الشيخ الدكتور عدنان كامل سرميني رحمه الله
عالِمٌ فقدناه
الشيخ الدكتور عدنان كامل سرميني رحمه الله
محمد عطا جذبة
فقدت حلب عالماً من علماء سورية ، كان عالماً عابداً عاملاً .
قضى أيام حياته معلماً و مربياً و واعظاً و داعياً إلى الله ، كان محباً لرسول الله صلى الله عليه و سلم ، و قد رآه في منامه منذ أن كان صغيراً أكثر من مرة ، رحمك الله يا شيخ الوقار و الأدب و الحكمة و العلم .
نشأته و دراسته :
أسرة السرميني من الأسر العلمية بحلب ، توارثت العلم الشرعي ، فوالده الشيخ كامل السرميني - رحمه الله - كان إماماً و خطيباً لجامع البهرمية بحلب طيلة حياته ، كان له الأثر الكبير في مجتمعه ، حتى أنه نجح في انتخابات الإدارة المحلية ، لكنه استقال مباشرة لأنه شعر أن هذا العمل يتعارض مع نهجه ، فالتفرغ للمسجد و زرع العمل الصالح بين الناس هدفه في الحياة .
أرسل الوالد الشيخ ابنه عدنان إلى المدرسة الخسروية بحلب ( أزهر سورية ) ليتلقى العلم الشرعي عن علماء نوَّروا حلب بعلمهم و أرواحهم ، و أشاعوا في قلوب طلابهم في المدرسة الخسروية العلم و التقوى و الإخلاص بالعمل .
أذكر بعض أسماء العلماء المشايخ الذين درَّسوا في المدرسة الخسروية و حين أطوي ذكر بعض الأسماء لا بسبب ما ، فكل العلماء نجوم ؛ الشيخ راغب الطباخ ، الشيخ أسعد العجي ، الشيخ نجيب خياطة ، الشيخ سعيد الإدلبي ، الشيخ نجيب سراج الدين ، الشيخ أحمد الكردي ، الشيخ محمد الحكيم ، الشيخ إبراهيم السلقيني (الجد) - رحمهم الله - .
كان الشيخ عدنان - رحمه الله - يتذكر أساتذته من العلماء و يشعر محدثه بالنشوة حين يذكرهم ، و قد تخرج من المدرسة الخسروية ( الثانوية الشرعية ) سنة 1948 ، و نال أيضاً الشهادة الثانوية العامة ، و انتسب إلى كلية الحقوق في ذات السنة 1948 ، و حين أعلنت وزارة التربية في سورية عن منحة دراسية لدراسة العلوم الإسلامية في مصر سنة 1951 ، فاز الشيخ بهذه البعثة الدراسية ،و استمر في دراسة الحقوق و تخرج من كلية الحقوق بجامعة دمشق سنة 1952 ، تخرج من الأزهر سنة 1954 ، ثم تابع دراسته في الأزهر و حصل على دبلوم في التربية سنة 1955 .
لم يكن الشيخ عدنان - رحمه الله - في مصر طالب علم جامعي فقط بل كان طالب معرفة و دعوة إلى الله ، كان يحضر الندوات الدينية لعلماء الدعوة مثل عبد الحكيم عابدين و فريد عبد الخالق و غيرهما من العلماء رحمهم الله جميعاً .
عمله و نشاطه في حلب :
بدأ التدريس في ثانويات حلب سنة 1955 ، و استمر في التدريس حتى عام 1970 .
تنقل في هذه الفترة في ثانويات حلب للبنين و للبنات كان له الأثر الكبير في الطلاب و الطالبات ، منهجه في الدعوة إلى الله و الإخلاص في العمل و المعرفة الواسعة في أمور الدين و النظرة الأبوية لطلابه و طالباته جعلت القلوب تتجه إليه و تحبه ، في كل مدرسة ينتقل إليها يسعى لإحداث مسجد ، فإذا لم يستطع تأمين غرفة للصلاة صلى في ساحة المدرسة مع طلابه ، كان قلب الشيخ يشع بالنور ، فيسقي أرواح كل من يستمع إليه ، في مراحل عمله مرت عليه محن كان يتخطاها بالصبر ، كان يرتدي في حلب الزي الإسلامي لعلماء و مشايخ بلاد الشام : جبة طويلة و يضع على رأسه عمامة ( طربوش أحمر و ملفوف عليه شاش أبيض ) كان طويلاً مهيباً ذا لحية سوداء كثيفة , و كان صوته هادئاً ناعماًيفيض عذوبة و محبة ، كان دائم الابتسامة يشجع كل من حوله و يثني عليهم ، و يشكرهم على كل عمل يقومون به و لو كان صغيراً ، كان يميل إلى الوسطية في أمور الدين و لا يأخذ بالشدة ، و كانت إجابته على أمور الدين فيها الدقة و السهولة و الفهم الواضح لواقع المسلمين .
لم ينقطع عن العلم الشرعي و القراءة ، كانت تجمعه مع أصدقائه الذين درس معهم في الأزهر سهرة كانوا يقرؤون كتاباً محدداً و يدرسونه ، فإذا انتهوا منه ذهبوا إلى كتاب آخر ، و كان يدير السهرة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله ، و ممن كان يحضرها الشيخ عبد الله علوان رحمه الله و الشيخ محمد علي الصابوني حفظه الله و أطال في عمره .
سار في منهج الدعوة إلى الله على منهج السادة من الصوفيين المعتدلين ، و تعاون مع الشيخ الرباني عبد القادر عيسى - رحمه الله و أسكنه فسيح جنانه - و كان الشيخ عبد القادر قد أخذ الطريقة الشاذلية عن عالِمَين من علماء دمشق رحمهما الله الشيخ سعيد البرهانيو الشيخ محمد الهاشمي التلمساني ، فكان الشيخ عبد القادر صوفياً معتدلاً واعياً و مربياً ، تعاون معه الشيخ عدنان لانتشار منهج جامع العادلية .
انتقال عمل الشيخ إلى السعودية :
ذهب إلى السعودية في عام 1970 ، ليعمل في مدارسها كأستاذٍ مُعارٍ من وزارة التربية السورية إلى وزارة المعارف السعودية ، اختار مدينة جدة للعمل فيها ليكون قريباً من المسجد الحرام ، كان يؤدي العمرة كلما وجد في نفسه نشاطاً و شوقاً إلى رؤية الكعبة ، أحياناً كان يذهب كل أسبوع إلى مكة خلال سكنه في جدة ، عمل سنة في مدارس الثغر بجدة ، ثم انتقل إلى مدرسة الفلاح و ظل بها مدرساً ثلاثين عاماً من 1971 إلى 2001 م ؛ خلال هذه الفترة من السنوات كان يسعى لأداء مناسك الحج في كل سنة ، و كان يردد أن أداء الحج مكسب كبير قد لا أستطيع أن أحصل عليه في عام قادم .
منهج الشيخ في عمله :
الشجرة الطيبة كلما تقادم عليها الزمن زادها الإله جمالاً و نماءً و رفعةً و أغصاناً و ظلاً ، هكذا شأن الشيخ عدنان - رحمه الله - منذ أن بدأ يتدثر بالعلم الشرعي و يرفع راية لا إله إلا اللهفي المدرسة الخسروية بحلب عندما كان طالباً ، كان لا يترك القراءة ، يبحث عن المعرفة ، كانت معرفته بأمور دينه و دنياه تفوق كثيراً ممن يحملون الشهادات الجامعية العالية ، لكنه أراد أن يعلم طلابه و مريديه و محبيه أن نهر العلم لا يتوقف فنال درجة الماجستير من الأزهر سنة 1978 ، ثم سعى إلى درجة الدكتوراه فنالها في أصول الفقه سنة 1988 ، و هو ليس بحاجة إلى لقب علمي , فلفْظُ الشيخِ لقبٌ يرتاح به ،و هو يسعى في عمله ليكون عبداً شاكراً لمولاه .
خلال عمله في مدرسة الفلاح كان يجد الاحترام و التقدير من أصحاب المدرسة ( آل زينل ) و كانت إدارة المدرسة توقر الشيخ و تسمع نصائحه ، و كان أساتذة المدرسة ينظرون إلى الشيخ نظرة الأب المربي ، أجيال الطلاب تجد في دروس الشيخ كل فائدة و تبادل شيخها الحب و الشكر .
شعر بحاجة الطلاب إلى قراءة القرآن و حفظه ، فسعى مع إدارة المدرسة إلى تحسين وضع المسجد ليكون جاهزاً لإقامة حلقاتٍ لحفظ القرآن ، و استعان الشيخ عدنان - رحمه الله - بعددٍ من أساتذة المدرسة ليساعدوه في الإشراف على حلقات القرآن .
و انهالت التبرعات على هذا المشروع الخيري لتشجيع الطلاب على حفظ القرآن و منحهم المكافآت و الجوائز .
استمر برنامج تحفيظ القرآن في مدرسة الفلاح بإشراف الشيخ عدنان أكثر من عشرين سنة ، و أثمر المشروع على حفظ القرآن من أجيال متلاحقة .
و في الصيف يقام في المدرسة نشاط صيفي لحفظ القرآن ، و يشارك في هذا النشاط طلابٌ من أنحاء جدة ، تزداد حلقات حفظ القرآن في المدرسة و يزداد عدد المشرفين على الحلقات ، و تنهال على النشاط الصيفي هبات المحسنين لتشجيع حفظة القرآن .
و ممن شارك في نشاط حفظ القرآن عندما كان طالباً في مدرسة الفلاح الدكتور الشيخ القارئ#عبد_الله_بصفر ، و قد أحب الشيخ عدنان حباً ملك عليه قلبه .
عمل خطيباً ليوم الجمعة في مسجد الفتيحي في جدة لأكثر من 20 سنة ، كانت خُطَبُهُ دروساً عمليَّةً لفهم الإسلام ، و يقصد المسجدَ للفائدة كثيرٌ من المصلين ، و بعد الصلاة يجلس كثير من المصلين لفهم أمور دينهم من خلال أسئلة توجه للشيخ و يقوم هو بالإجابة عنها ، و كان ينبه المصلين بعد صلاة الجمعة بألا ينسوا جلسة التفقه بالدين .
كان بيت الشيخ قريباُ من مسجد الفتيحي ، و كان يصلي في المسجد ، و في صلاة الفجر كان لديه جلسة مع المصلين لتفسير القرآن ، و إذا ختم تفسير القرآن رجع مرة أخرى لتفسيره منذ البداية .
عمل الشيخ في الدعوة إلى الله و العمل الصالح لا ينقطع طيلة يومه ، فهو في نشاط دائم ، يسعى إلى هداية أحبته و توجيههم إلىحلاوة نبع الإسلام و الالتزام بالإسلام منهجاً و سلوكاً .
كانت سهراته مع طالبي المعرفة بالإسلام و محبة رسول الله كثيرة ، فكانت له سهرة كل أسبوعين مع محبيه من بلدته حلب يحدثهم على الصفاء الروحي و تهذيب النفس و الحرص على صلاة التهجد في ساعات الليل .
ترك الشيخ عدنان - رحمه الله - العمل في مدرسة الفلاح بجدة و انتقل إلى المدينة المنورة مجاوراً فيها ، و بعد سنواتٍ من مجاورته لرسول الله صلى الله عليه و سلم اختار أن يعود إلى بلده حلب و يقيم فيها إقامة دائمة .
العودة إلى حلب :
عاد الشيخ عدنان - رحمه الله - و سكن في منزل قريب من مسجد عبد الله بن عباس ، و كان بيته مزاراً لأسرته و أهله و أحبته و طلابه ، و كان يعطر زائريه من روحه و قلبه .
لكن أماني الشيخ و آمال محبيه انقطعت ، فقد أصيب الشيخ رحمه الله بمرض أبعده عن مجالسة محبيه ، حتى جاء أجله و استرد المولى أمانته .
و صعدت روح الشيخ إلى باريها ,و قد قضى سنوات عمره حاملاً رايات العمل للإسلام , و آخذاً بأيدي الباحثين عن ربهم إلى شاطئ الإيمان .
رحمك الله يا شيخ عدنان رحمة واسعة ، و أسكنك فسيح جنانه ، إنا لله و إنا إليه راجعون .
و عوّض الله المسلمين عنه و عن أمثاله بعلماء عاملين يقومون بأعمال ترضي ربهم و تحيي سنة رسولهم.