الشاب الشهيد السعيد قتيبة محمد إياد العكاري
(١٩٩٢_ ٢٠١٤م)
ولد الشاب الشهيد قتيبة محمد إياد العكاري في مدينة الأحساء في السعودية عام ١٩٩٢م.
ونشأ في ظل أسرة مسلمة ملتزمة عريقة في العلم والدين.
فوالده طبيب وشاعر؛ وجده صلاح الدين العكاري شاعر وإعلامي ومحرر في الصحف السورية.
طفولته، وشبابه:
قالت أم أنس لزوجها لماذا كتبت القصائد عن جميع الأولاد، ولم تكتب عن قتيبة، فكانت هذه القصيدة التي ربط فيها بين ولده وبين البطل المجاهد قتيبة بن مسلم الباهلي، وهذه طريقة مجدية في التربية بالقدوة:
قتيبة البطل المظفر وسميه شبل مضمر
ولدي قتيبة أي ذكرى ؟ بتذكر الأمجاد تعمر
وأشاح عن وجه لثاماً ببطولة كانت تسطر
ماذا أحدث عن عظيم ومحامد كالمسك تذكر
وتألق التاريخ فخراً ببشائر الفتح المؤزر
حمل اللواء وكان فذاً لقيادة الهيجا غضنفر
في البأس تلقاه رعوداً للحسم تبصره غضنفر
ومضى بجند الحق ناراً وجلا بنور الهدى جوهر
فأضاء في الدنيا الفيافي بشموس آيات ومنبر
فتح الفتوح بسمرقند همت البطولة حين كبر
ما لابن خاقان سبيل فكمائن كالبرق تظهر
وعندما فتح المجاهد قتيبة مدينة فرغانة بشكل مباغت جاء أهلها إلى خامس الخلفاء الراشدين، وقالوا له إن قائد الجند هاجمنا بغتة، فأمر عمر بانسحاب الجيش× لأنه خالف قوانين الجهاد في الإسلام، فلم يعرض عليهم الإسلام أو الجزية أو الحرب، فلما رأوا هذه الأخلاق المحمدية أسلموا ورضوا بالدين الجديد:
فرغانة هاجت وماجت ومليكها ما عاد يذكر
والعبقري القرم يرسي لعقيدة بالروح تنصر
وحدود صين قد أتاها ونشيده الله أكبر
يا خامس الخلفاء عدلاً هلا نحاور من تبصر ؟
بدخول جند الزحف قسراً أين الرسول؟ أجاء قيصر؟
ومبادئ الإسلام قسط فلتحكمن بما تقرر
فأتى بحكم لا يحابي نور الإله الحق يبهر
ويشعشع الدنيا بهاء بحضارة بالعدل تفخر
ولدي قتيبة كان رمزاً لإرادة الجيش المظفر
ونشر دين الله يحيا ومرامه للنور ينشر
ولدي أثرت بنا شجوناً يدمى لها القلب ويفطر
هذا الكيان ومهجتي تبكي على حال تحدر
ولدي قتيبة سوف أحكي فعسى لنا التاريخ يزأر
لنرى الشموس بنور ربي وبليلنا الأقمار تنثر
إني أتوق وسوف أشدو لملاحم بالأسد تزخر
وشكائم هي كالرواسي وعزائم لفدى تجسّر
ولدي قتيبة سوف يبقى وغداً لدين الله يثأر
– نشرت في جريدة الأمان اللبنانية 1421 هـ.
الدراسة، والتكوين:
درس مراحل التعليم المختلفة في مدارس الأحساء في الحجاز حيث يعمل والده.
ثم درس في كلية طب الأسنان، ووصل في دراسته إلى السنة الرابعة.
كان رحمه الله هادئاً وخلوقاً، طيب القلب، لطيف المعشر، محبوباً من أهله وإخوانه.
ثم اعتقل في عام ٢٠ / ٥ / ٢٠١٣م؛ والتهمة جاهزة دوماً المشاركة في الثورة، وتهديد أمن البلد والمظاهرات ضد الطاغية .
عذب عذاباً شديداً داخل السجن، فلم يحتمل جسده الرقيق الطاهر، فقضى نحبه في السجن في ٥ أغسطس عام ٢٠١٤م.
رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.
أصداء الرحيل:
وقد نعاه والده د. محمد إياد العكاري، فقال: بمزيد من الرضى والتسليم بقضاء الله وقدره تلقيت نبأ استشهاد ابني (قتيبة محمد إياد العكاري) موثقاً بتاريخ ٥/٨/٢٠١٤م من مظلمة صيدنايا ومحكمتها الميدانية في دمشق رحمه الله، وطيب ثراه، وأحسن مثواه، وتقبله شهيداً في عليين .
وكان قد تم اعتقاله بتاريخ ٣٠/٥/٢٠١٣م أثناء الامتحانات النهائية في كلية طب الأسنان السنة الرابعة في جامعة اللاذقية قبل أكثر من خمس سنوات ونصف ولم نعلم عنه شيء حتى تاريخه فقد سلمناه لمولاه، واستودعناه رب العالمين، وهو نعم المولى ونعم النصير، فالحمد لله على كل حال، والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، والحمد لله أنه في كنف مولاه ،وجوار ربه، ولا أقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل ،وإنا لله وإنا إليه راجعون، أدعو المولى سبحانه أن يتقبله شهيداً في عليين، وأن يجمعني به وبشهدائنا الأبرار في مستقر رحمته في أعلى عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، وأن يشفعه بي وبأمه وإخوته، اللهم آمين هنيئاً له الشهادة وأي مقام ناله وبلغه، هي اصطفاء واختيار ...أي والله أي والله "ولنتخذ منكم شهداء" صدق الله العظيم والويل، ثم الويل، ثم الويل للظالمين وليس الله بغافل عنهم فالحاقة التي تحق الحق قادمة والواقعة الخافضة الرافعة كائنة والديان لا يموت، وهو الواحد القهار والحمد لله دائماً وأبداً لأقول بصوت الحق المدوي إنَّا لله وإنا إليه راجعون.
وإلى لقاء تحت ظل عدالة = قدسية الأحكام والميزان
وكتب الشاعر د. محمد إياد العكاري قصيدة في رثائه، وهي تحت عنوان (يَا رَبَّ يُوسُفَ أَنْتَ مَوْلاهُ) يقول فيها:
يا ثاوياً بالقلب مأواهُ يامهجةً بالرُّوحِ سُكْنَاهُ
يا مقلةً للعينِ بَهْجَتُهَا نورُ التَّألُّقِ في مُحَيَّاهُ
يا فلذةً بالصَّدرِ قد مَلَكَتْ كلَّ المَشَاعرِ في حَنَاياهُ
وله يَهِيجُ القلبُ في صَخَبٍ ولَهُ يَئِنُّ بجمرِ شَكواهُ
وتكرار النداء وهذا الأسلوب الإنشائي يتلاءم مع حالة الحزن والأسى والفلق التي تصور هول المصيبة التي نزلت.
أَبُنَيَّ أيْنَ..؟!! وأنتَ في كَبِدِي بين الضُّلوعِ تُقيمُ ..سَلْوَاهُ
ماذا جَنَيْتَ فِداكَ كُلَّ دَمِي؟؟ وَلِمَنْ أُقَاضي فِيكَ إلَّاهُ؟؟
وبِمَنْ أَلوذُ ؟ وَمَنْ لِمَسْأَلَتي؟ والصَّوْتُ بُحَّ ..ومَلْجَئي اللهُ
وأكَادُ أشْرَقُ إنْ ذَكَرْتُ فتىً رُوحي تَقَطَّعُ إنْ ذَكَرْنَاهُ..
وبفضح الشاعر ظلم الطغاة الذي حال بين الولد وأبيه، وبين الأم الحنون وفتاها، فيقول:
ولدي قُتَيْبَةُ هل إليكَ سُرىً؟ والظُّلمُ أعمى الحَال أَعْيَاهُ..
سنتان قلبي انهدَّ والَهَفي والشَّيب عَسْكَرَ شفَّ مَرْآهُ
سنتان والأقدار ماضيةٌ. في سِرِّ غيبٍ ماسَبَرناهُ
سنتانِ كالعشرينَ سَطْوَتُهَا وأصيحُ ياوَلَدي لك اللهُ..
ويصور الشاعر حال الأم الصابرة المحتسبة، وكيف انقلب السرور في المنزل إلى حزن، فيقول:
والأمُّ.. قلبُ الأُمِّ مُنْفَطِرٌ وتكادُ لا تقوى لذِكراهُ
وترى الشُّرودَ ملاذَها هرباً فالحالُ أَضْنَانا وأَضْناهُ
أمَّا الفؤادُ أَكَادُ أَحْسَبُهُ من فرطِ حِسٍ نَبْضُهُ الآهُ
والبيت رغم الصَّبر بحرُ أسىً والَهْفَ نفسي كيفَ نَنْسَاهُ؟!
ويناجي ولده بأداة النداء التي تدل على القريب إشارة إلى قرب ولده من كبده؛ فيقول:
ولدي ضناي..أأنت تسمعني!؟ في أيِّ حالٍ أَنتَ أَوَّاهُ ؟؟
أين اختفيت؟ وهل أَراكَ أَبي؟ ابني قتيبةُ كيف مَحْيَاهُ؟
ومتى اللقاءُ؟ وكيف أَشْهَدُهُ؟ ياربَّ يوسُفَ أنتَ مَوْلاهُ
والصَّبُر زادي واليقينُ رضىً بِخَفِيِّ لُطْفِكَ مُنَّ ربَّاهُ
إِنْ غبت عني اليومَ يا وَلَدي فغداً أراكَ ..وسَوْفَ ألقاهُ
فاللهُ لا ينسى خَلائِقَهُ والله حَسْبي ..حَسْبيَ اللهُ
ويأمل الشاعر من الله أن يلتقي بولده الحبيب في جنة تحت ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله، ويتخذ من حسبنا الله، ونعم الوكيل ورداً له ولأهله.
فالله سوف يكفيه شر الطاغية، وينتقم منه طال الزمان أم قصر.
مصادر الترجمة:
١_ رابطة أدباء الشام.
٢_ معلومات من والده د. محمد إياد العكاري على صفحته.
٣_ مواقع إلكترونية أخرى.
وسوم: العدد 1039