أنيس قاسم وعبد الكريم شبير .. فقيهان قانونيان خسرتهما فلسطين
خسرت فلسطين في أسبوع واحد فقيهين من أعلام القانون ، وفارسين من فرسان الدفاع عن الحقوق الفلسطينية بسيفه الصارم الفعال ، أولهما الدكتور أنيس قاسم الذي توفي يوم الجمعة في أسبانيا ، وثانيهما الدكتور عبد الكريم شبير الذي توفي يوم السبت بكورونا في غزة . ومن بعض تفاصيل سيرة الاثنين نرى قوة تمسكهما بشرعية حق شعبهما في وطنه الذي اغتصب تآمرا وقهرا وعدوانا ، فيضطر أنيس إلى الهجرة إلى الأردن ، ثم بريطانيا ، وأخيرا أسبانيا حيث أدركته منيته . القانون سلاح فعال في الدفاع عن الحقوق وحفظ الوعي الفردي والجمعي والوطني به ، ولغته عالمية مفهومة في كل بقعة من بقاع العالم حتى ولو لم يُنصَف صاحب الحق الذي يؤكده ويقره القانون مثلما هي حال الشعب الفلسطيني . الإيمان الصلب بهذا الحق الذي يعززه القانون ويؤازره من شروط استعادة هذا الحق التي لابد أن تحدث يوما منتصرة على باطل الخرافة والتحايل على الحقائق التي يؤكدها القانون . ولم يفارق ذلك الإيمان عقل الدكتور أنيس ووعيه ، والشواهد على ذلك هي أحداث سيرته المهنية ومؤلفاته وكلماته . لنفكر في مضمون نصيحته للمناضل في ذات الميدان الفلسطيني ؛ الدكتور وأستاذ الهندسة المدنية سلمان أبو ستة : " لا تتوفوا يا سلمان ! نحن على حق " . " لا تتوقفوا ! " حث جريء واثق على متابعة النضال بكل وسائله ، ومنها القانون والحقائق المسنودة بالوثائق والأرقام . و " نحن على حق " بيان إيمان جماعي بأن الفلسطينيين على حق ساطع راسخ في كل بعد من أبعاد قضيتهم التي تأتلف في بعد موحد هو أن " حق العودة مقدس وقانوني وممكن " حسبما يقرر ويجزم عنوان أحد كتب الدكتور سلمان الذي صدر في 2001 عن " المؤسسة العربية للدراسات والنشر " في بيروت ، وإنه لما له رمزيته أن يُلقب في أدبيات العودة الفلسطينية ب " عراب حق العودة " . وحين كان الدكتور أنيس مستشارا للوفد الفلسطيني إلى " مفاوضات السلام " في مدريد وواشنطون بين عامي 1991 _ 1993 صمد الوفد بقيادة الراحل الدكتور حيدر عبد الشافي في خندق الدفاع عن الحق الفلسطيني . ويبدو أنه ، الدكتور أنيس ، غُيِب عن مفاوضات وفد منظمة التحرير الفلسطينية الذي كان يفاوض الإسرائيليين سرا في أوسلو من خلف ظهر وفد مدريد وواشنطون الفلسطيني الذي كان تحت مظلة الوفد الأردني ، فكانت نكبة أوسلو التي ترامت إلى اليوم ، ويعلم الله _ تعالى _ متى تنتهي ، وكيف . وللفارس الآخر الدكتور عبد الكريم شبير ساحته التي قاتل فيها باسلا عن حق شعبه بسيف القانون ، فدافع عن المعتقلين السياسيين والأمنيين والإداريين الذين حاربوا الاحتلال الإسرائيلي في غزة . وتفاجأتُ في نبأ نعيه بإعداده موسوعة من 23 مجلدا تحوي المنشورات والأوامر التي أصدرها الحكم العسكري الإسرائيلي في إدارته شئون غزة إدارة ظلم وعدوان وقهر وترسيخ للاحتلال والاستيطان واعتصار لدم الحياة في عروق غزة . كانت إسرائيل تحصل من الضرائب المباشرة وغير المباشرة المفروضة على غزة مليار دولار ، ولا تنفق منها على التعليم والصحة وبعض الخدمات الأخرى في غزة إلا مائة مليون دولار . وأقول " تفاجأت " بموسوعته لاعتبارها جهدا وطنيا قانونيا عظيما يحفظ أوسع جوانب تاريخ الاحتلال الأسود الدموي في غزة ، ولأنني لم ارَها في أي مكتبة من مكتبات غزة مع ترددي على كثير منها بين وقت وآخر . وربما هي لم تطبع ، وإذا كان الأمر على هذه الصورة فالواجب الوطني من الجهات الفلسطينية الرسمية المسارعة بطباعتها لتصبح في تصرف كل من يدافع عن الحق الفلسطيني العادل مثلما دافع عنه الراحلان الجليلان ، وقرينهما الدكتور سلمان أبو ستة _ أطال الله عمره صحيحا معافى _ . بأمثال أولئك الفرسان الثلاثة نحفظ ذاكرتنا التاريخية ، ونصون هويتنا الوطنية ، فهما طريق العودة إلى فلسطين أرضَ وطن وهوية شعب ، أرض الوطن الفلسطيني وهوية الشعب الفلسطيني .
وسوم: العدد 911