حسن البنا.. الرجل الذي تخيلته صوفياً فإذا به شخصية متكاملة
حسن البنا..
الرجل الذي تخيلته صوفياً فإذا به شخصية متكاملة (1)
الإمام الشهيد حسن البنا
الأستاذ الفضيل الورتلاني (*)
كنت قبل عام 1938م أسمع عن الأستاذ الإمام وعن الإخوان المسلمين كهيئة إسلامية تعمل كغيرها من الهيئات في جانب من جوانب الحياة.
ولما حضرتُ إلى القاهرة، وكان أول لقاء بيني وبين الإمام في جمع من الناس، ودار الحديث في ذلك الوقت عن أمور روحية صوفية، تخيلت عندها الأستاذ البنَّا رجلاً صوفيّاً لا أكثر ولا أقل، وكنا حينذاك في الجزائر نحارب البدع التي أدخلها من يدَّعون التصوف على المجتمع الإسلامي.
وجرى بيني وبين المرشد نقاش حول هذه المعاني، لمست فيه علم الرجل وتأثره بما يعلم، ولكن صورة أخرى عنه غير الصورة الصوفية لم تخطر لنفسي.
وكثرت الاجتماعات بيننا بعد ذلك، وتوطدت الصلة، فتعارفنا جيداً، وتصادقنا، ثم تآخينا في الله أخوة كاملة، فعرفت في حسن البنَّا معاني أخرى كثيرة غير المعنى الذي لمسته فيه أول مرة؛ وهو المعنى الصوفي، والذي شبهته فيه بـابن القيم.
كان لـحسن البنا صفات تفرقت في الناس، وقلمَّا اجتمعت في شخص واحد، اللهم إلا طائفة نادرة من أولي العزم من الناس، ففي الناحية العلمية كانت للرجل طاقة علمية ينفرد الناس في ناحية من نواحيها، ولا تجتمع لهم؛ فإذا حدثه الفقيه وجد فيه الفقيه الممتاز، وتخيل أن هذه صفته، وإذا اجتمع به الأديب توهم أن صفته هذه وما له من غيرها، إنما هو مكمل، وإذا لقيه السياسي وجد فيه سياسياً من طراز فريد، وحسب أن ما له من الصفات الأخرى إنما هو جزء يسير، وإذا استمع إليه الناس وجدوه خطيباً فحسب... إلخ.
ما اجتمع لـحسن البنَّا من الصفات التي يختص بواحدة منها العباقرة من الناس، والتي كان يتوهمه على واحدة منها كل من نظر إليه من الزاوية التي يفهمها، والحق أن حسن البنَّا هو تلك الصورة الضخمة التي تجمع تلك الصفات جميعاً وبحظ وافر يوازي– إن لم يزد– ما للمتخصصين فيها من حظٍّ.
أما طاقته العلمية فكانت فريدة؛ فهو يعمل ليل نهار دون أن يبدو عليه أثر من جهد أو كلل؛ بل كان هناك من يلقاه ويمضي معه الليل يظن أن في الصباح راحته، وهناك من يلقاه في الصباح ويظن أنه قد أخذ حظه من الراحة ليلاً، ولكنه كان في الحالين يعمل.
وكان مؤمناً برسالته، وبأن المسلم يجب أن يكون صورة من الرسول (صلوات الله عليه) فهو يأخذ نفسه بما علمه وعرفه عن الرسول، وما أكثر ما علم وعرف عنه ولهذا استعذب كل شيء.
أما ما اجتمع له من مرونة الخلق ورقته، فذلك لم يُتح لأحد، فكثير من الناس كان يأتى إليه ليناقشه في أمور، ويعتقد أن نهاية المناقشة أحد أمرين؛ إما عداوة سافرة، أو خلاف دائم.
وإنني لأدعو شباب المسلمين أن يتخذوا من حياة حسن البنَّا محلاًّ لدراسة عميقة؛ ليروا كيف نجح، وكيف توافرت له هذه المزايا التي ذكرت بعضاً منها حتى ينسجوا على منواله، فيتموا ما بدأ، ويصلوا إلى ما لم يمهله القدر في الوصول إليه(2).
(*) هو إبراهيم بن مصطفى الجزائري، المعروف بـ "الفضيل الورتلاني"، ولد في 11 من ذي الحجة 1323هــــ/ 6 من فبراير 1906م، في بلدة "بني ورتلان" شرقي الجزائر، هاجر إلى القاهرة سنة 1939م، وانضم إلى جماعة الإخوان المسلمين، شارك في تأسيس عدة جمعيات خيرية وسياسية مثل: اللجنة العليا للدفاع عن الجزائر، وجمعية الجالية الجزائرية 1942م، وجبهة الدفاع عن شمال إفريقيا 1944م، وكان هو أمينها العام، سافر إلى اليمن، ونجح في توحيد صفوف المعارضة التي قامت بإزاحة الإمام يحيى في فبراير 1948م، ونتيجة لفشل الانقلاب حكم عليه بالإعدام، ولكنه هرب إلى أوروبا، ومنها إلى لبنان، شارك في تأسيس جبهة تحرير الجزائر 1955م، توفي في تركيا بأحد مستشفيات مدينة "أنقرة" في رمضان 1987هــــــ/ مارس 1959م، ونقل رفاته إلى الجزائر بعدها بسنوات.
(1) الدعوة – السنة الثالثة – العدد (104) – 25 من جمادى الأولى 1372هــــ/ 10 من فبراير 1953م.
(2) "القدر في الوصول إليه"، تم إضافتها حتى يستقيم النص، لوجود بياض مكانها في الأصل.