الشاعر الداعية الدكتور أحمد البراء الأميري
(1944م – معاصر)
هو الكاتب والشاعر الإسلامي السوري المعاصر، وعضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وأستاذ جامعي، د. أحمد البراء الأميري.
المولد، والنشأة:
وُلدَ د. أحمد بن عمر بن بهاء الدين الأميري في يوم الاثنين 18 شعبان 1363هــ/ الموافق 7 أغسطس عام 1944م في قرية قرنايل في لبنان، حيث كان الوالدان بقضبان إجازة الصيف، ونشأ في ظل أسرة مسلمة ملتزمة، فوالده شاعر الإنسانية المؤمنة عمر بهاء الدين الأميري.
الدراسة، والتكوين:
درس مراحل التعليم المختلفة في مدارس حلب الشهباء.
ثم حصل على الثانوية العامة (الفرع العلمي) في حلب عام 1963م.
وفي عام 1967 حصل على ليسانس الآداب في اللغة الإنجليزية من جامعة دمشق.
ثم حصل على شهادة الليسانس في الشريعة الإسلامية من جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض عام 1972م.
كما حصل على شهادة الماجستير في الدراسات الإسلامية من جامعة الإمام محمد بن سعود عام 1982م، وكان عنوان الرسالة ( إبراهيم عليه السلام ودعوته في القرآن).
وأخيراً حصل على شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية (فقه دعوة الأنبياء في القرآن) من جامعة البنجاب في لاهور في باكستان.
الوظائف؛ والمسؤوليات:
درّسَ اللغة الإنجليزية ست سنوات في مدارس سوريا والسعودية التي هاجر إليها عام 1970م.
ثم انتقل إلى الرياض وعمل في الترجمة لمدة ثلاث سنوات في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية للتدريس بمعهد اللغة العربية لغير الناطقين بها في الأيام الأولى من إنشائه لمدة عشر سنوات.
ويُدرِس الثقافة الإسلامية بجامعة الملك سعود.
كما شارك في عدد من المؤتمرات الأدبية والإسلامية.
♦ وفي عام 1416هـ عندما أسندت إلى الصديق الحميم الكريم الدكتور محمد ابن أحمد الرشيد وزارة التربية والتعليم طلب من مدير جامعة الملك سعود الموافقة على نقل خدماتي إلى الوزارة فانتقلت للعمل معه مدة وزارته.
♦ بعد ذلك عمل في مكتب التربية العربي لدول الخليج (18) شهراً، ثم استقر به المقام في شركة العبيكان للتعليم حيث لا بزال فيها.
♦ تخللت هذه الأعوام التي بلغت 45 عاماً (من 1967 إلى 2012م) نشاطات قام بها مثل: عقد دورات قصيرة لتعليم اللغة العربية في جنوب أفريقيا، وإلقاء محاضرات وأمسيات شعرية، وعقد دورات تدريبية في تطوير الذات، وكتابة مقالات في الصحف، وإعداد أحاديث لإذاعة القرآن الكريم وإذاعة الرياض، والمشاركة في مؤتمرات أدبية وندوات... إلخ.
♦ وتخللها أيضاً الحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه في الدراسات الإسلامية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض وجامعة البنجاب في لاهور.
مؤلفاته:
نُشرت العديد من مقالاته وقصصه المترجمة وقصائده في المجلات والصحف العربية مثل: الفيصل، والمجلة العربية، والمسلمون، والبلاغ، والمجتمع، وأهلاً وسهلاً.
ومن أبرز مؤلفاته:
1-إبراهيم عليه السلام ودعوته في القرآن الكريم.
2-اللياقات الست: دروس في فن الحياة.
3-أيها الأصدقاء تعالوا نختلف (نظرات في فقه الائتلاف).
4-أريد أن أعيش أكثر من حياة.
5-فن التفكير.
6-كيف ننتفع بالقرآن الكريم.
7- فقه دعوة الأنبياء في القرآن الكريم،.. وغيرها
وأكبر آماله التي يسأل الله أن يعينه على إنجازها فيما بقي من العمر: أن يخرج بعض كتبه على شكل أشرطة مرئية تبث في وسائل الإعلام العصرية (التلفاز، واليوتوب، والفيس بوك...)، وأن توضع على الإنترنت للتحميل المجاني لمن يرغب.
شعر د. أحمد البراء الأميري: دراسة موضوعية وفنية:
ورث الشاعر أحمد البراء الأميري موهبة الشعر عن أبيه شاعر الإنسانية المؤمنة عمر بهاء الدين الأميري، ثم صقل تلك الموهبة بشغفه بالشعر لفحول الشعراء في القديم والحديث، وقد عالج في شعره العديد من الأغراض، الإسلامية، والاجتماعية، وكان مبرزاً في فن الرثاء.
تحية إلى الغادة الرفاعية:
والشاعر أحمد البراء كان عضواً في (مدرسة بدر)، الندوة الخميسية التي كان يديرها د. عبد العزيز الرفاعي في بيته، وكان من فرسانها عبد القادر حداد، وأحمد الخاني..وها هو يقول بمناسبة مرور عشرين عامًا على مولدها:
قَلبي بحبِّكِ يا حسناءُ يَختلِجُ وأصدَق الحبِّ ما تحيا به المُهَجُ
آيات حُسنك إعجاز وموهبةٌ وجَلَّ حُسنٌ له مِن سِحرِه حُجَج
رِيُّ الظِّماء، وأُنسٌ عَزَّ مصدره في غُربة الروح، والأحزانُ تعتلِج
أنت (الرياض)، وأنتِ الشعر مبتهِجًا وأروع الشَّدو حين الشِّعر يَبتهِج
ضَممتِ كلَّ غريبٍ عقَّه وطنٌ وصُنتِ كلَّ أبيٍّ والدُّنا مَرَج
سموتِ فوق دعاوى لُبُّها أَفَنٌ وكنتِ كالنُّور حين الفجر يَنبلِج
صفاؤه للعيون الرُّمد رَونَقها وكُحْلُه نِسمة الإصباح والأرَجُ
- • •
لقد استمرت مدرسة بدر في العطاء أكثر من عشرين عاماً تحمي الأصالة وتحارب الحداثة وتستنير بضوء الشمس:
عشرون عامًا، وهذي البِكْر ما فَتِئتْ تُكرِّم الشِّعر، والسُّمار قد لَهِجوا
تحمي الأصالةَ والإبداع مِن ملأ عن الصراط، ودَربِ الحقِّ قد خرَجوا
لا يستقيم لهم وزنٌ وقافية وكيف يرجو الذُّرا مَن خَطوُه عَرَجُ
همُ الصدى لنعيبٍ ضلَّ صائحه سيَذهبون ويَطوي زيفهم ثَبَجُ
عبدَالعزيز، لَنُبلٌ أنت مَنبعُه ينوِّر الليل، لا ما تَنشُر السُّرج
ضوء السِّراج بنور الشمس مُنهَزمٌ ونور رُوحك لا يخبو له وهَجُ
البراعم:
وللشاعر قصائد في الشعر الوجداني وفي الغزل العفيف، منها قوله تحت عنوان البراعم:
لَمْياءُ وحَسناءُ وَدَعْدُ واشتاقَ على هُدْبي الوَعْدُ
البُرعم يُزْهر من وصْلٍ وَوُرودي يَسْقيها الصَّدُّ
وتَظَلُّ نواضِرَ رُغم البُعدِ ويُحييها أمَلٌ رَغْدُ
أتعهَّده وأُدلِّلُه والزَّادُ خيالي والوَرْدُ
وأخافُ عليْه مِن صحْوي فالحُلم له أبَدًا غِمْدُ
والحُلم نعيمٌ يُحْرَمه اليَقظانُ ويَمنعه السُّهْدُ
لَمياءُ وحسناءُ ودَعد وعبيرُ وشيماءُ وهندُ
ومَها وهَيَا ونَدى وسُها وسناءُ ويُتعبني العَدُّ
وزهورُ الروضِ مُنوَّعةٌ رَيحانٌ منثورٌ وَرْدُ
وعبيرُ الروض أفانينٌ الفُلُّ تضوَّع والرَّنْدُ
ألوانُ الزَّهر عوالِمُ من أفراح العين إذا تَبْدُو
وزهورِيَ أَبْدًا مُشْرقةٌ الطِّيبُ لِمَرْآها يَشدُو
حُجِبت عن عين الصبِّ فهل عن قلبِ الصَّبِّ لها رَدُّ
قلبٌ للحُسن تَبَتُّلُه آياتُ الحُسن له وِرْدُ
غَرِقت في الحُسْن أحاسيسي فسَكِرتُ وضيَّعني الرشْدُ
قالوا: باريسٌ أمُّ الحُسْنِ فَقُلْتُ: ضَلَلْتُم بل نَجْدُ
شموع أم دموع:
ويقول مصوراً أشواق الغرباء ويحن إلى الأهل والأوطان، ويفضل صحراء نجد على باريس:
أشموعٌ من وهْج قلبي أضاءتْ أم تُراها من مقلتيك دموعُ؟!
لا أبالي، كلاهما لذْعُ نارٍ: ذا محبٌّ نأى، وذاك صريعُ
أحرقيني يا نار حُزني بليلٍ فأُنير الظلام، ثم أضوعُ
يا غريبًا، والشوق نار تلظَّى ملء جنبَيه، والجَنان جَزوع
بي من الحزن كالذي بك: سِفْرٌ لم تُرتَّل آياتُه والسجوع
في فؤادي كنوز حبٍّ رحيب وحنان تَئِنُّ منه الضلوع
كم طوى الليل جُنْحَه وتَهاوى فتَهادى نور الصبح الوديع
وعيوني لم تعرف الغمض تقفو خطو طيف عليه عزَّ الرجوع
في حنايا القفار أجثو وحيدًا وأنا حائر الرجاء هَلُوع:
والدي باسط اليدين يُنادي وجموع الأحباب حولي جموع
كلهم غاب عن كياني دهورًا وئدت شمسها، فلاتَ طلوع
كلهم كان في فؤادي نزيلاً في جِنان يَغار منها الربيع
يا حبيبًا والوجد نار تلظَّى ملء جنبيه والجنان جزوع
جفَّ دمعي القديم في نارِ حزنٍ مستجَّد في كل حين يَروع
شبَّ في سمعيَ اللهيف حريقٌ من صُراخ الأيتام باكٍ وجيعُ
شقَّ قلبي المضنى استغاثة شيخ يَجَأ الصدرَ منه نذْلٌ وضيع
خنَق الآه في فمي صوتُ أمٍّ مستجيرٌ، فالذِّبح طفل رضيع
طعَن العزَّ والإباء بصدري عِلْج صِرب، كالذئب حين يجوع
عِرض مجروحة العفاف يُنادي والملايين ليس فيها سميع
يا بعيد أبثُّه همَّ قلبي آه لو أسعَف الوِصال المطيع
بثُّك الهمَّ والمزار قريب فيه بعض الشفاء، لو تَستطيعُ
قد ملِلت الرحيل في كل فجر مظلِم فجرى المرجَّى، مَنُوعُ
لم يعُد موضِع بقلبيَ إلا أوهنَتْه من الرَّزايا صُدوع
كُرَبٌ يَنقضي الزمان وتبقى حسرةً تُظمئ المنى وتُجيع
يا لقاء الأحباب بُحَّ ندائي هل غدٌ يَسعَد الرجا ويُطيعُ
أملي في غد: نعيم مقيم ولقاء عَذْب، وشَمْل جميع
انصر أخاك:
وكتب الأميري قصيدة مُهداة إلى الأخ الشاعر عصام الغزالي إعجابًا بقصيدة له ذاليَّة يتحدَّى فيها أحد الشعراء
ذللَّتَ ناشِزة القَريضْ وقَهرْتَ ذا القلبِ المريضْ
وسطَعْتَ في أُفُق القَوا في كوكبًا حُلوَ الوميضْ
مددٌ مِن الإلهام بالْ أَبهَى وبِالأسْنَى يَفيض
وقريحة مِعْطاءُ تَمْ نَحُك المعانيَ.. لا تَغيض
لله دَرُّك يا عصا مُ ودَرُّ ذا الفنِّ الغريضْ
أَرْضَيْتَ تِيهَ المُعجبا ت بِأَبرُد حُمْرٍ وبيض
- • •
إني أُعيذ نُهاك مِن كبْر ومِن عُجبٍ بَغيضْ
لكنَّ مأفونًا تعا لى يدَّعي المجدَ العريض
لأحقُّ أن يُسقَى الأذى ويَعود بالطَّرْف الغَضيض
أنت الذُّرَى في الشِّعر وهْوَ المرتَمي عند الحضيض
فإذا سعَى للسَّبق سعْــــــيَ العاجِزين، غَدا الرَّفيض
نِسْرٌ يَبُزُّ السافيا ت وطائر غِرٌّ مَهيض
- • •
مدْحي بشِعركَ يا عصا مُ أقلُّ مِن صوت خَفيض
رسالة من غزة:
وفي شعره الإسلامي دائماً يشيد بجهاد أهل فلسطين، وصمود غزة يأسر فؤاده حيث يقول:
ضمَّدتُ بالصبرِ الجميلِ جراحي وأضأتُ في ليل الأسى مِصباحي
وتخِذتُ من حُمْرِ الشجونِ مشاعلاً تكسو ظلامَ الحزنِ بالأفراحِ
أنا غزَّةُ الفتـحِ المبينِ، تفاؤلي يَسـمو على الأنَّـاتِ والأتراحِ
ويظـلُّ وعـدُ اللهِ يحـدوني إلى يومٍ عزيزٍ مشـرقٍ بفـلاحِ
ما هالَـني بطـشُ العدوِّ وبأسهُ والقصفُ في الإمساءِ والإصباحِ
لكنَّ غـدر الأقـربينَ وظلمَهمْ وخيـانةَ الجـيران والنُّصاحِ
أدمَتْ فؤادي ثم غلَّت ساعِدي نسَلتْ بجنحِ الليلِ ريشَ جَناحي
◘◘◘◘
وها هي غزة الصامدة منذ عقد من الزمان لم تركع لغير الله، فالجوع خير من الركوع:
عَشرٌ عجافٌ في الحصارِ قضَيتها وحدي أَغَصُّ بجوعيَ المِلحاحِ
من تحتِ خطِّ الفقر دوَّت صرخَتي فأصمَّ قومي أُذنَهُم لصياحي!
الخوفُ والداءُ المُلِحُّ وشهقةٌ مكلومةٌ خُنـقت بـرَجع نُواحِ
ألمٌ يطلّ من العيون توسّلاً تحكي العيون بدمعها السّـحاحِ
لما رأى الأحرارُ نزفَ جراحهمْ هَبُّوا لنجدَتهم على الألواحِ
وتقاطرَت سفنُ الإغاثةِ نخوةً تفدي الضحايا العُزْلَ بالأرواحِ
لكنَّ إسرائيل جُنَّ جنونُها ويهودَ قومـي سانَدوا سَفَّاحي
صدُّوا السفائنَ، أغرقوا أَحمالَها أَودَوا بطـاقمها وبالملاَّحِ
أنا غزةُ الأحرارِ ملُّوا قيدَهم ومضَوا على درب الجهادِ الضاحي
آمنـتُ أن النـصرَ يؤتاهُ الذي بـاعَ الحـياة لربهِ الفتَّاحِ
لن تَفتح البـابَ المغـلَّقَ قوتي عونُ الإلهِ على العِدى مِفتاحي
كم باسلٍ خضبَ الثرى بدمائهِ هذا الشـذا من عطرهِا الفوَّاحِ
قسَّامُها، ياسينُها، رَنْتيسُها صِدْقُ العزيمةِ قبـل كـلِّ سلاحِ
في سورة الأنفالِ دُستوري الذي أقْفُو هُداهُ على دروبِ كفاحي
وبسورةِ الإسراءِ وعدي المُرتجى يُـزجي بشـائرَهُ أذانُ صباحي
لا يُسْـلِمُ المجـدُ الأثيلُ زمامَهُ إلا لعاشقِ وهْـجهِ اللَّفـاحِ
تاجُ الجـهادِ جِراحةٌ وشهادةٌ فاغنَـمْ نصيبَكَ من أذًى وجراحِ
مر الفراق يذيب قلبي:
ويقول د. أحمد البراء الأميري مصوراً ألم الفراق وشقاء الغربة:
مُرُّ الفِراقِ يُذيبُ قَلبِي فَأَتيهُ من دَربٍ لدَربِ
بالخَنجَرِ المَسمومِ يَطْ عَنُ خافِقي ويريدُ حَربي
المَوتُ يُشعلُ وَحشَتِي بالخَوفِ مِن إثمي وَذَنبي
والهَجرُ يَكسِرُني، ويَرْ مِيني الضَّيَاعُ شَرِيدَ لُبِّ
هل دواء مثل حب؟!
ويؤكد د. أحمد البراء الأميري أن الحب خير دواء:
وتسللَّت أنوارُكِ الـ ـبيضاءُ تمحو ليلَ دربي
وتنفَّست أزهارُكِ الـ ـعَطِراتُ في رئتي وقلبي
وجَلا ضياكِ بصيرتي فسَمَوتُ من رَحْبٍ لرَحبِ
بالحبِّ بلسَمتِ الجرا حَ، وهل دواءٌ مثلُ حبِّ؟!
فغَدا العذابُ عذوبةً وطَوى التلهُّفَ دِفءُ قُربي
كبرياء الجرح:
وفي قصيدة كبرياء الجرح يؤكد د. أحمد البراء الأميري أن ألم الجراح لن تذل الأحرار، فهم ثابتون كالجبال الراسيات:
بَرَدُ الجُرْح أنَّةُ التسهيد فأفيضي الآلامَ صابًا وزيدي
أَتْرعي الكأْس بالدُّموع وهاتي فلَهاتي في أسْرِ شَوكٍ عنيد
لا تُبالي أَمِنْ دُموعِ شَرابي أمْ خُمور الشِّفاه تَسقي وَريدي
- • •
بَرَد الجُرح، والطَّعِين يَتيمًا يَتلوَّى مِن هَول سمٍّ شَديد
في قِفار الظَّلام أَمسَى وحيدًا يَجرَح الموتُ وعيَه بالحَديد
والرِّمال السمراء باتَتْ جَليدًا تحت جنبَيه، يا لَبُؤس الجَليد
والضَّياع السَّحيق غُول رَهيب يَطرف الجَفن بالمُدى والبنود
- • •
ما لِهذا الظَّلام قد لفَّه الذُّعْرُ وما لِلأَشباحِ في الخَوف تودي؟
قد أفاق الطَّعين قرحًا وجُرحًا ونجيعًا يَمور في أُخدود
قد أفاق الطَّعين يَهزأ بالجُر ح ويَمضي- لهفانَ - نحو الخُلود
ويُنادي: أيا أفاعي أفيقي في الدُّجى، ويا شَواهِق مِيدي
يا بُحوري، يا أَنْجُمي، يا جِبالي يا صَحاراي، يا شَواسِع بِيدي
يازهوري يا جَنَّتي، ياسمائي يا كُنوزي، يا ألْف عِطر فَريد
إنَّ هذا الأنام رَدَّ عَطائي كَره النور، أكمهٌ في اللُّحود
قسَمًا بالإله، إن انتقامي سوف يُفني الهَنا بحزْن مُبيد
أنَّة السُّهْد لا تَمُنِّي عطاءً مِن دموعٍ وخمرةٍ مِن صَديد
أنا ربُّ الظَّما، وربُّ جُروحي قد شربتُ الظَّما، فهل مِن مزيد؟
كفرَتْ رغْبَتي بكلِّ ارتواء فاحتِراقي صَدْيان سِرُّ شُهودي
شرَفُ الجُرحِ يَمنَع الطبَّ عنه وسَنا الخُلدِ بَسمةٌ مِن شَهيد
حنين إلى الشهباء:
وكتب د. أحمد البراء الأميري قصيدة وطنية يحن فيها إلى حلب الشهباء مسقط رأسه:
طال البِعاد وشفَّني النَّصَبُ فمتى أعود إليكِ يا حَلَبُ
أودَعتُ فيك من الصِّبا عُمُرًا بالشوق والأحلام يختَضِبُ
ونثرتُ فوق رُباك أغنيَةً بيضاءَ مِلءَ السمع تَنسكِب
غنَّيْتُها والحبُّ يُلهِمني والسَّامرون برجْعها طرِبوا
نشوانَ، خمري ذوْب عاطفتي فاخجَل ودعني أيها العِنبُ
ودَّعتها وصباي يَبسِم لي ومناي لا ترقَى لها السُّحُب
وتركْت فيها أكبدًا صُدعت ومدامعًا بالجمر تلتهِب
وأحبَّة ذكراي زادُهُم لولا التصبُّر مسَّهم لَغَبُ
أحلامهم شوق تُجنِّحه للصَّحوِ آمالٌ لهم قُشُبُ
والصحو تَوقٌ للمنام عسى طيفٌ مِن المحبوب يَقترِب
ويتساءل بحرقة وألم متمنياَ العودة إلى حلب، ولقاء الأحبة، فيقول:
أتُرى أعود إليكِ يا حلبُ قبل الممات ويَصدق الرَّغبُ
غادرتُها طفلاً تُعانِقني قُبُلاتُ أمٍّ كلُّها حَدَبُ
واليومَ شَيبي ضاحِكٌ وأنا قد جُزْت سِنَّ الأربعين أَبُ
أأعود؟- ويح العَوْدِ - مُنفرِدًا لم يبقَ لي خِلٌّ ولا أرَبُ
أأعود؟ والأحباب قد رحَلوا والإرث عند النَّذل مُغتصَب
أأعود والدار التي دَرَجتْ فيها الخُطى بالحزن تَنتقِب
وتكرار (أأعود) يدل على التوكيد والإصرار على العودة الكريمة إن شاء الله تعالى...
أحجارها هَرمت وقاعتُها مَهجورة، وفِناؤها خَرِبُ
لا زهرَ يَضحَك في حديقتِها لا ماء يَعلو صدرَه الحَبَبُ
لا طِفلَ يمرَح في مَرابِعها لا شيخَ تَروي عِلمَه الكتبُ
لا شِعرَ يَشدو في مَحافِلها صمتَتْ بها الأشعار والخُطَبُ
لقد فرقت الأهل والأحباب الأقدار، حيث تسلط الاستبداد على الوطن فشتت شمل الجميع:
الأهل شتَّت شمْلَهم قدَرٌ والصَّحب فرَّق جمْعهم رَهَبُ:
(عبدالكريم) رهينُ غُربتِه و(أبو الحسَين) يَؤوده التَّعبُ
و(غياث) في القبر الغَريب ثوى و(بهاء) وجه في الثَّرى تَرِبُ
صور مِن الماضي مولَّهةً في خافِقي الملهوف تَنتحِب
شهباء هذي الأنَّة انفلتَتْ من مُدنَفٍ حرٍّ له نَسَبُ
نسَبٌ تروح الشمس كاسِفةً من حُسنه، وتظلُّ تحتجِبُ
فضْل مِن الرَّحمن أغدَقه لم يَجنِه سعيٌ ولا دَأبُ
فعسى الفِعال تَصون لي شرفًا قد هان مَن لم يَحمِه أدبُ
شهباءُ حبُّكِ في الفؤاد لظًى والشوق نحوَكِ باتَ يَضطرِب
لقد أشرك الشاعر في حب حلب كلاً من الحجاز والقدس والأفغان، وأصبح أمله الوحيد هو رضاء الله:
لكنَّني أشرَكتُ في مِقَتي لكِ أربعًا تَعنو لها الشُّهبُ
أرضَ الحجاز، وحِبَّ أحمدِه بُرء لقلبٍ بالهَوى يَجِبُ
والقدس، والأطفالُ قد رَجموا كيدَ اليهود وكِبرَهمْ حَربوا
ومَغانِيَ الأفغان عطَّرها أرَجُ الدماء، وبحرُها اللجبُ
أشركتُ في حُبَّيكِ كل ثَرى رجْعُ الأذان عليه يَنسكِبُ
عُمري مع الأيام مُنسرِبٌ والصفو في الأحزان مُنسرِبُ
لم يَبقَ لي مِن مأمَلٍ غَرِدٍ أسعى له ليَكون لي غَلَبُ
إلا رضاء الله يَغمُرني فتزول مِن نَعمائه الحُجُبُ
أأرثيك؟!:
وبرتقي القائد أحمد ياسين شهيداً إلى المجد والعلياء عام 2004م، ويصك النبأ الحزين أسماع الشاعر د. أحمد البراء الأميري، فيكتب قصيدة رثاء باكية، تتسربل بمشاعر الحزن والأسى، يبدؤوها بالاستفهام الانكاري فهو لا يدري هل يعزي أم يهنئ بالشهادة:
رثاؤك بالدَّمِ لا بالمدادْ أيا نجمةً في جَبينِ الجهادْ
ومَن أنا يا سيدي كي أقول: سأَرْثيك هل ضاع مني الرَّشادْ؟!
فليس بأهلٍ ليرثيك شخصٌ يَلُوك بفِيه الكلامَ المعادْ
ويَهدِر بالنظم في محفلٍ ويُطْنِب بالنثر في كلِّ نادْ
ولكنه فارسٌ في النهارِ يغبِّر وجهَ الضحى بالسَّوَادْ
وفي الليل قلبٌ إلى اللهِ يعْنُو وجفنٌ نضا عنه طِيبُ الرُّقادْ
أأرثيك - يا سيدي - أم أهنِّ ئُ جسمًا براه الضنا والسُّهادْ؟
وقلبًا تعنَّى ببغي القريب وبطشِ الغريب وهَوْلِ الفسادْ
وروحًا جريحًا على القدسِ يبكي ويبكي على أمةٍ في الحدادْ
فأنَّى توجَّهت: عِرضٌ مباح وظلم صِراحٌ يُذلُّ العبادْ
دموع الأيَامَى، صراخُ اليتامى كُلُوم الثَّكالى، وشعب يُبَادْ
رفيقٌ خؤون، وجارٌ غدور ووعدٌ كذوب، وعزُّ الودادْ
فهنيئاً لك الشهادة أيها الشيخ المجاهد الذي أصبح جهاده واستشهاده حجة على على العالمين:
أأرثيك - يا سيدي - بل هنيئًا فقد نلتَ بالموت أسمى المرادْ!
ألا أيها الظالمون السكارى رويدًا فسوف يَحِين الحصادْ
رويدًا فسوف يَشُبُّ الحريق وتَسْتَعِر النارُ تحتَ الرمادْ
ولن ينفعَ الظالمين اعتذارٌ ويمضون كالريح في إثر عادْ
يقين:
وكتب د. أحمد البراء الأميري قصيدة رثاء للوالد الحبيب الراحل: عمر بهاء الدين الأميري؛ وهي دمعة من ولده المكلوم، يقول في بدايتها مكذباً الخبر:
أنا لا أصدِّق أنه رحَلا هو ذا يُشير إليَّ مُشتمِلا
أنوارُه في الدار مُشعَلة والباب مفتوح وما قُفِلا
وكتابه فوق السرير جَثا و(الراد) يُرسِل لحنَه زجِلا
أوراقه ظَمأى لقافيةٍ فيها الحُروف ترنَّحتْ ثَمَلا
وعرائسُ الشِّعر التي جُليتْ أسرابُها قد أطرقتْ خَجَلا:
لقد ترك الأميري الأب إرثاً عظيماً من الشعر والفقه الحضاري، والعلم النافع، والفكر المستنير ..
تلك القصيدة تمَّ مقصِدها هذي القصيدة نِصفُها اكتمَلا
(ألوان طيف) الحبِّ حائرة همْس (النجاوى) بالحبيب علا
يا دارُ كُفِّي عن مُساءلتي حارَ الجواب ومَدمعي هَمَلا
في كل ركنٍ منكِ فَيضُ رؤى بالفنِّ والذَّوق الرَّفيع حَلا
هذي الوسادة طرِّزت بيدٍ مَهرَت فدقَّ الرسم واعتدَلا
وعلى الجدار غزالة ذُعرت مِن صائد يُدني لها الأجلا
وزرافة مدَّت لها عُنقًا سُبحان مَن سوى ومَن عَدلا
وعلى (المنصة) صورتي ابتَسمتْ أأنا الأثير لديه؟! واخَجَلا!
لم أقضِ حق البرِّ مُشتغِلاً بهموم دنيا تورِثُ الخَبلا
حتى إذا انطفأت عيون أبي ضجَّ الحَنين وجُنَّ واشتعَلا
يا دارُ كُفِّي عن مساءلتي جُرْح (التيتُّم) بعدما اندَمَلا
هذا السرير عليه نام أبي وعليه قد أضوى وقد ذَبلا
كم ساهَرَ النجْمات من أرقٍ كم كتَّم الآلام، واحتَمَلا!
حتى إذا جاءت عوائده لهفَى تُبينُ الهمَّ والوَجَلا
بسَمتْ لهنَّ عيونه وبدا جَلْدًا، وأخفى السُّقم والعِللا
ويناجي أباه، ويخاطبه بأرقّ المشاعر، ويكرر (أبتاه)، وما فيها من ندبة وهاء السكت، فيوحي بالأسى والحزن وألم الفراق:
أبتاه يا نجوى على شفتي بُحَّ الصدى، وتجلُّدي انخَذَلا
أبتاه يا حُلْمًا يُراوِدني في الصحْو أعشَق فَيئه الخَضِلا
يا واقعًا أحياه في حُلمي فأعيش صفوَ الحلم مبتهِلا
أخلو بطيفكِ والكِيان أسى وأظلُّ أَجري خَلفه عجِلا
لا يختفي عني فأيئس مِن لُقيا، ولا يدنو لكي يصِلا
ذكراك - ملء الحبِّ - ناضرةٌ لا تشتكي ظمأ ولا مَلَلا
دمعي لها سُقيا ويؤنِسها شوق تضرَّم يَحرِق المُقَلا
أنا لا أصدِّق أنه رحلا ومضى إلى الغيب الذي سُدِلا
فغدًا يعود أبي كعادته يُهدي إلينا الحبَّ والأملا
ويضمُّني شوقًا ويَحضنني وأنا الذي أمسيتُ مُكتهِلا
لكنها الأيام مُسرِعة تَمضي، وإني لا أرى الرَّجلا!
وإذا المحال على الفؤاد غَدَا من بعد طول الخوف محتملا
أنا لا أصدق! يا لفاجعتي يبدو بأن البدر قد أفَلا!
حداد القوافي:
ولقد كانت وفاة د. عبد الغزيز الرفاعي كارثة للأدب ولاسيما تلاميذ بدر الذين فقدوا فيه الأب والمربي حيث سارع الشعراء في رثائه وبيان فداحة المصاب الجلل فكتب د. أحمد البراء الأميري مناجاة للراحل الكبير الغالي الشيخ عبد العزيز الرفاعي - طيَّب الله ثراه - الذي زرته في المستشفى لأراه بعد غيبة طويلة على غير هيئته النضرة التي أعرفها!
ولما عدتُ إليه في اليوم التالي، قالوا: لقد رحل إلى مكة!!
لو كنتُ أعلمُ أن موعدَك الغدُ لأقمتُ عندك ساهرًا لا أَرْقُدُ
أَتْلُو لك الذكرَ الحكيمَ مبشرًا وأرتِّل الشعرَ البديعَ وأَنشدُ
وإذا الدموعُ خَنَقْن صوتي بالبُكا ووَهَى، وخان - لَدَى الوداع - تجلُّدُ
فالعذرُ حبٌّ قد تمكَّن في الحشا وفؤادُ صبٍّ ناره لا تَخمُدُ
عمرٌ مضى بالأمس.. جرحٌ راعفٌ في الصدر، حزّاز الجَوَى، لا يبردُ
واليوم أنت على الطريقِ مسافرٌ يا لهفَ نفسي ما يخبِّئه الغدُ؟
وأشار الشاعر إلى كرم الشيخ الراحل، الذي ترك فراقه غصصاً في الحلق وفي الفؤاد، وحرقة لا تطفئها الدموع:
عبدَ العزيزِ، أيا عوالم من شذًى المكرماتُ عطاؤها المتجدِّدُ
ها قد مضيتَ مخلفًا غصصَ النوى تُكوَى بها مُهَجٌ، وتُلذَع أكبدُ
قد كنتُ آتي - والجوى بي عاصفٌ - دارًا، فيلقاني النَّدَى والسؤدَدُ
الشعر، والفكر المنير، ونخبةٌ يسمو بها الأدبُ الرفيع ويمجدُ
ويضمُّني قلبٌ رحيبٌ عطفُه فيُزِيل وحشةَ غربتي، ويبدِّدُ
ويُضيء آمالي لديه تبسُّمٌ وتحبُّب، وتلطُّفٌ وتودُّدُ
أنسى بدنياك الجراحَ هنيهةً والقلبُ يَسلُو، والمواجِع ترقدُ
فعلامَ تنكأُ من جراحي ما غفا؟ والعهدُ أنك للجراحِ تُضمِّدُ!!
ويحس الشاعر بعجزه عن الوفاء بحق الراحل الحبيب، فجميع القوافي لا توفيه حقه..
عبدالعزيز، وأيُّ عيٍّ نابني؟! عَصَت القوافي، والبيان مقيَّدُ
قد كنتُ أدعوها، فتبذل نفسَها وتجودُ بالمعنى الفريدِ، وتَرفُدُ
كم قد سَهِرت الليالي أجلو بكرها فيُضيء منها في الدَّياجي فرقدُ
أَرجُو لها يوم الخميس لتجتلي في النَّدوة الغرَّاء لما تعقدُ
وتنالُ منك رضًا فترفعُ رأسَها مزهوَّةً برضا العميدِ تأوَّدُ
ما بالُها وَجَمت، وصوَّح روضها وكسا محاسنها وِشَاحٌ أسودُ؟!
هي في الحدادِ على الفقيد فرجعُها عند المصيبةِ آهةٌ وتنهُّدُ
ويبين أثر المصيبة على نفسه فلقد جفاه الرقاد وأصبح رهين محبسه وهواجسه وأحزانه..
عبد العزيز، أيا حبيبًا قد نأى خلفَ الغيوبِ، لقد جفاني المَرْقَدُ
خلَّفتني، ونجوتَ من عسفِ الدُّنَى ترجو قِرًى من عفوِه لا ينفدُ
وأنا رهينُ محابسي وهواجسي ينتابُني همٌّ مُقيمٌ مقعدُ
أنَّى التفتُّ وجدتُ آفاق الأسى ليلي معاناةٌ، وصبحى أَربدُ
القدسُ: واقدساه باعَك خائنٌ تأبَى العَوَاهِر ما أتى، والأَعبُدُ
ذبح اليهودُ بَنِيه في غلس الدُّجى وارتاع مما قد أتوه المسجدُ
والخائنُ الوغدُ الأثيمُ مُنَاه أن ترضى اليهودُ، وأن يُسَرَّ السيدُ
سلمٌ على الأعداء يخطبُ ودَّهم وعلى القريبِ وقومِه يَستَأسِدُ
وجبالُ أفغانِ الجهادِ تلطَّخت بدماءِ إخوانِ الجهاد تردِّدُ:
مَن لم يكن للهِ حرُّ جهادِه يخدَعْه برقُ الحكمِ، وهو مفنَّدُ
مَن أسرجَت شهواتُه صهواتِه لا غروَ يَغتَالُ الصديق، ويَحقِدُ
والبوسنةُ الحمراءُ انهارَ على ثلجِ الشتاءِ دماؤها تتجمَّدُ
شهداؤها زرعوا البِطَاحَ بطولةً المجدُ من لألائها يتوقَّدُ
ترجو من الإفرنج إنصافًا! وهل يرجو الأمان من الصليبِ موحِّدُ؟!
هل يَرتَجِي حَمَلٌ معونةَ جازرٍ يَهْوِي بِمُدْيَتِهِ وَلا يتردَّدُ؟!
إني لأعذِرُهم على خذلانِهم ما دام قومي للخيانةِ أيَّدُوا!
عبد العزيز، شكوتُ بثِّي والجَوَى لا بدَّ من شكوى لحرٍّ يسعدُ
عذرًا إذا كدَّرت صفوَك بعدما خلَّفت فانيةً لأخرى تخلدُ
قومي بذلِّ القيدِ أفنَوا عمرَهم فكأنَّ ليلَهمُ عليهم سرمدُ
الحرُّ يَسرِي رغمَ ضيقِ سجونه والعبدُ في الدُّنيا الفَسِيحَة مُقعَدُ
يا والدًا من بعدِ فقدي والدي وأخًا كبيرًا للمكارمِ يُرشدُ
أبكي عليك بغربتي، وبكربتي وبأحرفي، وبزفرة تتردُّدُ
في ذمةِ الربِّ الغفورِ مودَّع وبحرمةِ البيت الطهور موسَّدُ
حنانيك لا ترحل:
ومن أولئك الشعراء الذين أسرعوا في رثاء الشيخ عبد الفتاح أبو غدة صهره، وتلميذه الدكتور الفاضل الشاعر ابن الشاعر: أحمد البراء بن عمر بهاء الدين الأميري حفظه الله، وهي بعنوان: « حَنَانَيْكَ لا تَرْحلْ »; يقول في مطلعها:
حنانيكَ، لا ترحلْ، فجُرحيَ لم يزلْ *** سخيّاً، ونارُ الفَقدِ فيه تَضَرَّمُ
ولا تطعَنِ القَرحَ الذي نزَّ مِنْ دمي *** ولا تُنطقِ الحُزنَ الذي هو أبْكمُ
ففقدي لأحبابي يَهيجُ مواجعي *** ويُخرِسُ أشعاري التي تترنَّمُ
فإن رُمتُ بيتاً يَنْدُبُ الحِبَّ خانني *** بياني، وظلَّ الدمعُ في العين يَسْجُمُ
فأَنْظِمُ دمعي في دُجايَ قصائداً *** فيُشرقُ ليلٌ في فؤاديَ مُظْلمُ
يتحدث الشاعر في مطلع قصيدته عن تعلقه بالشيخ الحبيب، ويطلب منه عدم الرحيل، ويشعر بالعجز عن الوفاء بحق الشيخ، فجراح القلب تمنعه من الاسترسال في نظم الشعر وتجويده، ثم يقول:
وتشهَقُ أنّاتي، وتزفِرُ أضلُعي، *** وتُقبلُ أحزاني عليَّ تُسَلِّمُ
فأفتحُ صدري، للفؤادِ أضمُّها *** فتسكنُ في أرجائِه، وتُخيِّمُ
حنانيكَ، لا ترحلْ، فقد كنتَ آسياً*** فمَنْ لجراحي اليومَ يأسو ويرحَمُ؟
وكنتُ إذا ما الهمُّ آدَ تصبُّري *** وأزرى بآمالي العِطاشِ تجهُّمُ
أزوركَ والأنواءُ تصفَعُ مُهجتي *** عَصْفُ الرّياحِ الهُوْجِ يعوي ويحطِمُ
فما هو إلَّا أنْ أراكَ مُرَحِّباً *** بوجهٍ كنورِ الصُّبح، والعينُ تبسِمُ
فأنسى صَبَابَاتي، وترتاحُ مُهجتي *** وتَسْكُنُ آلامي، وبالدّفءِ أنعَمُ
لقد كان الشاعر الأميري على علاقة طيبة مع الشيخ الإمام; وكلما أحس بالهموم تجثم على صدره يهرع إلى الشيخ وحين يراه متهللا متبسما ومرحبا تنفرج تلك الهموم ويشعر بالسكينة.
ويعجب الأميري من رحيل الشيخ من دون وداع; فيقول:
فما لَكَ تمضي اليومَ غَيْرَ مُودِّعٍ *** تُفَطِّرُ أكباداً لنا، وتُيتِّمُ
وتسكبُ فوقَ الجُرحِ في قلبِنا لظىً*يَوجُّ، ويَسْري في العروق، ويُؤلِمُ
رحلتَ وخلَّفْتَ المحبِّينَ: مُقْصَدٌ *** بسَهْمِ النّوى، أو والِهٌ يترحَّمُ
رفيقةُ دربِ العُمرِ قد لفَّها الجَوى *** وأذهلَها فَقدٌ وجيعٌ مُئَيِّمُ
تغشَّتْ بمثلِ اللَّيلِ ثوباً سوادُهُ *** أشدُّ سواداً منه حُزن مُتَيِّمُ
أَمِنْ بعدِ عُمْرٍ بالمحبَّةِ عامرٍ *** وَوُدِّ كوقْعِ الطَّلِّ، بلْ هُوَ أَنْعَمُ
تخلِّفُها في وحشةِ الدَّربِ وَحْدَها *** داري ضَنىً في قلبِها، وتُكَتِّمُ
لقد خلف رحيل الشيخ في القلب غصة، وفي العين دمعة، وفي النفس حرقة; وكانت فجيعة الأمة به لا تقل عن فجيعة الأهل والأولاد والبنات والأحفاد بفراق الشيخ المحبوب...
وربّاتُ طهرٍ قد أحَطْنَ بوالدٍ *** يودِّعْنَهُ، والقلبُ في الصَّدرِ يُكْلَمُ
ذوى منه وجهٌ كان بالنُّور مُشْرقاً *** وعينٌ خبا فيها الضِّيا والتبسُّمُ
تلفَّفْنَ بالصَّبرِ الجميلِ فلا ترى *** سوى مَدْمعٍ يَهمي، وثغرٍ يُتمتِمُ
نماهُنَّ للتقوى حَياءٌ، ووالدٌ *** أعزُّ من النُّعمى، وأوفى، وأرحَمُ
وأبناءُ بِرٍّ كالبُدور تحلَّقوا *** وأوجهُهُم فيها الضَّراعةُ تُرسَمُ
أحقّاً أبا الإخلاص والفضلِ والتّقى ***تُغادِرُنا، والوعدُ في الغيبِ مُبْرَمُ؟
تركتَ لنا بَيْتاً من العِزِّ شامخاً *** وذِكْراً هو الكنزُ المَصونُ وأكرمُ
فأنَّى رَحَلْنا قيل: أبناءُ سيِّدٍ *** وأنّى التفتنا قيل: نِعْمَ المعلِّمُ!
رحلتَ، ففي دارِ الخلافةِ نادبٌ ***وفي الهندِ محزونٌ، وفي مصرَ مُغْرَمُ
وفي المغربِ الأقصى وجومٌ وحسْرةٌ ***وفي القُدسِ والأُرْدُنِّ حُزن مُخيِّمُ
وفي الشَّام إخوانٌ همُ الصِّدقُ والوفا *** يُضحُّونَ بالاغلى لو اُنكَ تسلَمُ
فجيعتُهُم في فقدِكَ اليومَ غُصَّةٌ *** تُحدِّرُها عين، ويَزْفِرُها فَمُ
وفي كلِّ صُقْعٍ زُرتَه وسقيتَهُ *** علومُكَ نَبْتٌ طيِّبُ النَّفحِ يفْغَمُ
يُعزَّى بكَ المرءُ الذي لم يكن رأى *** مُحَيّاك لكن طِيْبُ ذكرِكَ يَنْسِمُ
ففي الشّرقِ أحزان عليكَ ومأتمٌ *** وفي الغربِ أحزانٌ عليكَ ومأْتمُ.
لقد حزنت الأمة الإسلامية على الشيخ الراحل، فبكى عليه الجميع، وأقاموا على روحه مجالس العزاء.
وداعاً أبا الإخلاصِ والذَّوقِ والحِجَا *** أخا العلمِ يَهدي للّتي هيَ أقْوَمُ
هنيئاً لكَ المثوى النّديُّ بطَيْبةٍ *** فيا حُسْنها بُشرى تَجِلُّ وَتَكْرُمُ!
وللشاعر أحمد البراء الأميري أشعار كثيرة، لم يتعرض النقاد فيما أعلم لنقدها، وأرجو أن يتكرم في طبعها في ديوان، كما أرجو منه رجاء حاراً أن يطبع الأعمال الكاملة للسيد الوالد رحمه الله، لمزيد الدراسة والبحث.
المراجع:
1_ الموسوعة التاريخية الحرة.
2_ الموقع الرسمي د. أحمد البراء الأميري.
3- مختارات من شعر أحمد البراء الأميري.
4- موقع شبكة الألوكة.
5- رابطة أدباء الشام: مقالة باسل الرفاعي.
6_ مواقع إلكترونية أخرى.
وسوم: العدد 1042