مع إرث أديبنا الراحل الأستاذ عمر محمد العبسو ... يرحمه الله

غادر الأخ الأديب عمر محمد العبسو يرحمه الله هذه الحياة الفانية مقبلا على ماعند الله تبارك وتعالى من عفو وفضل ومكانة لعباده الصالحين ولا نزكي على الله أحدا وأمضى أيامَه المباركات وهو يحمل لواء الأدب الإسلامي ، غير عابئ بأي أذى من أي جهة كانت ، وهمُّه وشغلُه الشاغل دعوته إلى قيم عقيدته الإسلامية عن طريق استقراء مايبثه الأدب الإسلامي ، وسير الدعاة الإسلاميين في مختلف أقطار العالم الإسلامي ، آخذا بقيم المواضيع الأدبية المشرقة بأنوار الإسلام ، والغنية بما تتضمنه تلك النصوص الأثيرة لجوانب الحياة المتعددة . والمبنية على ماجاء في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، الدعوة إلى الله تعالى عن طريق الفنون الأدبية في مقال أو قصة أو قصيدة وغيرها فهي دعوة إلى الإسلام ، ونداء إلى مكارم الأخلاق، وتشويق إلى محاسن الأعمال، والبعد عن مساوئ الأقوال والأفعال وحفظ حقوق الناس ، وهذه الدعوة نداء أيضا لتحقيق المودة والتراحم بين الناس، وبفضل الله أولا وتوفيقه ومن خلال النصوص الأدبية تتضاءل العادات السيئة ، وتضمحل أنواع السفاهات والتصرفات المنافية للفطرة ، والدعوة إلى الله هي منهج أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام ووظيفتهم ، وشريعتنا الإسلامية الغراء تدعو إلى نشر فضائل ديننا بأي وسيلة تقرِّب النفوس إلى طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والكلمة الطيبة تتقبلها النفوس ، ولها عند الله الثواب الجزيل ، وقد مدح الله عز وجل أصحابها فقال سبحانه : ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ 33/فصلت . فطوبى للأئمة الدعاة لدين الله ، وطوبى لمَن غزل على منوالهم ، ولعلهم هم ورثة العلم والصلاح والإيثار وحب الخير للناس ، يقول الله تبارك وتعالى : ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ﴾ 73/ الأنبياء . ولعل فقيدنا هو واحد من ورثة هذه الميزة ، فعاش في ظلالها مستأنسا بما كتبه رواد الأدب الإسلامي ، ومنها ماذكره الدكتور عبدالرحمن رأفت الباشا : ( إن موضوع هذا الأدب رحب الآفاق متعدد الجوانب، فهو يشمل الإنسان بعواطفه وأشواقه وآماله وآلامه، وحسناته وسيئاته، ودنياه وآخرته كما يشمل الحياة بكل ما فيها من سعادة وشقاء ومقومات وقيم، وهو يشتمل على الكون بره وبحره وأرضه وسمائه، كما يشتمل على الطبيعة بطيرها السابح وحيوانها السارح وربيعها الجميل، وشتائها العاصف ) . حيث يبقى الأدب الإسلامي بنثره وشعره وسيلة لإحياء القيم العالية ، والمزايا المشهودة في الإرث الحضاري لأمتنا المجيدة . ودعوة صادقة تحملها القلوب المكلومة على ما أصاب الأمة بعد هجرها لكتاب الله تعالى ، ولسُنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم ، فاهتمامات الأدباء الإسلاميين يتجلى في الوقوف على مايكتبون في خدمة دين الله تبارك وتعالى ، وهنا تتجلى اهتمامات فقيدنا الغالي الأديب عمر العبسو يرحمه الله في إبراز هذه الكتابات وما فيها من دعوة إلى الله . وفخر بما كان لهذة الأمة من مجد على صفحات النهضة الحضارية المعاصرة ، وبيان ناصع لعلاج الأحوال المتردية في عالمنا الإسلامي والعالمي . فما يحمله الأدب الإسلامي ، وما يسطره المفكرون الإسلاميون هو بلا ريب لترسيخ عقيدة التوحيد في النفوس ، ولإظهار مزايا الإسلام في إشاعة القيم الأخلاقية ، والمعاملات الإنسانية التي جاءت في كتاب الله وفي سنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فليس في الأدب الإسلامي عبث في القول ، أو انحطاط مبتذل للأهواء الفاسدة . وبالتالي الخروج من دائرة الضياع الملأى باللهو والفساد ونكران سبب خلق الإنسان ، يقول الله تعالى : ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ 115 / المؤمنون . وللشهيد سيد قطب يرحمه الله رؤيته الأثيرة للأدب الإسلامي فيقول : (هو التعبير الناشئ عن امتلاء النفس بالمشاعر الإسلامية ) . فتتلألأ صفحات الأدب الإسلامي وهي تعكس بكل الصدق ماتفيض به قلوب الأدباء الإسلاميين من قيم ومزايا وفضائل ومكارم الأخلاق . والمفكر والأديب الإسلامي محمد قطب يرحمه الله من كتاباته النفيسة عن الأدب الإسلامي قوله : (ليس هو الفن الذي يتحدث عن حقائق العقيدة مبلورة في صورة فلسفية ولا هو مجموعة من الحكم والمواعظ والإرشادات وإنما هو شيء أشمل من ذلك وأوسع… إنه التعبير الجميل عن حقائق الوجود، من زاوية التصور الإسلامي لهذا الوجود . إن الأدب الإسلامي هو الأدب الأصيل حين ينبع  من التصور الإسلامي الصحيح  فيستوعب الحياة كلها. يعبر بصدق وأمانة عن آمال الإنسان لا يعرف العبث، غير معزول عن الحياة والواقع، هو أدب الضمير الحي أدب الوضوح الصادر عن ذات نعمتْ باليقين) .        

ولقد حمل فقيدنا الراحل عمر العبسو   يرحمه الله رسالة كل هذه المعاني، ومجمل هذه الأفكار ، التي هي عصارة أفكار المبدعين من رواد الأدب ، وأودعها في صفحات إرثه الأدبي عندما أتى بسيرة عالم أو كاتب أو شاعر أو شهيد قضى لأنه قال كلمة الحق ، فعرضه الإبداعي في التراجم التي كتبها عن عشرات الأفذاذ من علمائنا وكتابنا وشعرائنا وعن عامة أدبائنا الأخيار ، لتؤكد حرصه يرحمه الله على نشر الدعوة الإسلامية ، وبيان فضائل أولئك الذي وهبوا جهودهم وأعمارهم في سبيل الله سبحانه وتعالى .فهو من جنود نظرية الأدب الإسلامي في مواجهة أعاصير الإسفاف في الأدب ، والمستوردة كبديل للأدب الإسلامي ، ولإرث حضارتنا الإسلامية المجيدة . ولقد انتصرت النظرية الأدبية الإسلامية بفضل الله ، ثم بفضل جهاد الأدب الإسلامي على أيدي رواد عمالقة الوفاء والإخلاص لدينهم وأمتهم ولأدبهم الذي أثبت قدرته الفائقة في الثبات على الأصول القويمة لنجاحه واستعلائه على موجات الغثاء ، والذي يسمى بالأدب والحداثة وهو يفقد برامج التعبير الهادف عن الحياة والكون والقيم الإنسانية . ولقد عاش الفقيدُ شبابه يرحمه الله وهو يحمل همَّ الدعوة ، ويحدو لها بكل ما أوتي من قوة وشجاعة ، ويسعى في كل الآفاق بحثا عن عالم أو كاتب أو شهيد أو شاعر أو ذي عمل أدبي إسلامي ، ليمنح المحور الأدبي الإسلامي من إضافات رائدة لجميع التصنيفات . وفي موقع رابطة أدباء الشام وغيره من المواقع تجد إنجازاته الرائعة في هذا المضمار . فلقد وهبه الله تعالى ميزة البحث التي تترجمها الموهبة إلى قراءة النصوص التي تسهم إسهاما فاعلا في بيان القيم الإسلامية السامية ، ومزايا رجالها الذين أشغلتهم الدعوة إلى الله تعالى . فتقف كلماته بدقة لدى المعاني العالية ، فيقدمها للقارئ صورة ناصعة عن الوجه الإسلامي في مجال الأدب ، وفي رحاب دغدغة المشاعر عند القارئ ، ليحيي في قلبه نبضاتِ الأشواق إلى مجد أمته وإلى مكانتها التاريخية ، وإلى السبل التي تعيد هذه المكانة للعالم الإسلامي اليوم . وتبقى علاقاته المستمرة جيدة مع رواد الأدب الإسلامي من خلال لقاءات أو مشاركات إيجابية ومميزة ، ونجد في كتبه التي أصدرها والأخرى المخطوطة تأكيدا على اهتماماته بالإسهامات التي تغني مسيرة الأدب الإسلامي .بل غادر دنياه وقلمه الفياض بين أنامله يخط به ماتمليه عليه عقيدتُه التي تتجلَّى في كل كتاباته . وكان رحمه الله يؤكد على ترابط الأدب القديم مع الأدب الحديث ، لأن الأدب هنا ينمو ويتجدد ولكن في ظلال الإسلام ، فالأدب في العصور الإسلامية الأولى هو جذور لهذا الأدب الذي وقف صامدا ومنتصرا ومستوعبا لِما جدَّ في هذا العصر ، ودعوى التحديث أو مايسمونه بالمعاصرة والحداثة ومتطلبات العصر الحديث ، وهذه دعوى يكذبها مايحمله أهل هذه الدعاوى من حقد على دين الله ، وعلى الذين يحملون هذا الدين ، وأن دعاواهم أصابها التبار والاضمحلال . وأذكر أنه كان يستشهد بهذين البيتين مذكرا بهما أن الإنسان محاسب على كل أقواله وكتاباته يوم القيامة ، وما يلفظ من قول إلا بين يَدَيْ رقيب وعتيد . فأين المفر !

وَمَا مِنْ كَاتِبٍ إِلاَّ سَيَفْنَى = وَيَبْقَى الدَّهْرَ مَا كَتَبَتْ يَدَاهُ

فَلا تَكْتُبْ بِكَفِّكَ غَيْرَ شَيْءٍ = يَسُرُّكَ فِي الْقِيَامَةِ أَنْ تَرَاهُ

هِيَ الأيَامُ مَزْرَعَةٌ فَحَاذِرْ = فَإنَّ الزَّرْعَ صَاحِبُهُ جَنَاهُ

وهذا من بعض مواقفه المباركة من عقيدته الإسلامية التي سخَّر قلمه للدفاع عنها ، وكتب عن علمائها ومفكرَّيها وشعرائها ، ويشهد على ذلك سِفرِ التراجم المبثوث في المواقع الالكترونية بقلم الأستاذ الأديب عمر محمد العبسو يرحمه الله ثمَّ رحل ونسأل الله تبارك وتعالى أن يسكنه فسيج جناته بعفوه ورحمته .

وسوم: العدد 1102