المهندس الشهيد الشيخ مروان حديد
رحمه الله تعالى
رائد الجهاد وداعية الاستشهاد للنصف الثاني من القرن العشرين.. بطل لا تدانيه الأبطال.. ورجل ليس كمثله بين الرجال.. قوي الشكيمة، ثابت العزيمة، عميق الإيمان ورابط الجنان.. دعا إلى الإسلام بقوة، وتحدى الكفر والإلحاد ببسالة وفتوة.. كل من خالطه يأنس إليه ويحبه ويعول عليه.. فصيح اللسان وواضح البيان، سريع البديهة، قوي الحجة والبرهان، ملتزم بكتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام
1- فهو مروان بن الحاج خالد حديد، من مواليد مدينة حماة لعام 1934م، من حي البارودية ينتمي إلى أسرة محافظة تعمل في الزراعة.. حباه الله تعالى وإخوته بسطة في الجسم، ووفرة في العقل، وذكاءً متميزاً، وهو الرجل الرابع بين إخوته الخمسة وكلهم متعلم ومثقف، وكانت له نزعة اشتراكية في بداياته مسايرة لإخوته الذين لهم حضور خاص على الساحة السياسية.
2- وفي 12/2/1949 عندما أعلنت وكالات الأنباء العالمية نبأ استشهاد الشيخ حسن البنا مرشد الإخوان المسلمين ولم تخف هذه الوكالات فرحتها وغبطتها باغتياله وقتله كانت هذه اللحظات المنعطف في حياة الشاب مروان حديد حيث تحول كلياً إلى جماعة الإخوان المسلمين وتبدلت أنماط حياته كلها. وأخذ الأمر بقوة، وراح ينهل من معين الدعوة الصافي دون كلل أو ملل، ولحسن طالعه كان موجهه الأول في أسرته الإخوانية الأستاذ المربي والسياسي المحنك الشيخ عدنان سعد الدين رحمه الله لأكثر من عشر سنوات.
وبدأ ظهوره على الساحة الإخوانية في رحاب جامع النوري في مدينة حماة مع ثلة من إخوانه كالشهيد حسن عصفور رحمه الله، والشيخ سعيد حوّى رحمه الله، والأستاذ الشيخ نافع علواني حفظه الله.
في هذه المرحلة من حياة بطلنا الشهيد أقبل على كتاب الله يقرأه بإمعان ويتدارسه مع إخوانه ويتلوه آناء الليل وأطراف النهار، وقد أولع بتفسير الأستاذ الشهيد سيد قطب رحمه الله في ظلال القرآن، حتى كنت تظنّه نسخة عن الأستاذ سيد عندما يحلق بسامعيه ويعيش معهم في ظلال القرآن.
3- نال شهادة الدراسة الثانوية من ثانوية ابن رشد في حماة – الفرع العلمي لعام 1956م، وتوجه إلى مصر ليلتحق بكلية الزراعة – جامعة عين شمس وقد حصل منها على شهادة البكالوريوس في العلوم الزراعية لدورة يناير عام 1964م.
وفي هذه المرحلة من حياته رحمه الله تعالى التحق بحلقة العلامة المجاهد الشيخ محمد الحامد رحمه الله وطيب ثراه بمدرسة جامع السلطان في حماة، فأكسبه ذلك زاداً من المعرفة في الفقه والتفسير والسيرة والسنة واللغة، والمقدرة على اجتذاب الشباب وتوجيههم وتربيتهم على الإسلام من اعتقاد سليم، وخلق قويم، والاعتزاز بالانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، والاستعداد لبذل الغالي والنفيس فداء للدعوة ولدين الله.
عاش الأخ مروان مع هؤلاء الشباب حياة عملية حركية بكل ما تتطلبه التربية من قدوة فاعلة حسنة، يبرهن على ما يدعو إليه بسلوكه قبل كلامه، وبسيرته النبيلة والتزامه، فأثمرت جهوده ثمرات يانعة (فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى).
4- تمر الدعوة في مصر بأحلك أيامها وأشدها قسوة حيث كان الإخوان في غيابات السجون تمزق أوصالهم سياط الجلادين، ويمارس عليهم من صنوف العذاب ما لو صب على الشم الرواسي لجعلها دكاً، تتدفق أشلاؤهم على سفح جبل المقطم بعد أن تفيض أرواحهم إلى الله تعالى دون أن يدري بها بشر، هكذا في سجون أبو زعبل والسجن الحربي والواحات أيام حكم جمال عبد الناصر السوداء.
مضى مروان رحمه الله يبحث عن بقية من الإخوان ممن لم تطله يد الظلمة حتى ظفر بمطلبه.. فكانت له صلات مع الشيخ الشهيد عبد الفتاح إسماعيل رحمه الله وغيره.
وفي هذه الحقبة الزمنية استطاع بطلنا الشهيد مروان حديد أن يكوّن مجموعة من الإخوة المصريين كانت النواة والقاعدة الصلبة التي قام عليها تنظيم الإخوان في عام 1964 تحت إشراف الأستاذ سيد قطب رحمه الله بعد خروجه من السجن وقد بطش بهم عبد الناصر وزبانيته بإيعاز من قوى خارجية فأعلن الحرب عليهم من فوق ضريح لينين في موسكو.
وذهب ضحية هذه المحنة ابتداءً الأستاذ سيد قطب والشيخ عبد الفتاح إسماعيل والأخ أحمد عبد المجيد وغيرهم بالإعدام شنقاً حتى الموت.
وزج ببقية الإخوان في السجون ثانية حتى أفرج عنهم في بداية زمن السادات.
5- عاد الأخ المهندس الشيخ مروان حديد إلى بلدته حماة وهي ترزح مع بقية القطر السوري تحت حكم حزب البعث الطائفي، بانقلاب عسكري كانت القوى الإمبريالية والصهيونية من ورائه.
فنزل الأخ مروان إلى الساحة ومن خلال التقائه بجماهير البلدة في المساجد أحدث حركة شعبية جهادية بعد أن خاطبهم بجرأة منقطعة النظير، وبمعاني روحية عالية طالما غابت عنهم حتى كادت تذهب مع النسيان.. فنقد الظلم والحيف والإباحية والإلحاد الذي اعتمد من قبل النظام الحاكم.. حتى كانت أحداث شهر نيسان من عام 1964م والذي عمدت فيه السلطة الغشوم إلى هدم جامع السلطان بعد أن اشتبكت مع جماهير حماة المؤمنة وسقط نتيجة ذلك سبعة وخمسون شهيداً من أهالي هذه البلدة المنكوبة، وتم اعتقال الأخ مروان مع مجموعة من إخوانه وأحيلوا إلى الزنازين والمعتقلات والعذاب، ثم حكمت المحكمة العسكرية التي عقدت في حمص برئاسة العميد مصطفى طلاس بالإعدام على واحد وعشرين منهم وعلى رأسهم الأخ مروان حديد، وكان لتفاصيل هذه المحاكمة أصداء مدوية من الجدير الإطلاع عليها ونشرها، فقد أعاد إلى الأذهان محاكمة التابعي سعيد بن جبير رضي الله عنه على يد الظالم الطاغية الحجاج ابن يوسف الثقفي.
وأخيراً تم الإفراج عن الجميع بوساطة من الشيخ محمد الحامد رحمه الله بعد جهود مضنية مع السلطة وبقرار خاص من رئيس الدولة آنذاك الفريق محمد أمين الحافظ منفرداً.
6- عاود الأخ مروان نشاطه الدعوي ولم تزده السجون والمعتقلات وأحكام الإعدام إلا التزاماً بدعوته وحماساً وإصراراً على العمل الجهادي الذي نذر حياته بأكملها للسير في دروبه، وزاد من تلاحمه مع الإخوان وخاصة الذين شاركوه أحداث جامع السلطان، وفي هذه المرحلة انتسب إلى جامعة دمشق – كلية الفلسفة ونال منها شهادة الليسانس، وقد تخلل هذه الفترة أكثر من اعتقال في سجون البعث.
7- وفي عام 1967 تم اعتقال الأخ مروان مع نخبة من إخوان سوريا وعلمائها الفضلاء وعلى رأسهم الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله، وقد طوفت سلطات البعث الطائفي بالأخ مروان على عدة سجون منها سجن الحسكة وتدمر وأخيراً زجّوا به في سجن المزة حيث تم الإفراج عن جميع المعتقلين بعد سقوط الجولان بيد اليهود وهزيمة الخامس من حزيران لعام 1967 بقيادة وزير الدفاع يومئذ الفريق حافظ الأسد.
8 – بعد خروجه من السجن ومع تفاعله بالجهاد التحق الأخ مروان حديد مع مجموعة كبيرة من الإخوان بالعمل الفدائي الفلسطيني بقرار من المراقب العام يومئذ الأستاذ عصام العطار، وذلك في معسكرات التدريب والقتال في جبال إربد، حيث التقى رحمه الله بعدد من الإخوان المسلمين الذين التحقوا بهذه المعسكرات من مختلف الأقطار العربية، ومن أشهرهم وعلى رأسهم الأخ الشهيد الدكتور عبدالله عزام رحمه الله، الذي أُعجب بشخصية الأخ مروان الفذة أيما إعجاب، وصار يضرب به المثل لأي أخ يلمس فيه الصدق والتفاني في العمل الجهادي، فيصفه بأنه مرواني النزعة، وكذلك التقى بالأخ المجاهد المدرب العريق عبد العزيز العلي أبي أسامة، وبأمثال الشيخ الشهيد البطل إبراهيم عاشور. وبعدد من صفوة الإخوان في السودان وعلى رأسهم الأخ محمد طالب عمر أبي معاذ وزير التموين والثروة السمكية آنئذ في السودان والذي استشهد لاحقاً في جزيرة آبا.. ومنهم أيضاً الأخ السوداني عبد الرحيم ولد باهي والأخ أبو القاسم الكاشاني.
مارس الأخ مروان في تلك الأيام الجهاد عملياً وشارك إخوانه في عمليات فدائية ناجحة في الأرض المحتلة في الأعوام 1968- 1969، وقد استشهد من الإخوة الحمويين عدد منهم الشهيد مهدي الإدلبي رحمه الله، والأخ الشهيد زهير سعدو رحمه الله، والأخ الشهيد نصر عيسى رحمه الله.
وقد تأهل أكثر من شهد هذه المعسكرات وتلك العمليات لمتابعة العمل الجهادي وقتال من اغتصبوا الحكم في سورية الجريحة والتي حكموها بالحديد والنار وأورثوها الهزائم والذل والشنار، ومن هؤلاء الشباب الشهداء الدكتور عبد الستار الزعيم، والمهندس تميم الشققي، والمهندس عمر جواد وغيرهم عليهم رحمة الله.
9- وفي عام 1973 ومع أحداث الدستور الذي كبّل به حافظ أسد الشعب السوري وحكمه بقانون الطوارئ، وحرّم عليه أبسط الحريات ونزع منه دين الدولة (وهو الإسلام) وقد قاد هذه الأحداث علماء سورية الأفذاذ وعلى رأسهم الشيخ سعيد حوّى رحمه الله.
لوحق الأخ مروان أمنياً واختبأ لسنوات عدة في دمشق يعدّ العدّة من قواعده، ويتصل بالشباب والإخوان، فينظم صفوفهم، ويقوي عزائمهم ليوم فاصل مع هذه الطغمة الطائفية الحاكمة، وفي هذه الفترة الزمنية العصيبة قال الأخ مروان رحمه الله شعراً يتفجر حماسة وحرقة على الإسلام وما آلت إليه حال المسلمين، ويبعث بكلماته وعباراته النارية همم الشباب المسلم ليجاهد ويدافع عن عرضه ودينه ووطنه، وقد جمعت أشعاره في ديوان مطبوع.
10- وفي عام 1975م استطاعت السلطات الأسدية اقتحام منزله في دمشق وتم اعتقاله واعتقال زوجته (التي بقيت عذراء ولم يقترب منها حفاظاً على مستقبلها) واستشهاد أخوين كانا بضيافته وهما مأمون كاخي وأحمد الصفدي.
11- انتقلوا بالبطل المكبل إلى زنازين سجن المزة حيث مارست معه عناصر الأمن القذرة والسجانون المتوحشة كل أصناف العذاب والتنكيل وهو صابر محتسب محارب لينالوا من كبريائه وتعاليه عليهم فلم يظفروا بلحظة ضعف منه واحدة رغم ما صبوه عليه من العذاب صباً، ورغم التجويع الذي غدا بسببه عظماً وجلداً.
كانوا يقدمون له الطعام بعد أن يقف السجان الوقح ليبول فيه أو يخلط بالفضلات البشرية (البراز) أمام ناظريه.
12- ادعت السلطة المجرمة أن مروان قد أضرب عن الطعام، واستدعت أخاه المحامي الأستاذ أحمد حديد ليثنيه عن ذلك، ونقل رحمه الله إلى مستشفى حرستا العسكري حيث بدأت الحياة تدب في أوصاله شيئاً فشيئاً، وراح يستعيد شيئاً من قوته الضائعة.. فعاجله الطبيب المشرف الطائفي بأمر من السلطات العليا بالإجهاز عليه، فحقنه في عنقه ليهبط ضغطه الدموي إلى الصفر ولتفيض روحه الطاهرة إلى بارئها تشكو ظلم الحكم الطائفي الممثل برفاق القردة والشياطين الذين اعتدوا على جنس الإنسان وحقوق الإنسان وحياة الإنسان، بعد اعتدائهم على الحرمات والمقدسات والمساجد والأعراض والإسلام ورب الخلق أجمعين.
13- هذا هو الأخ المهندس البطل الشهيد مروان حديد محرك الجهاد والاستشهاد في قلوب الشباب المؤمن في كل مكان من هذه الأرض الواسعة، حيث تدور معركة فاصلة بين أعداء الله من جهة، وبين المسلمين المضطهدين المغلوبين على أمرهم من جهة أخرى.
أحيا الأخ مروان حديد شعيرة الجهاد وبعثها حية مشتعلة إلى يوم القيامة بعز عزيز وذل ذليل، لا تطفئها المؤامرات ولا المؤتمرات.
"حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله".
قال الشيخ محمد الحامد رحمه الله وطيب ثراه مرة لمروان:
"يا مروان لو رآك الإمام الشهيد حسن البنا لقرت بك عينه".
عليهم جميعاً رحمات الله ورضوانه، وأنزلهم منازل الأبرار مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، والحمد لله رب العالمين.