حسن دوح الذي عرفته
أ.د/
جابر قميحةحسن دوح(أكتوبر1921 ـ أكتوبر2001) رجل مؤمن عاش مناضلا مجاهدا : فقد خاض معارك مشهورة في منطقة قناة السويس ضد الانجليز ، ومعارك ضد اليهود في فلسطين ، وداعية مسلما ، وخطيبا لا يشق له غبار ، وأديبا له إبداعات قصصية وأدبية .
ولأترك ذلك لشهادات التاريخ ؛ لأقدم للقارئ صورة حسن دوح كما رأيته ، وتعرفت عليه ، وعايشته .
**********
في بداية الخمسينيات اشتهر حسن دوح رحمه الله بأنه زعيم الجامعة، غير مُدافَع. وكنا قبل التحاقنا بالجامعة نسمع عنه ونحن طلابٌ في المرحلة الثانوية، بأنه أخطب الخطباء في زمنه، وأقدر زعيم في الطلاب على القيادة والتأثير.
وحينما التحقت بالجامعة عرفت حسن دوح، وازدادت معرفتي به حينما صار جارًا لي بين سكني وسكنه أمتار، فكنا نتزاور على المستوى الأسْري، وكنا نتحاور في كثير من المسائل، وأنا أكتب هذه الكلمات في حجرة مكتبي في الثامن والعشرين من شهر مارس 2008م. وأنظر إلى مكتبتي ، واملأ عينيَّ من المجلدات السبعة لتفسير " الفخر الرازي " الذي أهداه لي، وأنا أزوره في بيته، وكان التفسير طبعة قديمة، وقال لي بالحرف الواحد: يا أخ جابر الحقيقة أن نظري ضعف، ولم يعد في العمر بقية تتسع لأقرأ هذا التفسير الضخم، وأنا ورثته عن الوالد رحمه الله، وأقدمه لك هدية، فإذا ما فتحته فادعُ لي، وادع لوالدي بالرحمة والمغفرة.
وكنا نلتقي كثيرًا في مكتبه بفندق الأمان، وهو فندق اشترك في ملكيته وإدارته مجموعة من الإخوة على رأسهم الأخ حسن، وحرصوا جدًّا على أن يعلق على الفندق لافتة ظاهرة هي (فندق بلا خمور). وهي لافتة مهمة جدًّا؛ لأن الفنادق الفاخرة في القاهرة كانت تعرض الخمور بلا حرج.
وكان ـ رحمه الله ـ يقوم بمهمة إنسانية طيبة في مكتبه , وهي ـ لكثرة معارفه ـ يعمل على تزويج شباب أبناء الإخوان بفتيات صالحات يعرف صلاح بيوتهن، وقد رأيت حالات متعددة من توسطه في هذا المجال، وكانت ناجحة والحمد لله.
وأعود لأول لقاء بيني وبين حسن دوح : كان ذلك في الجامعة في يوم احتفال الإخوان والجامعة بذكرى شهداء القناة : ، ووقف حسن دوح يلقي خطبته.... كانت تتدفق إيمانا وحماسة وروحًا وقوة، وكانت نبراته تتسلل إلى النفس فيشد السامعين شدًا، كان ذلك أمام قبة الجامعة، وكان الذي يحمله وهو يخطب الأخ: محمود أبو شلوع ـ رحمه الله ـ لأنه كان ذا طاقة بدنية هائلة.
وبعد أن انتهى من خطبته أمام آلاف الإخوان وآلاف الطلاب فوجئنا بـ "نواب صفوي" زعيم جماعة "فدائيان إسلام" , وهو اصطلاح فارسي معناه بالعربية "جماعة الإسلام الفدائية"، ووقف "نواب صفوي" يخطب بلغة عربية أحسن ما فيها حرارة الإيمان، واللهجة كانت لهجة فارسية، وأذكر مما قاله: إني نذرت للإسلام روحي، وكل ذرات دمي، وكل ما أملكه في هذه الدنيا، بل وأهلي جميعًا.
وأثناء ذلك ـ وكنت أنا أقف في بداية الكردون (صفين من الإخوة يصنعان طريقًا إلى القبة) ـ دخلت سيارة جيب مكشوفة في اندفاع مذهل , وعليها قرابة اثنى عشر شابا، وفي أيديهم الكرابيج السودانية، وكان قائدهم أحد الضباط المنتسبين للثورة عرفنا بعد ذلك أن اسمه كامل يعقوب ... اندفعت السيارة ووقفت وانعطفت ناحية اليسار، ناحية مبنى كلية الحقوق، وكان نواب صفوي يخطب ساعتها، وأخذ من في السيارة يهتفون "كفى كلامًا يا إخوان، كفى اتجارًا بالأديان" . ورفعوا أصواتهم والإخوان ينبهونهم إلى ضرورة التزام الصمت؛ لأن الخطيب ضيفٌ إيراني مسلم يتحدث . وقال لهم الأخ "فتحي البوز" أحد قيادات الطلاب الإخوان في كلية الحقوق: "نرجوكم التزموا الصمت الآن، وبعدها اشتمونا كما تشاءون".
ولكنهم لم يستجيبوا له، وازدادوا صخبًا . اقتربت من السيارة، حتى أصبح بيني وبينها قرابة خمسة أمتار، وفجأة سمعت طلقًا ناريًّا يخرج من السيارة، ومرت طلقة المسدس بجوار وجه الأخ طاهر الدريني الطالب بكلية دار العلوم، وفجأة رأيت السيارة تحترق , ويعلو منها اللهب، وهرب من فيها، ويعلم الله أنني لا أعرف ولم أر من الذي أطلق الرصاصة، ومن الذي أشعل النار في السيارة، إلا أن الإخوان هجموا على ركابها، وأوسعوهم ضربًا , حتى إن قائدهم غرق وجهه في الدم، وأصبحت حلته كقشر ثمرة الموز، فلما ازداد الضرب عليه قال بصوت مخنوق "أنا في عرض الإخوان"، فامتنع الإخوان عنه ، وحُمل إلى داخل كلية الحقوق لإسعافه، أما بقية من كانوا معه فلم يعد لهم أثر.
وقف حسن دوح يهدئ من ثائرة الإخوان , وأخذ يهتف : "عفوًا عفوا أيها المعتدون، عفوًا عفوا أيها الآثمون، تسعون إلينا للعدوان علينا ؟!!! لقد كان من المفروض أن تشاركونا في إحياء ذكرى الشهداء، وإكرام الضيف" . ثم أمر الإخوان بالتزام الهدوء وعدم التعرض لمن يعثرون عليه من الطلاب الذين كانوا مع كامل يعقوب، ولولا كلمة حسن دوح لحدثت مذبحة مريعة .
هذا موقف عرفت فيه حسن دوح وقدرته الخطابية، وقدرت تأثيره . ومعروف أن حسن دوح كان قائد معسكر الفدائيين في الجامعة . ومن شهداء القناة من طلاب الإخوان : عادل غانم ـ عمر شاهين ـ أحمد المنيسي ـ سيد شراقي .
**********
وهناك موقف خالد يحسب لحسن دوح شهدته بعينيّ. وخلاصته:
حرص جمال عبد الناصر على أن يعمل على إشعال الفتنة بين الإخوان عن طريق عبد الرحمن السندي ـ غفر الله له ـ، وكان الإمام حسن الهضيبي هو مرشد الإخوان خلفًا للإمام الشهيد حسن البنا، وكان قوي العزيمة صريحًا لا ينثني ولا يذل لأحد، وكان عبد الناصر يحرص على أن يجذبه إلى رجال الثورة فرفض، بل قال نحن الأصل، وكان يطلق على الثورة " الانقلاب " , وعلى رجال الثورة "رجال الانقلاب" ، وما سماها ثورة أبدًا. فسعى عبد الناصر ورجاله بكل جهودهم إلى محاولة إزاحة الإمام الهضيبي واختيار مرشد ينصاع لهم، فأثر في بعض أعضاء الجمعية التأسيسية منهم: البهي الخولي، والطبيب طلبة زايد , وطبعًا شد إليه عبد الرحمن السندي، وحاولت مجموعته أن تحمل الأستاذ الهضيبي على الاستقالة، واقتحموا منزله في الروضة فرفض، فاحتلوا المركز العام . علم الإخوان بهذه المكيدة، فهبوا جموعًا غفيرة لإخراج هؤلاء بالقوة، فلما علم السندي ورجاله بذلك غادروا المركز العام، واقتحمته جموع الإخوان , ومن أظهر من فيهم حسن دوح، رأيته يقف علي منصة المركز العام بالحلمية الجديدة، وهو يخطب بصوت هادر "والله ما عبدنا الله إلا حبًا في الله، وما عبدت عيسى ولا موسى ولا هارون، وما اتبعنا محمد بن عبد الله؛ لأنه ابن عبد الله ولكن لأنه رسول الله، وما اتبعناك يا حسن الهضيبي إلا بناءً على بيعة سليمة رشيدة، فسر بنا أخي حسن، والله لو خضت بنا البحار لخضناها معك، والله لو قطعت بنا الأرض لقطعناها معك، والله لو تقلبت على الشوك لتقلبنا عليه معك، سر يا مرشدنا الحبيب، والله معك" .
وأخذ حسن يهتف ونحن نردد وراءه في بكاء وحماسة، وقوة "الله معنا، عزت أواصرنا، طابت عناصرنا، الله ناصرنا ، لا عبد يخزينا".
وانتصر الحق، وزهق الباطل، وثبت حسن الهضيبي في موقعه وفي قلوب الإخوان جميعًا، ونفت الدعوة خبثها، بل ظهرت أقوى مما كانت: قوة في الصف، وقوة في العقيدة، وثباتا في المواقف دون تردد أو مذلة، أو هوان.
**********
وحسن دوح مجاهد تعرفه مناطق فلسطين، وتعرفه مدن القناة، ومعسكرات الإنجليز، فكان جنديًّا بارعًا، وقائدًا همامًا، وقد فصل هذا الجهاد في بعض مذكراته وكتبه عن الجهاد في فلسطين، والجهاد في القنال، منها: جهاد الشباب المسلم في فلسطين والقناة . وشهداء على الطريق . و 25 عاما في جماعة مرورا بالغابة . ولا ننسى أنه كان قائد معسكرات التدريب في الجامعة. وما زلنا نذكر له عبارة بليغة المضمون والأداء , متوهجة الإيمان والصدق والحماسة . وهي " إننا لا نستعين على الجهاد في سبيل الله والوطن بعرق الأفخاذ " وجاءت هذه العبارة ردا حاسما على ما عرضته بعض البارات والمراقص بشارع الهرم من مبالغ مالية كبيرة بزعم المساهمة في إعداد فدائيي الجامعة لقتال الإنجليز .
**********
وكان أسلوب الأخ حسن دوح في كتاباته أسلوبا علميًّا أدبيا متدفقًا، في سهولة وعذوبة، ومن كتبه بعض القصص مثل قصة أبو دومة، ومن أشهر كتبه: 25 سنة في جماعة مرورًا بالغابة. ومن زيارتي الأسرية لحسن دوح رأيت أنه يميل إلى نظم الشعر: المعاني طيبة، والأفكار ناضجة، والوجدان صادق، ولكن ينقصه الاستقامة العروضية، عرض عليّ بعض القصائد فصارحته برأيي , ولكنه ابتسم وقال: يا أخي اقبلها، واعتبرني ولو "ربع شاعر".
وهو في حياته الأسرية كان سعيدًا جدًّا بزوجته " الحاجة علية "، وهي سعيدة به، وبارك الله في بناته إيمان، ومريم، ومنال ، ولبنى . أما الذكر الوحيد وهو محمد فقد تعثر في دراسته، وكان حسن يحمل همًا ثقيلاً في الإشفاق على ابنه الوحيد هذا، ويقول يخاطبني في آسى: ابني الوحيد يا أخ جابر، ابني الوحيد، طالب غير موفق، والبنات موفقات؟! فأقول له: سبحان الله , إنها مشيئة الله، يا أستاذنا العظيم . ثم ابتسم وأقول : إن التوفيق مية في المية سيفتح عليك عين الحسود. وذات مرة قلت له "يا أستاذ حسن ابنك اليوم لا يرضيك في دراسته؛ لأنكم تحملون كل مسئولياته عنه ، طعامًا، وشرابًا، وملبسًا، وراحة، و...و ...
ولكني بيني وبين نفسي اعتقد ـ إلى درجة قريبة من اليقين ـ أنه سيأتي يوم سيكتب الله فيه التوفيق الطيب لابنك محمد ".
وقد كان وأصبح محمد حاليًّا من رجالات مصر المصدرين والمستوردين وأصحاب الشركات، وتذكرت قوله تعالى (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) (الكهف: 82).
**********
أما الحادث الأسري الذي حمَّـل الأخ حسن همًا صاعقا فهو موت زوجته الحبيبة الحاجة علية، وأصبح طيفها يملك عليه كل كيانه، مع أنه تزوج بعدها ثلاث مرات. ولا أنسى أنه جاءني ذات يوم في منزلي، ومعه كشكول مخطوط , وقال لي وفي عينيه انكسار: "يا أخ جابر أنا أتيتك بنفسي لتقرأ هذا الديوان، وقد جعلت أغلبه في زوجتي الحاجة علية، فأرجو أن تكون رفيقًا به، واعتبرْني يا أخي نصف شاعر، أو ربع شاعر..." قالها بأسى شديد، فقلت له: اترك الكشكول عندي , وسيأتيك ردي خلال أسبوع، قال : أنا مطمئن أنه سيكون ردا طيبا، بمشيئة الله .
وفي الحقيقة لم أجد فيه من الشعر إلا صدق المضامين وحرارة الوجدان، واحترت ماذا أقول له: استعجلني وقال: يا أخ جابر ، هل انتهيت من قراءة الديوان ؟، قلت له " سأحضر إليك بنفسي في منزلك لأخبرك برأيي فيه "، وصارحته برأيي , بعد أن حاولت أن أصحح بعض ما نظم، وأقيم كسوره، فاكتشفت أنني سأحدث بما كتب تغييرًا شاملاً قد ينسيه هو أصل ما كتب. وقلت له " يا أستاذ حسن كأنما أراد الله أن تكون صاحب عبقريتين: عبقرية الخطابة , وعبقريةالكتابة ، أما الشعر فاتركه للضعاف من أمثالنا " ، فكرر جملته المأثورة " يا أخي ، ألا يعتبر ما نظمته في حجم ما ينظمه نصف شاعر أو ربع شاعر ؟" قلت له " أنا قلت رأيي بصراحة , ولا يعيبك أبدًا ألا تكون شاعرًا، ولا ينقص من قدرك هذا، فحسن دوح الكاتب والخطيب لا يشق له غبار، وهذا يكفيك. "
ومع ذلك بدافع الحب لزوجته فوجئت بالديوان بعد شهر, وقد طبعه في دار الاعتصام كما هو، واتصل بي تليفونيًا وسألني ما رأيك؟ فأجبت: حاجة جميلة جدًّا يظهر أن الديوان المخطوط ليس في تأثير الديوان المطبوع، فمعذرة إذ ظلمتك. (وما قلت هذا إلا مجاراة له واعترافا بالواقع بعد طبع الديوان ) .
ويعلم الله أنني لم أكن صادقا في إجابتي الأخيرة , لأن الصدق ـ في هذه الحال ـ لا فائدة من ورائه . وأدعو الله أن يكون قد أدخل على نفس الرجل الطيب السعادة والاطمئنان، إذ شعر بأنه يؤدي شيئا طيبًا لزوجته عرفانًا بجميلها، ووفاءً لها.
اعتقل حسن دوح عدة مرات، ويقال: إنه عذب تعذيبًا لم ينزل ببشر، ولكنه تحمل ذلك صبرًا واحتسابًا.
إن ما يمكن أن يقال عن حسن دوح كثيرٌ وكثير، لا يتسع له المقام، وآمل أن يأتي اليوم الذي أتمكن فيه من أن أكتب دراسة وافية عنه مجاهدًا، وأديبًا. يرحمه الله . وفي السطور الآتية نعرض على القارئ بعض أعماله الجهادية :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
معركة التبة 86- 23 /12/1948م
كانت هذه المعركة من أهم المعارك التي خاضها الإخوان في حرب فلسطين؛ حيث جاءت عقب قرار حل الجماعة في ديسمبر عام 1948م، واعتقال الحكومة قيادات الإخوان وزعمائهم ، وعلى رأسهم المجاهد الشيخ محمد فرغلي قائد قوات الإخوان المسلمين في فلسطين ، وكان قد عاد إلى القاهرة لحشد المزيد من متطوعي الإخوان لدعم جبهة الجيش المصري الذي مُني بهزائم متتالية.. بعد الهدنة التي كانت وبالاً على الجيوش العربية بينما استغلها اليهود في دعم خطوطهم وتقوية صفوفهم.
تقع التبة 86 على بعد 2 كيلومتر شرقي طريق الأسفلت الرئيسي بين غزة ورفح وتتحكم في ملتقى الطرق والمدقات الفرعية المفضية إلى الطريق الرئيسى وترتفع إلى ما يقرب من 27 مترًا.
وفوجئ الجيش المصري بهجوم اليهود على التبة مساء يوم 22 ديسمبر مدعومًا بقصف عنيف استطاعوا على أثره اقتحام التبة والسيطرة عليها، وأتموا احتلالها مع فجر 23 ديسمبر، وكان نجاحهم في احتلال هذا الموقع يعني عزل حامية غزة ، وتمثيل مأساة الفالوجا مرة أخرى.
وحاول الجيش استرداد التبة في نفس اليوم فبدأت في السادسة صباحًا يوم 23/12/48 معركة تولى قيادتها في البداية اللواء محمد نجيب ( وسرعان ما أُصيب) ، فتقدمت سريتان من الكتيبة الثالثة مشاة تعاونهما الدبابات ، ثم تقدمت السرية الرابعة من الكتيبة
السابعة مشاة لتطويق التبة من الشمال، واستمر تراشق النيران حتى الساعة العاشرة دون جدوى.
اتصل الأميرالاي محمود رأفت قائد القوات المصرية بقطاع دير البلح بالمجاهد كامل الشريف قائد معسكر الإخوان بالبريج، وطلب منه التوجه إلى قيادة القطاع فورًا ومعه ما يمكن حشده من مقاتلي الإخوان (كانت قوة الإخوان بالبريج عبارة عن 4 فصائل؛ حيث كانت القوات الرئيسية للإخوان تعمل في قطاع القدس- صور باهر تحت قيادة المجاهد محمود عبده).
ومع أنمجاهدي الإخوان ا كان يخيم عليهم الحزن بسبب حل جماعتهم وإحساسهم بالغدر والخيانة من جانب الحكومة المصرية، ضربوا أروع الأمثلة في إعلاء مصلحة الوطن فوق أي اعتبار، وسطَّروا للتاريخ أن فلسطين هي قضيتهم الأولى، وأن دماءهم فداءٌ لها، وأن غايتهم هي إرضاء رب العالمين وليس الوصول إلى جاهٍ أو سلطان أو تحقيق مكاسب سياسية، وخصوصًا بعد أن جاءهم خطاب عاجل من المرشد العام الإمام الشهيد حسن النبا جاء فيه: "أيها الإخوان لا يهمكم ما يجري في مصر فإنَّ مهمتكم هي مقاتلة اليهود وما دام في فلسطين يهودي واحد فإن مهمتكم لم تنتهِ".
وتقدم مجاهدو الإخوان وروح الإيمان تملأ قلوبهم، وروحهم المعنوية ترتفع في ثقة في أن نصر الله آت لا محالة.
واستجاب الإخوان للنداء وتمَّ تجهيز قوة قوامها 35 مجاهدًا قادها المجاهد حسن دوح والمجاهد عبد الهادي ناصف، وانطلقت إلى قيادة القطاع ثمَّ إلى موقع المعركة.
ويضيف الأخ فوزي فارس قائلاً: إنه بمجرد أن وصلت قوة الإخوان المسلمين إلى دير البلح تقدم قائدها حسن دوح إلى قائد القطاع العسكري ليتلقى منه الأوامر، بينما أخذ بقية الإخوان المسلمين يتلون على أبناء الجيش ما حفظوه من آيات القتال في كتاب الله ويتذكرون أحاديث الرسول- صلى الله عليه وسلم- في فضل الشهادة في سبيل الله ، ثم أخذ أفراد القوة بعد ذلك سنة من النوم، واستيقظوا مستبشرين بهذا النعاس الذي ذكرهم بقول الله تعالى ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ(11)﴾ (الأنفال).
وفي الثانية بعد الظهر بدأ الإخوان المسلمون في اقتحام التبة، وكان تسليحهم مكونًا من المدافع الرشاشة والقنابل اليدوية بالإضافة إلى مدفعي هاون من عيار 81 ميللي، وانقسموا إلى مجموعتين اتجهت إحداهما بقيادة الأخ حسن دوح لاقتحام خنادق شمال التبة، تقدمها المجموعة الثانية بقيادة الأخ عبد الهادي ناصف لاقتحام خنادق جنوب التبة ، وكان الإخوان المسلمون يسترون تقدمهم بإطلاق قنابل الدخان، وقد نجحت المجموعتان في تحقيق هدفهما حيث تمكَّنت مجموعة الأخ عبد الهادي ناصف من الوصول إلى جنوب التبة واحتلال بعض خنادقها، كما نجحت مجموعة الأخ حسن دوح في احتلال بعض خنادق التبة الشمالية، ولكن بعد استشهاد بعض أفراده.. وكان نجاح الإخوان المسلمين في اقتحام التبة هو الذي مهد لنجاح الهجوم المضاد الرئيسي الذي قام به الجيش.
ثم بدأ الجيش هجومه في الثالثة بعد الظهر بالسرية الثالثة من الكتيبة السابعة مشاة، ونجح الهجوم في اقتحام التبة ، وأخذ العدو في التراجع، وتقدم الإخوان إلى الخنادق وقد ركَّب كل منهم السونكي في بندقيته واستعدوا بالقنابل اليدوية في أيديهم، وبعد أن أسكتوا نيران العدو تمامًا ارتفعت أصواتهم بالتهليل والتكبير.
نتائج المعركة وتكريم المجاهدين :
وبلغ قتلى اليهود في هذه المعركة الذين تركت جثثهم ملقاة على التبة أو في الخور 500 قتيل.
واستشهد من الإخوان في هذه المعركة 5 شهداء:
كما جُرح آخرون من بينهم الأخوان عويس عبد الوهاب وسيد عيد.
- والطريف المحزن أن كثيرًا من الإخوان الذين جُرحوا في المعركة قد تمَّ نقلهم إلى القاهرة للعلاج، ولكن البوليس السياسي أشار بنقلهم من المستشفيات إلى معتقل الطور ليشاركوا إخوانهم المعتقلين هناك!!.
- وبعد هذه المعركة تقدَّم القائد العام اللواء فؤاد صادق إلى الحكومة طالبًا منح نياشين رفيعة المستوى للإخوان، ولكن الحكومة ماطلت، غير أن القائد الشجاع أصرَّ فصدرت النشرة العسكرية في مايو 1949م تحمل أسماء (15) جنديًّا من الإخوان تحت اسم جماعة المتطوعين المصريين.
رحم الله حسن دوح ، وإخوانه الشهداء ، وأنزلهم جنات عدن مع النبيين والصديقين والصالحين والشهداء ، وحسن أولئك رفيقا .