الأمير بهاء الدين قراقوش

الأمير بهاء الدين قراقوش

محمد محمود كالو

[email protected] 

( قراقوش ) لفظ تركي تفسيره بالعربي ( العقاب الطائر المعروف ) كان قراقوش من الكرماء ، وشيوخ الدولة الكبراء ، أمير الأسدية ومقدمها ، وكريمها ومكرمها ، الرجل الذي له في الغزوات والفتوحات مواقف معروفة، ومقامات موصوفة ، وله حقوق على المسلمين ، ووصفه الواصفون بأنه كان حسن المقاصد ، جميل النية ، فتح بلاداً كثيرة ، وغنم أموالاً جزيلة ، الفحل الخصي أحد كبار كتاب أمراء الدولة الصلاحية ، كان شهماً شجاعاً فاتكاً ، عمَّر سور القاهرة، وانتهى إلى المقسم ، وهو المكان الذي اقتسمت فيه الصحابة ما غنموا من الديار المصرية ، وبنى قلعة الجبل ، وكان صلاح الدين سلَّمَه عكا ، ليعمر فيها أماكن كثيرة ، فوقع الحصار وهو بها ، فافتدى نفسه بعشرة آلاف دينار ، وعاد إلى صلاح الدين ففرح به فرحاً شديداً.

وقد لفق الوزير أبو المكارم الأسعد بن مهذب ابن مماتي (1)ـ وكان نصرانياً أسلم هو وجماعته في ابتداء الدولة الصلاحية ـ لفق عن الأمير قراقوش أشياء، واشتطَّ كثيراً ، فقال عنه : إنه لا يميز بين المظلوم والظالم ، ويشتط اشتياط الشيطان ، ويحكم بما لم ينـزل الله به من سلطان .

قال القفطي عن ابن مماتي هذا : كان من أقباط مصر في عصرنا ، وكان جده جوهرياً ، يصبغ البلور صبغة الياقوت فلا يعرفه إلا الخبير بالجواهر ، وهذا يعني أنه كان يدلس ، فلا غرو ولا غرابة أن يمتهن حفيده مهنته في تزييف الحقائق عن بعض الرجال ، ومن يشابه أبه فما ظلم .

قال ابن خلكان : وقد نسب إلى قراقوش أحكام عجيبة ، حتى صنف بعضهم جزءاً لطيفاً ، سماه : كتاب الفاشوش في أحكام قراقوش 

[ وينسب إلى السيوطي خطأ ، وإنما هو لأسعد ابن مماتي ] فذكر أشياء كثيرة جداً ، وأظنها موضوعة عليه ، فإن الملك صلاح الدين كان يعتمد عليه ، فكيف يعتمد على من بهذه المثابة ، والله أعلم .

لقد دلس ابن مماتي في كتابه الفاشوش عن قراقوش خَرَفات لا تصح ولا يقبلها عقل سليم ، ولولا وثوق صلاح الدين بعقله لم يسلم إليه عكا وغيرها، وكانت لقراقوش رغبة في الخير وآثار حسنة .

من هذه الخَرَفَات ما يقوله ابن مماتي :

جاء فلاح إلى قراقوش يشكو لصاً سرق من داره دجاجة ، وقدَّم شاهداً ، وعند استجواب اللص واعترافه ، أعلن قراقوش الحكم التالي :

اللص غرم ديناراً ، وصاحب الدجاجة غرم ديناراً ، والشهد غرم ديناراً أيضاً وعندما سئل عن حيثيات هذا الحكم البهلواني قال معللاً :

حكمت على اللص لأنه معتدٍ على مال غيره ، وعلى صاحب الدجاجة لأنه قصَّرَ في حفظها ، ولما سئل ما ذنب الشاهد يا مولانا ؟!

أجاب قراقوش : لأنه تدخَّلَ فيما لا يعنيه.

إنها قصة أشبه بقصة توفيق الحكيم حين كتب ساخراً عن الإوز ، بيد أن فيها تهكم على الأحكام الشرعية ، تدل على خبث في الطوية.

وللمهذب ابن الخيمي في الأسعد ابن مماتي يهجوه :

وحديث  الإسلام واهي الحديث    باسم الثغر عن ضمير خبيث

لو رأى بعض شـعره سيبويه    زاده  فـي  عـلامة التأنيث

كانت وفاة الأمير بهاء الدين قراقوش ، في مستهل رجب سنة سبع وتسعين وخمسمائة بالقاهرة ، ودفن في تربته المعروفة به بسفح المقطم ، بقرب البئر والحوض اللذيْن أنشأهما على شفير الخندق، رحمه الله تعالى.

              

[1]  ـ الأسعد بن مهذب ابن مماتي : (1149- 1209م) أديب ومؤرخ مصري كان ناظر الدواوين زمن صلاح الدين الأيوبي أشهر آثاره:(قوانين الدواوين) وفيه شرح للنظام الضرائبي بمصر, و( نظم سيرة السلطان صلاح الدين) و(نظم كليلة ودمنة).