الإمام الدارقطني
سلسلة أهل العلم الحلقة (٢٨)
هو علي بن أحمد بن مهدي ، الإمام الحافظ المجود، شيخ الإسلام، أبو الحسن الدارقطني .
ولد سنة ست وثلاثمائة ، في محلة دار القطن ببغداد.
قال تلميذه أبو عبدالله الحاكم النيسابوري (ت٤٠٥) صاحب "المستدرك على الصحيحين" : (شيخنا أبو الحسن صار واحد عصره في الحفظ والفهم والورع ، وإماما ً في القراءة والنحو ، أول ما دخلت بغداد ، كان يحضر المجالس، وسنه دون الثلاثين سنة) .
*وقال أبو بكر الخطيب البغدادي (ت٤٦٣) صاحب "تاريخ بغداد" : (كان الدارقطني فريد عصره ، وقريع دهره ، ونسيج وحده ، وإمام وقته ، انتهى إليه علم الأثر ، والمعرفة بعلل الحديث ، وأسماء الرجال ، مع الصدق ، والثقة وصحة الاعتقاد ، والاضطلاع بعلوم سوى الحديث، كالقراءات)*.
* وقال رجاء بن محمد المعدل: (قلت للدارقطني : رأيت مثل نفسك ؟ فقال: قال الله: ( فلا تزكوا أنفسكم ) [النجم: 32] فألححت عليه؛ فقال: لم أر أحدا ً جمع ما جمعت) وروى أبو ذر ، والصوري ، عن رجاء المصري :(قال أبو ذر : قلت لأبي عبدالله الحاكم: هل رأيت مثل الدارقطني ؟ فقال: هو ما رأى مثل نفسه فكيف أنا ؟ ).
*وقال الصوري: ( سمعت الحافظ عبدالغني بن سعيد الأزدي يقول: ( أحسن الناس كلاما ً على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة: ابن المديني في وقته، وموسى بن هارون – يعني: ابن الجمال – في وقته، والدارقطني في وقته)*.
* وقال أبو عبدالرحمن السلمي ، فيما نقله عنه الحاكم ، قال: (شهدت بالله، إن شيخنا الدارقطني لم يخلف على أديم الأرض مثله في معرفة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك الصحابة ، والتابعين ، وأتباعهم) .
*قال الخطيب: (حدثنا الأزهري، قال: بلغني أن الدارقطني حضر مجلس إسماعيل الصفار ، فجعل ينسخ جزءا ً كان معه ، وإسماعيل يملي؛ فقال رجل: لا يصح سماعك، وأنت تنسخ. فقال الدارقطني: فهمي خلاف فهمك؛ كم تحفظ أملى الشيخ ؟ فقال: لا أحفظ، فقال الداقطني: أملى ثمانية عشر حديثا؛ الأول عن فلان عن فلان، ومتنه كذا وكذا، والحديث الثاني عن فلان عن فلان، ومتنه كذا وكذا، ومر في ذلك حتى أتى على الأحاديث، فتعجب الناس منه، أو كما قال)*.
وقال الأزهري : (كان الدارقطني ذكيا ً؛ إذا ذكر شيئا ً من العلم – أي نوع كان – وجد عنده منه نصيب وافر ، لقد حدثني محمد بن طلحة النعالي: أنه حضر مع أبي الحسن دعوة عند بعض الناس ليلة، فجرى شيء من ذكر الأكلة ، فاندفع أبو الحسن يورد أخبار الأكلة ، وحكايتهم، ونوادرهم، حتى قطع أكثر ليلته بذلك) .
*قال الأزهري: (ورأيت ابن أبي الفوارس، سأل الدارقطني عن علة حديث، أو اسم ، فأجاب، ثم قال: يا أبا الفتح، ليس بين الشرق والغرب من يعرف هذا غيري)*.
وقال الذهبي (ت٧٤٨) في " تذكرة الحفاظ" : ( وكان من بحور العلم ومن أئمة الدنيا، انتهى إليه الحفظ ، ومعرفة علل الحديث ورجاله، مع التقدم في القراءات وطرقها، وقوة المشاركة في الفقه، والاختلاف، والمغازي، وأيام الناس، وغير ذلك) .
*قال الدارقطني: ( اختلف قوم من أهل بغداد؛ فقال قوم: عثمان أفضل، وقال قوم: علي أفضل، فتحاكموا إلي، فأمسكت وقلت: الإمساك خير، ثم لم أر لديني السكوت، وقلت للذي استفتاني: ارجع إليهم، وقل لهم: أبو الحسن الدارقطني يقول: عثمان أفضل من علي باتفاق جماعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فيوم استشهد عمر اجتمع أهل الشورى الستة الذين عينهم عمر قبل وفاته ، وقال : الخليفة بعدي منكم ، ولا تكن فيك يا عبد الله - لابنه - : كفى من آل عمر أن يحاسب عمر ، قال عبد الرحمن بن عوف : (فانحصرت الشورى في عثمان وعلي ، ولما شاورت الناس لم أجد أحدا فضل على عثمان أحدا ) هذا قول أهل السنة، وهو أول عقد يحل في الرفض)*.
قال الإمام الذهبي: (ليس تفضيل علي برفض ، ولا هو ببدعة ، بل قد ذهب إليه خلق من الصحابة والتابعين، فكل من عثمان وعلي ذو فضل وسابقة وجهاد ، وهما متقاربان في العلم والجلالة، ولعلهما في الآخرة متساويان في الدرجة ، وهما من سادة الشهداء رضي الله عنهم ، ولكن جمهور الأئمة رجح عثمان على الإمام علي، وإليه نذهب، والخطب في ذلك يسير، والأفضل منهما بلا شك أبو بكر وعمر ، ومن خالف في ذا فهو شيعي جلد ، ومن أبغض الشيخين، واعتقد صحة إمامتهما، فهو رافضي مقيت ، ومن سبهما واعتقد أنهما ليسا بإمامي هدى، فهو من غلاة الرافضة أبعدهم الله) .
*قال التاج السبكي: (توفي الدارقطني يوم الخميس ، لثمان خلون من ذي القعدة ، سنة خمس وثمانين وثلاثمائة)*.
قال أبو نصر بن ماكولا: (رأيت في المنام كأني أسأل عن حال الدارقطني في الآخرة ، فقيل لي: ذاك يدعى في الجنة الإمام ) .
وسوم: العدد 878