الشيخ الداعية الدكتور محمد عبد الله حياني
( 1954م - 1373 للهجرة) / ( 2021م - 1443 للهجرة)
هو الشيخ الداعية الحلبي الذي توفي يوم الجمعة 20 أب 2021م، وغادر هذه الحياة الفانية بعد مسيرة حافلة بالعلم والتعليم وتأليف الكتب النافعة.
نسبه، ونشأته:
هو الشيخ العالم المحدث محمد بن عبد الله بن أحمد حياني الحلبي الطائي.
ينتهي نسبه إلى حاتم الطائي سيِّد قبيلة طيئ التي منها الشيخ الجويني، والشيخ محيي الدين بن عربي، واللغوي جمال الدين بن مالك صاحب الألفية، والشاعران : أبو تمام، والبحتري...وغيرهم كثير.
و( حيَّاني ) نسبة إلى قرية ( حياَّن ) في ريف حلب الشمالي.
استوطنت أسرته مدينة حلب مند ثلاثة قرون تقريباً.
المولد، والنشأة:
ولد الشيخ د. محمد عبد الله حياني في مدينة حلب شمالي سورية في شهر ربيع الأول سنة 1373 للهجرة / الموافق 1954 للميلاد.
ونشأ في كنف والده الحاج عبد الله حياني الذي كان تاجراً صالحاً من أهل القرآن، عرف بكثرة مساعدته الفقراء والمحتاجين، يسعى في شؤونهم، وكان ذا سريرة طاهرة نبيلة، وذا جمال في الخَلق والصوت.
وأما والدته فهي الحاجة (عائشة حياني) التي عرفت بصلاحها؛ وكثرة قراءة القرآن والذكر. وكانت تتمتع بحضور اجتماعي قوي، محبة للدعابة والمرح.
الدراسة، والتكوين:
قرأ محمد عبد الله حياني القرآن على والده، وحفظه وهو طفل صغير لم يتحاوز عمره عشر سنوات، وحفظ الألفية في النحو للإمام ابن مالك، وغير ذلك من المتون.
وعند بلوغه سن التمييز أدخله والده الى مدارس مدينة حلب، فتلقى العلم مند نعومعة أظفاره، وبعد إتمامه المرحلة الابتدائية انتظم طالباً في المدرسة الشعبانية التي كانت يشرف عليها، ويديرها الشيخ عبد الله سراج الدين رحمه الله، وكان يدرس فيها نخبة من علماء حلب، فنهل من علومهم، ولم يكتف بدروسهم في المدرسة بل كان كثير الحضور لمجالسهم العلمية في عدد من مساجد حلب. .
كما أفاد من غيرهم من العلماء الذين كانوا يدرِّسون في المدرسة الخسروية... وغيرها من المدارس العلمية الشرعية في حلب، كما توّج علمه بالاختلاف إلى علماء السلوك والتصوف.
وبعد حصوله على الإجازة من المدرسة الشعبانية سافر إلى مصر لمتابعة التحصيل العلمي والشرعي في الأزهر الشريف، والتحق بكلية أصول الدين، وحصل منها على الإجازة في الشريعة الاسلامية.
ثم حصل على شهادة الماجستير من كلية أصول الدين في الأزهر الشريف عام 1983م.
ثم حصل على درجة العالِمية ( الدكتوراة ) من نفس الكلية في عام 1986م، وكان عنوان الرسالة ( موطأ الإمام مالك رواية الإمام محمد بن الحسن الشيباني: تحقيق ودراسة ).
وكان لعلماء الأزهر الكبار وقتئذ الأثر الكبير في ثرائه العلمي.
أبرز شيوخه، وأساتذته:
تلقى الشيخ محمد عبد الله حياني علوم الدين والعربية على أيدي مجموعة من كبار العلماء في حلب ومصر، نذكر منهم:
1- الشيخ العالم المحدث عبد الله سراج الدين رحمه الله: درس عليه الحديث ( شرح البيقونية).
2- والشيخ الشاعر بكري رجب البابي رحمه الله- درس عليه اللغة العربية.
3- الشيخ العالم عبد الرحمن زين العابدين..
4- والشيخ نجيب خياطة: درس عليه القرأن والتجويد.
5- والشيخ المحدث محمد الغشيم.
6- والشيخ عبد المجيد قطان.
7- والشيخ مصطفى مزراب.
8- والشيخ المعمر أحمد قلاش.
9- والشيخ سامي بصمه جي.
10-والشيخ محمد ياسين الفاداني.
11- والشيخ العالم المحدث محمد عوامة.
12- والشيخ زهير الناصر، ....وغيرهم كثير من علماء حلب ومصر في فنون عدة.
كما حصل على إجازات عدّة في الحديث النبوي الشريف من عدد من العلماء، رحمهم الله جميعا، وحفظ من بقي منهم.
الوظائف، والمسؤوليات:
درَّس الشيخ محمد عبد الله حياني في المدرسة الشعبانية، وفي المدرسة الخسروية.. وغيرهما من المدارس الحكومية في حلب، كما خطب في عدد من مساجد حلب.
هجرة الى الله:
ثم سافر الشيخ - رحمه الله- إلى السعودية في الثمانينات، هربا من بطش طاغية الشام حافظ أسد، فعمل مدرِّساً في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في المدينة المنورة لمدة خمس سنوات، محاضراً فيها من عام 1981م إلى 1986 م.
ثم انتقل إلى مدينة الأحساء، فعمل مدرساً في جامعة الملك فيصل في عام 1986م، وبقي فيها أستاذاً لعلوم الحديث الشريف لمدة طويلة.
مؤلفاته:
ترك الشيخ د. محمد عبد الله حياني عددا من الكتب النافعة، منها:
1 - الاقتران عند المحدثين.
2 - الانتخاب عند المحدثين أثره و أهميته.
3 - ثقافة المحدثين في التعامل مع النص النبوي و النص التاريخي.
4 - خصائص الإسلام.
5 - لماذا نجني على علاقاتنا.
6 - لمحات في دقة المحدثين المنهجية للحفاظ على السنة النبوية.
7 - مدخل إلى الثقافة الإسلامية.
8 - مدى الثقة المنهجية في تخريج الحديث من المعجم المفهرس و البرامج الحاسوبية.
9 - مدى عناية العلماء بكتاب موطأ الإمام مالك بن أنس.
10 - موطأ الإمام مالك رواية الإمام محمد بن الحسن الشيباني دراسةً و تحقيقاً- رسالة دكتوراه.
11 - اليقين بمعرفة من رُمي من المحدثين بقبول التلقين.
أخلاقه، وصفاته:
تمتع الشيخ محمد عبد الله حياني رحمه الله بعدة خصال يتميَّز بها، منها :
- درايته الواسعة بعلوم الحديث والمصطلح - وذلك هو تخصصه العلمي الدَّقيق - ومعرفة دقائقها، وحرصه الشديد على إنفاق الأوقات فيها، وشغل مجالسه بها، وبذكر رجالات الحديث وأخبارهم وأحوالهم. وهذا ما يفرض على المجلس الذي يكون فيه فضيلته الجو العلمي الجادّ، البعيد عن تضييع الأوقات، والأحاديث التي لا نفع فيها لدنيا ولا لدين.
- له سَمْتُ أهل القرآن، وعلماء الحديث الصّادقين؛ يتجلَّله الوقارُ غيرُ المتكلَّف، والحياء، وصدق الحديث، والغَيرة الصادقة على حدود الله تعالى، والشَّفقة البالغة على عباده، والرّحمة والرأفة بهم، والتألّم لآلام المسلمين – أفراداً وجماعات- والتأثُّر الشديد بما يصيبهم من النكبات والمآسي؛ وكثيراً ما يبلغ هذا التأثُّر درجة تعتلّ بسببها صحّته.
- أما الجانب التربوي والذَّوقي عند فضيلته، فهو بارز ساطع؛ فإنك تلمس فيه تلك الرّوحانية الصّافية التي كان يتميّز بها علماء حلب، يوم كانت تعج بأساطين العلم، وكبار الربّانيين، الذين كانوا يجمعون بين العلم الغزير، والتقوى البالغة، والورع الشديد.
فقد نال الشيخ طرفاً صالحاً من علمهم، ونهل الكثير من فضلهم، وسرى إليه منهم قسط وافر من المعاني الذّوقية، التي لا تُكتسب بتلقّي العلم من الكتب، وكثرةِ مطالعتها والبحث فيها، وإنما تُحَصَّل بمُشامّة العلماء الربّانيّين وملازمتهم، إذ يسري شعاعها الخفي إلى قلوب تلامذتهم ومجالسيهم، من غير أن تتدخل في ترجمتها، أو تقوى على التعبير عنها ألسنة البلغاء، ولا أقيسة المنطقيّين، ولا حجج الجدليين.. وما أشبهها بما يسمّيه العلماء بالحدس، الذي لا مطمع في أن يعبّر عنه ببيان، ولا أن يدلَّل عليه ببرهان، مع كونه يقيناً يمتلئ به العقل، ويثلج به الصدر.
- لقد تتلمذ فضيلتة على عدد من هؤلاء الأفذاذ، الذين جمعوا بين العلم، وسرِّ العلم وثمرته، من الحب لله والخشية منه وتعظيمه جلّ وعلا، ومن محبة سيد الخلق، من أمثال الشيخ عبد الله سراج الدين.
- ومن أجل ذلك، فلا عجب أن نرى الشيخ سخي الدمعة، عفيف النَّفس يربأ بالعلم أن يجعله سُلَّماً للعروج إلى كسب مغانم دنيوية تافهة، وأغراض صغيرة؛ كنيل الشهرة وتحصيل الجاه عند الناس، ونيل الحُظوة عند الكبراء.
وكان الشيخ -رحمه الله - طيب القلب، لطيف المعشر، ينتمي الى المدرسة الوسطية، معتدلا بعيدا عن الغلو، ومن حكمة الله تعالى أنه جعل من وجود المعاني المتقابلة سبيلاً إلى اعتدال مِزاج الكون، فترى الإسراف في الكرم في جهة، إلى جانب المبالغة في الشّح في الجهة الأخرى، وتجد الشجاعة المفرطة إلى حدِّ التهوّر، إلى جانب الجُبن الشديد.. إلى غير ذلك؛ ليخرج من بين طرفي النقيض الوسطُ الذي يعيش به الناس، ومن العلماء من اختصّهم الله تعالى بحمل المعاني السماوية، التي جاء بها الأنبياء، من أجل أن يقابلوا بها المعاني الأرضية، التي تستهوي ضعاف العقول، وكليلي الهمم.
- لقد بلغ من زهد فضيلة الشيخ، أنه يؤثر العزلة، ولا يجتمع مع الناس إلاّ في أضيق نطاق، مبتعداً عن الظهور على الشاشات، وحضور المؤتمرات والندوات، محافظا على وقته، وابتعاداً عن الشهرة والأضواء، وبلغ من تواضعه وفراره من الشهرة أنه حين يؤلّف كتاباً أو يكتب بحثاً، فإنه لا يكتب على غلافه إلا اسمه فقط، مجرّداً عن أي لقب.
وفاته - رحمه الله تعالى-:
توفي فضيلة الشيخ د. محمد عبد الله حياني يوم الجمعة 14 من شهر محرم عام 1443 للهجرة / الموافق 20 أب 2021م ....بعد حياة حافلة بالبذل والعطاء والعلم والتعليم...
رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.
أصداء الرحيل:
كتب الشيخ عبد الله نجيب يقول في نعيه:
إنا لله وإنا إليه راجعون...
توفي اليوم إلى رحمة الله وكرمه وفضله الشيخ الدكتور العالم المحدث بقية السلف الصالح (محمد حياني) الحلبي بعد إصابته بكورونا في مدينة الرياض .
رحمه الله، وغفر له، وأدخله فسيح جناته وأكرم وفادته على ربه...
نعم الرجل الصالح الذي أفنى عمره معلما في الجامعة، مؤلفا للكتب النافعة، مربيا لجيل من طلبة العلم .
كان - رحمه الله- ذا خلق رفيع، وأدب جم، وحجة قوية، ينافح عن السنة بكل وسيلة وأسلوب... ادعوا واستغفروا له.
وأثنى عليه، ونعاه صديقه د. عبد الله ابراهيم الموسى فقال:
توفي اليوم في السعودية أخونا الدكتور محمد عبد الله الحياني أستاذ الحديث الشريف في جامعة الأحساء.
وأثنى عليه تلميذه الشيخ محمد الخطيب، فقال:
اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه، واعف عنه، وارفعه عندك في العليين مع النبيين، والصديقين، والشهداء والصالحين، وحسن اؤلئك رفيقا، وجمعنا بهم على حوض سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان نعم العالم، العامل، الفاضل، المحب لجناب سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
كما أثنى عليه ابن عمه د. محمد وليد حياني، فقال:
تلقيت بحزن بالغ نبأ وفاة أخي وابن عمي فضيلة الشيخ الدكتور المحدِّث محمد عبد الله حيَّاني أحد علماء مدينة حلب ممن عاصر أكابر علمائها في القرن الماضي ونهل من علومهم وآدابهم، وقد هاجر من حلب منذ ما يزيد عن 40 عاماً، واستوطن في المملكة العربية السعودية، وله من الكتب والآثار العلمية الشيء الكثير.
نسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا
إنا لله وإنا إليه راجعون.
وحسبنا الله ونعم الوكيل
المصادر :
1- موقع رابطة العلماء السوريين - بقلم صلاح سلو.
2-- صفحة الدكتور محمد وليد حياني.
3- غرفة اتحاد كتاب سورية.
4 - غرفة دار الأنصار....
وسوم: العدد 944