حسن البنا والسياسية البريطانية
(1)
الإمام الشهيد حسن البنا
الأستاذ عبد المنعم محمود فهمي(*)
قضيت ردحاً من الزمن بلندن طالباً بجامعة كمبردج ثم موظفاً بالقنصلية المصرية هناك ردحاً من الزمن، وكنت إبان ذلك حريصاً على أن أرقب سياسة إنجلترا نحو الحركة الإسلامية في مصر والشرق، والذي لا مرية فيه أن سياسة إنجلترا تقوم على مبدأ فَرِّق تَسُد، فسياستها لا تقف على التفريق بين العناصر في كل بلد شرقي، وإنما على التفريق أيضاً بين الشعوب الشرقية، وما كانت لتقر قيام الجامعة العربية إلا وهي موقنة بأن في استطاعتها تسخيرها لمصالحها.
ولما كانت حركة الإخوان المسلمين تسعى جاهدة إلى إيجاد اتحاد قوي وكتلة متراصة من الشعوب الإسلامية، فقد كانت بريطانيا ترقب حركتها ونشاطها وتجمعاتها بحذر وخوف، ولقد كنت أضحك ملء فيّ وأنا أقرأ الصحف البريطانية تندد قبيل الحل بدعوة الإخوان، وتتهمها بالرجعية والاستعصاء، وأن التفاهم معها عسير كل العسر، وكانت الصحف تعمد إلى هذا جاهدة لتنال من قدر هذه الدعوة، وتبذر بذور الدس والوقيعة بينها وبين الحكومات العربية الإقطاعية، وكأن حملتها لم تكن إلا توجيهاً للجالس على العرش وقتئذ وحكومته بحل جماعة الإخوان المسلمين، أولئك الذين استجابوا للرغبة البريطانية وشقيقتها الأمريكية على السواء.
ولا أظن أن عقلية المستعمرين البريطانية هدأت هدوءها يوم نشرت الصحف البريطانية استشهاد الإمام حسن البنا، ولقد اعتقد هؤلاء الاستعماريون البريطانيون أن الشرق قد آن له أن يكون مطية ذلولاً للاستعمار البريطاني، وأعتقد أن اعتقادهم أصبح من المؤكد خاطئاً - وقلّ أن تخطئ عقيدة البريطانيين - وهم يرقبون اليوم - من قرب ومن بعد - تطور دعوة الإخوان ونموها وانتشارها هذا الانتشار الموفق السريع.
(*) ملحق بوزارة الخارجية المصرية.
(1) الدعوة – السنة الثالثة – العدد (105) 3 من جمادى الآخرة 1372هـــ/ 17 من فبراير 1953م.