الشاب المجاهد الشهيد زهير سرحيل
( ١٩٥٨ _١٩٧٩م )
هو الشاب المجاهد الشهيد زهير سرحيل من مواليد مدينة حلب (حي الكلاسة ) عام 1958.
نشأ في أسرة مسلمة ملتزمة من ابوين صالحين؛ عمل والده في مهنة حرة عامل (مبلط)؛ وكان جميع أولاده في مهنته إلا كبيرهم زهير.
الدراسة والتكوين:
درس زهير سرحيل مراحل التعليم المختلفة في مدارس حلب حتى حصل على الثانوية العامة ( الفرع العلمي)؛ بتفوق.
والتحقق في جامعة حلب كلية الهندسة؛ ولكنه لم يتخرج من الكلية بسبب أحداث ثورة الثمانين.
غير انه مالبث أن التحق بشباب جيله رغبة منه في إعلاء كلمة الحق؛ وانضم إلى صفوفهم في مرحلة الثمانينات؛ ولما اشتد عليهم الخناق حوصر من قبل عناصر أمن الدولة في حي سيف الدولة في بناء خلف سوقها الشعبي؛ وحوصر البناء؛ ورمى بنفسه من الطابق الثاني وسلاحه بيده؛ فكسرت قدمه؛ وهو يهرب زاحفاََ وهم يخافون أن يتقدموا منه؛ وبدؤوا الإقتراب منه شيئاََ فشيئاََ؛ فما كان منه إلا أن صوب بندقيته عليهم فأصاب المساعد أول (أبو أحمد شيخو)؛ فأرد اه قتيلاََ فتكاثروا عليه؛ وهو يزحف حتى أمسكوا به؛ واقتادوه مكبلاََ إلى مشفى الرازي والذي أصبح بقدومه ثكنة عسكرية تحيط بالمشفى من كل الإتجاهات؛ وهو مصاب قعيد وبعد شفائه بأكثر من شهر نقلوه إلى السجن المركزي ووضع في المنفردة.
حيث كان المعتقلون هناك يسمعون كل صباح تلاوته لكتاب الله بصوته العالي والشجي؛ وكان حافظاََ متقناََ لكتاب الله.
إلى ان صدر أمر إداري وزع على جميع قطعات الجيش مفاده1..لقد تم الحكم على العسكري من آل علاف (لا أذكر اسمه)؛ وهو السائق الذي أدخل العناصر إلى مدرسة المدفعية بأمر من إبراهيم اليوسف حكم عليه بالإعدام رمياََ بالرصاص.
2..حكم على زهير سرحيل بالإعدام شنقاََ حتى الموت.
ومن فجر ذلك اليوم لم يعد يسمع له صوت ولا قراءة.
رحمه الله وتقبله في عداد الشهداء إن شاء الله هو ورفاقه.
وانتقم الله من قاتليهم وإنا لله وإنا إليه راجعون
(والنصر والتمكين للإسلام إن شاء الله..
أصداء الرحيل:
وكتب الأستاذ الداعية عبد الله الطنطاوي في كتابه القيم مواكب الشهداء يقول: (من داخل الزنزانة التي أُلقي فيها، كان صوته يتردد بقوة وإيمان: "الله معي، الله معي، يا نفس صبراً لا تجزعي" إنه الشهيد زهير سرحيل، نزيل السجن المركزي بحلب. أما كيف جاء إلى هنا؟ فلذلك قصة ترويها لك حلب الشهباء، التي شهدت بطولات الفتية بحب وإعجاب كبيرين..
تقول لك حلب وهي دامعة العينين:
زهير شاب من شباب الكلاسة، الحي الشعبي الذي ينتمي أبناؤه إلى طبقات كادحة، تلمح فيها صدق الإيمان، وصفاء الانتماء.
عرفه أهل حيه طالباً جامعياً متزناً، وشاباً مؤمناً مستقيماً، لم يستطع فجور السلطة أن يستجره بإغوائه، وهو لم يتجاوز العشرين بعد، بل إن صوت الجهاد كان أشد وقعاً في نفسه، فكان زهير صادق الإجابة، ومن الكوكبة الأولى التي لبت النداء عام تسعة وسبعين.
في منطقة الأنصاري كانت إحدى معاركه، حيث ترجل الفارس الفتى ليناجز عناصر البغي، مع أربعة من إخوانه، ودارت الاشتباكات من الأبواب والنوافذ وسلالم المباني والشوارع المجاورة، واستطاع الإخوة أن ينسحبوا إلا زهيراً الذي تفلتت يده؛ وهو ينزل من أحد الطوابق، وشاءت إرادة الله أن تتحطم ساقاه، بينما بقي سلاحه وقنابله معه.. أصر الإخوة على حمله.. وأصر هو على انسحابهم.. وتابع المقاومة إلى آخر طلقة، ثم وقع أسيراً، ومضى به المجرمون.. ليبقوه محطماً، يستغلون آلامه، ويضاعفونها بتحريك عظامه المكسورة، في طريقة جديدة أشار بها خبراء التعذيب الروس للحصول على اعترافات ومعلومات..
وبقي زهير مقعداً يعتمد الزحف وسيلة للتحرك، وهو الفارس الذي لم تعرف الأرض من كان مثله إلا كما قال الشاعر:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا
وفي شهر تموز عام تسعة وسبعين، وعند غروب يوم من أيامه.. وقف أحد الجلادين ليقرأ في ممر الزنازين قرار إعدام زهير سرحيل، في محكمة داخل السجن المركزي، قضاتها جلادون، وجلادوها أتباعٌ حاقدون.
ونهض زهير بعد مرور عشرين يوماً على تحطيم ساقيه، ما الذي أنهضه؟ ليس يدري! إنها الساعة التي تتخاذل فيها أرجل القائمين، ولكنها عند زهير وإخوان زهير الساعة التي تنتصب فيها أقدام المقعدين.
ووقف الجلاد الآخر، وبيده العربة لتحمل زهيراً إلى غرفة المهزلة التي سميت غرفة الإعدام..
ويدوي صوت زهير سرحيل في ممر الزنازين؛ وهو ينشد أبياتاً تصل حاضر الأمة المجاهدة بتاريخ جهادها المجيد.. ويصغي من في الغرف الضيقة والزنزانات إلى صوته؛ وهو يردد:
وعلى اليرموك تراتيل من آي الذكر وتنزيل
وابن الجراح يعاونه سيف للعزة مسلول
وحصون دمشق يزلزلها تكبير الله وتهليل
ومضى زهير مع المواكب الأولى شهيداً عزيزاً، وأخاً مجاهداً... تتغمده رحمة ربه، وسيبقى ذكره حياً في نفوس إخوانه، أنهم على دربه سائرون...
مصادر الترجمة:
١_ معلومات من الشيخ بكري سرحيل.
٢_ رابطة أدباء الشام؛ وسوم: العدد 695
٣_ كتاب موكب الشهداء: عبد الله الطنطاوي.
٤_ مواقع إلكترونية أخرى.
وسوم: العدد 1042