يحيي عياش.. صقر الكتائب
خليل الجبالي
مستشار بالتحكيم الدولي
اليوم 5 يناير ذكري استشهاد البطل يحيى عياش الملقب بالمهندس أو كما يطلق عليه أهل غزة بصقر الكتائب، ذاك الشاب الخجول الذي صاغ مرحلة في مواجهة الإحتلال من أقوي المراحل الجهادية حتي أصبح رمزاً للنضال في فلسطين والدول العربية، وأصبح قدوة للعقول المدبرة الذكية، فكم قدمت فلسطين من رموز، وكم صنعت من رجال؟
ولد يحيي عبد اللطيف عياش فى 6 مايو عام 1966 بقرية رافات جنوب غرب مدينة نابلس بالضفة المحتلة، ودرس فى قريته حتى أنهى الثانوية العامة بتفوق والتحق بجامعة بيرزيت، وتخرج من كلية الهندسة قسم الهندسة الكهربائية في عام 1988 ثم تزوج إحدى قريباته وأنجب منها ولدين هما البراء ويحيى.
اتهمته إسرائيل بمقتل العشرات من مواطنيها، واستمرت ملاحقته في الفترة ما بين إبريل 1993 حتى إغتياله.
تولى يحيى عياش قيادة الجناح العسكري في كتائب الشهيد عز الدين القسام للضفة الغربية وقطاع غزة، وقام بالتخطيط المباشر والمشاركة أحياناً بعمليات عسكرية، خطف جنود إسرائيليين، سيارات ملغومة، عبوات ناسفة، عمليات انتحارية.
تركز نشاط يحي عياش في مجال تركيب العبوات الناسفة من مواد أولية متوفرة في الأراضي الفلسطينية، وطور لاحقاً أسلوب الهجمات الاستشهادية عقب مذبحة المسجد الإبراهيمي بالخليل في فبراير 1994.
ترجع بدايات المهندس مع العمل العسكري إلى أيام الانتفاضة الأولى وعلى وجه التحديد عامي 1990-1991م إذ توصل إلى مخرج لمشكلة شح الإمكانات المتوفرة، وندرة المواد المتفجرة وذلك بتصنيع هذه المواد من المواد الكيماوية الأولية التي تتوفر بكثرة في الصيدليات ومحلات بيع الأدوية والمستحضرات الطبية؛ فكانت العملية الأولى بتجهيز السيارة المفخخة في رامات أفعال، وبدأت إثر ذلك المطاردة المتبادلة بين يحيى عياش والإحتلال الصهيوني وأجهزته الأمنية والعسكرية.
صفات كثيرة أطلقت عليه (الثعلب، العبقري، الرجل ذا الألف وجه، الأستاذ، المهندس،العقل المدبر، العبقري، الفذ، صقر الكتائب،...) لم تكن هذه الصفات من وصف عاشقيه ومحبيه بل أطلقها عليه العدو نفسه، فقد كانوا معجبين إعجابًا شديدًا بعدوهم الأول كما كانوا يصفوه، والمطلوب رقم 1 لديهم.
استطاع عياش لمرتين نصب كمين لخبراء المتفجرات الإسرائيلية بعمليات ذكية للغاية أودت بحياة عدد من خبراء المتفجرات في كلا الحالتين.
من أقوال المهندس يحيى عياش رحمه الله:
"بإمكان اليهود اقتلاع جسدي من فلسطين، غير أنني أريد أن أزرع في الشعب شيئاً لا يستطعون إقتلاعه".
"على الكريم أن يختار الميتة التي يجب أن يلقى الله بها، فنهاية الإنسان لا بُدَّ أن تأتي ما دام قدر الله قد نفذ".
"لسه الحبل على الجرار، والله ما أخليهم يناموا الليل ولا يعرفوا الأرض من السماء".
قال عنه رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق إسحاق رابين (لا شك أن المهندس يمتلك قدراتٍ خارقةً لا يملكها غيره، وأن استمرار وجوده طليقًا يُمثل خطرًا داهمًا على أمن "إسرائيل" واستقرارها).
وقال عنه موشيه شاحل وزير الأمن الداخلي السابق (لا أستطيع أن أصف المهندس يحيى عياش إلا بالمعجزة، فدولة "إسرائيل" بكافة أجهزتها لا تستطيع أن تضع حلًا لتهديداته).
وقال عنه الجنرال أمنون شاحاك رئيس أركان الجيش الصهيوني السابق (إن إسرائيل ستواجه تهديدًا استراتيجيًّا على وجودها إذا استمرَّ ظهور أناس على شاكلة المهندس).
رحل القائد المهندس يحي عياش إلي بارئه في 5 يناير 1995 نتيجة استخدام عبوة ناسفة زرعت في هاتف نقال كان يستخدمه أحياناً وقد وخرج في جنازته نحو نصف مليون فلسطيني في قطاع غزة وحدها.
رحل صقر الكتائب إلى علين مع الأنبياء والشهداء والصدقين، ينعم برضا الله وجنات عرضها السموات والأرض، ليُحيي بدمائه الطاهرة أمَّة وأمل لن يموت ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169﴾ سورة آل عمران.
لن تنساك القدس يا عياش، في ذكراك يتجدد الأمل ، فالأمل يزيل الألم، عشت كريماً يخشاك الأعداء، ستبقي رمز العزة والإباء، وجودك نار ألهبت ظهور اليهود، وموتك شمعة تضيئ الطريق، صدقت الله فصدقك،
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23﴾ سورة الأحزاب.
رحم الله يحيي عياش رحمة واسعة ، وألحقنا به غير مبدلين ولا مغيرين، وعلي طريق الحق سائرين.