الشاعر الداعية محمد علي صوان
هو الشاعر المحامي الداعية محمد علي صوان. الذي يعد من شعراء الدعوة الإسلامية في سورية جاءت قصائده صادقة الإحساس جياشة العاطفة قد حلق فيها بخياله فصور النعيم الذي يلقاه من ضحى بروحه في سبيل الله ..
حياته:
ولد الشاعر محمد علي صوان عام 1932م في ناحية معرة مصرين من محافظة إدلب في سورية، وهي بلدة زراعية ذات مناخ لطيف تحفها الكروم وأشجار الزيتون وتحيط بها سهول زراعية جيدة التربية خصبة العطاء.
ونشأ في بيت كريم، فقير متواضع.
الدراسة والتكوين:
والتحق بمدرسة البلدة ونال منها شهادة الدراسة الابتدائية عام 1944م ، وانقطع بعدها عن الدراسة لظروف أجبرته على الانقطاع ثلاث سنوات عاد بعدها ليتم دراسته الإعدادية في ثانوية المتنبي بإدلب، ونال شهادة الدراسة الإعدادية في ثانوية المتنبي بإدلب عام 1951م وقبل أن يتم الثانوية انقطع عن الدراسة لاسباب مرضية.
ثم اجتاز دورة انتقاء المعلمين حيث عمل في التعليم أعواماً ما لبث بعدها أن تقدم لامتحان الثانوية الأدبية فنال الشهادة 1957م ونظم خلال هذه الأعوام ديوانه الشعري المخطوط همسات قلب .
وفي عام 1958م انتسب إلى كلية الحقوق في دمشق، وصار يقضي نهاره في التعليم وليله في التعلم حتى حاز على إجازة الحقوق عام 1962م.
الوظائف والمسؤوليات:
ثم ترك التعليم عام 1964م وانتسب إلى نقابة المحامين في حلب ومارس المحاماة حتى عام 1980م وبقي في عمل المحاماة حتى دعاه داعي الجهاد فلبى النداء مع ولده الشاب المجاهد محمد ياسر تاركا زخرف الدنيا وزينتها.
شعره:
مضى على المسلمين حين من الدهر، والجهاد أمنيات في نفوسهم، وكلمات على ألسنتهم حتى قام شباب الحركة الإسلامية يقرنون القول بالعمل، ويجاهدون فكرياً وسياسياً وعسكرياً، ليصنعوا التاريخ الإسلامي من جديد، وليحرروا الأمة من الطواغيت، وليردوا إليها أملها فتستأنف حياتها الإسلامية في ظل شريعة الله الخالدة بعد أن عانت الويلات والنكبات والكوارث في ظل شرائع العبيد وحكم الجاهلية ..وكان شاعرنا من بين هؤلاء الدعاة الأطهار الذين رفعوا راية الجهاد وجاهدوا بأقلامهم وأموالهم وأنفسهم، وتطلعوا إلى جنة الخلد، وأيقنوا بوعد الله (وإن جندنا لهم الغالبون)
لقد وهب حياته وشعره للحركة الإسلامية يبين مزاياها ويوضح أهدافها ويرد على أعدائها...فسجل في شعره مواقف المجاهدين ..وصفها ورفع صوته مدافعاً عنها ومؤيداً لها ..فهو إما داعياً لجهاد أو راثياً لشهيد أو منبهاً لخطر يحيق بأهل الإسلام أو باكياً لمصيبة حلت بالمسلمين.
قال يصف تركه زخرف الحياة ونعيمها وركضه إلى الجهاد:
ولقد تركت لوجه ربي حلة قد كنت فيها هانئاً أتنعمُ
وتركت أهلي واعتزاز عشيرة ما صعرت خدّاً ولا هي تلطمُ
وتركت داراً لا تطال منيعة إن المروءة خير سور يعصمُ
وتركت زغب القلب حول حليلة تفضي حياءً من حياة تسئمُ
وفتى هزبراً بالسلاح مدججاً أعيا جنود البغي لا يستسلمُ
ألف الجبال الشامخات وفوقه طيران طاغية يحوم ويجثمُ
أودعتهم رباه رحمتك التي أحنى من الأم الرؤوم وأرحمُ
لقد عاش الشاعر صوان في هذا العصر الذي ورثت فيه الدعوة الإسلامية تركة مثقلة بالكثير من العناء، نتيجة بعد المسلمين عن دينهم في منابعه الأصيلة الصافية، ومجافاتهم للمنهج الإسلامي الصحيح في مجال الفكر والحياة..فقال يتهكم بالمتفرنجين المقلدين للغرب وللشرق..أولئك الذين يقلدون أسيادهم الأجانب في كل شيء حتى دخلوا معهم جحر الضب:
ظنوا الحضارة في أثواب سادتهم فاستحيت المعز إذ أثوابهم شكلوا
ظنوا التقدم في تقليدهم فغدوا من حيثما سعل الأسياد هم سعلوا
هم علة قد ربتْ في قلب أمتنا ومصدر الداء من جرثوم ما نقلوا
مهازل حجّبتْ نبراس خالقنا فضاع قومي وضاع الرسم والطللُ
ورأى الشاعر أن الأعداء يبتدعون في محاربة الإسلام كل يوم سلاحاً جديداً، ويحيكون مؤامرة جديدة، وكثيراً ما يحاولون الإتيان على البناء من الداخل، على أيدي من ينتسبون إلى الإسلام ويتسمون بأسماء بني جلدتنا وقومنا ..فأخذ يتتبع تاريخ الأمة ويذكرها بأمجادها ..وقام بفضح الدخلاء والعملاء الذين أمضوا حياتهم عوناً للأعداء فقال:
لما جلونا فرنسا من بكى بفرحاً ومن بكى حزناً ؟ إذ عودها طلبا
كنا نرى العيش في ظل السيوف وما رأيتم العيش إلا ظل من غصبا
وكم سقينا الحمى بين الرصاص دماً ؟ وريقكم قد سقى الباغين وانحلبا
لما الصليبية استمرت دما وطني كنتم مخالبها والناب والشنبا
حتى أتاكم صلاح الدين منتصراً فاستهل الميتُ والحيُّ اعتلا الحدبا
وعدتم للشآم اليوم إذ نسيتْ في بعدكم نُوباً كنتم بها نُوباً
يالهف نفسي أتنسى أمتي محناً ؟ وهل تضلُّ وما نور الإله لحبا ؟
والأستاذ صوان شاعر مجاهد قضى شبابه داعياً إلى الله كارهاً للظلم وحياة الذلّ شاعر أمضى أيامه ولياليه متحفزاً متوثباً وما إن لامست صيحة الجهاد مسامعه حتى كان في مقدمة الملبين رغم كبر سنه ..وفي هذا المعنى نقرأ أبياتاً من قصيدته التي نظمها بعنوان (اهنأ مشيبي في اللقاء الأروع) وقدمها لإخوانه الذين ضمه وإياهم خندق الجهاد ..أولئك الشباب الذين أبو الانحناء للمخلوق فأعلنوها ثورة للخالق وأسرجوا كل ضامر وتوكلوا على الله القوي القادر ...قال فيها:
ما العمر أن أحيا مطية ظالم كالعير تعقل أو تُناخ بمربع
أنا ما ركعتُ لغير ربٍّ خالقٍ يانفسُ : إيهِ بما أمرنا فاصدعي
إن زاغت الدنيا فلا تترددي وكتابُ ربّك خير هادٍ فارفعي
ودعي الحياة ذليلة لذليلها يلهو بأطماع الدّنا وترفعي
يانفس يدعوك المهيمن فانتضي سيف الجهاد وكبري وتضرّعي
فالله اكبر لن يُدنس فاجرٌ عرضي ويعبث في الجبين الناصعِ
والله أكبر يا ثكال كفكفي دمعاً وصيحي بالظلوم المفجع ِ
يا ظالماً تخذَ المدامةَ من دمي حتى أعيش له كعبد ٍ خانع ِ
يانفس : رب العرش ربُّك فاستحي أن تنحني لسواه او أن تخضعي
طاش الطغاة فيا ذُرى الكون اشهدي طعني وخطّي يا أسنّة مضجعي
وإذا نعَتنِ النائحات فزغردي سمرا ويا حمرَ القذائف لعلعي
فلقد تخذتكِ في المشيب خليلة وهجرتُ غيرك والخنادق مهجعي
فإذا تبسّمتِ القيانُ لفاجر فتبسّمي لي ياقنابلُ والمعي
خسيء الجبانُ فما الحياة بذلة ٍ تُنجي ولا تُدني الحميّة مصرعي
رباه إن عقد الطغاة تحالفاً خسئوا إذا ما كنت ياربي معي
ويرى الشاعر إخوانه المجاهدين عام 1981م يقتحمون ميادين الجهاد يحاربون الظلم والطغاة، ويقدمون أرواحهم الطاهرة فداء لدعوتهم وعقيدتهم ويرى الحركة الإسلامية تقدم كل يوم شهيداً يزيدون في وضوح الرؤية وتحديد معالم الطريق ..فينظم قصيدة بعنوان أحباب قلبي لكم في ذمتي ذممٌ نظمها وفاء لعهده مع الشهداء ..وكتبها بدماء قلبه وخطها بدموع عينيه قال فيها:
إخوان قلبي وكل ياسرٌ وله دمعٌ سكوبٌ وما مُيّزتمُ رُتبا
كم حاضرٍ وسويداء العيون له وغائبٍ وسويداء الحشا سلبا
سامحتُ من قد مضى إذ لم يدعْ كبدي أبقى الحنين فلم في غبنه دأبا ؟
يا سالبي مُهجةً بالغُلب راضيةً ومن يكن قلبُه مع حبّه غَلَبا
أزال حُبكم فرقَ السنين بنا فعدتُ فيكم أخاً إذ كنت قبلُ أبا
فليت مُبعدكم عنا يقربنا في مستقرّ بغير البعد ِ ما اقتربا
حب البندقية:
قصيدة نظمها الشاعر عام 1400ه/ 1980م وأهداها إلى إخوانه المجاهدين شباب الحركة الإسلامية إبان ثورتهم المباركة ضد الظلم والطغيان قصيدة اتخذ فيها الشاعر البندقية رفيقة وهجر غيرها من الرفاق، واتخذ من خندق الجهاد له مهجعاً وترك للمتخاذلين مهاجع الذلة والهوان.
سمراء أحببتها حباً إلى الأبد ولفظها بعد عون الله مُعتمدي
سمراء قامتها الهيفاء ضاويةٌ والثغر مبتسم والقلب في كمد
إن جنَّ ليلك كانت خير مؤنسةٍ حيفوظة السر لا توشي إلى أحد
خرساء ما نطقت إلا بمكرمة ٍ إن زغردتْ قررتْ حقي ومُستندي
عذراء ما خالطتْ أنثى ولا خجلت من الشباب فعانقها بلا عددِ
ما ضرّ عفتها تقبيل وجنتها أو لمس أنملها عريانة الجسد
إن لامس الخدّ مني خدها ارتعشت وولولت في لهيب غير متقد
وتحدث عن حبه لها ومعاشرته لها، فقال:
عاشرتها في الصبا عهداً نحنُّ له وما انقضى راح لا تلقاه للأبدِ
أمسيت أجذبها والشيب يُنشزها والحبّ آفةُ قلبٍ غير متحدِ
وعدتُ أجذبها بعد المشيب فلا ألق الذي كنت ألقاه من أحد
عاتبتها فانبرت في الحال قائلة هل بعد شيبك تصبو أن تنال يدي
أقنعتها أن مشيبي غاب أسحمه ماشاب عزمي ولا صبري ولا جلدي
فاهنأ مشيبي بها من بعد ما أنستْ في يوم معمعةٍ أشفي بها كبدي
ويصور عصبة الظلم والطغيان التي عاثت في البلاد فساداً وراحت تجثو على صدور الأحرار وتوغل في دمائهم وتنهش أعرضهم وفننت في تعذيبهم:
دحراً لظلم ٍ علا في الأرض مفسدةً ياغيرة الله جدي السير واجتهدي
هذي بلادي بسيف الدين قد فتحت أضحى يُهانُ بها ديني ومعتقدي
فعصبة الكفر تجثو فوق هامتها ولاغةً من دمي والترب منه ندي
نهاشة العرض ما اهتزت ضمائرها لهتك سترٍ ولا آهات مضطهدِ
فالسوط والنفخ والخازوق شرعتها والثدي يُجتثُ بالمقراض والعُدد
والكبل ذو السن تُهري اللحم ضربته وفوقه الكهربا نارٌ على عمدِ
لقد تفنن أذناب الملحدين في موسكو في تعذيب الأحرار في السجون:
موت تنوعه موسكو لأمتنا في شهوة لم تدر في الذهن والخلدِ
إن يجمع البغي والطاغوتُ عصبته يا أمتي جاء أمرُ الله فاحتشدي
يا أمة الحق كم بلوى قد انقشعت عن شعبنا غير بلوى الخوف والفندِ
تُحنى الجذوع لكفر دون خالقها والشعب يسقى كؤوس الذل والنكدِ
يا أمتي كنت خير الناس قاطبةً ولا يُحكم خيرُ الناس فيه ردي
هذي سبيلي لوجه الله خالصةٌ وذا كتابي ورب العرش ملتحدي
ويعلن الشاعر أن سبيله خالصة لوجه الله ونيته وجهاده لله وحده والقرآن هو دستوره ومنهج حياته .
رثاء مجاهد لولده الشهيد..
قصيدة نابعة من قلب أب مجاهد لابن مجاهد شهيد فجاءت حارّة العبرة صادقة اللوعة نظمها الشاعر بعد وداع ولده الشهيد (محمد ياسر) لأهله إذ قال: ( ليست غايتي في الكون أكل وشرب ونوم فالحمار والخروف يفعل هذا ..إن لي غاية في الوجود هي إعلاء دين الله في الأرض فإما حياة بنصر الإسلام أو جنة عرضها السماوات والأرض..فيا أبي والله ماشعرت بحلاوة الإيمان في لحظة كما شعرت بها إذ اعتقلت بالأمس وعصرني الدولاب فناجيت ربي ( يارب روحي لك فإن أخذتها الآن فلك الحمد على ما أعطيت وأخذت وإن أجلتها لوقت آخر فلك الحمد على ما أعطيت وأبقيت والله لقد شعرت أن الله يؤانسني من كل جانب فيالشقاء الملحدين الذين لا يقرون بأن لهم رباً يؤانس في الشدة ..ويا أبي ادفع مهر عروسي لإخواني المجاهدين فلقد تكفل الله بالعروس وجهازها ولقد طلقت الدنيا رغبة بخالقها فامدد يمينك يا أبي معاهداً لله.
واركب سفينة الجهاد فالله ربانها..
من مبلغ الأهل؟ إن أبقى الزمانُ لهمُ ذكراً إذا لم يقلْ: بالأمس قد كانوا
قد قسم الدهر أحبابي فنصفهم طواه سجنٌ ولفَّ النصف أكفانُ
يا زائر الحيّ إن جزت الحمى غلساً وقد تنكر أحبابٌ وجيرانُ
وأوصدت دونك الأبواب من وجلٍ وأطفأ النور والنيرانُ سُكانُ
فقف ولا تخشَ ظلاماً ولا ظلماً إذ طالما أمّ ذاك الباب عميانُ
وطالما دق ذاك الباب أرملةٌ لها يتيمان: جوعان وعريانُ
فلم يردوا بما يغضي ولا ظلموا إذ صان حقهم بالأمس صوّان
فقف على الباب واسألها إذا وعيت يادارُ: مالك لم يُؤنسك قرآن؟
أين الزمانُ الذي ذقنا حلاوته ؟ نجني من الشهد ما لم يجنِ نُعمانُ
أبُدّلَ الشهدُ مُرّاً في مذاقته ؟ أم بَدّلتْ طعمه في الحلق أشجانُ ؟
طابت لياليك فاستهوت أراقمها وصار يسكنُ دارَ الإلف ثعبانُ
وأبعد الطيرُ عن أفنانه فشجا فهل تمّلّ شجيّ الطيرِ أفنانُ ؟
يادارُ : أين العذارى فيك ساجدةً ؟ أين الشبابُ ؟ وما ضلوا وما خانوا
وأين ياسر ؟ يابدرُ ادن لي كرماً قد غابَ ندّك إن القلب ولهانُ
حالكيته في العلا وجهاً ومكرمةً لكنّ تغايرتما - إذ فيك نُقصانُ –
والشمس إن غيبتْ مسراك من خجلٍ فما يُغيبه في السير فتيان
أسائل الشمس عنه كلما غربتْ يا شمس هل لك في مسراه عرفانُ
غاب الحبيبُ فهل في الكهف مسكنه ؟ أم بين موتى هم الأحياء إن بانوا
ونلثم الريح إن هبَّ القبولُ بها لعلّ من ريحه روحٌ وريحانُ
ونسأل الدرب عن ليثٍ سريع خُطى عالي الجبين – وكم لليسر خلانُ- ؟
وكم جُنوني تلفُّ الطيف في غلسٍ حفظاً ويُسكنه في القلب إيوانُ ؟
أراقبُ الباب في شوقٍ لطارقه لعله من له في القلب إسكانُ
فكل فتحة ِباب جددت أملاً والقلب بالظن بعد اليأس فرحانُ
فيالميت الرّجا كم صار ذا أملٍ ؟ وكم يفرُّ لطيف الحلم يقظانُ ؟
حتى طوى أملي من كان يصحبه بن يخرج الشيخُ ما باليد إمكانُ
فعدت أجملُ آهات إذا زفرت تُذيبُ دمعاً له للقلب أشطانُ
وصور الشاعر مرارة يوم الفراق وقسوته فقال:
يوم الفراق : فما أقساك من زمن ٍ؟ الأمّ تبكي وحول الأمّ غلمانُ
فقال: رُحماك هل عيشنا لقمٌ ؟ كالبُهم نحيا إذا ما البطنُ ملآنُ
خُلقتُ في الكون أحمي دين خالقه يا ضيعة العمر شبعانٌ وجوعانُ
إما حياةٌ بجنب الله هانئة أو نصرُ ديني ونصرُ الله رضوانُ
لقد طلق الشهيد دنيا الناس ثلاثاً لا رجعت فيها وعاهد الله على الثبات وعدم الانحراف والضلال:
طلقت دنياكم حبّاً بخالقها ولن أزيغ إذا ما الكون زيغانُ
فاركبْ معي يا أبي : لله مشرعة ولن تضلَّ وربّ العرش رُبّان
والموجُ طودٌ كإشفاقي فهات يداً لا عاصم اليوم للطغيان طوفانُ
هذي سبيلي وما دربي بها عوجٌ وليس ديني إنكارٌ وإيقانُ
والبحر أركبه والقلبُ في ظمأٍ لكوثر الخُلد لا للوحل حرّانُ
وكان ينادي ربه أثناء موجة التعذيب والسياط تنهش جسده اللطيف بكل وحشية فقد وهب روحه لله فليفعل السجان ما ملكت يداه:
ناديت ربي والدولابُ يعصرني والسوطُ لان بأيديهم وما لانوا
ربّاه : روحي لكم فافعل بما ملكتْ يُمناك ما ملكوا روحي وإن هانوا
فالمرُّ يحلو لوجه الله علقمه وليس تحميك بعد الله أكوانُ
لا أحبسنَّ دماً الله أودعهُ قلبي ، فإن ثرى الإسلام عطشانُ
ويسترسل الشاعر في الكلام على لسان الشهيد حيث يقول:
فابدل جهاز عروسي عُدة حُشيت كيد اللظى قد بدا للصعق إيذانُ
وقل لمن حامَ قلبي فوق مسكنها وما طبت مُهجتي دور وحيطانُ
أقام موسى جداراً هدَّ من قدم ٍ وهي الكنوزُ لها في القلب جدرانُ
ماكنت أقوى على السلوان إن بعدت كانت تقربها عيني وأجفانُ
هدمتُ لله أحلاماً عمرتُ بها عمري فلا هدّها ضيم وبهتانُ
نادى المنادي فطعتُ الذي وصلت وحال دون سرير الوصل ميدانُ
حرّمتُ لمَّ اللّمى والخدّ في ضعة ٍ إنّ أمتي ذلها ذلّ وخذلان
فما غنتْ حمرةُ الخدين عن لهبٍ وما غناني عن الرّمانِ رُمّانُ
ولا أتوق لكأسٍ ما به كدرٌ حتى يُوردهُ عِرْقٌ وشريانُ
سُقيتُ كأساً أبَتْ تفنى مذاقتها والشعبُ في حمأة التهريج غَرقانُ
وقد تراقص فُسّاقٌ على نغم ٍ أليس للسّمر بالإيقاع إتقانُ ؟
فليشهد الكونُ فِتياناً إذا عبدوا ربّاً فما استُعبدوا يوماً ولا دانوا
فرحتُ أرمقهُ والعينُ ناطقةٌ إذ بُتَّ من عقدها درٌّ ومًرجانُ
وقلتُ إيهِ حبيباً خِلتُ أدركه في الشأو لكن من الإمعان إمعانُ
أودعتك الله ما ضاعت ودائعهُ ولا يَتِمُّ بغير الله إحسانُ
فسرْ إليها إذا جالت نواظرها حمراء يُضرمها شيبٌ وشُبانُ
واستشهدِ الكونَ إن غرّتْ رزينتنا طاغٍ فإنا على الطغيان بُركانُ
ويطلب من كتائب الحق أن تشحذ الهمم فالرسول هو القدوة وسيرة الأبطال لنا فيهم عبرة وموعظة :
جحافل الحقّ شُدي كل سابحةٍ فإثر ركب رسول الله رُكبانُ
فما نُغيّبُ إن غاب الوليد ولا تفنى إذا أعدم المهدي ومروانُ
جحافل الحقّ لا نامت له مُقلٌ عن الحساب وللديان ميزانُ
رسالة مجاهد لأمه:
قصيدة نظمها الشاعر عام 1980م أهداها إلى الأخوات أمهات المجاهدين مصانع الأبطال اللاتي قدمن لدينهن أفلاذ أكبادهن مغاويراً من الرجال يدكون معاقل الظلم ومواخير الاستعباد ولا ينحنون إلا لرب العباد
أماه حاشا مُهجتي تسلاكِ يامن رضى الرحمن من مرضاكِ
ظللتني في رحمة الله التي كرمتْ بها روحي به عيناكِ
كم أشرقتْ روحي ببسمتك التي تجلي همومي حينما ألقاك
إن جُنَّ ليلي ما غفتْ لي مقلةٌ مالم أكحّل مُقلتي بلقاكِ
والله لم أهجرْ حنانك قسوةً لكن عجلتُ إلى رضا مولاكِ
وينادي أمه الحنون بأنه إذا نادى منادي الجهاد فسوف يسرع لكي يصون حمى الإسلام ويطلب منها عدم الجزع فدربنا هو سحق الخونة والمفترين والمجرمين:
أماه قد نادى المنادي فاذكري عهداً لربي أن أصونَ حِماك
لا تجزعي أماه هذا دربنا سحق الخؤون وطغمة الأفّاك
أرضعتني لبن العقيدة صافياً فإذا دمي نارُ على السفاك ِ
وبغيرة الحِجر الغيور تجردتْ روحي لتسمو فوق كلّ سماكِ
ويصف الأمهات بأنهن مصانع الأبطال وقد وهبت الأولاد لدحر الكفر والشرك :
يامصنع الأبطال إيه فاخري شمس الضحى إن نافست مسراكِ
قولي: غدوت لدين ربي ضيغماً فاجعله ربي داحر الإشراك
إني نذرتُ مُحرراً لك خالقي لعقيدة تسمو على الأفلاك ِ
فإذا حباني خالقي نصراً فذا منّ وأكرمُ نعمةٍ أهداكِ
وإذا قتلتُ ففي الجنان لقاؤنا ياطيب لقياك وطيبَ جزاكِ
لقد كان الشاعر محمد علي الصوان محلقاً بالخيال متيناً في أسلوبه ألفاظه جزلة قوية فصيحة، وتراكيبه متينة متماسكة يأخذ بعضها برقاب بعض.
أطال الله بعمر الشاعر حتى يرى راية الإسلام خفاقة في بلاد الشام وفي سائر البلدان. وما ذلك على الله بعزيز.
وسوم: العدد 905