أمي عائشة أم المؤمنين
حبيب أمه :عبد الله اليوسفي
طالب بمعهد الدراسات الإسلامية
لا أقصد بهذا العنوان أمي التي شربت من لبنها . وإنما هو حديث عن السيدة التي أثبتت للعالم منذ خمسة عشر قرنا أن المرأة تكون أحيانا أعلم من الرجال وأثقفهم . وقد يتعلمون منها أحيانا . وعلمت للناس أن المرأة قد تكون سياسية ومحاربة . فقد سطر التاريخ على أمي " عائشة " أنها كانت شجرة الأبطال . وأنها وضعت بصمتها في إصلاح بين جيشين إسلاميين كادا أن يتطاحنان إلى آخر الدهر.
وأمي هذه لم تتخرج من أية جامعة عسكرية أو سياسية . بل لم يكن في عصرها جامعة . ولكن آثارها تدرس في كليات الآداب . والجامعات المتخصصة في العلوم الإسلامية والعلوم الأخرى . ومازالت أمي عائشة تذكر في مشارق الأرض ومغاربها إلى قيام الساعة . وفتاواها ما زالت تدرس في الكليات لدينية إنها امرأة ملأت الدنيا وشغلت الناس على مر عصورها .
فهي العالمة المحدثة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهي العابدة الزاهدة . واسعة العلم . تعلم العلماء . وتفتي أهل الإفتاء. كانت لسانية بليغة بارعة في البيان والفصاحة . تظاهي الخطباء . وتدهش الفصحاء. ويعجز أمامها الأدباء والشعراء . كانت زعيمة كل المجالات . في المجتمع والدين والسياسة وحتى في الحرب . وكانت أحب الزوجات إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . اختار الإقامة عندها لما داهمه المرض. وتوفي في أحضانها . ودفن في بيتها . وكان ينزل جبريل بالوحي وهو عندها .
أما علمها فقد بلغت فيه الغاية حتى قال أبو موسى الأشعري : " كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . إذا أشكل علينا أمر سألنا عائشة ..." وكانت كريمة النفس كريمة اليد . صبرت على الجوع والفقر . حتى كانت تمر عليها الأيام الطويلة . وما يوقد في بيتها نار خبز أو طبخ. وإنما كانت تعيش هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم على التمر والماء. ولما أقبلت الدنيا على المسلمين . أوتيت مرة بما ئة ألف . وكانت صائمة . فوزعتها على فقراء المدينة . وليس في بيتها شيئ. فقالت لها مولاتها : " أما استطعت أن تشتري بدرهم لحما تفطرين عليه ؟ " قالت لها : " لو ذكرتني لفعلت "
لكن لم يزعجها الفقر . ولم يبطرها الغنى . لأنها لما عظمت الآخرة في نفسها صغرت عليها الدنيا . فما عادت تبالي بتلك التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة.
وأجمل ما أحب أن أقوله في أمي عائشة . أنها كانت النموذج الكامل للمرأة في طبيعتها وفي معاملتها . فكانت خير زوجة . وها قد مر خمسة عشر قرنا من الزمن . ولم تعرف الدنيا مثل أمي عائشة . رضي الله عنها . وأتحدى الشرق والغرب أن يأتوني بامرأة مثل أمي عائشة . لكن أمي عائشة ماتت . ودفنت بجوار زوجها الصادق . الرسول العظيم . محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا. فتقبلي يا أمي تحيات ولدك عبد الله . وكوني راضية عني.