إلى كل الذين استكثروا على الشيخ الحبارى (رحمه الله)
بدايةً لا تربُطني أية صلةٍ أو علاقةٍ مع الشيخ عيسى الحبارى (رحمه الله)، عدا الفكر والثقافة المطروحة، وما جعلني أكتب هذه الوقفة لهؤلاء الثُلة، والذين استكثروا على عظمة وداعه وتوجع الناس لرحيله.. وللحشد المهيب لتشييعه ودفن جُثمانه.. وكذلك للوفود المُتلاحقة التي تكبدت أطوال المسافات بالسفر لحضور مكان العزاء والمواساة..
وأعتقد ما نُشر ساعتها أكثر دلالة أمام كلامي ومرامي..
الأمر الآخر يا أحبتي..
قد أختلف معك وتختلف مع البعض، ولكن هذا الأمر ليس ذريعةً لأبواب الفصالة
بأن يجعلُني ويجعلك ويجعلنا نمحق حقيقة فعل الطيب منهم، ونُعمم النقد لكافتهم، طالما الأغلب منا يدعي العدالة بوصفه ورصفه..
فكم هُم رجال الدين الذين تحت أناملهم تتوالى الأوامر، وتتصاعد النواظر، وتتكاثر حولهم الحقوق، والوجاهة والأموال والأراضي، والخمس، والأوقاف والبساتين وحراسة أماكن الإمامة الراتبة.. ولكن مع الأسف المُشدد بالأمر، لا تجد لهم أية أدوارٍ ناهضة بالمجتمع، سوى التكتم خلف الأسوار، والتغني حول الأغوار.. حتى أصبح الأمر أُحجية لم يُعرف مدارها وأسرارها.. فكلما ازداد صمتهم توشحت أعلميتهم بالألسن والتبعية العمياء فواعجبي!!
فهل هذا الصمت فعله الأنبياء والرسل والأولياء والصالحين (عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم)؟؟!!
فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أشاح ظلم الطرقات لنا، وتكبد الأذى والسخرية من دعوته..
فظل يصل الناس بكل توجهاتهم، وزاد على ذلك بالدعاء لهم والترحم على أمواتهم..
فحق لأهل السماء وأطرف العرش أن يبشره بلسان الخالق الرحيم، وخطابه الكريم: "وإنك لعلى خلقٍ عظيمٍ"..
نعم، كلما توغلنا في التاريخ والسيرة، وما تطرحه المنابر، نجدهم يقولون ما لا يفعلون!!
فهذا يقول كان النبي الكريم (ص) يصل الناس بالصدقات، ويُدني أُذنه بإحساسٍ للفقراء والمساكين، وكلما أتاه أعرابي أو من أهل محلته أو خارجها، لا يُفرق بينه وبين من يجلس معه بالحديث والمأكل والمشرب وحُسن المُعاملة..
حتى سار خلف نهجه أهل بيته وصحابته الأطهار الأخيار..
إذن في كل مسبحةٍ شواهد بالتهليل للإله الجبار، والحمد للخالق الدوار، والتقديس للولي المدرار للإنسانية عامة..
ليمسح الله بكفه على قلب نبيه الصادق الأمين، وسؤدده العرين بقوله: "وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين"
من هُنا تأتي الإشارة نحو فقيدنا العزيز، والذي انسلخ كونه رجل دينٍ في لبسه وطباعه..
فتحرم بسيرة الرسل والأولياء، ونزل إلى الناس ببساطة، واستشعر أوجاعهم واحتياجهم، وخاطبهم بقلبه ونبضه، ومسؤوليته المناطة إليه وفوق عاتقه كإنسانٍ يحب شريكه في الدين والخلقة..
فأثر بالبيوت ومكوناتها الصغيرة والكبيرة، وأعتقد بأن كرم الله أوسع من ذلك، فدرجاته ظاهرة، ومُستقراته باهرة بالجنان والتبيان (رحمة الله عليه)..
أعتقد بأنه ليس من السهل اليسير نزول الدموع الصادقة والحارقة ساعة الألم، وإشهارها للملأ من قبل الرجال ومن يلوذ بهم.. لأن أغلبهم كصفة مسكونة لا يضعف أو ينكسر.. وها هي أمامك تلك المقاطع المُسجلة، والتي تُبين مدى حُزن الناس عليه لأنه تحدث بمتطلباتهم، وحل مشاكلهم، وتنحى عن سفاسف الأمور.. بأن جعل خطابه لصالح ذاك التوجه، أو لتلك العطية الشهرية والهدايا الوقتية..
وما زلت أقول: ما السر في خطابه؛ وبساطته؛ وعدم تكلفه؛ وصدق إحساسه؛ وجذب نواظره منا إليه ومنه إلينا؟؟
مقاطعه قصيرة جداً، وتركت الأثر الكبير بأرجاء المعمورة..
حتى أخذ الجميع ينتظر مقاطعه بشغفٍ دائمٍ، ولم يكتف الآن بذلك..
إذ صار يؤبنه بتكرار روابط كلامه في زمن الغفلة والجفلة!!
أجل، قد تسيدت مقاطعه بين المشاهير، فزاد طيبه فو مجامر الأعمار، وتواضعه في مجالس الأبرار..
بأن جلس مع الجميع وأهل الاختصاص وعامة الناس وطلب منهم رأيهم حول ما يطرحه في قنواته..
والجانب الأخير..
دراسته الدينية المُنتظمة مُنذ نُعومة أظفاره ويُتمه على يد المغفور له العلامة الشيخ عبد الله بن علي أبو مرة بالحلقات التدريسية، وتشجيعه إياه لتميزه بين أقرانه..
والذي جعل بأحد مقاطعه ينعى نفسه، ويستحضر اشتياقه لروح والده (رحمهما الله تعالى)..
فحضر مراتب البحث الخارج ومُناقشاتها، ودعمها رغم كبره بالشهادات الأكاديمية بالبكالوريوس تخصص الإعاقة العقلية من جامعة الملك فيصل، وألحقها بإكمال مرحلة الماجستير لعلوم القران بجامعة المُصطفى لثلاثة فصولٍ مُجتازةٍ.. إضافةً لذكاء تحضيره وخطابه.. فقد حضر (رحمه الله) الدورات التدريبية، والندوات التثقيفية، والمحافل التطوعية والاجتماعية.. حتى صار وأصبح أحد الأضلاع الهامة بالإرشاد وإصلاح ذات البين والشؤون الأُسرية والدينية والخيرية الأخرى..
ختاماً يا أخي المُنظّر العزيز:
الشيخ عيسى (رحمه الله) أحب الله بصدقٍ، فأحبه الناس بالفطرة..
فالرجل فكر وقرر، وتحدث وأثّر، فأرنا نتاجك ورشادك..
أم إنك ما زلت تستكثر على شريك بالبيان دموع الحسرة..
لأنه تلمس صغائر البيوت وطلب الثبوت؛ أو لا زلنا نُمحور ثقافتنا ووجودنا وشموخنا بالتقاط الصور وتلوين الممر؟؟
وسوم: العدد 865