نفحات من سيرة الإمام مالك بن أنس رحمه الله
وُلد الإمام مالك سنة 93ه بالمدينة المنورة، ونشأ بها، وأدرك خيار التابعين ورحل إليهم وأخذ عنهم، حتى صار إمام دار الهجرة.
وكان رحمه الله معظِّماً لأهل الدين، مواسياً لغيره من الناس. مجلسُه مجلس وقار وحلم. لا يحدِّث إلا وهو متوضئ، إجلالاً لحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم. وكان وجوه بني هاشم يقبِّلون يده احتراماً له. وتتلمذ عليه خلقٌ كثيرون. منهم الإمام الشافعي.
كان إذا أراد أن يجلس للحديث يغتسل ويتطيب، فإذا رفع أحدٌ صوتَه في المجلس قال له: اخفض صوتك، فإن الله تعالى يقول: (يأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبيّ).
وكان يكره الغيبة جداً. ومن أقواله فيها: كان عندنا بالمدينة قوم لا عيوب لهم، فتكلّموا في عيوب الناس فصارت لهم عيوب. وكان عندنا قوم لهم عيوب، فسكتوا عن عيوب الناس فنُسيت عيوبهم.
ومن حِكَمِه: العلم دِين، فانظروا عمن تأخذون دينكم.
وجاءه يوماً رجلٌ يستفتيه في مسألة. فقال له الإمام مالك: لا أُحْسِنُها. فقال الرجل: قد ضربتُ إليك من كذا وكذا لأسألك، وتقول: لا أحسنها، ماذا أقول لأهلي؟!. قال: قُل لهم: سألتُ مالكاً فقال لي: لا أحسنها!.
من أهمّ آثاره كتاب "الموطّأ". قال: استدعاني أبو جعفر المنصور وقال لي: إنه لم يبقَ عالم إلا أنا وأنت. أما أنا فقد اشتغلت بالسياسة، وأما أنت فَضَعْ للناس كتاباً، تجنّب فيه رُخص ابن عباس، وتشديدات ابن عمر، وشذوذات ابن مسعود. قال مالك: فكلّفَني وأرشَدَني.
ولمّا أنجز الكتاب وقدّمه لأبي جعفر، أُعجبَ به أبو جعفر وأراد أن يعمّمه على الأمصار ويُلزِمَ به الناس، فقال مالك: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإن أصحاب محمّد صلّى الله عليه وسلّم قد توزّعوا في الأمصار، وعند كل قوم علم، فإذا حملتَهم على قولٍ واحد كان لهم فتنة.
وهكذا تنازل عن مجد شخصي له، بأن يأخذ الناس باجتهاداته، وآثر وحدة قلوب المسلمين. رحمه الله تعالى. وقد توفّي في شهر ربيع الأول سنة 179ه، ودُفن بالبقيع مقبرة المدينة المنورة، على ساكنها صلوات الله وسلامه.
وسوم: العدد 964