الشيخ الشهيد الدكتور ممدوح فخري جولحة
(1935- 1980م)
هو الشيخ الشهيد الداعية د. ممدوح فخري جولحة الذي كان شجاعاً جريئاً في قول الحق، لا يخشى في الله لومة لائم.
مولده، ونشأته:
ولد في سورية محافظة اللاذقية في قرية (برج إسلام) عام 1935م ، والده فخري محمد جولحة، وأمه زبيدة .
الدراسة، والتكوين:
نشأ وتعلم في اللاذقية، وحصل على الشهادة الثانوية، الفرع الأدبي بامتياز، فحصل على بعثة للدراسة في مصر على حساب الأزهر الشريف، فحصل على الثانوية الشرعية من الأزهر، ثم حصل على الليسانس في العلوم الشرعية، ثم حصل بعدها على الدبلوم.
عاد الشيخ ممدوح إلى سورية (اللاذقية)، وعيّن مدرساً للتربية الدينية في عدة ثانويات: جول جمال ـ ثانوية نسيبة بنت كعب الأنصارية، وفي ـ ثانوية عدنان المالكي ـ والكرامة...
أثناء تدريسه حصل على الماجستير في الشريعة بتقدير ممتاز، ثم تابع تحضير دراسة الدكتوراة العالمية في الأحوال الشخصية وعنوانها: «نظام النفقات في الإسلام»، وحصل عليها عام 1975م، بمرتبة الشرف الأولى، وكان الأول على ثمانين جنسية.
الوظائف، والمسؤوليات:
مارس الشيخ ممدوح جولحة الخطابة في مساجد اللاذقية لفترات مختلفة في كل من جامع الأنصار ـ وياسين، والبيرقدار، وخصص دروساً للنساء كل ثلاثاء بعد العصر في جامع أبي الدرداء، ولكنه كان ينقطع عن خطبه ودروسه، بسبب ظروف خارجة عن إرادته.
حياته الأسرية:
وكان – رحمه الله – متزوجاً من السيدة الفاضلة (جنان عثمان منلا)، وله منها ستة أولاد ، أربع بنات، وولدان، وأبصر ولده السابع النور بعد استشهاده ـ رحمه الله تعالى ـ
تصفه زوجته جنان بقولها: كان نِعْمَ الزوج والأب لأسرته، وكان جُلُّ وقته في مكتبته الحافلة بأندر الكتب وأنفسها والتي جمعها من مصر والسعودية ولبنان وغيرها، فكان يحضر خطبه للجمعة ، ودروسه للمساجد إضافة إلى مطالعته الدائمة دونما انقطاع للمراجع الفقهية والتفسير حيث كان المرجع الأول للإفتاء في بلده، وكان إذا سئل عن حديث نبوي أو مسألة فقهية يقول للسائل :بعد جوابه له : انظر كتاب كذا جزء كذا صفحة كذا ترى الجواب ،وكان يقول دائماً :الوقت أثمن ما في الحياة فلا يجوز أن نفرط في دقيقة واحدة دون علم أو تعلم.
مؤلفاته:
لم يؤلف كتباً بشكل رسمي سوى رسالة الماجستير، والدكتوراة، وكذلك كتاب: «التدخين بين العلم والدين»، وكان هذا الكتاب مشاركة منه في مؤتمر عُقد في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بعنوان: مكافحة المخدرات والمسكرات حيث دُعي لحضوره، لكنه استشهد قبل المؤتمر، وطبع الكتاب وَوُزِّع، وحصل على جائزة مالية قيمة.
سافر إلى السعودية بعقد عمل إعارة أربع سنوات، واشتغل مدرساً في الجامعة الإسلامية، وكتب عدة مقالات في مجلة الجامعة الإسلامية، في العقيدة والسنة النبويَّة والغزو الفكري وغيره، وكان صديقاً مقرباً للشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله تعالى ـ وأحبه الشيخ لغزارة علمه وتقواه.
وقرَّبه إليه وعرض عليه الجنسية السعودية، لكنه قال له بأن بلده أحوج ما تكون إلى علمه، وكان يحضر مجالس العلماء مع الشيخ أمثال الطنطاوي، والندوي، والمودودي...، ومحمد المجذوب، وحماد الأنصاري...
وكان لا يغادر البيت إلا للعمل وصلاة الجماعة وقضاء حوائج الأسرة، وما دعت الحاجة إليه، وكان له تلاميذه ومحبوه، وأما شيوخه فجلهم من مصر.
وفاته:
استشهد د. ممدوح جولحة -رحمه الله- ليلة النصف من شعبان، والتي وافقت ليلة الجمعة في حزيران عام 1980م رحمه الله تعالى، وعوض المسلمين عنه خيراً، وحفظ علماء الأمة العاملين المخلصين ونفع بهم ووقى بلادنا المحن والفتن وأسبغ على ربوعها الأمن والإيمان والسلامة والإسلام . والوحدة والوئام .
د . ممدوح فخري جولحة: العالم الشهيد:
وجاء في عدد مجلة ( النذير):
ولد الشهيد عام /1936/ في قرية (برج إسلام) التركمانية الواقعة على الحدود السورية ـ التركية تلك القرية التي جمعت مختلف ألوان الجمال، من جبال مكسوة بالغابات إلى أودية خضراء، وينابيع ثرة عذبة، إلى سهول أخاذة ساحرة، تطل على البحر الجميل ..
في هذه الطبيعة الجميلة، وفي تلك القرية الهادئة المطمئنة درج الشهيد في سنوات عمره الأولى .. يستقي من براءتها الوضيئة، لتنسكب في قلبه المؤمن طهراً وصفاءً، تطبع شخصيته المتميزة حتى آخر أيام حياته . وأهم من ذلك أن الأصالة والبساطة والوضوح كانت من أبرز صفاته . فقد نشأ بين أبوين كريمين صالحين وأسرة فاضلة عرفت بالتدين والخلق والكرم ، فاجتمع له المنبت الحسن والأسرة الصالحة والبيئة النظيفة الطاهرة .
وفي مدرسة القرية أتم الفتى ممدوح دراسته الابتدائية، ثم التحق بمدارس اللاذقية، الإعدادية والثانوية، ونال شهادة المرحلة الثانوية عام 1958، ولقد كان في هذه الفترة محل إعجاب أساتذته وتقدير إخوانه .
وانصرف بكليته إلى العناية بالقرآن حفظاً وترتيلاً وتفسيراً حتى بزّ أقرانه، وبرزت مواهبه .. فكان مسؤول الحلقات الطلابية في مدرسته، يضفي عليها من صفاته، ويزين مجالسها بصوته العذب الخاشع في تلاوة القرآن، مما رشحه بعد ذلك، وهو لايزال حدثاً، أن يؤم الناس في الصلاة ومجالس العلم وعليه وقار العلم والإيمان .
ثم التحق بعد نيله الثانوية بالأزهر الشريف، وحصل على إجازة الشريعة عام /1962/ ، وفي الأزهر الشريف برز الشهيد بين إخوانه من شتى أقطار الإسلام فكان إمامهم في مدينة البعوث الإسلامية وخطيبهم ، وما إن أتم دراسته للشريعة الإسلامية حتى التحق بتدريس مادة التربية الإسلامية في المدارس والوعظ في المساجد ، يستمد معلوماته من ذاكرة عجيبة، وحافظة قوية، ورغبة شديدة في التحصيل العلمي ودأب عليه، فكان لا يضيع دقيقة من وقته دون فائدة ، كتابه بين يديه حتى وهو على مائدة الطعام .. ويقول لنصحائه: إن بعض علمائنا الذين لم يبلغوا عقدهم الرابع، لو رحنا نوزع ما كتبوه على أعمارهم لكان نتاج أحدهم من 100 ـ 200 صفحة يومياً . فمتى كانوا يستطيعون الكتابة ويحصلون هذه العلوم لو لم يستغلوا كل دقيقة من أوقاتهم ؟
إضافة إلى ذلك، فقد كانت مكتبته الخاصة عامرة بكل أنواع العلوم الإسلامية والمعارف الإنسانية، وكانت تعتبر أكبر وأغنى مكتبة في المحافظة .
وفي مدارس اللاذقية كثر محبوه وتلامذته .. فنقل إلى الريف لكي يحولوا بينه وبين جماهير اللاذقية المتعطشة للإسلام ، والظامئة لمعرفة أمور دينها ، ثم أعيد للاذقية ، ولكن إلى مدارس البنات ، فكان له في سلوكهن أكبر الأثر ، وسُدت في وجهه منافذ الدعوة والاتصال بالناس ، ولم تسلم هذه الفترة من حياة الشهيد من دخول السجن مراراً .
وفي مثل هذه الأجواء وأمام تلك المضايقات لم تلن لشهيدنا قناة، بل كان عزاؤه في المثابرة على العلم والتحصيل، فقد استطاع أن ينال شهادة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية عام 1976 ـ 1977 وذلك في بحث قيم تقدم به للأزهر الشريف " نظام النفقة في الأسرة في الشريعة الإسلامية " .
أما منهجه في البحث والتدريس، فقد عرف عنه الإذعان للنص الشرعي والتزامه بالكتاب والسنة عقيدة وطريقة ومنهاجاً وفقهاً، ونبذه للبدع والخرافات التي ليست من الدين في شيء .. وحملته على الآكلين الدنيا بالدين ، كل ذلك في أدب جم وخلق رفيع وفصاحة لسان ، وحسن بيان ، وثبات جنان ، إذ كان لكلماته المنبعثة من القلب شفافية وأثر يظهران في تملكها للقلوب ، فلقد كان الشهيد خطيباً مفوهاً ، جريء القلب حاضر البديهة ، يصدع بالحق ولا يخشى في الله لومة لائم ، وكانت خطبه الجريئة الواضحة صوت الحق الداوي في سماء اللاذقية ، يتسابق المسلمون إلى استماعها ، فيتزاحمون حتى يغص المسجد بمن فيه وتمتلئ الشرفات والشوارع المحيطة بالمسجد .. إذ تجد هذه الجماهير في كلامه تعبيراً عما يجيش في صدورها، وجواباً شافياً لما يجول في نفوسها .
وإذا كانت اللاذقية لا تنسى مواقف عالمها الجريء، فهي ما تزال تذكر وقفته الشجاعة في فضح مخازي الظالمين، ولا تزال كلماته ترن في أذن الزمان وهو يبين حكم الإسلام في انتخاب رئيس الجمهورية، حيث وقف الشيخ ممدوح في جامع حي " المشروع " يوضح للمسلمين الصفات التي يجب أن يتحلى بها الحاكم المسلم حتى يجوز للمسلمين أن ينتخبوه، حملهم المسؤولية أمام الله ثم الأجيال وبهذا أبرأ ذمته، ورفع الإثم عن علماء المسلمين في اللاذقية .. وكان للشهيد وقفة أخرى لما أُعلن الدستور الجديد ، وطلب من المسلمين الاستفتاء عليه في مسرحية هزيلة لا تخدع أحداً، وهنا دوى صوت الدكتور ممدوح ـ رحمه الله ـ خطيباً في جامع " البيرقدار " وأعلنها صريحة مدوية تفضح المهزلة والقائمين عليها معرياً حقيقة النظام المشبوه ودوره في هدم الإسلام ، ومظهراً حكم الإسلام في دستور لا يمثل الإسلام والمسلمين ، واصفاً الذين صاغوه بتغيير شرع الله والكفر بما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام ، ومحذراً من يرضى به طائعاً مختاراً بعد علمه بمخالفته الصريحة للشرع .
ثم رفع الشهيد سبابته، وقال: الله اشهد ثم أني قد بلغت، أيها المسلمون اشهدوا بأني قد بلغت .
وازداد التضييق على الشهيد فسجن مراراً، وسرح من وظيفته مدرساً للتربية الإسلامية، ولكن لم يثنه ذلك عن قول الحق والصدع به .
وحين وقف العلماء الموقف الذي تتطلبه مكانة العلم وأمانته .. بدأت السلطة بخطف العلماء والمدرسين وذوي المكانة في قلوب الجماهير .
ففي السابع والعشرين من حزيران 1980 داهمت بيت الشهيد سيارة مسلحة تضم عناصر البغي، مروعين أسرته ، لينتزعوه في ظلمة الليل وليمضوا به .. ثم عصبوا عينيه .. وأطلقوا عليه الرصاص .. تشفياً وحقداً .. فسقط الشهيد وقد صرخ صرخة مدوية " الله أكبر " فاهتز لها السهل والجبل .
ومضى ممدوح فخري جولحة إلى ربه شهيداً يجمع بين مداد العلماء ودماء الشهداء .. وقد ترك في قلوب إخوانه ومحبيه وتلامذته وأبناء منطقته ومن عرفه .. أكبر الأثر ..
الشهيد الشيخ الدكتور ممدوح جولحة:
وكتب الأستاذ عبد الله طنطاوي في كتابه (مواكب الشهداء) يقول:
هناك على الشريط الساحلي وفي (برج الإسلام) إحدى القرى التركمانية ولد الشهيد ممدوح جولحة رجل العلم في اللاذقية، الرجل الذي بدأ حياته وأنهاها في ظل الإسلام ورحابه.
بدأ الأخ الشهيد حياته في صفوف الإخوان المسلمين عالماً عاملاً مخلصاً يسعى جاهداً مع إخوانه لإزالة ركام الجاهلية عن أعين الناس، ورأى أن ذلك لا يكون إلا بالتسلح بالعلم النافع والعمل الجاد الدؤوب، فالتحق بالأزهر لمتابعة دراسته الشرعية، وهناك التقى عدداً من شخصيات الجماعة، وحاز على الإجازة بدرجة (جيد جداً)، ثم عاد إلى اللاذقية ليبدأ حياته الدعوية، وكان كما قال الجنيد رحمه الله (حال رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل).
فألقى عدة دروس في المساجد كانت من أروع الدروس تأثيراً في الناس ولكن الطغمة الحاكمة رأت فيه خطراً عليها فسارعت إلى منعه، فعاد إلى الثانويات ينفخ في أبنائها وبناتها من روحه الطاهرة، وفكره النيّر، ويغرس فيهم النبتة الإيمانية التي سرعان ما آتت أكلها وأينعت ثمارها، بيد أن خفافيش الظلام وعشاق الدجى غاظهم تدفق النور وانبلاج الضياء فسجنوه مرات، وأذاقوه العذاب ألواناً، فكان يخرج كل مرة أشد مضاء وأقوى شكيمة، بل إنه كان يغتنم فرصة وجوده في المعتقل فيعلم المسجونين هناك. والمسلم حيث كان خير وبركة على من حوله.
حاز الشهيد على درجة الدكتوراه عام 1975م بدرجة ممتازة، فكان من حقه أن يدرس في الجامعة، إلا أن السلطة الباغية أصرت على بقائه مدرساً في الثانويات.
وعاش الشهيد رحمه الله حياته الأخيرة يعب من مكتبته الفريدة علماً ينفحه عطراً على الشباب المؤمن، وناراً مسلطة على رؤوس الظالمين، ولم يخف في الله لومة لائم، مع كل ما كان يعاني من مضايقات الباغين له حيث كان، يستقبل يومياً ثلاثة أنواع من كلابهم في المخابرات العامة والشعبة السياسية والمخابرات العسكرية يحصون عليه تحركاته وسكناته، ثم أكملوا جرائمهم بحقه، حينما سرحوه في حزيران من سلك التعليم.
كان الشهيد جريء القلب شجاعاً فقد اشتهر بمواقفه الصلبة الصائبة في المؤتمرات الإسلامية التي شارك فيها خارج القطر حيث كان يمثل صوت الإسلام الحر المفكر كما اغتنم منذ شهرين خُلُوَّ أحد المنابر فاعتلاه – وهو ممنوع من الخطبة – وتكلم بصراحة عن إخواننا المجاهدين في أفغانستان وعن الهجمة الشرسة الشيوعية التي تحاول اغتيال ذلك البلد المسلم وتهجم مباشرة على الدول العربية التي تساند قوات الشيوعية هناك.
عرف الشهيد بمساهماته العلمية القيمة في حقول الفقه المتعددة، فصدرت له عدة كتب في موضوعات فكرية مختلفة وفقهية.
ويشاء المولى تعالى أن يلحقه بركب الشهداء والصالحين، وأن يرفعه إلى عليين، فقد داهمت عناصر المخابرات بيته في السابع والعشرين من حزيران 1980م وفي اليوم التالي وجدت جثته الطاهرة مرمية على الأرض في منطقة (صنوبر جبلة) التي تبعد عن اللاذقية خمسة عشر كيلو متراً..
يا لهم من حمقى أغبياء..
منحوه حين أردوه شهيداً.. ألف عمر وشباباً وخلودا.. وجمالاً ونقاء..
رحمك الله أيها الشهيد ورحم إخوانك الأبرار، إن دماءكم لن تضيع هدراً ولن تذهب رخيصة، بل ستكون الوقود الذي يحرق (المجرمين الأسديين) ومن والاهم.
وإن غداً لناظره قريب.. والله أكبر والعزة لله ولرسوله وللمؤمنين...
وسوم: العدد 679
ممدوح جولحة.. داعية اللاذقية المقتول بمنتصف شعبان:
ممدوح فخري جولحة، داعية تركماني سوري، نشط في صفوف جماعة الإخوان المسلمين في مدينة اللاذقية، وعرف بخطبه الجريئة والمؤثرة، مما قاده للسجن والفصل من الوظيفة ثم الخطف والاغتيال.
المولد والنشأة
ولد ممدوح فخري جولحة عام 1935 في قرية برج إسلام بمحافظة اللاذقية لأسرة تركمانيّة الأصل، وكان والده مزارعا بسيطا.
الدراسة والتكوين
درس الابتدائية في قريته، ثم انتقل للاذقية حيث تلقى تعليمه الإعدادي والثانوي، وابتعث للدراسة في مصر فحصل على الثانوية الشرعية من الأزهر ثم على درجة الليسانس.
ولاحقا حصل على الماجستير في الشريعة بتقدير ممتاز، ودرجة الدكتوراه في الأحوال الشخصية من الأزهر عام 1975 بمرتبة الشرف الأولى عن أطروحة بعنوان "نظام النفقات في الإسلام".
الوظائف والمسؤوليات
عمل مدرساً للتربية الدينية في ثانويات اللاذقيّة، ومارس الخطابة في المساجد, كما تولى التدريس بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة لأربع سنوات.
التجربة الدعوية والسياسية
تميزت التجربة الدعوية للشيخ ممدوح فخري جولحة بقدرته على مخاطبة العقل والوجدان، و"حرصه على انتقاء العبارات التي تحرّك المشاعر وتوقظ الغافلين".
وتروي المصادر أنه يمتلك مخزونا علميا وأدبيا كبيرا، وأنه وظّف معارفه في خدمة خطابه الديني والسياسي على منابر اللاذقية بشكل لافت للأنظار.
وفي منهج البحث والتدريس عرف عنه "الإذعان للنص الشرعي والتزامه بالكتاب والسنة عقيدة وطريقة ومنهاجاً وفقهاً، ونبذه للبدع والخرافات التي ليست من الدين في شيء".
ولاحقا، سافر جولحة إلى السعودية بعقد عمل إعارة لأربع سنوات حيث عمل مدرسا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
وخلال إقامته في السعودية كتب مقالات عديدة في مجلة الجامعة الإسلامية في العقيدة والسنة النبويَّة والغزو الفكري وغيره.
وكان صديقا مقرباً للعالم السعودي البارز الشيخ عبد العزيز بن باز. وتقول بعض المصادر إن بن باز أحب جولحة لغزارة علمه وتقواه، وأنه قرَّبه وعرض عليه الجنسية السعودية، لكن جولحة رد بأن بلده أحوج إليه، وعاد إلى سوريا حيث مارس من جديد الدعوة والتدريس والخطابة.
النشاط الدعوي والسياسي لجولحة أزعج نظام البعث السوري، فنقل من التدريس بمدينة اللاذقية إلى الريف ولاحقا كلف بالتدريس في ثانويات البنات.
لكنه ظل فاعلا في المنابر وحلقات التدريس وتحدث بجرأة عن المواصفات التي يجب أن تتوفر فيمن يحكم المجتمع المسلم مما قاده للسجن مرارا ثم الفصل من الوظيفة، قبل خطفه واغتياله خلال أحداث الثمانينيات التي استهدفت جماعة الإخوان المسلمين في سوريا.
المؤلفات:
ومن مؤلفاته:
نظام النفقات في الإسلام، والتدخين بين العلم والدين، وهو عبارة عن بحث أعدّه لمؤتمر عقد في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بعنوان "مكافحة المخدرات والمسكرات". ولم يحضر المؤتمر لأنه اغتيل قبل انعقاده، لكن الكتاب طبع لاحقا وحصل على جائزة مالية قيّمة.
الوفاة:
اختطف ممدوح فخري جولحة من منزله وعثر على جثته مشوّهة في غابة خارج المدينة مساء الجمعة 27 يونيو/حزيران 1980، وصادف أن كانت تلك ليلة النصف من شعبان.
وبعد التعرف عليه بصعوبة دفن في قريته تحت الحراسة خشية وقوع فتنة.
مِن أعلام اللاذقية: العالم الشيخ الشهيد ممدوح_جولحة:
ولد الدكتور ممدوح فخري جولحة في قرية برج إسلام بمحافظة اللاذقية عام 1935، لأسرة تركمانيّة الأصل، وكان والده مزارعاً بسيطاً.
أنهى المرحلة الابتدائيّة في القرية، وحفظ معظم أجزاء القرآن الكريم، وكثيراً من الشواهد الأدبيّة، وأتقن العربيّة والتركيّة، وأكمل دراسته المتوسّطة والثانويّة في مدينة اللاذقية، والتحق بالجماعات الإسلامية في المدينة، وحصل على الشهادة الثانوية العامّة بتفوّق، ابتعث في عهد الوحدة للدراسة في مصر على حساب الأزهر الشريف فحصل على الثانوية الشرعية من الأزهر الشريف ثم درجة الليسانس ثم الدبلوم.
عيّن بعد تخرجه مدرساً للتربية الدينية في ثانويّة البنات باللاذقيّة، واستطاع خلال تدريسه الحصول على درجة الماجستير في الشريعة بتقدير ممتاز، ودرجة الدكتوراة العالمية في الأحوال الشخصية في عام 1975، بمرتبة الشرف الأولى، وكان الأول على ثمانين جنسية وموضوع أطروحته: (نظام النفقات في الإسلام).
كان خطيباً مفوّهاً يخاطب العقل والوجدان، ويحسن انتقاء العبارات التي تحرّك المشاعر، وتوقظ الغافلين.
واستطاع بما يملكه من مخزون علمي وأدبي أن يوظّف معارفه وشواهده في خدمة خطابه الديني على منابر مدينة اللاذقيّة المتعطشة للعلم الشرعي بشكل لافت للأنظار.
أحب الكتاب، وعشق المطالعة، وكان جمّاعاً للكتب، جمع مكتبة عامرة بأمّهات كتب الدين والتراث قلّ نظيرها، خلال دراسته في مصر.
وكانت المطالعة أجمل ساعات حياته وكان يردّد: الوقت أثمن ما في الحياة فلا يجوز أن نفرط في دقيقة واحدة دون علم أو تعلّم.
ألّف كتاب (التدخين بين العلم والدين) وهو عبارة عن بحث أعدّه لمؤتمر عُقد في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بعنوان: مكافحة المخدرات والمسكرات حيث دُعي لحضوره، لكنه استشهد قبل المؤتمر، وطبع الكتاب وَوُزِّع، وحصل على جائزة مالية قيمة.
سافر إلى السعودية بعقد عمل إعارة أربع سنوات، واشتغل مدرساً في الجامعة الإسلامية، وكتب عدة مقالات في مجلة الجامعة الإسلامية، في العقيدة والسنة النبويَّة والغزو الفكري وغيره، وكان صديقاً مقرباً للشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله تعالى ـ الذي أحبّه لغزارة علمه وتقواه.
وقرَّبه إليه وعرض عليه الجنسية السعودية، لكنه قال له بأن بلده أحوج ما تكون إلى علمه.
استطاع بما يمتلكه من موهبة صوتيّة، ومن علم في القراءات القرآنيّة، أن يجمع في تلاوته لكتاب الله بين حسن الأداء وتطبيق الأحكام، وأن يشعر مستمعه بالسكينة والخشوع.
وكان طاقة من العطاء والإنجاز والأفكار.
استطاع الحاقدون إخماد صوته، وقتل عبقريّته في مهدها لمّا أدركوا ما يمكن أن ينجزه هذا الشاب العبقري المتوقّد في قابل الأيّام من أبحاث علميّة، ودراسات إسلاميّة، ونهضة تربويّة.
اختطف من منزله ليلة استشهاده، ووجدت جثّته ممزّقة مشوّهة في غابة خارج المدينة ليلة النصف من شعبان، والتي وافقت ليلة 27/6/1980، ومعه الشيخ عبد الستار عيروط مدرّس التربية الدينيّة في ثانويات اللاذقيّة، والمحامي برهان عطور، ولم يتم التعرّف عليهم إلاّ بصعوبة.
ودفن في مسقط رأسه برج إسلام تحت حراسة شديدة، خشية وقوع فتنة كبيرة بالمدينة، وهو في أوج العطاء الفكري والنضوج العقلي.
مصادر الترجمة:
1-موقع رابطة أدباء الشام.
2- موقع رابطة العلماء السوريين.
3-كتاب مواكب الشهداء: عبد الله الطنطاوي.
4- من أعلام اللاذقية .
5- موقع الجزيرة نت.
6-مواقع الكترونية أخرى.
وسوم: العدد 1021