المشير عبد الغني الجمسي
بطل حرب رمضان
المشير عبد الغني الجمسي
محمد فاروق الإمام
محمد عبد الغني الجمسي ثاني رئيس أركان للجيش المصري في حرب 6 تشرين الأول/أكتوبر 1973م (بعد إقالة سعد الدين الشاذلي)، وآخر وزير حربية.
ولد محمد عبد الغني الجمسي عام 1921م لأسرة ريفية تتكون من خمسة أشقاء وكانت أسرته ميسورة الحال في محافظة المنوفية. التحق بالكلية العسكرية وهو ابن 17 عاما وتخرج منها عام 1939م في سلاح المدرعات، ومع اشتعال الحرب العالمية الثانية ألقت به الأقدار في صحراء مصر الغربية؛ حيث دارت أعنف معارك المدرعات بين قوات الحلفاء بقيادة مونتجمري والمحور بقيادة رومل، وكانت تجربة مهمة ودرساً مفيداً استوعبه الجمسي واختزنه لأكثر من ثلاثين عاما حين أتيح له الاستفادة منه في حرب رمضان.
بدأ المشير عبد الغني الجمسي حياته بزواجه من رفيقته السيدة ( وفاء عبد الغنى ) والتي رحلت في 20 تشرين الثاني عام 1979م بعد صراع طويل مع مرض الفشل الكلوي, وقد أنجبت له (مدحت وماجدة ومها) وتأتي أهميتهم في حياة بطلنا حيث أهدى لهم كتابه عن (حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973م)، وقد حدث أن التزم المشير عبد الغني الجمسي كثيراً من الصمت بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول وحتى فترة طويلة بعدها، وتحدث عن الحرب - بالخطأ والصواب - كل من شاهد ولم يُشاهِد، كل من عاصر ولم يُعاصر، حتى اختلطت الأقاويل وكادت أن تتشوه الأحداث، فكان توجيه الصحفي الكبير الأستاذ (حلمي سلام) رسالة على صفحات مجلة (آخر ساعة) للمشير الجمسي بعنوان: "رسالة إلى المشير الجمسي - السكوت ليس دائما من ذهب".
وقد كانت للمشير الجمسي نظرة تحليلية متفحصة للأمور، خاصة في التعامل مع الإسرائيليين سواء في فترة الحرب أو فترة ما بعد الحرب، فدائماً ما كان يرى الجمسي أن العرب ينظرون للإسرائيليين نظرة قاصرة غير دقيقة، وأنهم كانوا دوما مستعدين للحرب معنا، بينما نحن العرب لم نكن على درجة الاستعداد المطلوب.
"عبد الناصر كان مش عايز يحارب إسرائيل، عبد الناصر كان عايز يكتسب مظاهر دعائية إيجابية عن طريق استخدام القوات المسلحة كقوة" (محمد فوزي)- رئيس هيئة الأركان العامة للجيش المصري -
وكان المشير محمد عبد الغني الجمسي يقول: بدأت أحداث 67 بمعلومات غير صحيحة عن حشد للقوات الإسرائيلية على الحدود السورية للاعتداء عليها، ترتب عليها مظاهرة عسكرية في مصر تحول إلى حرب حقيقية لم تكن مصر والدول العربية جاهزة لخوضها بينما كانت إسرائيل على استعداد لها.
"للخروج بالدروس المستفادة من حرب حزيران/يونيو 1976م، لابد من إلقاء نظرة عليها لأننا - نحن العرب - مازلنا نعيش بعض أثارها القائمة، فقواتنا المسلحة اشتركت في حرب 1967 وحرب 1973م ضد نفس العدو، واختلفت النتيجة اختلافاً واضحاً بين الهزيمة والنصر.. وأغلب الرجال الذين اشتركوا في حرب حزيران/يونيو هم الذين اشتركوا في حرب أكتوبر/تشرين الأول بفاصل زمني حوالي ست سنوات، ولا يمكن أن يقال أن جيلاً حل محل جيل. وأن الموقف الاستراتيجي العسكري في تشرين الأول/أكتوبر 1973م كان أصعب منه في حرب 1967م، وبرغم ذلك فقد عبرت قواتنا الهزيمة وحققت النصر في ظروف سياسية وعسكرية أعقد مما كانت في حزيران/يونيو 1967م ".
"إذا كانت الحروب التي دارت بين إسرائيل والعرب تجذب الناس بأحداثها ونتائجها المباشرة، إلا إنني أشعر دائما أننا - نحن العرب - لا نتعمق في دراسة جذور الصراع العربي الإسرائيلي لمعرفة ما قامت به الصهيونية العالمية والدول الكبرى من تخطيط حتى أقامت دولة إسرائيل".
والدليل على هذا مقولة بن جوريون منشئ الدولة - الإسرائيلية: "دولة إسرائيل هي مجرد مرحلة على طريق الحركة الصهيونية الكبرى التي تسعى إلى تحقيق ذاتها، بحيث لا تشكل هذه الدولة هدفاً في حد ذاته بل وسيلة إلى غاية نهائية، وحدود إسرائيل تكون حيث يقف جنودها".
وتأكيداً على كلام الجمسي يقول نهى الدين نوفل نائب رئيس قسم العمليات في الجيش المصري: "شاهد الأردنيون 180 طائرة إسرائيلية تحلق متجهة إلى الحدود المصرية صباح يوم 5 تموز 1967م فأرسلوا ببرقية تحذير إلى المصريين، وصلت إليهم مشفرة، وكان نصها (عنب عنب)، عدا أن الشفرة قد تم تغيريها قبل يوم واحد فقط، واستغرق فك الشفرة وقتا طويلا أدى لانعدام جدوتها، حيث كانت القوات الإسرائيلية قد هاجمت بالفعل، وكان قد تم تدمير كل أغلبية الطائرات المصرية" وقد كان عدد الدبابات المصرية في سيناء يقدر بثلاثة أضعاف عدد الدبابات الإسرائيلية، ولكنها في غياب الغطاء الجوي أصبحت عاجزة تماماً.
مضى على الصراع العربي الإسرائيلي ثلاثون عاما 1948 -1978م دار خلالها أربعة حروب، هي حرب فلسطين 1948موحرب العدوان الثلاثي 1956م على مصر وحرب حزيران/يونيو 1967م ثم حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973م، وهي حروب عاصرها الجمسي واشترك فيها عدا الأولى. وللحق فقد كان المشير عبد الغني الجمسي من أذكى وأقوى القادة الذين حاربوا إسرائيل على الإطلاق، وحتى في مباحثات السلام -الكيلو 101- كان من أشرس القادة الذين جلسوا مع الإسرائيليين على مائدة المفاوضات، ولا يمكن أن ننسى بحال خروجه على الجنرال "ياريف" رئيس الوفد الإسرائيلي دون إلقاء التحية أو المصافحة. وبكل تجاهل جلس مترئساً الوفد المصري مفاوضاً.
لقد خاضت قواتنا المسلحة حرب حزيران/يونيو وحرب تشرين الأول/أكتوبر ضد نفس العدو، واختلفت النتيجة اختلافاً واضحاً بين الهزيمة والنصر وأغلب الرجال الذين اشتركوا في حرب حزيران/يونيو هم أنفسهم الذين اشتركوا في حرب تشرين الأول/أكتوبر بفاصل زمني حوالي ست سنوات، وفضلا عن ذلك فإن الموقف العسكري الاستراتيجي في تشرين الأول/أكتوبر كان أصعب من الموقف في حرب حزيران/يونيو وبرعم ذلك عبرت قواتنا الهزيمة وحققت النصر العسكري في ظروف سياسية أعقد مما كانت في حزيران/يونيو". ومن الملفت للنظر أن إسرائيل انتصرت في حرب حزيران/يونيو من حدود اعتبرتـُها غير آمنة وانتصرنا عليها -نحن العرب- في حرب أكتوبر من حدود اعتبرَتـَها آمنة".
ويقول الرئيس المصري محمد أنور السادات: لم يكن يخامرني شك في أن هذه القوات كانت من ضحايا نكسة 1967م ولم تكن أبداً من أسبابها.
وكم كانت ملابسات حرب 1967م سيئة على المصرين.. فمن المواقف التي حدثت أن أجبر الروس المصريين على التزام الحدود وعدم المبادرة بالهجوم - حتى وإن تلقوا الضربة الأولى، وعليه فقد وقف قائد القوات الجوية المصرية معترضا: "الضربة الأولى ستكون كاسحة لقواتنا" فرد المشير (عبد الحكيم عامر): طب يا (صدقي) تحب تاخد الضربة الأولى وتحارب إسرائيل، ولا متخدش الضربة الأولى وتحارب أمريكا.
تلقى المشير عدداً من الدورات التدريبية العسكرية في كثير من دول العالم، ثم عمل ضابطا بالمخابرات الحربية، فمدرساً بمدرسة المخابرات. كان يدرس التاريخ العسكري لإسرائيل الذي كان يضم كل ما يتعلق بها عسكريا من التسليح إلى الإستراتيجية إلى المواجهة كان قائد القوات المصرية في حرب العاشر من رمضان. اختاره السادات قائدا للمفاوضات مع الإسرائيليين بعد الحرب. بعد الحرب
مباشرة رُقي الفريق الجمسي إلى رتبة الفريق أول مع توليه منصب وزير الحربية عام 1974م وقائد عام للجبهات العربية الثلاث عام 1975م.
رحل المشير الجمسي في صمت بعد معاناة مع المرض، وصعدت روحه إلى ربه في 7 حزيران عام 2003م عن عمر يناهز 82 عاماً، عاش خلالها حياة حافلة بالعطاء.