الله (تبارك وتعالى) نشر الدعوة الإسلامية وبث الأحكام الدينية، وبخاصة ما يتصل منها بهذه النواحي الفقهية حتى يكون الناس على بيّنة من أمرهم في عباداتهم وأعمالهم، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، وإنما العلم بالتعلم، وإن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورَّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر». وإن من ألطف الأساليب وأنفعها وأقربها إلى القلوب والعقول في دراسة الفقه الإسلامي وبخاصة في أحكام العبادات وفي الدراسات العامة التي تقدم لجمهور الأمة: البعد عن المصطلحات الفنية والتفريعات الكثيرة الفرضية، ووصله ما أمكن ذلك بمآخذ الأدلة من الكتاب والسنَّة في سهولة ويسر، والتنبيه على الحِكم والفوائد ما أتيحت لذلك الفرصة حتى يشعر القارئون المتفقهون بأنهم موصولون بالله ورسوله، مستفيدون في الآخرة والأولى، وفي ذلك أكبر حافز لهم على الاستزادة من المعرفة والإقبال على العلم. وقد وفق الله الأخ الفاضل الأستاذ الشيخ السيد سابق إلى سلوك هذا السبيل فوضع هذه الرسالة السهلة المأخذ الجمة الفائدة، وأوضح فيها الأحكام الفقهية بهذا الأسلوب الجميل فاستحق بذلك مثوبة الله إن شاء الله، وإعجاب الغيورين على هذا الدين. فجزاه الله عن دينه وأمته ودعوته خير الجزاء ونفع به وأجرى على يديه الخير لنفسه وللناس آمين».
ويقول الشيخ الدكتور نصر فريد واصل - مفتي الديار المصرية السابق:
«جزى الله الشيخ سيد سابق عن أبناء الأزهر الشريف وشباب هذه الأمة خير الجزاء، فهو بحق فقيه الأمة الذي أكد وسطية هذا الدين، وفك طلاسم الفقه التي كان يصعب على العوام أن يفهموها، فقد قرأنا ونحن في شبابنا كتابه العظيم «فقه السنة» الذي أثرى المكتبة الإسلامية ويسّر الفقه لأبناء الأمة الإسلامية في مصر والعالم العربي والإسلامي، وتُرجم إلى عدد كبير من اللغات التي ينطق بها المسلمون في العالم الإسلامي، فجزاه الله عن الجميع خير الجزاء ورزق أبناءه وذويه الصبر والسلوان، وأسكنه فسيح جناته».
من أقواله
يقول في مقدمة كتابه (فقه السنَّة):
- «هذا الكتاب يتناول مسائل من الفقه الإسلامي مقرونة بأدلتها من صريح الكتاب وصحيح السنة، ومما أجمعت عليه الأمة. وقد عرضت في يسر وسهولة وبسط واستيعاب لكثير مما يحتاج إليه المسلم، مع تجنب ذكر الخلاف إلا إذا وُجد ما يسوغ ذكره فنشير إليه، والكتاب يعطي صورة صحيحة للفقه الإسلامي الذي بعث الله به محمدًا (صلى الله عليه وسلم)، ويفتح للناس باب الفهم عن الله ورسوله ويجمعهم على الكتاب والسنَّة ويقضي على الخلاف وبدعة التعصب للمذاهب كما يقضي على الخرافة القائلة: بأن باب الاجتهاد قد سُد».
- «إن هذه الأمة تقوم مقام النبوة وأنتم معشر المسلمين والمؤمنين تمثلون الأنبياء في تبليغ الرسالة. قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين من بعدي»، ولكي نصل إلى هذا المستوى لابد من مجاهدة النقائص داخل المجتمع في جميع الأوساط وعلى كل المستويات حتى تصبح الدولة مثلاً أعلى، ويجب ألا يصدر عنها إلا الكمال والفضائل، ولن يتحقق الأدب الرفيع والخلق المنيع إلا بجهاد النقائص بجانب جهاد النفس الذي يبدأ من الفرد، حيث إنه محور وأساس التوجيه. ثم يأتي دور الأمة كأمة مسلمة يجب أن تبقى حرة مستقلة لأن لها عقائدها ولها مُثُلها ولها القيادة والريادة والسيادة، فهي أمة محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعليها أن تعد نفسها للجهاد لأن الباطل لن يكف عن مناوأة الحق، والصراع بين الحق والباطل قائم منذ قابيل وهابيل، بل منذ أن دخل إبليس على أبينا آدم وأخرجه من الجنة».
ومن أقواله أيضًا:
- «الأب الشرعي للضعف والضياع والذهاب هو تفرق الأمة الذي نهانا الله تعالى عنه بقوله: {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (الروم:31 - 32)، {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال:46)، والرسول يكشف لهذه الأمة عن هذه السنَّة الاجتماعية، ويبين أن الهلاك الطبيعي نتيجة حتمية للتفرق، والإسلام يحاول ما استطاع أن يعالج الصلات حين تتعرض للوهن. ومن بداية الأمر فلا ينبغي أن يترك أمر الأمة حتى يستفحل الخلاف، بل لا بد من علاج أسبابه. وقد دعانا القرآن الكريم إلى ذلك، قال الله تعالى في محكم كتابه: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء: 59)، وقد حذرنا القرآن الكريم من الأساليب التي يلجأ إليها الأعداء ولعل أمضى الأسلحة في يدهم هو إيجاد الخلاف بين الأمة الإسلامية».
- «إن (إسرائيل) عدو المسلمين اللدود الذي يناصبنا ونناصبه العداء المستمر، تعد الآن دعاتها لبث سمومها بين الشباب المسلم، فقد قابلت مرة أحد الإخوة الفلسطينيين الذين يعملون في حقل التعليم فقال لي: لقد لقيت مرة يهوديًا منكبًا على حفظ كتاب الله وأحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) فسألته: لِمَ تقوم بهذا العمل؟ فقال لي: لكي نحاججكم به، فأنتم عاطفيون تتحكم فيكم عواطفكم، فعندما نجادلكم سنلجأ إلى الاستشهاد بما جاء في القرآن وبما قال نبيكم ونذكر لكم بعض الأمثال العربية التي تؤيد قضيتنا، فتستسلمون عندئذ لدعوانا وتؤمنون بصحتها».
حكايات تروى
يروى أنه أُوفد رسميًا إلى الاتحاد السوفييتي في الستينيات لحضور أحد المؤتمرات للحديث عن الإسلام، وما إن خرج من المطار بصحبة المسؤول الرسمي الذي جاء لاستقباله، حتى فوجئ بحشد ضخم جاء لاستقباله في موسكو بين مقبل يديه أو رأسه، وبين هاتف باسمه، فتعجب الشيخ سيد وقال متسائلاً: كيف عرفتموني؟ فكان الرد: "لقد عرفناك من كتابك «فقه السنة» الذي ترجم إلينا، وقد أخذ جمهور المستقبلين يلوحون بالكتاب المترجم.. يقول الشيخ سيد سابق: فلم أتمالك نفسي من البكاء، إذ لم أكن أتصور أن فضل الله علي سيبلغ بي إلى هذا الحد.
ومما يحكى عنه أنهم حين قبضوا عليه في قضية مقتل النقراشي، وسألوه عن «محمد مالك» الذي ضخمت الصحافة دوره واعتبروه أكبر إرهابي، وقد اختفى ولم يعثروا عليه، فلما سألوا الشيخ سيد سابق: هل تعرف شيئًا عن مالك؟ قال: كيف لا أعرفه وهو إمام من أئمة المسلمين، وهو إمام دار الهجرة (صلى الله عليه وسلم)؟ قالوا: نحن لا نسألك عن الإمام مالك، بل عن مالك الإرهابي قال: أنا رجل فقه أعرف الفقهاء ولا أعرف الإرهابيين.
وفاته
توفي الشيخ سيد سابق مساء يوم الأحد 23 من ذي القعدة 1420هـ 27/2/2000م، عن عمر يناهز 85 سنة، وفي يوم الاثنين تم تشييع الفقيد بعد الصلاة عليه ودفنه، دون أن يقام سرادق للعزاء كما جرت العادة في مصر، وذلك بناء على وصيته بالاكتفاء بالصلاة والتشييع فقط.
رحم الله أستاذنا الكبير وشيخنا الجليل مؤلف (فقه السُنَّة) الفقيه المجتهد خادم السنة الشيخ سيد سابق، وأسكنه الله فسيح جناته مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحشرنا معهم برحمته.. والحمد لله رب العالمين.
وسوم: العدد 851