نفحات من سيرة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله
هو الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل حافظ السنّة وقدوة أهل الحديث، التقيّ النقيّ الزاهد الورع الصابر المحتسب.
ولد ببغداد سنة 164ه ونشأ في طلب العلم وسافر في طلب الحديث، وسمع من أئمة زمانه، وحفظ مئات الألوف من الأحاديث، وانتقى منها نحو أربعين ألفاً جعلها في كتابه المعروف باسم "مسند الإمام أحمد".
نشأ عفيفاً مستقيماً يخاف الله، متأدّباً غاية الأدب، متواضعاً غاية التواضع، يعظّم مشايخه حتى لا يتكلّم في مجالسهم، ويقول: الإنسان له لسان واحد وأذنان ليسمع أكثر مما يتكلّم.
حفظ القرآن في صغره، وكانت تلوح عليه ملامح الذكاء حتى قال بعض الرجال: أنا أُنفِقُ على أولادي وآتيهم بالمعلّمين والمؤدِّبين، فما أراهم يُفلحون. وهذا أحمد بن حنبل غلام يتيم. انظروا إلى حُسن أدبه وطريقته وعِلمه.
وأخذ عن الشافعي في الحجاز جملة كبيرة من العلوم، ثم لَقِيَه في بغداد وأخذ عنه. فلما خرج الشافعي من بغداد قال: "ما خلّفتُ فيها أتقى ولا أفقه من أحمد بن حنبل".
وجلس للعلم والفُتيا وقد بلغ الأربعين، فأقبل عليه الناسُ إقبالاً عظيماً، وامتازت مجالسه بإجلال العلم والسكينة وحُسن الإنصات. وكان يقدّم الفقراء على الأمراء والأغنياء وأهل الدنيا. وكان على قَدَم السلف الصالح زهداً وقناعةً وتوكّلاً وعبادةً وإخلاصاً. لا يَقْبَل هدايا الأمراء، وإذا قَبِلَها مرةً تصدّق بها على الفقراء.
ثبت على الحق في مقاومة الحكام إذا صدر عنهم ما يخالف شرع الله، وفي محاربة البدع. وسُجن وعُذِّب، فكان ناصر السنّة بحق.
من أجل هذا كلّه وضع الله القَبول لأحمد في قلوب الناس، والمهابة في نفوسهم، فكانوا يُحبّونه ويُجلّونه. فلمّا توفي سنة 241ه حضر جنازته في بغداد خلقٌ لا يُحْصَون. قيل: حضر الجنازة ثمانمئة ألف رجل وستون ألف امرأة سوى مَن كان في السفن في الماء.
قال أحد العلماء المعاصرين لأحمد: إذا رأيتَ الرجل يُحبُّ أحمد بن حنبل فاعلمْ أنه صاحب سنّة. ومَن سمعتموه يذكر أحمد بن حنبل بسوء فاتهموه على الإسلام.
رحم اللهُ الإمام أحمد وجميع علماء الفقه والحديث والزّهّاد والعبّاد، وحشرنا وإيّاهم تحت لواء المصطفى صلّى الله عليه وسلّم.
وسوم: العدد 964