محمد مهدي الجواهري ومديح الطغاة
الشاعر العراقي الشهير محمد مهدي الجواهري الذي لقب بشاعر العرب الأكبر ،بناء على انه عاش لمدة طويلة حيث عاش ما يقارب 98 عاما فهو من مواليد 26 يوليو 1899 وتوفي عام 27 يوليو عام 1997 ،كما لقب بشاعر الجمهورية لأنه كان قريب من رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم إلى أن تقاطعت السبل والعلاقات بينهم وانتقل من العراق حينها إلى لبنان ،كتب العديد من القصائد الرائعة في مجالات ونواحي مختلفة منها الرثاء والوطن والهجاء والسياسة وغيرهم، ولذلك سوف يتم طرح أفضل ما كتبه الشاعر العراقي الشهير محمد مهدي الجواهري خلال السطور التالية..
إنه الشاعر العراقي، والملقب بنهر العراق الثالث وشاعر العراق الأكبر محمد مهدي الجواهري (26 يوليو 1899م – 27 يوليو 1997م):
يُعد من بين أفضل شعراء العرب في العصر الحديث.
تميزت قصائده بالتزام عمود الشعر التقليدي.
ولد محمد مهدي الجواهري في 26 يوليو 1899 في النجف، في العراق.
وكانت الوفاة في 27 يوليو 1997 (98 سنة) في دمشق، سوريا.
نشأ في كنف والده عبد الحسين الجواهري
وله إخوة وأخوات منهم : عبد العزيز الجواهري، وعبد الهادي الجواهري.
ومن أقربائه: محمد حسن النجفي (جد الأب).
تولى عدة مناصب منها الأمين العام في اتحاد الكتاب العراقيين وبقي في المنصب من 7 مايو 1959 – 1980م.
نشأ الجواهري في النجف، في أسرة أكثر رجالها من المشتغلين بالعلم والأدب.
ودرس علوم العربية وحفظ كثيرًا من الشعر القديم والحديث، ولاسيما شعر المتنبي.
أشتغل بالتعليم في فترات من حياتهُ، وبالصحافة في فترات أخرى، فأصدر جرائد «الفرات» ثم «الانقلاب» ثم «الرأي العام»، أول دواوينه «حلبة الأدب» 1923م وهو مجموعة من المعارضات لمشاهير شعراء عصره كأحمد شوقي، وإيليا أبي ماضي، ولبعض السابقين كلسان الدين بن الخطيب، وابن التعاويذي.
ثم ظهر لهُ ديوان «بين الشعور والعاطفة» 1928،
و«ديوان الجواهري» (1935م و1949م - 1953م، في ثلاثة أجزاء).
يتصف شعر الجواهري بمتن النسج في إطناب ووضوح وبخاصة حين يخاطب الجماهير، لا يظهر فيه تأثر بشيء من التيارات الأدبية الأوروبية وتتقاسم موضوعاته المناسبات السياسية والتجارب الشخصية، وتبدو في كثير منها الثورة على التقاليد من ناحية، وعلى الأوضاع السياسية والاجتماعية الفاسدة من ناحية أخرى. عاش فترة من عمره مُبْعَدًا عن وطنه، وتوفى بدمشق عام 1997م عن عمر ناهز الثامنة والتسعين عامًا.
ولادته، ونشأته:
ولد الجواهري في النجف في 26 يوليو/تموز من عام 1899م، من أسرة ذات سمعة ومقام بين الأوساط النجفية الدينية والأدبية.
وكان أبوه عبد الحسين عالمًا من علماء النجف، وقد ألبس لأبنه الذي بدت عليه ميزات الذكاء والمقدرة على الحفظ -أن يكون عالمًا- عباءة العلماء وعمامتهم وهو في سن العاشرة، ويتحدر من أسرة نجفية محافظة عريقة في العلم والأدب والشعر تعرف بآل الجواهر، نسبة إلى مؤسسها، والذي يدعى الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، والذي ألف كتابًا في الفقه واسم الكتاب «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام».
ومن هنا لُقِب بالجواهري، وكان لهذه الأسرة في النجف مجلس عامر بالأدب والأدباء يرتاده كبار الشخصيات الأدبية والعلمية.
وكان والده حريصًا على إرساله إلى المدرسة وأن يُدرس من أساتذة كبار يعلموه أصول النحو والصرف والبلاغة والفقه.
ويذكر أنه أشترك في ثورة العشرين ضد السلطات البريطانية.
وأول مجموعة شعرية له، وهو في الخامسة والعشرين من العمر، تحت عنوان، خواطر الشعر في الحب والوطن والمديح، وتبعه إصدار أول ديوان شعري في العام 1928م بين الشعور والعاطفة.
البلاط الملكي:
عمل الجواهري لفترة قصيرة في البلاط الملكي بعد تتويج الملك فيصل الأول ملكًا على العراق، وقدم استقالته منها، ويعلل ذلك بسبب قصيدته «جربيني» لما فيها من تحدِ للمجتمع والعادات آنذاك، وبعد ذلك دخل إلى عالم الصحافة، وأسس جريدة الفرات، التي أغلقتها الحكومة، ولم يستطع إعادة فتحها؛ لذلك توجه الجواهري إلى سلك التعليم، وعمل معلمًا في المدارس والثانويات في عدة مدن منها بغداد والبصرة والحلة.
انقلاب 1936م:
وفي عام 1936م أصدر جريدة الانقلاب عقب الانقلاب العسكري وبسبب مواقفه المناهضة للانقلاب حُبس لمدة ثلاثة أشهر، وأُغلقت الصحيفة، بعد خروجه وسقوط حكومة الانقلاب العسكري أعاد فتح الجريدة باسم الرأي العام، وكانت المقالات التي ينشرها سببًا لأغلاق الصحيفة لأكثر من مرة حتى أن الضغوط دفعته للهجرة إلى إيران والعودة بعد فترة.
مسيرته السياسية:
وفي عام 1946م ظهرت في العراق دعوات إلى نشر وترسيخ الديمقراطية وهذا ما شجعته حكومة توفيق السويدي التي شُكلت في 23 فبراير، عام 1946م، وتأسس الحزب الوطني الذي كان الجواهري من الأعضاء المؤسسين له، وأجازت الحكومة للحزب الوطني ممارسة العمل السياسي، وفي 2 أبريل/نيسان من نفس العام اتخذ الحزب من جريدة الرأي العام، الناطق الرسمي له، وبعد فترة نشبت خلافات بين أعضاء الحزب مما أدى بالجواهري إلى أن يقدم استقالته في أغسطس/آب من عام 1946م، وواصل الجواهري نشاطه السياسي بالإضافة إلى النشاط الصحفي، فقد كان مسؤولًا عن جريدة الرأي العام، وفي عام 1947م انتخب نائبًا في مجلس النواب العراقي واستقال بعد عام واحد لمعارضته معاهدة (بورتسموث)، والتي كان شقيقه أحد ضحاياها نتيجة لتعرضه لإطلاق ناري خلال التظاهرات ومقتله متأثرًا بجراحهِ بعد عدة أيام، وبسبب هذهِ الواقعة كتب قصيدتين يرثي فيها أخيهِ بعنوان «أخي جعفر»، و«يوم الشهيد».
وهذا مقتطف من قصيدة «أخي جعفر»:
أخي جعفرًا يا رواءَ الربيعِ إلى عَفِنٍ باردٍ يُسْلَمُ
ويا زهرةً من رياضِ الخلودِ تَغَوَّلها عاصفٌ مُرْزِمُ
ويا قَبَسًا من لهيبِ الحياةِ خَبَا حينَ شَبَّ له مَصْرَمُ
ويا طلعةَ البِشْرِ إذ ينجلي ويا ضِحكةَ الفجرِ إذ يَبْسِمُ
لثمتُ جراحَكَ في "فتحةٍ" هي المصحفُ الطهرُ إذ يُلْثَمُ
وقبّلتُ صدرَكَ حيث الصميمُ مِنَ القلبِ مُنْخَرِقًَا يُخْرَمُ
وحيث تلوذُ طيورُ المُنى بهِ فهي مُفزعةٌ حُوَّمُ
وحيث استقرّت صفات الرجال وضَمَّ معادنَها مَنْجَمُ
ورَبَّتُ خدًَّا بماء الشبابِ يرفُّ كما نَوَّرَ البُرْعُمُ
ومَسَّحْتُ من خِصَلٍ تَدَّلي عليهِ كما يفعل المُغْرَمُ
وعلّلتُ نفسي بذوبِ الصديدِ كما عَلَّلَتْ واردًا زمزمُ
ولَقَّطتُ من زبَدٍ طافحٍ بثغرِكَ شهدًا هو العَلْقَمُ
وعَوَّضتَ عن قُبلتي قُبلةً عَصَرْتَ بها كلَّ ما يُؤْلِمُ
عَصَرْتَ بها الذكرياتِ التي تَقَضَّتْ كما يَحْلُمُ النُّوَّمُ
أخي جعفرًا إنَّ رَجْعَ السنينِ بَعْدَكَ عندي صدىً مُبْهَمُ
ثلاثونَ رُحْنَا عليها معًا نُعَذَّبُ حينًا ونستنعِمُ
نُكافِحُ دهرًا ويَسْتَسْلِمُ ونُغْلَبُ طَورًا ونَستَسْلِمُ
وأول 8 أبيات من قصيدة «يوم الشهيد»:
يومَ الشَهيد:
تحيةٌ وسلامُ بك والنضالِ تؤرَّخُ الأعوام
بك والضحايا الغُرِّ يزهو شامخًا علمُ الحساب ، وتفخر الأرقام
بك والذي ضمَّ الثرى من طيبِهم تتعطَّرُ الارَضونَ والأيام
بك يُبعَث " الجيلُ " المحتَّمُ بعثُه وبك " القيامةُ " للطُغاة تُقام
وبك العُتاة سيُحشَرون ، وجوهُهُم سودٌ ، وحَشْوُ أُنوفهم إرغام
صفًا إلى صفٍّ طغامًا لم تذُقْ ما يجرَعون من الهَوان طَغام
ويُحاصَرون فلا " وراءُ " يحتوي ذَنبًا ، ولا شُرطًا يحوز " امام"
وسيسألون مَن الذين تسخَّروا هذي الجموعَ كأنها أنعام
وفي عام 1949م كان محمد مهدي الجواهري العربي الجنسية الوحيد من حضر في مؤتمر أنصار السلام العالمي الذي أقيم في بولندا، وعلى أساسه أُسس مجلس السلم العالمي عام 1950م، واختير عضوًا فيه.
وفي عام 1956م سافر الجواهري إلى سوريا لتلبية دعوة رسمية في حضور الحفل التأبيني السنوي للذكرى الأولى على اغتيال العقيد عدنان المالكي.
وفي هذا الحفل ألقى الجواهري مجموعة من الأبيات في الحفل التأبيني اعتبرتها الحكومة العراقية معادية في المضمون وخصوصًا بما يتعلق بحلف بغداد، وجراء ذلك طلب الجواهري اللجوء السياسي في سوريا، وعمل في إدارة تحرير مجلة الجندي التابعة للقوات المسلحة السورية، وبعد عام ونصف رجع الجواهري إلى العراق.
فاستدعي من الحكومة في البداية وواجه تهمة المشاركة في محاولة قلب نظام الحكم التي رد عليها مستهزئًا بقولهِ: «ولماذا أشترك مع الآخرين وأنا استطيع قلب النظام بلساني وشعري» وبعد ساعات، أطلق سراحه.
الجمهورية العراقية:
بعد انتقال العراق من الملكية إلى الجمهورية في 14 يوليو/تموز عام 1958م كان الجواهري من أشد المتحمسين لهذا الانتقال المهم والحساس، وأُطلق عليه في تلك الفترة لقب شاعر الجُمهورية، وأول نقيب للصحفيين في تاريخ العراق، في 7 سبتمبر،/أيلول من عام 1959م من ضمن المؤتمر التأسيسي الأول بحضور الزعيم عبد الكريم قاسم.
لكن تأزمت علاقة الجواهري بالنظام السياسي مما اضطر لمغادرة العراق إلى لبنان في عام 1961، ومن هناك سافر إلى جمهورية التشيك بدعوة من اتحاد الأدباء، وقدم طلب للجوء السياسي.
وبعد انقلاب 8 شباط 1963م سحبت الحكومة العراقية الجنسية العراقية من الجواهري، لرفضه الانقلاب بقيادة عبد السلام عارف، وعاد إلى العراق لاحقًا بعد انقلاب 17 تموز 1968م بدعوة من الحكومة العراقية، وأعادت له الجنسية العراقية، وقدمت له راتبًا تقاعديًا قَدره 150 دينار كل شهر، وفي أواخر عام 1980م غادر العراق ليستقر في دمشق، وتذكر بعض المصادر أن الجواهري انتقل إلى سوريا في عام 1983م تلبية لدعوة رسمية، وبعض المصادر تذكر أن الجواهري في عام 1980م كان يسكن بالحقيقة في جمهورية التشيك،يقول الجصاني، وهو ابن اخت الجواهري انه امضى 30 عام في التشيك بعد أول ازمة سياسية بينه وبين الحكومة العراقية، وفي اخر عمره كان يتنقل بينها وبين دمشق من حين إلى اخر .
وفي تسعينيات القرن الماضي سُحبت الجنسية العراقية منه مجددًا بسبب مشاركته في مهرجان الجنادرية السنوي المقام في المملكة العربية السعودية في عام 1994م.
سر القبعة:
ولطالما أثارت القبعة التي كان يعتمرها الجواهري الجدل واسترعت الانتباه، وذكرت ابنته خيال الجواهري:
«أصيب والدي بنزلة برد حين كان يشارك في مؤتمر أدبي في الاتحاد السوفياتي السابق، ونصحه الأطباء بارتداء غطاء رأس لوجود حساسية في رأسه، فلفتت انتباهه قبعة مخملية كانت معروضة في حانوت المستشفى، فارتداها، ومنذ ذلك الحين بقيت تلازمه لحين وفاته، ولم يكن يخلعها حتى أثناء النوم».
وفاته:
توفي فجر يوم الأحد 27 يوليو/تموز 1997م في إحدى مستشفيات العاصمة السورية دمشق، وشُيع بحضور أركان الدولة السياسيين والعسكريين بالإضافة إلى حضور شعبي كبير، ودفن الجواهري في مقبرة الغرباء في منطقة السيدة زينب في دمشق إلى جانب قبر زوجته السيدة أمونة.
وعلى قبرهِ نحتت خارطة العراق من حجر الغرانيت مكتوب عليها «يرقد هنا بعيدًا عن دجلة الخير»، في إشارة إلى قصيدته.
أعماله:
دواوين:
ديوان الجواهري 1935م
من أحد دواوينه الشهيرة التي كونت قصائده السياسية ظروفًا مختلفة ودوافعًا متضاربة، وحاول فيها ربط الحاضر بالماضي أو المستقبل، ولم يتقيد بأن تكون ذات طابع خاص واتجاه معينًا، من حيث الفكرة أو الموضوع، وإنما صورة صادقة لشتى طوارئ تعاقبت عليه، وحالات تأثر بها، سواء كان مُصيبًا فيها أم مخطئًا مسيئًا أم محسنًا. وفيها قصائد أخرى روحية تأثر بها بكثير من الأوضاع وتشرب قسم منها، ومن أشهر قصائد هذه: الديوان، ويا دجلة، وفداء لمثواك (آمنت بالحسين)، وتنويمة الجياع، وفداء لقبرك.
من قصائده:
للشاعر الجواهري عدد كبير من القصائد نذكر منها:
عينية الجواهري
قصيدة عينيّة الجّواهري تعد من عيون الشعر العربي الحديث، وأهم القصائد التي قيلت في الحسين، ومن أجمل القصائد العمودية، وقد كتبت بماء الذهب في مرقد الإمام الحسين بن علي مطلع القصيدة:
محمد مهدي الجواهري فِداءٌّ لَمثواكَ مِن مَضْجَعِ *** تَنَوَّرَ بالإبلَج الأروَعِ
بأعبقَ من نَفحاتِ الجِنانِ *** رَوحًا، ومن مِسكِها أضوع
ومن أما أجمل أبياتها:
محمد مهدي الجواهري كأنَّ يدًا من وراءِ الضريحِ *** حمراءَ مَبتُورَةَ الإِصْبَع
تَمُدُّ إلى عالمٍ بالخُنوعِ *** والضيمِ ذي شَرقٍ مُتْرَع
تَخبَّطَ في غابةٍ أطبَقَت ***على مُذئبٍ منه أو مُسْبِع
يا دجلة الخير:
ومن أجمل القصائد التي قالها الشاعر في الحنين للوطن والاشتياق له، يلمس في هذه الأبيات المتلاحمة شوق الجواهري إلى وطنه، إلى دجلته، وإلى ضفافها واصطفاق أمواجها. مطلع هذه القصيدة:
حـييتُ سـفحكِ عن بعدٍ فحَييني *** يـادجلة الـخير، يـا أمَّ البساتين
حـييتُ سـفحَك ظـمآنًا ألوذ به *** لـوذ الـحمائِم بـين الـماءِ والطين
وأما أجمل أبياتها فهي قوله:
إنـي وردتُ عُـيون الـماءِ صـافية *** نَـبعًا فـنبعًا فـما كـانت لتَرْويني
وأنـت يـا قاربًا تَـلوي الرياحُ بهِ *** لـيَّ الـنسائِم أطـراف الأفـانينِ
ويقول الجواهري في مجاهرة الطغاة:
قبل أن تبكي النبوغ المضاعا *** سبّ من جرّ هذه الأوضاعا
سبّ من شاء أن تموت وأمثا *** لك همّا وأن تروحوا ضياعا
سبّ من شاء أن تعيش فلولٌ *** حيث أهل البلاد تقضي جياعا
خبروني بأن عيشة قومي *** لاتساوي حذاءك اللماعا
أهم المؤلفات:
حلبة الأدب.
جناية الروس والإنجليز في إيران.(ترجمة عن الفارسية)
بين العاطفة والشعور
ديوان الجواهري.
ديوان الجواهري (مجلدان).
بريد الغربة.
الجواهري في العيون من أشعاره.
بريد العودة
أيها الأرق.
خلجات.
ذكرياتي (3 أجزاء).
الجمهرة (مختارات من الشعر العربي).
بيته:
سكن الجواهري في بغداد حي القادسية، وفي 2018م، حوّلت أمانة بغداد بيته إلى متحف ومركز ثقافي اسمه بيت الجواهري.
مراجع:
١_ الشاعر الجواهري في مقابلة يتحدث عن ميلاده.
٢_ من اعلام بلادي – محمد مهدي الجواهري.
٣_ نبذة مختصرة عن حياة الشاعر والاديب العراقي محمد مهدي الجواهري.
٤_ الموسوعة العالمية للشعر العربي "
٥_ الذكرى 102 لميلاد الشاعر العراقي الكبير محمد مهدي الجواهري.
٦_ القاهر-بغداد، سارة. "محمد مهدي الجواهري عاصر الملوك والرؤساء ومات منفيا.. وهذا سر طاقيته".
شعر محمد مهدي الجواهري: دراسة موضوعية وفنية:
كتب الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري في عدد من الأغراض الشعرية منها السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، ولكن طغى على شعره السياسة ..
لقد مدح الملك فيصل، والملك حسين، وحافظ أسد، ..وغيرهم من القادة، وبعض هؤلاء طواغيت العصر الحديث.
يا سيدي أسعف فمي:
وها هو الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري يكتب هذه القصيدة المرتجلة أمام الحسين بن طلال وقد ألقيت في عمان بتاريخ 2-12-1992م، وفيما يلي نص القصيدة التي كتبها الشاعر فيما بعد.
في عيد مولدك الجميل جميلا
يا سيدي أسعف فمي ليقولا
عسلا، وليس مداهنا معسولا
أسعف فمي يطلعك حرا ناطفا
بين الملوك، ويا أعز قبيلا
يا أيها الملك الأجل مكانة
جيلا بمدرجة الفخار، فجيلا
يا ابن الهواشم من قريش أسلفوا
أبدا شهيد كرامة وقتيلا
نسلوك فحلا من فحول قدموا
نسر يطارحه الحمام هديلا
لله درك من مهيب وادع
ويؤلف الميئوس والمأمولا
يدني البعيد من القريب سماحة
عنها، وعما ألهمت مسؤولا
يا ملهما جاب الحياة مسائلا
يستل منها سرها المجهولا
يهديه ضوء العبقري كأنه
ويعاف للمتحدرين سهولا
يرقى الجبال مصاعبا ترقى به
فيها الذي يرضي الغرور فتيلا
ويقلب الدنيا الغرور فلا يرى
نهما، وبؤس حطامها مأكولا
خبر بها المتأكلين قصاعهم
تأبى المروءة أن تكون عليلا
يا مبرئ العلل الجسام بطبه
ألا يريك كريهة، وجفيلا
أنا في صميم الضارعين لربهم
ألا يعود بها العزيز ذليلا
والضارعات معي، مصائر أمة
مثلا شرودا يرشدا الضليلا
فلقد أنرت طريقها وضربته
نقدا، ولا مترجيا تهليلا
وأشعت فيها الرأي لا متهيبا
يمشي إليك بها الضمير رسولا
ياسيدي ومن الضمير رسالة
: قولا نبيلا، يستميح نبيلا
حجج مضت، وأعيده في هاشم
سور الكتاب، ورتلت ترتيلا
يا ابن الذين تنزلت ببيوتهم
لا مصعرين، ولا أصاغر ميلا
الحاملين من الأمانة ثقلها
والمطلعين من النهى قنديلا
والطامسين من الجهالة غيهبا
للسائلين عن الكرام دليلا
والجاعلين بيوتهم وقبورهم
بيض نمين خديجة وبتولا
شدت عروقك من كرائم هاشم
رعت الحسين وجعفرا وعقيلا
وحنت عليك من الجدود ذؤابة
يملأن عرضا في الحجاز وطولا
هذي قبور بني أبيك ودورهم
في المشرقين طفالة وفضولا
ما كان حج الشافعين إليهم
فيعاودون طلولها تقبيلا
حب الألى سكنوا الديار يشفهم
من حقها بالعدل كان رسولا
يا ابن النبي، وللملوك رسالة،
من شعبك التمجيد والتأهيلا
قسما بمن أولاك أفضل نعمة
من لهفة القلب المشوق غليلا
إني شفيت بمجد قربك ساعة
ليست تبارح ربعك المأهولا
وأبيت شأن ذويك إلا منة
بهما يعز الفاضل المفضولا
فوسمتني عزا وكيد حواسد
أني أجازي بالجميل جميلا
ولسوف تعرف بعدها ياسيدي
في السياسة قال:
أتعلم أم أنت لا تعلم ……. … بان جراح الضحايا فمُ
فم ليس كالمدعي قولةً ……. … وليس كآخر يسترحم
يصيح على المدقعين الجياع … اريقوا دماءكم تُطعموا
ويهتف بالنفر المهطعين ……. ….. أهينوا لئامكم تُكرموا
أتعلم أن جراح الشهيد …. … تظل عن الثأر تستفهم
أتعلم أن جراح الشهيد …….. من الجوع تهظم ما تًلهم
تمص دماً ثم تبغي دماً ……. ….. وتبقى تلح وتستطعم
فقل للمقيم على ذلة ……. هجيناً يسخّرُ أو يُلجم
تقحّمْ . لُعِنت، أزيزَ الرصاص.. وجرب من الحظ ما يُقسم
وخضها كما خاضها الأسبقون ……. وثّنِّ بما افتتح الأقدم
فإما إلى حيث تبدو الحياة ….. لعينيك مكرُمة تُغنَم
وإما إلى جدث لم يكن ………. ليفضله بيتُك المظلم
ويقول أيضاً:
أي دبدبي تدبدبي أنا علي المغربي
أي طراطرا تطرطري تقدمي تأخري
تشيعي ، تسنني ، تهودي ، تنصري
تكردي ،تعربي ،تهاتري بالعنصرِ
تعممي تبرنطي ،تعقلي تسدري
كوني – إذا رمت العلا – من قُبُلٍ أو دُبُرِ
صالحة كصالح عامرة كالعمري
وأنت إن لم تجدي أبا حميد الأثر
ومفخرا من الجدود طيب المنحدر
ولم تر في النفس ما يغنيك أن تفتخري
شأن عصام قد كفته النفس شر مفخر
طوفي على الأعراب من بادٍ ومن محتضر
والتمسي منهم جدودا جددا وزوري
تزيدي تزبدي تعنـزي تشمري
وعن بغداد قال:
لا درّ درّك من ربوع ديار
قرْبُ المزار بها كُبعْد مزار
يهفو الدّوار برأس من يشتاقها
ويصابُ وهو يخافها بدوار
لكأن طَيفكِ إذ يطوف بجنةٍ
غّناء يمسخها بسوح قفار
لا درّ درّكِ عرية غطى بها
من لعنة التاريخ شرُّ دثار
واستامها فلك النحوس وشوّهت
مما يدوّرُ دورة ُ الأقمار
عشرون قرناً وهي تسحب فوقها
بدم ٍ ذيول مواكب الأحرار
لم يْرو ِ فيها (الراقدين) على النهي
وعلى النبوغ غليل حقد وار
هوت الحضارة فوقها عربية ً
وتفردت (آشورُ) بالآثار
ومشت لوادي(عبقر ٍ) فتكفَّلت
بعذاب كل مدوّخ ٍ قهار
بابن المقفع ِ وابن قدوس
وبا لحلاّج والموحى له بشَّار
وبمالئ الدنيا وشاغل أهلها
وبأيما فلك لها دوّار
بأبي(مُحَسَّدَ ) وهي تقطع صلبه
لم يدري عارٌ مثل هذا العار
ديست رؤوس الخيريين وعُطّرت
أقدام فجّار ِ بها أشرار
وتُنوهبت مِزقاً لكل مُخنثٍ
أوصال فحل ٍ خالق هدّار
لا كنت من حجر ٍ(تبغدد) حوله
عّبادُ أصنام ٍ به أحجار
وفي الرثاء قال في قصيدة ( ناجيت قبرك ):
في ذِمَّةِ اللهِ ما ألقَى وما أَجِــدُ
أهذهِ صَخرةٌ أم هذهِ كَبِـــدُ
قدْ يقتلُ الحُزنُ مَنْ أحبابهُ بَعُـدوا
عنه فكيفَ بمنْ أحبابُهُ فُقِــدوا
تَجري على رَسْلِها الدنيا ويَتْبَعُها
رأْيٌ بتعليـلِ مَجْراهـا ومُعْتَقَـدُ
أَعْيَا الفلاسفةَ الأحرارَ جَهْلُهمُ
ماذا يُخَبِّـي لهم في دَفَّتَيْـهِ غَـدُ
طالَ التَّمَحُّلُ واعتاصتْ حُلولُهمُ
ولا تَزالُ على ما كانتِ العُقَـدُ
ليتَ الحياةَ وليتَ الموتَ مَرْحَمَـة ٌ
فلا الشبابُ ابنُ عشرينٍ ولا لَبدُ
ولا الفتاةُ بريعانِ الصِّبا قُصِفَـتْ
ولا العجوزُ على الكَـفَّيْنِ تَعْتَمِـدُ
وليتَ أنَّ النسورَ اسْتُنْزِفَتْ نَصَفَاً
أعمارُهُنَّ ولم يُخْصَصْ بها أحـدُ
حُيِّيتِ (أمَّ فُـرَاتٍ) إنَّ والـدةًً
بمثلِ ما انجبتْ تُـكْنى بما تَـلِـدُ
تحيَّةً لم أجِدْ من بـثِّ لاعِجِهَـا
بُدَّاً, وإنْ قامَ سَـدّاً بيننا اللَّحـدُ
بالرُوحِ رُدَّي عليها إنّها صِلَـةٌ
بينَ المحِبينَ ماذا ينفعُ الجَـســدُ
عَزَّتْ دموعيَ لو لمْ تبعثي شَجناً
رَجعتُ منهُ لحرَّ الدمعِ أَبْـتَــرِدُ
خلعتُ ثوبَ اصطبارٍ كانَ يستُرُنـي
وبانَ كَذِبُ ادَّعائي أنني جَلِـدُ
بَكَيْتُ حتى بكا مَنْ ليسَ يعرفُني
ونُحْتُ حتىَّ حكاني طائرٌ غَــرِدُ
كما تَفجَّر عيناً ثـرةًً حَجَـــرُ
قاسٍ تفجَّرَ دمعاً قلبيَ الصَّلِــدُ
إنَّا إلى اللهِ! قولٌ يَستريحُ بــهِ
ويَستوي فيهِ مَن دانوا ومَن جَحَدُوا
وفي الهجاء قال في هجاء الرئيس الأمريكي بوش الأب:
بم انتهى؟ وعلى من راح ينتصر
غول تصبغ منه الناب والظفر
بم انتهى؟ أبأن راحت تطارده
وسوف تدركه ، الأشباح والصور
تمدد الشوط من عمرى ليبصرنى
ما ينكر السمع، لو لم يشهد البصر
تزعم النصر غول لم يجىء خطرا
على البرية غول مثله خطر
الى يمينا بانجيل يشرعه
ألا يبقى على شىء ولا يذر
ولم يبق على شعب ، وينتصر
ولم يصابر على فرد ويندحر
نصر على من .. على بيت وربته
وصبية وعجوز هده الكبر
على الزروع؟ فلا ماء ولا شجر
على الضروع؟ فلا بس ولا ذرر
على الرضيع؟ فلا ثدى يلوذ به
ويوم أيعاد بوش يوم يحتضر
على القرى آمنات؟ أنس وحشتها
ما يسقط النور أو ما يطلع القمر؟
على الحضارة؟ ما انفكت تصب فيها
شتى الحضارات تستبقى وتختمر؟
يا مدع النصر زورا عن هزيمته
لايبدل الليل أن يستصنع القمر
بشرى العروبة !! ما فى الرافدين جنى
يقى الجياع، فلا أنثى ولا ذكر
وهذه قصيدة (الدم يتكلم)، وهي من اروع كتاباته، يقول فيها:
قبل أن تبكي النبوغ المضاعا
سُبَّ من جرَّ هذه الأوضاعا
سُبَّ من شاء أن تموت وامثالك
هّماً وأن تروحوا ضَياعا
سُبَّ من شاء أن تعيش فلولُ
حيث اهلُ البلاد تقضي جياعا
دواني إن بين جنبي قلبا
يشتكي طول دهره أوجاعا
ليت أني مع السوائم في الأرض
شرودٌ يرعى القتاد آنتجاعا
لا ترى عيني الديار وتسمعُ
أذني ما لا تُطيق آستماعا
بعد(عشر) مشت بطاءً ثقالا
مثلما عاكست رياح شراعا
عرفتنا الآلامَ لوناً فلوناً
وأرتنا المماتَ ساعا فساعا
اختبرنا إنا أسأنا آختباراً
وآقتنعنا إنا أسأنا آقتناعا
وندمنا فهل نكفرُ عَّما
قد جنينا آجتراحة ً وآبتداعا
لو سألنا تلك الدماءَ لقالت
وهي تغلي حماسة ً واندفاعا
والليالي كلحاءَ لا نجمَ فيها
وتمرُّ الأيام سُوداً سِراعا
ليتكمْ طرتمُ شعاعاً جزاءً
عن نُفوس أطرتموها شعاعا
بلاماني جذابة ً قدتُموها
للمنّيات فانجذبن آنصياعا
وآدعيتم مستقبلا لو رأته
هكذا لم تُضع عليه صُواعا
ألهذا هَرقْتُموني وأضحى
ألف عرض وألف مُلك مُشاعا
أفوحدي كنتُ الشجاعة َ فيكم
أوَلا تمِلكون بعدُ شُجاعا
كلٌّ هذا المتاع َ بخسا ليأبى
الله أن تفصدوا عليه ذراعا
قلْ لمن سِلتُ قانيا تحت رجليهِ
وأقطعته القُرى والضّياعا
وأفضل ما قاله الجواهري في الرثاء هي عينيته الخالدة بحق الإمام الحسين رضي الله عنه:
فداء لمثــــواك من مضـــجـــع تنــور بالأبـلــــج الاروع
بأعبق من نفحات الجــنان روحـــا ومن مسكها أضوع
ورعيا ليومك يوم الطفوف وســقيا لأرضك من مصـرع
مع ملاحظة أنه لم يسمى شاعر العرب الاكبر لكبر سنه بل لفخامة شعره.
قرائح شعرية في مديح الأسد:
قلة من الشعراء المشاهير مدحوا حافظ الأسد، كان أبرزهم على الإطلاق الشاعرالعراقي محمد مهدي الجواهري صاحب البيتَين اللذين يحفظهما كل سوري عن ظهر قلب بسبب التكرار اليومي لهما في التلفزيون السوري طوال عقدَين من الزمن، وهما:
"سلاماً أيها الأسدُ/ سلمت وتسلمُ البلدُ
وتسلمُ أمَّةٌ فَخَرت/ بأنك خيرُ من تلدُ.
وفي المقابل تفنن مئات الشعراء من المغمورين في تأليه الأسد الأب وعبادته، ويُشبهون بذلك تماماً زملاءهم في العراق الذين مدحوا صدام حسين، وقد أحصى منهم ساهر فاضل الهاشمي أكثر من 400 شاعر وأديب وكاتب عراقي مدحوا الرئيس العراقي الراحل.
في المقابل، كتب بعض هؤلاء دواوينَ كاملةً عن حافظ الأسد كديوان "سقط جدار النوم" للراحل حمد كامل الصالح، الذي وَقَفه على تأليه الرئيس السوري، فهو الفارس الذي "لم يحلم بهِ في الملاحم الشعراءُ"، وهو كل شيء وغيره لا شيء:
"فساحة المجد لم يخطر بها أحدٌ/ إلاكَ إلاكَ والباقون لا أحدُ
وهو الذي يأمر فيُطاع:
"من أنتَ؟ البلادُ الشعبُ لا أحدٌ/ إلا ولبَّيكَ تدعونا فنأتمرُ".
ولا أحد من السوريين، يستطيع أن ينسى الشاعر الراحل نجم الدين الصالح، العضو الأبدي في مجلس الشعب، الذي كان لا يترك كلمةً تمرُّ في المجلس إلا ويقاطعها لإلقاء قصيدة عصماء في الأسد:
"يا حافظاً للبقايا من أصالتنا/ لولا فعلت لكان العرب ما وُجدوا".
بعد الموت:
وإذا كان هذا الكلام قد قيل وحافظ الأسد حيٌّ يُرزق، فإن ما قيل فيه وهو ميّت لا يقل فداحة، فهو الميِّت الذي يُحيي بشهادة غدير شعبان ملحم:
"يا غائب الجسم عن دنياك يا أسدٌ/ وحاضر الروح نحياها فتُحيينا.
وأما مانع سعيد العتيبة فقد حوَّله إلى وليٍّ يُزار قبره:
"أسد العُرْب عدتَ حياً وهذا/ ليس قبراً بل إن هذا مزارُ".
من جهته جزم رفعت شميس ببيتٍ واحد بأن الله سيمحو ذنوبه كلَّها:
"في جنَّة الخلد يا ابن الشعب والدنا/ وكل ذنب بإذن الله مغتفرُ".
وهذا عبد الرزاق صبح يقول عن يوم وفاته ما يصح قوله عن يوم القيامة:
"تخيَّل الناس أن الدنيا بات بها/ من الحوادث زلزال وطوفانُ
كأنما الموت لم يجرِ على أحدٍ/ يوماً، ولا سمعت بالموت آذانُ".
والشاعر المخلص محمد ديب دكاب سقط قلبه ما بين ركبتَيه لهول الحادثة حتى راح يُتأتئ في شعره:
"سقط الفؤاد لهول ما… ما قد جرى".
أما كوثر شاهين فقد راحت تُطالب الأبجدية بمليار حرف (وليس أقل!) كي تستطيع إيفاء الأسد الراحل حقَّه:
ماذا أقول وهل يُرثى بقافيةٍ/ من ليس يُنصفه شعرٌ ولا نثرُ
يا ليث يعرب ليت الأبجد الهوَّزْ/ مليار حرفٍ عسى يُجدي بها الشعرُ».
ولأن الشاعر اللبناني المعروف جوزيف حرب لا يريد أن يكون رثاؤه كرثاء هؤلاء، قام بتكليف خالد بن الوليد وصلاح الدين الأيّوبي، وهشام بن عبد الملك بالجلوس معاً والتعاون في صنع إكليل يضعونه فوق رأس الأسد:
«أبطال أمَّتك الماضون ما انطفؤوا/ أهدوك إكليلَ شمس عندما أفلوا
ذا خالد ذا صلاح الدين ذا يزن/ وذا هشام وتيك الأعصر الأُوَلُ".
الأسد الابن:
وفي هذه الحومة من الدَّجَل، لا ينسى هؤلاء التبشير بالأسد الابن، فهذا أحمد محمد يُقرِّر باسم الشعب:
«بشار بايعناك بيعةَ حافظ/ وجميعنا أعطى القرار ويبصمُ
فامضِ بنا ما شئت حيث تقودنا ولأنت أعدلُ مَن يسودُ ويحكمُ
وما قاله حديثاً أعضاء مجلس "الشعب" عن أن بشار الأسد يجب أن يحكم العالم، سبقهم إلى قوله أسعد حبيب يوسف حيث جعله إماماً للحاكمين قبل أكثر من عشر سنوات:
«لنا البشارُ حافظنا المفدَّى/ إمامُ الحاكمينَ وليثُ غابِ».
ومكافأة لهم على سرعة تعديلهم للدستور في خمس دقائق من أجل انتخاب الأسد الابن، قال عنهم زكريا خلف:
يا مجلس الشعب الوفيّ بجُلَّق أنت القويّ بحكمة الربَّانِ"
وبرومنسية العاشقين يصف مانع سعيد العتيبة تلك اللحظة التي قال فيها المجلس «نعم» لتوريث الأسد الابن:
"حين قالوا: نعم، تغيَّب حزني/ وتجلَّى أمام عيني انصهارُ
وبعدما صار الابن رئيساً استمرَّ هؤلاء في أهازيجهم ودبكتهم، وها هو خالد عواد السالم يقول:
بشار فينا سراجٌ في توقُّده/ إرادة الخير والنعمى، وننتظرُ
نجل الضياغم في دنيا مرابعنا/ فيك التصدِّي ومنك الأصل ينحدرُ
لكن أغرب من ذلك كلِّه، أتى على لسان الشاعر الراحل محسن محمد الجراح، حيث قام بالتغزُّل (حرفياً) بوجه الرئيس كما يتغزَّل شاعر بوجه المحبوب:
عشقتُ وجهَكَ يا بشارُ فلسفةً والعشقُ كالجمرِ يشكو حرقةَ اللهبِ
وكتب الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري قصيدته المشهورة التي مطلعها (لم يبق عندي مايبتزه الألم)، وعدد الأبيات: 25 بيتا:
لم يبقَ عنديَ ما يبتزّهُ الألمُ
حسبي من الموحشاتِ الهمُّ والهرمُ
لم يبقَ عندي كفاءَ الحادثاتِ أسى
ولا كفاءَ جراحاتٍ تضجُّ دمُ
وحينَ تطغَى على الحرَّان جمرتُهُ
فالصمتُ أفضلُ مايُطوَى عليهِ فمُ
وصابرينَ على البلوى يراودهُمْ
في أن تضمَّهُمُ أوطانُهم حلمُ
تذكَّروا عهدَ بلفورٍ فقلتُ لهمْ
ما تستجِدُّونَهُ عهدِي بهِ القِدَمُ
مِن قَبلِ سِتِّينَ من خَزيانِ مَولِدِهِ
أقمتُ مأتمَ أرضٍ قُدسُها حَرَمُ
لا يَغضَبَنْ سادةٌ تُخشى معرَّتُهُم
بل المعرَّةُ في أنْ يَغضَبَ الخَدَمُ
فلستُ أخلِطُ ما يَجنيهِ مِنْ تُهَمٍ
شعبٌ برئٌ وما يَأتيهِ مُتَّهَمُ
وإنَّما أنا من أوجاعِ مجتمعٍ ٍ
جرحٌ، ومن جَذوَاتٍ عِندَهُ ضَرَمُ
كم تَنقُضُونَ بأعذارٍ مُثَرثَرَةٍ
ما تُبرِمونَ، ولا يعنيكمُ البَرَمُ
شأنَ الذليلِ وقد دِيست كرامَتُهُ
وقلَّما عِندَهُ أن يَكثُرَ الكَلِمُ
دمشقُ يا أمَّةً حَطَّتْ بها أُممُ
مِنها إذا نُكَّسَتْ أعلامُها عَلَمُ
كأنَّما هيَ عنْ أوزارِ جِيرَتِها
كفَّارَةٌ، وعنِ الساعِي بِها نَدَمُ
ياهِمَّةً باسمِها تُسْتَنهِضُ الهِمَمُ
ياقِمَّةً تتهاوَى عِندَها القِمَمُ
دمشقُ، إنَّ وجوهَ الغدرِ سافِرَةً
أَخَفُّ مِنها شُروراً وهيَ تَلتَثِمُ
إنَّ النفاقَ حفيرٌ لا تلُوحُ بهِ
خُطَى المنافقِ إلَّا يومَ يَرتَطِمُ
تَأَلَّبَ الشرُّ مسعوراً بهِ نَهَمٌ
إلى العضاضِ، وإن أودَى بهِ النَّهَمُ
ودَوَّخَ الصمتُ مِهذاراً يُدَاخُ بهِ
ودبَّ في السمعِ مِن سَمَّاعةٍ صَمَمُ
وارتدَّ عنكِ وأحلافٌ لهُ خَدَمٌ
مُغْبَرَّ وجهٍ على خَيشُومِهِ رَغَمُ
وكم تَلَوَّحَ وجهٌ مِثلَهُ قذرٌ
ولَّى بأنظفِ كفٍّ منكِ يُلتَطَمُ
وأنتَ يا أسَدَ الغابِ الَّذي حلَفَتْ
بهِ الرجولةُ أنْ تَستَأسِدَ الأُزَمُ
يا أيُّها الجبلُ الرَّاسَي بهِ أَنَفٌ
منَ الرّضوخِ ومِن أن يَنحنِي شَمَمُ
ثَبِّتْ لها قَدَمَاً تَرهبكَ مَذْئَبَةٌ
ما إِن تُوَطَّى لها في غَابةٍ قَدَمُ
يا حافظَ العهدِ أعطَاهُ مَواثِقَهُ
ما عاشَ أنَّ عُراهُ ليسَ تَنفَصِمُ
أَعطتكَ مَوثِقهَا الدنيا وأُسرَتُها
أنَّ المُفاداةَ جيشٌ ليسَ يَنهزِمُ
وهذه أبيات قالها الجواهري بحق الطاغية حافظ الأسد، يقول فيها:
دِمَشْقُ صَبراً على البَلْوى فَكَمْ صُهِرَتْ
سَبائِكُ الذّهَبِ الغالي فما احْتَرَقا
على المَدى والعُروقُ الطُّهْرُ يَرْفُدُها
نَسْغُ الحياةِ بَديلاً عن دَمٍ هُرِقا
وعندَ أَعْوادِكِ الخَضْراءِ بَهْجَتُها
كالسِّنْدِيانَةِ مهما اسَّاقَطَتْ ورَقا
و(غابُ خَفَّانَ) زَئَّارٌ بهِ (أسَدٌ)
غَضْبانَ يَدْفَعُ عن أَشْبالِهِ حَنِقا
يا (حافِظَ) العَهْدِ، يا طَلاّعَ أَلْوِيَةٍ
تَناهَبَتْ حَلَباتِ العِزِّ مُسْتَبَقا
يا رابِطَ الجَأَشِ، يا ثَبْتاً بِمُسْتَعِرٍ
تَآخَيا في شَبوبٍ مِنه، والتَصَقا
تَزَلْزَلَتْ تَحْتَهُ أرضٌ فما صُعِقا
وازَّخْرَفَتْ حولَهُ دُنيا فما انْزَلَقا
وهذه القصائد وأمثالها في مديح الطغاة تعد من أكبر السقطات التي وقع فيها الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري.
مصادر الترجمة:
١_ الموسوعة التاريخية الحرة.
٢_ موقع الجزيرة نت .
٣_ متنبي العصر : حسن العلوي.
٤_ مواقع إلكترونية أخرى.
وسوم: العدد 1073