الفقيه الأديب والداعية المربي علي الطنطاوي
الفقيه الأديب والداعية المربي
علي الطنطاوي
(1327- 1420ه = 1909- 1999م)
أيمن بن أحمد ذو الغنى
عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية
هو: علي بن مصطفى بن أحمد بن علي بن مصطفى الطنطاوي: أديب الفقهاء، وفقيه الأدباء، أحد أمراء البيان، ونوابغ المنشئين في العصر الحديث، صاحب أسلوب مشرق عذب مبين، يجمع بين الفصاحة والسهولة، حتى وصف بالسهل الممتنع. وفقيه متضلِّع وعالم مصلح، ومربٍّ ناصح، ومعلم موهوب. وخطيب مصقع حاضر البديهة قوي الحجة. وحقوقي جهبذ وقاض عادل. ومجاهد مناضل. وداعية ألمعي يقول الحق ولا يخشى في الله لومة لائم ولا نقمة ظالم. وصحفي مرموق. عزيز النفس، موفور الكرامة، متدفق العطاء. كتب الله لعلمه وفقهه وأدبه وفكره الحظوة والقبول.
ولد في حي العُقَيبة بدمشق، وتوفي والدُه وهو في السادسة عشرة من عمره، فنهض بأعباء أسرته، وتولى مسؤولياتها بجدٍّ وحزم، وكان له أثرٌ عميق في توجيه أشقائه والأخذ بأيديهم في دروب المعالي، ولا سيَّما أخيه الأصغر محمد سعيد الذي غدا اليوم أحدَ أعلام المربين والفيزيائيين والدعاة العاملين.
درس في مكتب عنبر، وتخرَّج في كلية الحقوق بالجامعة السورية (جامعة دمشق اليوم) سنة 1933م، وتخرَّج بجِلَّة علماء عصره، وتأثر بالعلامة الشيخ محمد بهجة البَيطار، وبخاله الكاتب الإسلامي الكبير الأستاذ محب الدين الخطيب. شارك في النضال الوطني بمجاهدة الاستعمار الفرنسي، وكان قائدًا جريئًا ومحرِّكًا للجماهير في رفض الظلم والسعي إلى جلاء المحتل عن أرض سوريا.
عمل في ميادين التعليم والكتابة والقضاء؛ فدرَّس في مدارس دمشق وبغداد والبصرة، وفي الكلية الشرعية بدمشق وبيروت، وحاضر في كليتي الشريعة والحقوق بجامعة دمشق. وفي القضاء وصل إلى درجة مستشار في محكمة النقض (التمييز)، وأسهم في وضع قانون الأحوال الشخصية السوري، وقانون الإفتاء، وإنشاء مجلس الإفتاء الأعلى. وعمل في حقل الدعوة الإسلامية فكان علمًا بارزًا من أعلامها، وخطب في مسجد جامعة دمشق.
واشتغل في الصِّحافة محرِّرًا في صحيفة (فتى العرب) لمعروف الأرناؤوط، و(ألف باء) ليوسف العيسى، وتولى إدارة تحرير صحيفة (الأيام) التي يرأس تحريرها عارف النكدي. وكان أصدر عام 1931م أولَ مجلة إسلامية في سوريا وهي مجلة (البعث) التي لم تلبث أن توقفت بعد أعداد قليلة. وشارك في تحرير مجلتي خاله محب الدين الخطيب (الفتح) و(الزهراء). وكان في النخبة من أدباء العربية الكبار الذين نشروا مقالاتهم على صفحات مجلة (الرسالة) التي أخرجها الأستاذ أحمد حسن الزيات، واستمر يكتب فيها زهاء عشرين سنة. كتب المقالة والقصة والمسرحية وكان مجلِّيًا في كل ذلك، ويعد من روَّاد كتَّاب القصة القصيرة في سوريا.
وشارك في تأسيس غيرما جمعية خيرية ودعوية منها جمعية الهداية الإسلامية، وكان صوتًا عاليًا مسموعًا في المؤتمرات الإسلامية الدولية، في نصرة فلسطين والدفاع عن قضايا الأمة العربية والإسلامية.
هاجر إلى السعودية عام 1963م، وعمل هناك في التعليم الجامعي بكلية اللغة العربية وكلية الشريعة في الرياض (جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية اليوم). ثم انتقل للتدريس في كلية الشريعة بمكة المكرمة، وطاب له المقام فيها ثمانية وعشرين عامًا من 1964 إلى 1992م، ثم انتقل إلى جُدَّة حتى وفاته.
وتفرَّغ للعمل الإعلامي، فكان له برنامج إذاعيٌّ يومي بعنوان (مسائل ومشكلات)، وبرنامج تلفازي أسبوعي بعنوان (نور وهداية)، وبرنامج تلفازي رمضاني (على مائدة الإفطار)، وقد حظيت برامجه باستحسان الجمهور وإقبالهم؛ إذ كان محدِّثًا ناجحًا موثِّرًا ذا أسلوب ساحر آسر، يميل في فقهه وفتاويه إلى التيسير المنضبط، واعتماد ما صحَّ من الدليل، دون عصبية مذهبية ولا جمود فكري، والتزام لغة فصيحة سهلة قريبة إلى الأفهام، مع حضور النكتة والمُلَح، والجمع بين الإقناع والإمتاع.
ويعد أحدَ أقدم المذيعين في العالم؛ إذ بدأ يذيع من إذاعة الشرق الأدنى في يافا سنة 1932م، ثم أذاع من إذاعة بغداد سنة 1937م، ومن إذاعة دمشق سنة 1942م واستمرَّ أكثر من عقدين متصلين.
فُجع باغتيال ابنته الداعية الفاضلة بنان الطنطاوي في مدينة آخن بألمانيا في (17/ 3/ 1981م)، زوجة الأستاذ الداعية عصام العطار.
حصل على جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام سنة 1410ه (1990م)، وكان الملك فيصل -رحمه الله تعالى- منحه الجنسية السعودية وجميع بناته.
توفي بمستشفى الملك فهد في جُدَّة، ودفن بمكة المكرمة بعد أن صلِّي عليه في الحرم المكيِّ الشريف. وهو عديلُ أستاذ أساتيذ العربية في الشام العلامة سعيد الأفغاني.
خلَّف تراثًا علميًّا ودعويًّا وإبداعيًّا نافعًا ومتميزًا وغزيرًا، ومن أشهر كتبه:
(الذكريات) في ثمانية أجزاء، و(رجال من التاريخ)، و(تعريف عام بدين الإسلام)، و(دمشق صور من جمالها وعبر من نضالها)، و(صور وخواطر)، و(فِكَر ومباحث)، و(فصول إسلامية)، و(من حديث النفس)، و(في سبيل الإصلاح)، و(مع الناس)، و(قصص من التاريخ)، و(قصص من الحياة)، و(مقالات في كلمات)، و(هتاف المجد)، و(من نفحات الحرم)، و(أبو بكر الصدِّيق)، و(أخبار عمر)، و(بغداد مشاهدات وذكريات)، و(الجامع الأموي).
وأفرد ترجمته حفيدُه الأستاذ مجاهد مأمون ديرانية في كتابه: (علي الطنطاوي أديب الفقهاء وفقيه الأدباء). ولحفيدته الأستاذة عابدة المؤيَّد العظم: (هكذا ربَّانا جدي علي الطنطاوي).
مراجع الترجمة:
(ذيل الأعلام) لأحمد العلاونة 2/ 134، (علي الطنطاوي أديب الفقهاء وفقيه الأدباء) لمجاهد مأمون ديرانية، و(عبقريات وأعلام) لعبد الغني العطري ص281- 293، و(علماء ومفكرون عرفتهم) لمحمد المجذوب 3/ 189- 232، و(موسوعة الأسر الدمشقية) للدكتور محمد شريف الصوَّاف 2/ 574، و(علماء دمشق وأعيانها في القرن الخامس عشر الهجري) للدكتور نزار أباظة ص384- 388، و(معجم الأدباء الإسلاميين المعاصرين) لأحمد الجدع 2/ 891، و(في وداع الأعلام) للدكتور يوسف القرضاوي ص25- 36، و(علماء الشام في القرن العشرين وجهودهم في إيقاظ الأمة والتصدِّي للتيارات الوافدة) لمحمد حامد الناصر ص411- 429، و(الفائزون بجائزة الملك فيصل العالمية في ثلاثين عامًا) ص55.