سطور من حياة الداعية الرباني عمر التلمساني (20)
سطور من حياة الداعية الرباني
عمر التلمساني (20)
بدر محمد بدر
التعاون مع الوفد
وبدأ التحضير للمشاركة السياسية في الانتخابات البرلمانية المقبلة, من خلال دراسة الواقع السياسي, وأفضل السبل للمشاركة مع الأحزاب السياسية القائمة, خصوصاً في ظل انتخابات نيابية, تجري لأول مرة منذ يوليو 1952 وفق نظام القوائم النسبية, وليس الانتخابات الفردي كما كان من قبل, وكانت الأحزاب السياسية الموجودة في ذلك الوقت هي: الأحرار (الاشتراكيين) وحزب العمل (الاشتراكي) وحزب التجمع الوحدوي (اليساري), وفي أوائل عام 1984 عاد حزب الوفد الجديد ( العلماني الليبرالي ) إلى الساحة السياسية بحكم القضاء, ونجحت الوساطات في اتفاق الإخوان (بوصفهم قوة جماهيرية مؤثرة) مع حزب الوفد الجديد (بوصفه حزبا سياسيا شرعيا) على خوض الانتخابات البرلمانية على قائمة الوفد, والتي من المقرر إجراؤها في أبريل/ نيسان من العام 1984م.
ويروي الأستاذ عمر التلمساني قصة التعاون بين الإخوان والوفد فيقول ".. سنحت الفرصة لنعلي كلمة الله من فوق منبر أعلى هيئة تشريعية, فماذا نفعل ونحن لا نملك حزباً ندخل عن طريقه ميادين الحركة الانتخابية؟ ولا نستطيع أن نرشح أنفسنا كمستقلين, لأن ذلك ممنوع قانوناً, ونحن نملك قاعدة شعبية كبيرة إن لم يستفد منها الإخوان المسلمون فسوف يستفيد منها غيرهم.. إذن كيف نبدأ؟ أراد الله سبحانه وتعالى أن يذلل لنا هذه العقبة, فبمجرد أن دعي الشعب للانتخابات, زارني الأخ الأستاذ "صلاح أبو إسماعيل" وتحدث معنا في هذا الموضوع, وكان ـ في ذلك الوقت ـ يمثل المعارضة الوفدية في البرلمان (كان الشيخ صلاح يفوز في البرلمان مستقلاً عن دائرة المنصورية بالجيزة, فلما حكم القضاء لصالح حزب الوفد الجديد, انضم إليه الشيخ وأصبح يمثله في المجلس), فوجد عندنا استعداداً للتعاون مع الوفد, والتقيت بالسيد فؤاد سراج الدين (رئيس الحزب) في منزله بحي جاردن سيتي (بالقاهرة) ومعي مجموعة من الإخوان هم الإخوة: المستشار صالح أبو رقيق والمستشار محمد المسماري والأستاذ شمس الدين الشناوي والأستاذ إبراهيم شرف والأستاذ جابر رزق والأستاذ محمد عبد القدوس, ودار حديث ألخصه في الآتي:
1ـ الوفد قناة شرعية والإخوان قاعدة شعبية, فمن الخير أن يتعاونا على مافيه خير هذا الوطن.
2 ـ الوفدي وفدي والإخواني إخواني.
3 ـ نقف مع الوفد كمعارضين, إلا إذا قدمت الحكومة قانونا أو مشروعاً فيه خير للبلد فنحن (الوفد والإخوان) نقره ونؤيده.
4 ـ إذا كان في قدر الله أن تعود جماعة الإخوان (بصورة قانونية), فالموقف واضح لا يحتاج إلى نقاش (أي يعود الإخوان النواب إلى جماعتهم, وهذا يعني أن موضوع عودة الجماعة بصورة قانونية كان مطروحا بقوة).
5 ـ حضور النواب الإخوان جميع اجتماعات الهيئة الوفدية (البرلمانية).
6 ـ أنه تعاون لا تكتيك ولا استراتيجية.
7 ـ الحرص على هذا التعاون, وكما قلت للسيد فؤاد سراج الدين إننا لن نكون سبباً أو بادئيين بإيقاف هذا التعاون.
"وتم الاتفاق بين الإخوان والوفد على خوض الانتخابات متعاونين, حتى في الدوائر التي ليس فيها مرشحون للإخوان, فإن الإخوان سيعطون أصواتهم للوفد.. وجرت الانتخابات وكانت النتيجة ما علم الناس, وحمدنا الله من كل قلوبنا على هذه النتيجة الباهرة, التي هيأتها لنا حكومة الحزب الوطني يجعل الانتخابات عن طريق القوائم النسبية.. ولقد دخلنا المجلس دون حرص على مكانة أو زعامة أو مظهر ولكن لنعلن كلمة الله في مجلس الشعب بعد أن حيل بيننا وبين كل وسائل الإعلام المتاحة لكل مصري".
ويقول الأستاذ عمر: إن الوفد لم يستغل الإخوان ولن يقدر, والإخوان لن يستغلوا الوفد ولا يقدرون, فمن إضاعة الوقت في ما لا فائدة منه أن تتحدث صحف بعينها عن انتهاء شهر العسل بين الإخوان والوفد, ولن يقوم خلاف بين الإخوان والوفد, لأن كلا منهما يعرف حقوقه ويتمسك بها ويعرف واجباته ويؤديها, وحتى لو اختلفنا ـ وأسال الله ألا يكون هناك خلاف ـ فما بيننا من مودة وتقدير كفيل بعدم الإسفاف الذي طهر الله أخلاقنا منه.."
أول تحالف سياسي
هكذا دشن الإخوان المسلمون بقيادة الأستاذ عمر التلمساني أول تحالف (أو تعاون بمعنى أدق) سياسي بين الحركة الإسلامية وبين حزب ليبرالي علماني في العالم العربي, استطاع أن يغير المعادلة السياسية في مصر, كذلك كان التلمساني هو رائد أول مشاركة للإخوان المسلمين في العالم في انتخابات برلمانية في ربع القرن الأخير, وبعدها شارك الإخوان في برلمانات: الأردن والسودان والكويت والجزائر واليمن والمغرب وغيرها.
واستفاد الإخوان في مصر خبرة كبيرة من هذه المشاركة, سواء على مستوى عملية الانتخابات وسلوك الناخبين ولجان الاقتراع والفرز والإجراءات الإدارية والقانونية والدعاية الانتخابية وحث الناخبين على الذهاب إلى صناديق الانتخابات, أو على مستوى المنافسة السياسية بين الأحزاب والتيارات والاحتكاك أكثر بالسلطة التنفيذية وكشف ما يجري خلف الكواليس, وهو ما استفاد منه الإخوان بشكل جيد في انتخابات مجلس الشعب التالية, التي جرت عام 1987م.