أحمد حسين
زعيم وطني مثير للجدل
حسين علي محمد حسنين
كاتب وباحث/ عضو إتحاد كتاب مصر
· صاحب مشروع القرش الشهير الذى بدأ فى عام 1931 وكان يهدف إلى حماية الصناعة الوطنية وعدم الإعتماد على الدول الأوربية .
· أعاد تأسيس جمعية مصر الفتاة فى عام 1929 إبان مشروع القرش ، ويذكر أن جماعة مصر الفتاة ظهرت فى عام 1876 وكانت تعمل جنبا إلى جنب مع الحزب الوطنى الذى كان يرأسه أحمد عرابى ضد وجود الأجانب فى مصر.
· كان شديد التفاعل مع جماهير حزبه وكان يتأثر بالشعور الشعبي العام؛ بل إنه في بعض استجاباته كان يخضع لأراء الجماهير .
· في منتصف عام 1939 دعت مصر الفتاة إلى تحسين مستوى العمال والفلاحين وإلى إنتظام العمال نقابيا، وطالب بتأميم قناة السويس، وإعادة فرض الزكاة على كل مصري.
· فى عام 1948 كان شعاره التقليدي (الله.. الوطن.. الملك) ، ثم تغير إلى (الملك نعظمه، ونلتف حول عرشه) ، ثم استبدل بالشعار التالى (الله.. الشعب).
· إختلف مع رجال ثورة يوليو 1952 ، وأرسل برقية عاجلة إلى كل من محمد نجيب وعبد الناصر قال لهما فيها : " إن مصر ليست ضيعة أو عزبة تتداولونها فيما بينكم" . وعلي الفور تم القبض عليه وتعرض داخل السجن الحربى للتعذيب الوحشي .
القاهرة: حسين حسنين
ولد أحمد حسين في 8 مارس 1911 بحي السيدة زينب بالقاهرة، وتلقى تعليمه الابتدائي بمدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية، ثم انتقل إلى مدرسة الخديوية الثانوية ، وفيها أسس مع صديقه فتحي رضوان جمعية نصر الدين الإسلامى ، لكنها لم تستمر طويلا بسبب رفض إدارة المدرسة لذلك النوع من النشاط . إلتحق بعد ذلك بفريق المسرح والتمثيل، لكنه لم يكن جيدا إلا فى الخطابة . بعد حصوله على الثانوية العامة عام 1928، التحق بكلية الحقوق، وأثناء دراسته ازداد شغفه بالسياسة، وبدأ في ممارستها عمليا، وكان من أبرز مشروعاته مع صديقه فتحي رضوان أيضا تبنى " مشروع القرش " فى عام 1931م وذلك لحث كل مواطن مصري على التبرع بقرش واحد لإنقاذ الاقتصاد المصري الذي كان يعاني آنذاك من آثار انخفاض أسعار القطن في الأسواق العالمية . ويقول أحمد حسين فى هذا الخصوص: " ولما كانت الصناعة تحتاج إلى رءوس أموال، لم أشأ أن تُجمع رءوس الأموال من بضعة أفراد؛ بل رأيت أن ما يحقق غايتها بكمالها أن يساهم الشعب مجتمِعا في إنشاء هذه الصناعات القومية؛ ليظل حريصا على تشجيعها فيما بعد". يذكر أن مشروع القرش جاء في إطار معركة شهيرة عرفت في مصر بمعركة " الطربوش"، حيث كانت مصر تستورد الطرابيش، ولما أصبح محمد علي باشا حاكما على مصر قام بإنشاء مصنع لتصنيع الطرابيش، لكن بعد تحالف الدول الغربية ضد مشروعه النهضوى في مصر عام 1840م توقفت الكثير من المصانع، ومن بينها مصنع الطرابيش، وعادت مصر إلى الاستيراد مرة أخرى. ونظرا لأن الطربوش كان يعبر عن الهوية المصرية الشرقية والإسلامية، في مقابل الهويات التي كانت تطرح نفسها نحو الغرب وترى أن القبعة هي بديل الطربوش كغطاء للرأس؛ وكان من أنصار القبعة الكاتب الشهير سلامة موسى الذي رأى في الطربوش تمسكا بالحكم التركي، وفي المقابل كان أنصار الطربوش يلعنون القبعة ومن يرتديها، فكانت معركة كبيرة امتد جدالها وزخمها إلى الشارع المصري، وفي هذه الفترة ظهر مشروع أحمد حسين " القرش"، الذى كان يعتبر أنه من العار على المصريين أن يستوردوا زيهم القومي من الخارج. وقد رأت حكومة صدقي باشا في المشروع فرصة لها لتحقيق قدر من الشعبية بين المصريين، وتوظيف فكرة المشروع في إطار صراعه السياسي مع حزب الوفد آنذاك؛ ولذا أصدر صدقى باشا أوامره للحكومة بأن تقدم كل التسهيلات للمشروع . وفى هذا الصراع السياسى أعلن زعيم حزب الوفد " مصطفى النحاس باشا " موقفه العدائي والصريح من مشروع القرش متهما إياه بأنه مشروع ضد الوطنية المصرية، وقال فى هذا الصدد : "إن المشروع انحراف بجهود الشباب عن قضية مصر الحقيقية" ، وكان يقصد بذلك قضية الاستقلال. والطريف أنه في تلك الفترة ظهرت " تقاليع" للطرابيش منهاعلى سبيل المثال: إستبدال اللون الأحمر التقليدي للطربوش باللون الأخضر، وهو لون علم مصر آنذاك. وقد شارك آلاف المتطوعين من كافة أنحاء مصر في " مشروع القرش"، كما حظي بدعم كبير من الأحزاب باستثناء الوفد، إضافة إلى الدعم الكامل للحكومة، حتى أن فرق الموسيقى العسكرية كانت تشارك في بعض حملات المشروع، وتقيم له الحفلات الغنائية، كما شارك الشاعر الكبير أحمد شوقي في دعم المشروع بأشعاره . وقد بلغت حصيلة المشروع في العام الأول نحو 17 ألف جنيه، وفي العام التالي نحو 13 ألف جنيه، وهو مبلغ ضخم جدا بمقاييس ذلك الزمن، وكان شعار اللجنة التنفيذية للمشروع " تعاون وتضامن في سبيل الاستقلال الاقتصادي". أسفر مشروع الطربوش عن إنشاء مصنع في العباسية في شارع مصنع الطرابيش بالتعاقد مع شركة هاريتمان الألمانية، وافتتح المصنع في 15 من فبراير 1933. وفي أواخر 1933 بدأ الطربوش المصري يطرح في الأسواق، غير أن بعض الوفديين قاموا بمظاهرات تنادي بسقوط أحمد حسين، وكانت تقول تلك المظاهرات : " يسقط حرامي القرش "، وإتهموه بإختلاس أموال المشروع. وفى النهاية قدم أحمد حسين إستقالته من سكرتارية جمعية القرش، لكنه أعلن عن تأسيس جمعية مصر الفتاة. (وإذا كان اسم مصر الفتاة قد إنتشر فى عام 1929 إبان مشروع القرش ، فإن جماعة مصر الفتاة ظهرت فى عام 1876 وكانت تعمل جنبا إلى جنب مع الحزب الوطنى بزعامة أحمد عرابى الذى أصدر حزبه فى نهاية عام 1879 بيانا إصلاحيا وقام بتوزيع عشرين ألف نسخة منه، وقد إحتوى البيان على برنامج محدد يهدف إلى تخليص مصر من ويلاتها ، وفى الوقت نفسه أصدر "اتحاد الشبيبة المصرية" مشروعاً إصلاحياً موجهاً إلى الخديوى توفيق ، كما نشرت جماعة "مصر الفتاة" كتيباً خاصاً تطالب فيه بحرية الصحافة) .
بالعودة إلى أحمد حسين نجد أنه فى 13أكتوبر1933 تشكلت جمعية مصر الفتاة، وأعلنت رسميا برئاسة أحمد حسين، واتخذت من جريدة الصرخة لسانا لها، وكانت جمعية ذات أهداف وطنية تصل إلى حد التطرف. ومن مبادئها الأتى: (أولا) على كل مصري أن يؤمن بأن مصر فوق الجميع . (ثانيا) الإيمان بالقومية المصرية . (ثالثا) أن تصبح الكلمة المصرية هي العليا وما عداها لغوا . وكان من مطالبها الآتي: 1- لا تتحدث إلا بالعربية. 2- لا تشتر إلا من مصري . 3- لا تلبس إلا ما صنع في مصر أى مقاطعة البضائع الإنجليزية. 4- مقاطعة منتجات ومصانع التبغ التي يديرها الأجانب، ومقاطعة الحانات ودور السكر والخمر. 5- التعصب للقومية المصرية إلى حد الجنون. 6-إلغاء نظام الامتيازات الأجنبية. 7-إدخال الخدمة العسكرية العامة إلى مصر.
وبناء على ما تقدم جذبت جمعية مصر الفتاة الكثير من الشباب المصريين؛ لما تميزت به من حماسة وحب للوطن، ثم أنشأت جماعات شبه عسكرية عرفت بـ " تشكيلات القمصان الخضراء " نظرا لوجود اللون الأخضر فى العلم المصرى . وقد قامت وزارة علي ماهر بدعم ومساندة جماعة مصر الفتاة في الفترة من يناير إلى مايو عام 1936م، وهو ما زاد من قوتها. وفي 31 من ديسمبر 1936 تحولت جمعية مصر الفتاة إلى حزب سياسي، فكان حزبا يتمتع بشعبية وسط الشباب المصري، ويتبنى خطا وطنيا قويا ذا تأثير سلبي على شعبية الوفد بين الشباب؛ لذا اتجه حزب الوفد إلى محاربة مصر الفتاة .
ولما تولي مصطفى النحاس رئاسة الوزراء في مصر عام 1936 عمل على اضطهاد أعضاء مصر الفتاة وتشكيلات القمصان الخضراء. ومن ثم أنشأ حزب الوفد تشكيلات شبه عسكرية عرفت بـ " القمصان الزرقاء "، واصطدم هؤلاء بتشكيلات مصر الفتاة، ونتج عن ذلك قتل شخصين، ومن ثم تعرضت مقرات مصر الفتاة للإغلاق، وتوازى مع ذلك حملة سياسية شنها النحاس باشا في مجلس النواب على مصر الفتاة وقال أنها تعمل لصالح دولة أجنبية، خاصة بعد حادث تعرض النحاس باشا لإطلاق النار عليه . وعليه تم إغلاق دور مصر الفتاة، واعتقال الكثير من أعضائها، وعلى رأسهم أحمد حسين. يذكر فى هذا الخصوص أن شباب مصر الفتاة كانوا يقومون بمسيرات، ويعقدون الاجتماعات، وهو ما عرض أعضاء مصر الفتاة للاصطدام المتكرر بالبوليس، وتعرض بعض أعضائها للاضطهاد. وعندما تولى محمد محمود باشا رئاسة الوزراء مصر في أواخر عام 1937 تم إستصدار مرسوم يمنع إنشاء التشكيلات شبه العسكرية في مصر. وكان من نتائج ما سبق من إضطهاد لأعضاء مصر الفتاة أن حدث تحول ما على أفكار أحمد حسين ، وقد تمثل ذلك فى هجومه على الديمقراطية الغربية نظرا لضغوط الإنجليز على الداخل المصرى ورفضهم الجلاء عن مصر ، ومن ثم إنحاز أحمد حسين إلى الديمقراطية الفاشستية والنازية التي طبقت بكل من إيطاليا وألمانيا، والمثير هنا أن هذا الفكر حاز على إعجاب بعض قيادات حزب مصر الفتاة . وعلى أثر ذلك زار أحمد حسين ألمانيا في عام 1938 ، وإلتقى ببعض القيادات هناك وتأثر ببعض أفكارهم ، وعقب عودته من ألمانيا دعا إلى أن تحل النظم الديكتاتورية محل النظام القائم، وكان يرى أن الديمقراطية الحقيقية هى الموجودة فى ألمانيا وإيطاليا. نتيجة لذلك وُجهت التهم لأحمد حسين بأنه خائن لاتصاله بالألمان، وقد ساهم فى ذلك الإتهام تلك الرسالة التي بعث بها إلى الزعيم الألماني هتلر.
في عام 1938-1939 أيدت جماعة مصر الفتاة الملك فاروق، ونادت الجماعة بإحياء الخلافة في شخص الملك، ولقبت الملك فاروق بـ "أمير المؤمنين"، وطالبت بالأخذ بالشريعة الإسلامية بإعتبارها أساسا للحياة في مصر، وحمّلت الحضارة الغربية مسئولية تفكك نسيج المجتمع المصري، وإضعاف ما تميز به من تكافل، ونادت بأن تتولى القاهرة زعامة الشرق، وأن يصبح الأزهر الناطق باسم الأمم الإسلامية.
وفي منتصف عام 1939 أولت مصر الفتاة اهتماما بالنواحي الاجتماعية، مثل تحسين مستوى العمال والفلاحين ودعا أحمد حسين إلى أن ينتظم العمال نقابيا، ودعا إلى تأميم قناة السويس، وإعادة فرض الزكاة على كل مصري، وتخفيف عبء الضرائب عن الفلاح. لكن في 18 من مارس 1940 تحول حزب مصر الفتاة إلى الحزب الوطني القومي الإسلامي. وقد أشار بعض النقاد والباحثين إلى أن التوجه الإسلامي في حزب مصر الفتاة وفي تسميته الجديدة كان راجعا إلى محاولة قيام أحمد حسين لجذب الشباب وأعضاء جدد إلى حزبه بعد أن إتجه الكثير من الشباب للإنضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين، إضافة إلى بروز قضية فلسطين في تلك تلك الفترة التي لعبت دورا مؤثرا في توجه الحزب نحو المطالبة بالوحدة العربية، والتحرر من النفوذ الأجنبي، وكان التوجه الوطني المصري هو الغالب على فكر الحزب الجديد ، إذ كان أحمد حسين ومؤيدوه يعتبرون مصر كيانا قائما بذاته.
ونظرا لتزايد نشاط أحمد حسين أصدرت وزارة الداخلية أمرا بإعتقاله في مايو1941 إلا أنه تمكن من الهرب، واختفى فترة حتى قبض عليه مرة أخرى. وعندما هبط الألمان على الأراضي المصرية إبان الحرب العالمية الثانية وبدءوا يحرزون انتصارات على الإنجليز في مصر، تمكن أحمد حسين من الهرب مرة ثانية من السجن أثناء علاجه بإحدى المستشفيات، لكن هزيمة الألمان في معركة العلمين الشهيرة أحبطته وجعلته يسلم نفسه، فتم حبسه عامين ، حتى أفرج عنه عام 1946. يذكر أن الهدف من هروبه من السجن هو إستغلال تقدم الألمان نحو مصر لإحداث ثورة شعبية تقود إلى تحرير مصر من الاحتلال الإنجليزي.
في عام 1948 وضع حزب مصر الفتاة برنامجا سياسيا واجتماعيا كشف عن بعض ميوله نحو الاشتراكية وهو التفكير الذى كان سائدا في الحركة الوطنية المصرية قبل نهاية الحرب العالمية الثانية التى كانت تطالب بالتغيير في حدود النظام القائم فقط ، ومما يدل على ذلك أنه أبقى على شعاره التقليدي (الله.. الوطن.. الملك). كان أحمد حسين يعتبر أن حجر الزاوية في الدستور هو الملكية الدستورية ، وقد وضح ذلك فى برنامجه الاجتماعي الذى كان يطالب بتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وتحقيق الاستقلال لمصر، ولم يشر مطلقا إلى الصراع الطبقي. وقد طالب برنامجه بالآتى: 1- تحريم تملك الأجانب أو إستئجارهم للأراضي بجميع أنواعها. 2-تحريم تملك الأجانب للشركات ذات المنفعة العامة. 3-تصفية شركة قناة السويس بوصف القناة مرفقا مصريا عاما. 4- وضع حد أعلى للملكية الزراعية. 5-إلغاء الضرائب المباشرة وغير المباشرة على السلع الأساسية . 6- إجراء إصلاحات في أجور العمال، وتحديد ساعات عملهم بثماني ساعات يوميا.
7-إلغاء كل ما يتعارض من القوانين مع الشريعة الإسلامية، وإبقاء القوانين الوضعية التى لا تتعارض معها مع مراعاة عنصر التطور. وكان الهدف من وضع هذا المطلب هو محاولة إمتصاص جزء من شعبية الإخوان ورصيدها في الشارع. 8-تحديد الملكية الزراعية بخمسين فدانا، وإحلال الإنتاج الجماعي محل الإنتاج الفردي. 9-أن تكون الصناعات الكبرى والمرافق وغيرها مملوكة للدولة. 10-تحرير مصر، واستقلال وادي النيل، وتوحيد الشعوب العربية كلها في دولة واحدة على غرار الولايات المتحدة، وتأليف جيش عربي واحد( محاولة إحياء مشروع إبراهيم باشا).
لكن تبين بعد ذلك أن أن الحزب لم يكن صادقا مع ما أعلنه من "عدم المساس بالملكية الدستورية"، ودليل ذلك الآتى: 1- في البداية كان شعار الحزب (الله.. الوطن.. الملك).
2- ثم تغير إلى (الملك نعظمه، ونلتف حول عرشه) . 3- ثم استبدل الشعار السابق بالشعار التالى(الله.. الشعب) أى تم إسقاط الملك من الشعار واستبدال الشعب بدلا منه ، وفى ذلك دلالة واضحة حول الرغبة في التغيير. 4-أن الحزب غير إسمه من " مصر الفتاة " إلى " الحزب الاشتراكي"، ورأى أحمد حسين أن الاشتراكية من لب الإسلام وصميمه . وبصفة عامة كان أحمد حسين يؤكد دائما على مبدأ الإيمان بالله تعالى، وأن الإسلام دين ودولة، وكان يرفع شعار: "إن الإسلام الذى يحرم الربا فهو يحرم الرأسمالية ، وأن الاستعمار هو ذروة الرأسمالية، وأن الاشتراكية هي ترياق الاستعمار" . وفى حرب فلسطين عام 1948 شكل أحمد حسين وحزبه مجموعات من المتطوعين إشتركت في الحرب غير النظامية على العصابات الصهيونية، وكانت بعض معسكرات أتباع أحمد حسين نشطة في سوريا. وفى أوائل عام 1950 بدأ أحمد حسين وحزبه يشنون هجوما قاسيا على حزب الوفد ورجاله، وذلك بهدف تخليص الجماهير من تراث الوفد الماضي الذي أصابه التكلس؛ وفى 24 من يناير 1952 طالب أحمد حسين بإسقاط حكومة الوفد، ودعا أكثر من مرة إلى تكوين جبهة ثورية، وبذل جهدا كبيرا في التقارب مع التنظيمات الشعبية والثورية الأخرى. وكانت صحيفة احمد حسين ذات الطابع الاشتراكي توزع ما يقرب من 80 إلى 100 ألف نسخة؛ وهو ما يؤكد أن نشاط الحزب اتسع ليمثل قاعدة لا بأس بها على الصعيد السياسى .
لقد كان أحمد حسين يمثل العمود الفقري للحزب، فكان يكتب ويخطب ويواجه الجماهير، ويقابل الساسة . كانت مصر الفتاة ومن بعدها الحزب الاشتراكي تنظيما يقوم على الزعامة الفردية، ومن هنا لم ينجح في بناء مؤسسة سياسية قادرة على النشاط والاستمرار بقوتها الذاتية. لكن النظام الداخلى للحزب كان شموليا وهو ما أعطى الفرصة لأحمد حسين لأن يسيطر على الحزب سيطرة قوية وكاملة . وعليه لم يستطع الحزب أن ينشئ قواعد ثورية له فى أنحاء مصر كما كان يفعل حزب الوفد ، وإرتكز نشاط أحمد حسين والحزب على الإثارة السياسية أكثر من الإعداد المنظم للعمل الثوري. وعلى الرغم من ذلك فإن أحمد حسين كان شديد التفاعل مع جماهير حزبه وكان يتأثر بالشعور الشعبي العام؛ بل إنه في بعض استجاباته كان يخضع لأراء الجماهير. حتى أن الملك فاروق رأى أن التخلص من ذلك التيار يكمن في التخلص من أحمد حسين، وهنا إدراك أحمد حسين هذه النقطة هو ما أربك حساباته .
وفي 24 من يناير 1952 عقد مؤتمرا صحفيا أعلن فيه أنه قرر الانسحاب من الحياة العامة، متوقعا تردي البلاد في الكوارث، وكان ذلك قبل حريق القاهرة بيومين . وبعد الحريق مباشرة وجهت الإتهامات لأحمد حسين بأنه كان يقف هو وحزبه وراء حريق القاهرة الشهير، وقدم إلى المحاكمة، وطالبت الحكومة بإعدامه، وكاد حبل المشنقة أن يلتف حول رقبته ، لكنه وضع بالسجن. وأفرج عن أحمد حسين بعد قيام حركة ضباط الجيش فى 23 يوليو 1952م، وإسقاط النظام الملكي. وعاد أحمد حسين لنشاطه ثانية، لكن رجال الثورة الجدد قاموا بحل الأحزاب، وقد شمل ذلك حزبه في عام 1953 . لكنه إستمر فى نشاطه وعندما ساءت العلاقات بين الرئيس محمد نجيب ورئيس الوزراء جمال عبد الناصر بسبب السيطرة على رئاسة البلاد قبل أزمة مارس الشهيرة فى عام 1954 ، قام أحمد حسين بإرسال برقية عاجلة إلى كل من محمد نجيب وعبد الناصر قال لهما فيها : " إن مصر ليست ضيعة أو عزبة تتداولونها فيما بينكم" . وعلى الفور تم القبض عليه وتعرض داخل السجن للتعذيب الوحشي داخل السجن الحربي. وعندما أفرج عنه انتقل أحمد حسين إلى منفاه الاختياري في سوريا، ثم لبنان، ثم إلى لندن، فالسودان، ولم يكف خلال تلك الفترة وهو فى تلك البلاد عن إرسال البرقيات إلى الرئيس جمال عبد الناصر يطالبه فيها بالديمقراطية، ويحذره من الاستبداد والديكتاتورية. (يذكر أن جمال عبد الناصر كان عضوا سابقا في حزب مصر الفتاة) . وفي عام 1956 طلب أحمد حسين من جمال عبد الناصر العودة إلى مصر مقابل إعتزال العمل السياسي، وإستجاب عبد الناصر لطلبه. ولما وصل مصر عمل بالمحاماة فترة، ثم اعتزلها عام 1960، وتفرغ للكتابة، وأصدر مجموعة من المؤلفات منها: 1- "موسوعة تاريخ مصر" في خمسة أجزاء. 2- إيماني. 3- الأرض الطيبة. 4-في الإيمان والإسلام. 5- راء القضبان. 6- رسالة إلى هتلر. 7-حكومة الوفد. 8-إحترقت القاهرة. 9-الاشتراكية. ثم اتجه بعد ذلك إلى تفسير القرآن لكنه لم يكمله.
وفى 26 سبتمبر 1982 توفى أحمد حسين عن عمر يناهز 71 عاما.