الشيخ العلامة محمد أبو زهرة
لا يخلو عصر من العصور من قائم لله بحجة، يدعو الناس إلى الحق، وينير لهم الطريق ويكشف لهم الزيف، ويفند بين أيديهم الباطل، يتقدم الصفوف بلا خوف أو وجل، كأنه نجم يهتدي الناس به، يستشعر أنه واقف على ثغرة من ثغر الإسلام، فلا يبرحها إلا إذا فاضت روحه إلى بارئها.
ويتعجب الناس من صموده أمام الأعاصير الكاسحة وهو شامخ كالطود، صامد لا يلين، ثابت لا يهتز، مقدام لا يتراجع، لا ترهبه سطوة سلطان أو يغريه منصب ومال، موصول الصلة بالله وثيق المعرفة به.. هذا هو شأن الدعاة المصلحين الذين تأبى عليهم نخوتهم حين يرون أمتهم ترسف في أغلال الجهل والضعف إلا أن يمدوا لها يدًا، أو يقدموا إليها نصحًا، أو يهزوها هزا حتى تستيقظ من سباتها وتستفيق من غفلتها، وتعود إلى ما كانت عليه من قوة وعز وجاه.
المولد؛ والنشأة
وقد سيطرت على الطالب النجيب روح الاعتزاز بالنفس واحترام الحرية والتفكير وكره السيطرة والاستبداد.. وقد عبر أبو زهرة عن هذا الشعور المبكر في حياته بقوله: “ولما أخذت أشدو في طلب العلم وأنا في سن المراهقة.. كنت أفكر: لماذا يوجد الملوك؟ وبأي حق يستعبد الملوك الناس؟، فكان كبر العلماء عندي بمقدار عدم خضوعهم لسيطرة الخديوي الذي كان أمير مصر في ذلك الوقت”.
في قاعات العلم:
ولما ذاع فضل المدرس الشاب وبراعته في مادته اختارته كلية الحقوق المصرية لتدريس مادة الخطابة بها، وكانت تُعنى بها عناية فائقة وتمرن طلابها على المرافعة البليغة الدقيقة، وهذا ما يفسر كثرة الخطباء البلغاء من خريجي هذه المدرسة العريقة.
وبعد مدة وجيزة عهدت إليه الكلية بتدريس مادة الشريعة الإسلامية، وكان أبو زهرة أهلا لهذه الثقة الكبيرة، فزامل في قسم الشريعة عددًا من أساطين العلماء، مثل: أحمد إبراهيم، وأحمد أبي الفتح، وعلي قراعة، وفرج السنهوري، وكان وجود مثل هؤلاء معه يزيد المدرس الشاب دأبا وجدة في الدرس والبحث حتى يرتقي إلى صفوفهم ومكانتهم الرفيعة، وكانت فيه عزيمة وإصرار وميل إلى حياة الجد التي لا هزل فيها.
الإنتاج العلمي:
كتب الشيخ أبو زهرة مؤلفات كثيرة تمثل ثروة فكرية ضخمة عالج فيها جوانب مختلفة في الفقه الإسلامي، وجلّى بقلمه فيها موضوعات دقيقة؛ فتناول الملكية، ونظرية العقد، والوقف وأحكامه، والوصية وقوانينها، والتركات والتزاماتها، والأحوال الشخصية في مؤلفات مستقلة.
وتناول ثمانية من أئمة الإسلام وأعلامه الكبار بالترجمة المفصلة التي تظهر جهودهم في الفقه الإسلامي في وضوح وجلاء، وهم: أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وزيد بن علي، وجعفر الصادق، وابن حزم، وابن تيمية.
وقد أفرد لكل واحد منهم كتابًا مستقلاً في محاولة رائدة ترسم حياتهم العلمية، وتبرز أفكارهم واجتهاداتهم الفقهية، وتعرض لآثارهم العلمية التي أثرت في مسيرة الفقه الإسلامي.
وقد وفق الشيخ أبو زهرة فيما كتب وتناول؛ فهو فقيه متخصص عرف الأصول والفروع وأمعن النظر في مؤلفات الفقه ودانت له أسرارها؛ فمؤرخ الفقهاء المتمكن لا بد أن يكون فقيها لا مؤرخا فحسب يقص علينا حياة المترجم له وإنسانيته وصلته بالعلوم المختلفة.
وإلى جانب الفقه وقضاياه كان لأبي زهرة جهود طيبة في التفسير والسيرة؛ فكان يفسر القرآن في أعداد مجلة لواء الإسلام الغراء، وأصدر كتابًا جامعًا بعنوان “المعجزة الكبرى” تناول فيه قضايا نزول القرآن وجمعه وتدوينه وقراءته ورسم حروفه وترجمته إلى اللغات الأخرى.
وختم حياته بكتابه خاتم النبيين تناول فيه سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، معتمدًا فيه على أوثق المصادر التاريخية، وكتب السنة المعتمدة، وقد طبعت هذه السيرة في ثلاثة مجلدات.
لم يكن الإمام محمد أبو زهرة من الذين ينشغلون بالتأليف عن متابعة الواقع والدعوة إلى الإصلاح والتغيير، بل قرن الكلمة المكتوبة بالقول المسموع والعلم الغزير بالعمل الواضح، وكان هذا سر قوته وتلهف الناس إلى سماع كلمته؛ فهو العالم الجريء الذي يجهر بالحق ويندد بالباطل ويكشف عوراته غير هياب أو وجل، وكانت صراحته في مواجهة الظالمين واضحة لا لبس فيها ولا غموض، وقد حورب من أجلها فما تخاذل أو استكان، قاطعته الصحف ووسائل الإعلام الأخرى وآذته بالقول وشهّرت به؛ فما زاده ذلك إلا تمسكًا بالحق وإصرارًا عليه.
كان أبو زهرة من أعلى الأصوات التي تنادي بتطبيق الشريعة الإسلامية في الحياة، وقرر أن القرآن أمر بالشورى؛ ولذا يجب أن يختار الحاكم المسلم اختيارًا حرًا؛ فلا يتولى أي سلطان حكمًا إلا بعد أن يختار بطريقة عادلة، وأن اختيار الحكام الصالحين هو السبيل الأمثل لوقاية الشريعة من عبث الحاكمين، وكل تهاون في ذلك هو تهاون في أصل من أصول الإسلام.
ووقف أبو زهرة أمام قضية “الربا” موقفًا حاسمًا، وأعلن عن رفضه له ومحاربته بكل قوة، وكشف بأدلة علمية فساد نظرية الربا وعدم الحاجة إليها، وأن الإسلام حرّم الربا حمايةً للمسلمين ولمجتمعهم، وانتهى إلى أن الربا لا مصلحة فيه ولا ضرورة تدعو إليه.
ورأى بعض من لا علم لهم بالشريعة يكتبون في الصحف بأن من الصحابة من كان يترك العمل بالنص إلى رأيه الخاص الذي اجتهد فيه إذا اقتضت المصلحة ذلك، واستشهدوا على ذلك بوقائع لعمر بن الخطاب حين أبطل العمل بحد السرقة في عام الرمادة؛ فقام الشيخ بجلاء هذا الموقف، وبيّن أن المصلحة تعتمد على النص وترجع إليه، وأن القول دونما نص أو قاعدة كلية إنما هو قول بالهوى؛ فأصول الفقه تستند على أدلة قطعية، وأنه لا يجوز أن يعتمد على العقل في إثبات حكم شرعي، وأن المعول عليه في إثبات الأحكام الشرعية هو النصوص النقلية، وأن العقل معين له، وأبان الشيخ اليقظ أن عمر بن الخطاب وأمثاله من مجتهدي الصحابة لم يتركوا العمل بالنص، وإنما فهموه فهمًا دقيقًا دون أن يبتعدوا عنه.
شجاعته واعتزازه بعلمه:
اشتهر أبو زهرة بين علماء عصره باعتزازه بعمله وعلمه وحرصه على كرامته وإقدامه على بيان ما يراه حقا، في وقت سكتت فيه الأصوات؛ التماسًا للأمن والسلامة من بطش ما كانت بيدهم مقاليد الأمور في البلاد، ولم يكن يردعهم خلق أو دين أو تحكم تصرفاتهم نخوة أو مروءة؛ فابتليت بهم البلاد وانكفأ الناس حول أنفسهم خوفا من هول ما يسمعون، ولكن الشيخ الفقيه لم يكن من هؤلاء، وإنما كان من طراز ابن تيمية والعز بن عبد السلام، ويروى له في ذلك مواقف محمودة تدل على أخلاق الرجل وشجاعته.
دعي الشيخ أبو زهرة إلى مؤتمر إسلامي مع جماعة من كبار علماء في العالم الإسلامي، وكان رئيس الدولة الداعية من ذوي البطش والاستبداد؛ فافتتح المؤتمر بكلمة يعلن فيها ما يسميه اشتراكية الإسلام، ودعا الحاضرين من العلماء إلى تأييد ما يراه والدعوة له. وبعد انتهاء الكلمة ساد قاعة الاحتفال صمت رهيب قطعه صوت الشيخ أبو زهرة طالبًا الكلمة، فلما اعتلى المنبر قال في شجاعة: إننا نحن علماء الإسلام الذين نعرف حكم الله في قضايا الدولة ومشكلات الناس، وقد جئنا إلى هنا لنصدع بما نعرف، وإن على رؤساء الدول أن يعرفوا قدرهم ويتركوا الحديث في العلم إلى أهله، ثم اتجه إلى رئيس الدولة الداعية قائلا: إنك تفضلت بدعوة العلماء لتسمع أقوالهم لا لتعلن رأيًا لا يجدونه صوابا مهما هتف به رئيس؛ فلتتق الله في شرع الله. فبهت رئيس الدولة وغادر القاعة.
مؤلفات الإمام أبي زهرة:
بارك الله في وقت الشيخ؛ فألف ما يزيد عن 30 كتابًا غير بحوثه ومقالاته، رزقها الله القبول فذاعت بين الناس وتهافت الناس على اقتنائها والاستفادة منها؛ فوراءها عقل كبير وقدرة على الجدل والمناظرة وذاكرة حافظة واعية، وقد ضرب بها المثل في قدرتها على الحفظ والاستيعاب. ومن أشهر مؤلفاته غير ما ذكرناه:
– تاريخ المذاهب الإسلامية.
– العقوبة في الفقه الإسلامي.
– الجريمة في الفقه الإسلامي.
– علم أصول الفقه.
– محاضرات في النصرانية.
– زهرة التفاسير، وقد نشر بعد وفاته.
– مقارنات الأديان.
وفاة الشيخ أبو زهرة:
سيرة حياة الشيخ محمد أبو زهرة وأهم صفاته ومؤلفاته
الشيخ محمد أبو زهرة عالم دين وباحث ومفكر مصري. يعرف بأنه واحد من أهم وأقوى علماء الشريعة والقانون الذين عاشوا في القرن العشرين. عرف عنه التقوى والورع، وحبه للخير، ووقوفه مع الحق في وجه الباطل، إذ كان لا يخشى فيه لومة لائم، ولا سلطان جائر، ولا يغره منصب ولا مال ولا جاه. ظل حتى آخر يوم في حياته يدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا يترك محتاجًا للعلم أو النصح إلا وأخذ بيده حتى النهاية.
نسب الشيخ محمد أبو زهرة
الشيخ محمد أبو زهرة، هو محمد أحمد مصطفى أبو زهرة، الشهير باسم أبو زهرة. تعود أصوله إلى مدينة مصرية تعرف باسم المحلة الكبرى، وهي إحدى المدن التابعة لمحافظة الغربية. ولد لعائلة متوسطة الحال تشتهر بالتدين والالتزام، يعود نسبها إلى الشيخ مصطفى أبو زهرة الذي اشتهر باسم الششتاوي، وهو ابن الشيخ أحمد أبو زهرة، رجل الدين الذي اشتهر بالصلاح وحسن الخلق والالتزام.
أما والدته فكانت من حفظة القرآن الكريم، وهي من ساعدت ولدها على حفظ القرآن، فكانت تراجع له ما يحفظه في الكتاب كل يوم. فحفظ القرآن بينما كان لا يتجاوز التاسعة من العمر. وقد كان الشيخ محمد سريع البديهة قوي الذاكرة ذكيًا مثل أسرته، فشقيقه الأستاذ الدكتور مصطفى أحمد أبو زهرة هو من أنشأ قسم هندسة الطيران بكلية الهندسة في جامعة القاهرة (جامعة فؤاد الأول سابقًا) وترأسه، كما أنه كان أستاذًا في كلية الهندسة بجامعة لندن الإنجليزية.
ميلاده؛ ونشأته:
ولد الشيخ محمد أبو زهرة في التاسع والعشرين من مارس عام 1898م، الموافق السادس من ذي القعدة لعام 1315هـ. وألحقته أسرته التي كانت تحب العلم والدين بأحد الكتاتيب لكي يتعلم القراءة والكتابة ويحفظ القرآن الكريم. وبعد أن حفظ الطفل كتاب الله وتعلم مبادئ القراءة والكتابة التحق بالجامع الأحمدي في طنطا، والذي كان يشتهر بأنه ساحة تقام فيها حلقات العلم ويحضرها كبار العلماء، لذا كان يعرف باسم “الأزهر الثاني”.
وظل يدرس فيه على مدار ثلاث سنوات، انتقل بعدها إلى مدرسة القضاء الشرعي عام 1916م -وهي المدرسة التي أنشأها محمد عاطف بركات باشا، الذي كان واحدًا من كبار التربويين والمربين المؤثرين في مجال التعليم بمصر في العصر الحديث-؛ حيث تمكن أبو زهرة من اجتياز اختبار القبول الصعب والدقيق الخاص بها. وكان أول متقدم إليه بالرغم من حداثة سنه، وظل في هذه المدرسة لمدة 8 سنوات يدرس بكل جد وشغف حتى تخرج منها عام 1924م، وحصل على عالمية القضاء الشرعي، ليتجه بعدها لدار العلوم ويحصل على المعادلة الخاصة بها عام 1927م.
حياته العملية:
بعد التخرج عمل الشيخ محمد أبو زهرة في مجال التعليم، إذ إنه درس اللغة العربية في المدارس الثانوية. وبحلول عام 1933م تم اختياره للتدريس بكلية أصول الدين، حيث كان يدرس فيها مادة “الخطابة والجدل”، وعُرف بمحاضراته الرنانة والمميزة، ثم ألف كتابًا في الخطابة كان الأول من نوعه على الإطلاق، فذاع صيته واشتهر ببراعته رغم صغر سنه.
وهذا ما جعل كلية الحقوق تختاره لتدريس مادة الخطابة فيها، ولما أثبت جدارته جعلته الكلية يدرس مادة الشريعة الإسلامية كذلك. وهناك كون صداقات مع مجموعة من أهم العلماء، على رأسهم: أحمد إبراهيم، علي قراعة، فرج السنهوري وأحمد أبي الفتح. وبمرور الوقت أثبت أبو زهرة جديته وبراعته، وتدرج في المناصب حتى أصبح رئيسًا لقسم الشريعة، وظل في المنصب حتى تقاعد منه عام 1958م. ثم اختير عضوًا في مجمع البحوث الإسلامية عام 1962م بعد أن صدر قانون تطوير الأزهر. وشارك في تأسيس معهد الدراسات الإسلامية في القاهرة، وكان يلقي فيه المحاضرات المجانية عن الشريعة الإسلامية.
صفاته وعلمه ومبادئه:
كان الشيخ محمد أبو زهرة أبيض الوجه، ذا صوت عال لا سيما في قول الحق، شديد الذكاء، راجح العقل، حر الإرادة. يتمتع بقدر كبير من الإيمان والوقار والجدية مع حس الدعابة. وكان رجل ذا مبادئ يكافح من أجلها ويموت في سبيلها، كما كان ينادي بأهمية تطبيق الشريعة الإسلامية، وضرورة اختيار سلطان صالح بطريقة عادلة، كما أنه حارب قضية الربا بكل قوته، وأكد أنها نظرية فاسدة وأن العالم لا يحتاج إليها حقًا.
مؤلفاته:
للشيخ محمد أبو زهرة العديد من المؤلفات التي تطرق فيها للحديث عن العديد من المواضيع، مثل الملكية، نظرية العقد، الوصية وقوانينها، التركات، الأحوال الشخصية، الوقف وأحكامه. كما قام بتفصيل جهود 8 من كبار أئمة الإسلام في الفقه وهم: الإمام مالك، أبو حنيفة، الشافعي، أحمد بن حنبل، ابن حزم، ابن تيمية، جعفر الصادق وزيد بن علي. هذا بجانب مؤلفاته في التفسير والسيرة، لا سيما كتاب المعجزة الكبرى الذي تناول فيه قصص نزول القرآن الكريم وطريقة جمعه وتدوينه وقراءته ورسم حروفه وترجمته للغات الأجنبية. وقد ألف الشيخ أبو زهرة طوال حياته أكثر من 30 كتاب، على رأسها:
كتاب خاتم النبيين في ثلاث مجلدات.
كتاب المعجزة الكبرى في القرآن الكريم.
كتاب تاريخ المذاهب الإسلامية في جزأين.
كتاب العقوبة في الفقه الإسلامي.
كتاب الجريمة في الفقه الإسلامي.
كتاب أبو حنيفة (حياته وعصره – آراؤه وفقهه).
كتاب الإمام مالك (حياته وعصره – آراؤه وفقهه).
كتاب أحكام التركات والمواريث.
كتاب الدعوة إلى الإسلام.
كتاب مقارنات الأديان.
كتاب الولاية على النفس.
كتاب الملكية ونظرية العقد.
كتاب الخطابة (أصولها – تاريخها في أزهى عصورها عند العرب).
كتاب العلاقات الدولية في الإسلام.
كتاب الميراث عند الجعفریة.
كتاب زهرة التفاسير.
الانتقادات التي وجهت للشيخ محمد أبو زهرة
كانت هناك بعض المآخذ على الشيخ محمد أبو زهرة. فعلى الرغم من أنه كان واحدًا من كبار العلماء لا سيما في الفقه وأصوله؛ إلا أنهم قالوا عنه إنه اشتهر ببغضه للسلفيين، حيث وضع الوهابية في كتاب له تحت عنوان “تاريخ المذاهب الإسلامية” بين البهائية والقاديانية، وقال عنهم إنهم في بداية ظهورهم حرموا شرب القهوة، ثم تراجعوا عن الأمر. إلا أنه في حقيقة الأمر قد أورد الوهابية بجانب المذهبين المذكورين لأنه كان يتناول المذاهب الحديثة، ولم يكن يتعمد على الإطلاق إقران الوهابية بالقاديانية أو البهائية.
وقد قال في الكتاب نفسه عن الوهابية: “وقد اتسمت العصور التي جمد فيها العقل بتقديس آراء الأئمة كما أشرنا. وكان من مظاهر ذلك التقديس تقديس الصالحين في حياتهم وبعد مماتهم، وزيارة أضرحتهم، والطواف حولها بما يشبه الطواف حول البيت الحرام. وكان من أثر ذلك أن قامت طائفة تحارب هذا، وتشدد في محاربته”. كما أنه اختلف معهم في عدد من الفروع والنقاط.
كما أن الشيخ أبو زهرة كان معتدلًا في نقده للآخرين حتى وإن خالفهم، حيث يقول في مقدمة كتابه عن ابن تيمية: “وعندما اتجهت ذلك الاتجاه، برز إلى الخاطر إمام شغل عصره بفكره ورأيه ومسلكه؛ فدوَّى صوته بآرائه في مجتمعه، فتقبَّلتها عقول واستساغتها، وضاقت عنها وردَّتها. وانبرى لمُنازلته المخالفون، وشدَّ أزره الموافقون. وهو في الجمعين يصول ويجول، ويجادل ويناضل. والعامة من وراء الفريقين قد سيطر عليهم الإعجاب بشخصه وبيانه، وقوة جنانه وحدَّة لسانه”.
وفاة الشيخ محمد أبو زهرة:
توفي الشيخ محمد أبو زهرة في مغرب يوم الجمعة الموافق الثاني عشر من شهر أبريل عام 1974م، بينما كان يهبط الدرج ظهرًا ليلقي خطبة في مؤتمر شعبي أقامه أمام منزله بضاحية الزيتون، لمناقشة العديد من أمور الدين، حيث تعثر الشيخ وسقط أثناء نزوله، وكان يحمل في يده مصحفه وأوراق تفسير سورة النمل التي كان قد بدأ فيها. وبعد عدة ساعات انتقلت روحه إلى بارئها، تاركًا إرثًا عظيمًا وذكرى طيبة لا تنسى.
من أهم المراجع:
أنور الجندي – أعلام القرن الرابع عشر الهجري – مكتبة الأنجلو المصرية– القاهرة – 1981م.
خير الدين الزركلي – الأعلام – دار العلم للملايين – بيروت – 1986م.
وسوم: العدد 1036