إبراهيم الخليل وقومُه
حين جَبَه سيدنا إبراهيمُ قومه بحجة منطقه وصحيح فهمه كادوا يميلون إليه ، لكن كبرهم وضلالهم ووسوسة شياطينهم نكسوهم عن الحق واتباعه - مع اعترافهم أن آلهتهم لا تنطق - ومن عيّ فهو إلى الصمم أقرب وإلى الجهل أدنى، وقد نطقوا حين عادوا إلى فطرتهم بكلمة الحق( إنكم أنتم الظالمون)الأنبياء 64 لكنهم أبوا الانصياع إليه وسرعان ما ارتدوا إلى ضلالهم وقد أقرّوا أن آلهتهم لا تنطق ، ولو سألناهم : كيف تعبدون ناقصاً جماداً لا يشعر بما حوله قالوا لك : وجدنا آباءنا كذلك يفعلون .
حين نراهم يُسِرّون أو يعلنون أن آلهتهم ناقصة والناقص عابدٌ لا معبودٌ يغتنم سيدنا إبراهيم نقطة ضعفهم التي أقروا بها، فيحاول لمس قلوبهم لعلهم يخرجون من ضيق وثنيتهم إلى فسحة التوحيد فيحاورهم بعقلانية يتقبلها من يبحث عن الحقيقة :
- يُعبد من ينفع ويضرُّ.
- ويطاع من يقدر على ذلك .
- والعاقل من يفكر تفكيراً صحيحاً
- ويقوده عقله إلى فعل الصواب
- يتضجر منهم مستخفاً بعبادتهم.
- ويسخر من آلهتهم المزعومة.
- يدعوهم إلى العقلانية والتفكر والتدبر.
( قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم؟! أفٍّ لكم ولما تعبدون من دون الله ،أفلا تعقلون؟)
والظالم المستبد
- لا يحاور إذ لا يملك أدوات الحوار.
- ولا يريده أصلاً ،فقد عزم أن يعمل بما يرى فقط.
- ويعتمد القهر والإذلال وتكميم الأفواه وإغلاق العقول.
- واستعمال القوة الغاشمة في الوصول إلى هدفه.
(قالوا حرِّقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين)الأنبياء 68
ولعلنا نرى بوضوح عزمهم على قتل الداعية جهاراً نهاراً لإرهاب من تسول له نفسه أن يتبعه فنرى الفعل (حَرَّق)بالتشديد على وزن (فعّل)الدال على عملية التحريق الدقيقة المستمرّة إذ تدع الناظر الكافر يتمتّع بعملية الحرق القاسية فيزداد لؤماً وتجبراً ، وتخيف من يفكر في الإيمان بالدعوة ، فتمنعه عن ذلك.
ولعل في الشرط ( إن كنتم فاعلين)حضٌّ شديد على تعذيب الداعية والتخلص منه.وكثيراً ما يقول الشيخ لتلميذه : "إن كنت تريد الفهم فلا تفوّت ساعة الدرس" ،ظاهر هذا الشرط الخَيار ،وباطنه الحثُّ على فعل الشيء.
قد يقول أحدنا:وكيف ساغ للقوم -وهم قوم إبراهيم وعشيرته-أن يتخلصوا منه لمجرد مخالفته إياهم في اعتقاده؟ والجواب ماثل على مرِّ التاريخ، إن الظالم لا يرى سوى نفسه ،وسهلٌ عليه تدمير الحياة في سبيل ذلك. وانظر فعل الكفار حين دعاهم الأنبياء صلوات الله عليهم إلى الإيمان بالله، والعمل بما يرضيه ، واقرأ سيرة النبي صلى الله عليه في محاربة قومه له ولدعوته ، وانظر ما يفعل مجرمو أمتنا في عصرنا هذا من مجازر وتنكيل وتهجير لا يخفى على الأمة.
ونرى في قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام رحمة الله بالدعاة الصالحين :
- أبطل مكر الماكرين ، فنزع من النار خاصية الحرق.فكانت برداً وسلاماً عليه.
- ومن كان مع الله كان الله معه ؛ أرادوا به كيداً فخسروا.
- آمن به كثير من الناس كانوا يخافون أن يسلموا.
- إن الدعوة للناس جميعاً ،ليست خاصة في مكان فحسب،فمن لم يجد استجابة في بلد ما فلينتقل إلى غيره.
- وقد أكرم الله الداعية الأول فنقله إلى بلد مبارك( الشام)ووهبه الذرية الصالحة التي كان لها اثر إيجابي في الدعوة إلى الله.
( قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم،وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين ،ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين،ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة،وكلّاً جعلنا صالحين) الأنبياء 69-72 .
وسوم: العدد 912